"سينقل الصفويون العراقيون الجدد ضريح الإمام الحسين (عليه السلام)
ورفاته من كربلاء إلى طهران ".
هذه جملة خطيرة صرح بها رجل مثقف في عُمر "الرشد والحكمة" لصالح
فضائية لبنانية، ظهر بلحية بيضاء تشيح عنك فكرة الفصل في هويته وخلفيته
الأيدلوجية: أهو مثقف سلفي أم بعثي.. ولا يكاد ينتهي من جملة منذرة
يتفوه بها إلا وأعقبها بإشارة إلى إضبارة يقول أنها مملوءة بـ(الوثائق
السرية)، يأمل فيها كسبا دعائيا لصالح جهتين يترك لك بينهما الخيار
السهل: بعثية طائفية أو سلفية حنبلية وحشية، وأنت في غمرة الجدل الكبير
الذي احتل وسائل الإعلام عقب تنفيذ حكم الإعدام شنقا حتى الموت بصدام.
ومن خلف طاولة الحوار التي جمعت بين "الراشد الحكيم " ونظير له مختص
بعلم النفس (الشعبي) ؛ تجد شابا في عمر الزهور لا يشذ عن الاتجاه
الجديد لشباب اليوم في عشق اللعب بأدوات (الكمبيوتر ) وفنونها وقد
اجتهد ليتصيد فرصة الرد الحاسم على أقوال وتصريحات "الراشد الحكيم"،
حتى إذا ما حانت الفرصة ؛ أوجع هذا الشاب بجملة عاجلة منه كل وثائق
"الراشد الحكيم" وقوض كدها في الكذب والدجل حين قال: يا رشيد يا حكيم،
أنت الدجال العظيم، اعطني خمس دقائق على مفاتيح (الكمبيوتر) ؛ أصنع لك
وثائق سرية أعظم كذبا ودجلا من وثائقك هذه التي صنعتها أيدي ساذجة
مبتدئة لا تعرف في فنون القص واللصق الفني (الكمبيوتري) إلا الطفولي
منه، ثم جئت بها تتشدق على المشاهدين!.
وقبل أن تنتهي وقائع هذا الحوار ؛ تجد نفسك وقد ميزت مقاصد المحاور
"الرشيد الحكيم" الذي لا تشك لحظة بأن بريق الأموال المسروقة والمهربة
من العراق قد عصفت بذهنه، كما ستكتشف بنفسك للوهلة الأولى وبدون عناء
فكر أن سوقا عظيمة نشأت على شاشات الفضائيات العربية لترويج تلك
المقاصد. حتى يأتيك اليقين فيتراءى لك بأن لقاء حراما عقد في (فرشة)
زواج محرم بين بعثيين طائفيين وسلفيين حنبليين وحشيين ظهرت أولى بشائر
حمله في (راشد حكيم بعثي سلفي) اجتمعت فيه خصال البعث الطائفي وخصال
الحنبلي السلفي الوحشي.
فكيف اجتمع النقيضان الفكريان في وظيفة عملية دعائية ملؤها الكذب
والدجل والنفاق؟
لقد انقسم دعاة البعثية القومية إلى قسمين منذ نالت عزائمهم نظم
الدولة ومواردها وشعوبها: قسم جعل من القومية مذهبا عقائديا نضاليا
رافعا للواء تحرير فلسطين أولا واخبرا حتى توغل في تفاصيل الخلاف مع
القوميين العرب المجردين من فكر حزب البعث – وقسم خلفي آخر جعل من كل
ألوية النضال القومي وسائل دعائية لتثبيت قدم كذب في كل قطر عربي ينتهي
في آخر مساعيه الدعائية إلى إرساء دعائم فكرة حكم العشيرة الواحدة.
وكان صدام حسين أكبر مصداق لهذا النمط من الدعوة البعثية التي أوصل
بها رفاقه ومنتسبي منظماته القطرية والقومية إلى بنية قمعية إرهابية
أودعها أحقادا أموية سعت بكل طاقاتها إلى تجريد القسم القومي من
البعثيين الأوائل وانتزع منهم حقهم الإنساني في الوجود والحياة.
لكن هذه البنية الإرهابية لم يكتب لها النجاة من أثر العزلة المحلية
والعربية والدولية، فتمادت في غيها لفك هذه العزلة محليا أولا بعد أن
ركبت فكرة (حكم الطائفة الواحدة) تجلت في أولى صورها بانقلاب قواعد
المنظمات البعثية العشائرية إلى (هيئات إيمانية) اعتكفت في مساجد
العراق وأحالته إلى جمهورية الطائفة الواحدة، الحنبلية المجردة من
صورها السلفية في بادئ الأمر، والشديدة التمسك بعلاقات قومية مع بعثيي
الأقطار العربية الأخرى في السر والعلن. فطالت اللحى في المنطقة
الغربية من العراق أولا، ثم عزت مساجده.
وبينما كانت فكرة (جمهورية الطائفة الواحدة) تتبلور على
فواعد(الحملة الإيمانية) ذات اللحى الطويلة في مدن العراق ؛كان انقسام
خطير قد حدث في الوسط الدعوي الديني السلفي الحنبلي في البلاد العربية
الأخرى اخرج السلفية الحنبلية إلى قسمين: قسم استمر في الدعوة السلفية
المجردة من لباس السياسة ومغانمها، وفضل الانزواء بمؤسساته الدعوية عن
الإستقطابات الطائفية، ومال إلى مبدأ طاعة الحاكم مادام على مذهب السلف
أو التابعين _ وقسم آخر جعل من السلفية الحنبلية (سلفية وحشية) ولواء
حرب في كل مكان مضاد لكل من لا سلفية وحشية حنبلية له، سواء كان مسلما
أو من أهل الكتاب أو غيرهم، ثم تمادى في تكفير أو تفسيق كل حنبلي سلفي
لا حرب ولا جهاد له فكان القسم الأول من الحنبلية السلفية ضحية من
ضحايا السلفية الحنبلية الوحشية.
انتهى الإنقسامان: البعثي الطائفي والسلفي الوحشي إلى تطرف وإرهاب
غليظ غير مبرر، لا في الشريعة الإسلامية ولا في الشرعة الدولية، حتى
وصلت الأمور إلى اصطفاف العالم كله، شعوبا وحكومات، ضدهما، وظن الظان
بأن لا خيار أمام العالم إلا التوجيه السياسي والأمني المخابراتي
الماكر لكلا التيارين وإيصالهما إلى ساحة حرب تصطك فيها نواجذ البعثيين
الطائفين بنواجذ السلفيين الحنبليين الوحشيين حتى ينتهي الأمر إلى
كارثة عربية إسلامية على أرض عربية إسلامية وبإمكانيات مادية وبشرية
عربية وإسلامية.
يبدو أن العالم لم يأخذ بالصبر بعد بلوغه صورا إرهابية كارثية لا
تحتمل، حملها البعثيون الطائفيون والسلفيون الحنبليون الوحشيون اكثر
مما تحتمل فكرا وعملا، واجتاحوا بها المحرمات المشوهة لصورة العروبة
والإسلام في كل العالم، حتى انتهى العالم بالبعثية الطائفية والسلفية
الحنبيلة الوحشية إلى حرب أعقبتها عزلة لم يشهد لهما العالم مثيلا من
قبل وكان مآلهما انعقاد لقاء حرام جمع كلا الاتجاهين على ارض العراق،
فسقطت كل الحواجز المتعارضة والمتناقضة المرجحة لاستحالة لقاءهما في
الأذهان قبل المفاهيم، وفي العقائد قبل الأفكار.
فأين البعثية من السلفية ؟! هما اتجاهان يذهبان في تكفير بعضهما
إلى حد نفي الأصالة الإنسانية والحق في الحياة فكيف بهما يلتقيان على
حرام لا هم له إلا القتل على الهوية والإرهاب الدعائي الذي غزا بأمواله
الفضائيات العربية؟!
وقد تعزز هذا التحالف الحرام دعائيا بشكل ملحوظ بعد الإعلان عن
إعدام صدام، فتجد مواقفهما متحدة، ومصطلحاتهما جوهر واحد، تلتقي عناصر
الطبقة الوسطى الموالية لهما في التعبئة الطائفية الوحشية ضد الشيعة
الذين رفضوا طائفية حكم البعث ونادوا بوحدة العراق واستمروا في مناكفة
السلفية الوحشية بالحجة البالغة ونادوا بوحدة المسلمين وتقويض مصادر
النصوص الدينية المختلقة والمتخلفة الباعثة على الفرقة المذهبية
والتأجيج الطائفي.
إن سكرة الاندحار الأخير للتحالف الحرام بين البعثية الطائفية
وطائفية السلفية الحنبلية الوحشية ربما يعلو فيه الكذب والدجل الدعائي
الغليظ المحفز على رد الفعل الغليظ. وقد تسود الإستقطابات الطائفية
العنيفة مناطق مختلفة من بلاد المسلمين بأموال العراق المهربة وأيدي
السلفية الوحشية السائبة، ما يدعو إلى الرجوع لحجج النص الديني
والاستقاء منها الحكمة والروية، والسعي بهما للارتقاء بالمستوى الديني
الثقافي المجرد من المهاترات الدعائية التي يرمي البعثيون الطائفيون
والسلفيون الحنبليون الوحشيون إلى تأجيجها وسيادتها بين طوائف
المسلمين.
كما يدعو إلى النظر بفكر شيعي استراتيجي مجرد من المصالح الفئوية
والحزبية التي ظهرت مؤخرا بين أتباع أهل البيت(عليهم السلام) وانشغلوا
بها تحت مسميات إقصائية وعناوين غليظة أشيعت مؤخرا كـ( تجديد الشعائر)
و(مركزية العمل الدعوي) وما أشبه يعنى منها نبذ الآخر
المنافس. |