الاتجار بالاطفال في التشريعات العراقية

القاضي جليل عباس علي

 نشر موقع صحيفة هافنغتين http://www.huffingtonpost.com قصة طفلة عراقية تدعى صفاء، فقد سمعت هذه الفتاة التي لا يتجاوز عمرها الرابعة عشر محاورها من الامارات الذي يدعونفسه بـ( سعد ) وهويخبرها بالهاتف عن ما ينتظرها في دولة الامارات من ملابس ثمينة وسيارة فارهة وقصر فخم لتسكن فيه، ثم يقطع المكالمة صاحب الدار التي اودعها الخاطفين لديه ويحدد سعر (صفاء) بعشرة الالاف دولار امريكي لتبدء رحلتها الى دولة الامارات بأخذ صور لها وهي في الدار ويقوم صاحب الدار باخراج هويات مزورة ثم جواز سفر مزور وبأسم وهمي لها وتغيير عمرها الى تسعة عشر سنة دون ان تغادر الدار اوتراجع اي دائرة لاخراج هذه المستمسكات.

 وما ان تصل الى دولة الامارات حتى تجد نفسها في احد دور الدعارة في الامارات مع فتيات عراقيات اخريات يمارسن البغاء ليلا نهارا ويتعرضن لاصناف التعذيب والاحتقار وما ان وجدت فرصة للخروج من هذا السجن حتى تمسكها الشرطة الامارتية وتعيدها الى العراق موقوفة بتهمة مخالفة تعليمات الاقامة لا غير ؟ هذه قصة لاحدى ضحايا جريمة الاتجار بالاطفال من بين الالاف القصص التي لم نسمع عنها شيئا.

ولدى النظر في طرق المجرمين فأن من غير الخفي ان اهم طرقهم اواهدافهم هي تهريب الفتيات العراقيات القاصرات الى الدول المجاورة وهي سوريا والاردن كمرحلة اولى والمرحلة الثانية لرحلة التجارة هذه هي دولة الامارات والقليل منهم الى السعودية حيث ينفق مواطني هذين الدولتين الكثير من وارادات النفط على سماسرة البغاء وخاصة لمن يجلب لهم الفتيات الصغيرات الباكرات لاشباع رغباتهم الشيطانية والضحايا هم اطفال العراق والدول الفقيرة الاخرى في المنطقة.

ومع أن معظم دول العالم اهتمت بحماية الاطفال ورعايتهم وتوفير الحماية القانونية لهم  واهم المخاطر التي يتعرض لها الاطفال في الفترات الاخيرة هي المتاجرة بالاطفال وخاصة بالفتيات الصغيرات القاصرات لاغراض الدعارة والاستغلال الجنسي وتقوم اكثر الدول باجراء الاحصائيات والدراسات عن هذه الظاهرة ووضع العقوبات والاجراءات القانونية لمنع هذه الظاهرة من الانتشار.

الا ان منظمة «اليونيسيف» قدمت صورة متشائمة عن الجهود المبذولة لتحسين وضع الاطفال في العالم، مؤكدة ان 1.2 مليون طفل يتم الاتجار بهم سنويا ورصدرت المنظمة، في تقريرها السنوي، مجموعة من المشاكل التي يواجهها الاطفال، خصوصاً في الدول الاكثر فقرا، بدءا من تعرضهم للاعتداءات الجنسية ومرورا ببيعهم كعبيد وانتهاء بإرغامهم على الزواج المبكر

وفي الولايات المتحدة الامريكية  اكد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (اف بي اي) ان الاتجار بالاطفال لاغراض جنسية يطال نحو800 الف طفل في الولايات المتحدة سنويا. فقد أوضح مساعد مدير مكتب التحقيقات في الجرائم التابع لمكتب (اف بي اي) كريس سويكير "ان نحو800 ألف طفل تتراوح اعمارهم بين 11 و14 عاما وأحيانا في التاسعة من اعمارهم يقعون ضحايا الاستغلال الجنسي داخل حدود الولايات المتحدة".

اما في العراق فان الاحصائيات غير متوفرة لعدم وجود جريمة الاتجار بالاشخاص في قانون العقوبات وقلة الاهتمام في هذا المجال من قبل السلطات المختصة فالقوانين العراقية لا تجرم الاتجار بالاشخاص سواء كانوا قصرا اوبالغين اناثا اوذكورا.

 فمع ان قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969  قد أعطى الاختصاص في حكم هذه الجرائم للقانون العراقي والنظر فيها للقضاء العراقي وذلك بمقتضى حكم المادة 13 من قانون العقوبات العراقي المعدل، إلا أن نصوص القانون المذكور في هذا المجال لم تتضمن عقوبة محددة لهذه الجريمة وهونقص تشريعي خطير اذا يذكر القانون جريمة باعتبارها من اختصاصه ثم يغفل معاقبتها.

ومع هذا فان قانون العقوبات أشار الى عقاب بعض الجرائم ذات الصلة بالمتاجرة بالاطفال ومنها جريمة الخطف التي تناولها قانون العقوبات في المواد 421- 427 حيث عاقبت المادة 422 من يخطف بنفسه اوبواسطة غيره بغير اكراه اوحيلة حدثا لم يتم الثامنة عشرة من العمر بالسجن لمدة لا تزيد على 15 سنة ام اذا كان الخطف بواسطة الاكراه اوالحيلة بالسجن.

 وتجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل إذا اعتبر صغر السن مشدداً للعقوبة المفروضة على جرائم الاغتصاب واللواط وهتك العرض المنصوص عليها في المواد 393 – 398، فأن المشرع قد تشدد في فرض العقوبات الجنائية اكثر فأكثر إذا وقعت الجرائم المذكورة على الصغيرات من أقارب الفاعل إلى الدرجة الثالثة سواء تم الفعل بدون رضاها أوبرضاها وذلك بموجب قرار مجلس قيادة الثورة المنحل المرقم 234 لسنة 2001 الذي اوصل العقوبة الى الاعدام ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة لمن مارس البغاء اوسهل اوساعد على البغاء.

 اما جريمة التزوير فان تزوير جواز سفر اوهوية احوال مدنية تعتبر من الجنح غير الخطيرة في التشريع العراقي حيث يعاقب عليها القانون بالحبس وا!

 لغرامة اواحدى هاتين العقوبتين.

اما قانون رعاية الاحداث فقد اعتبرت المادة 25 منه الصغير منحرف السلوك اذا قام بأعمال في اماكن الدعارة اوالقمار اوشرب الخمر واذا خالط المتشردين والمشهورين بسوء السلوك اوكان مارقاً على سلطة ابيه.

كما صادق العراق على الاتفاقية الدولية لالغاء الاتجار بالرقيق الابيض حسب القانون رقم 24 لسنة 1950. وصادق على اتفاقية حقوق الاطفال بالقانون رقم 3 لسنة 1994 الذي اشار في المادة 6 منه الى حق الطفل في الحماية القانونية من كافة ضروب الاهمال والقوة والاستغلال وخطر استرقاقه والاتجار فيه.

واشارت المادة 3  منه الى تحريم اختطاف وبيع الاطفال والاتجار بهم لاي غرض من الاغراض ولاي سبب من الاسباب. ودعت الاتفاقية الدول الى اتخاذ الاجراءات والتدابير على المستوى الوطني والثنائي والدولي لدرء خطر هذه التصرفات والمادة 11 من الاتفاقية الى دعوة الدول لابرام الاتفاقيات الدولية لمنع انتقال الاطفال خاج بلدانهم وعدم عودتهم بصورة غير مشروعة.

والمادة 34 الى تحريم الاستغلال الجنسي للاطفال والدعارة ومنع استخدام الاطفال في عروض ومواد الدعارة.

الاان الملاحظ ان العراق لحد الان لم ينضم الى البروتكولين الملحقين بهذه الاتفاقية والخاص بمنع استغلال الاطفال في البغاء والمواد الاباحية.

وصادق العراق على العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنشور في الوقائع العراقية بالعدد 3387 في 6\ 1\ 1992 الذي اشار في المادة العاشرة منه الى اتخاذ التدابير لحماية ومساعدة جميع الاطفال والمراهقين من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي وتحريم استخدامهم في اي عمل من شأنه افساد اخلاقهم اوالاضرار بصحتهم ونموهم الطبيعي

الا ان الملاحظ انه مع التصديق على هذه الاتفاقيات الا أن العمل بها على ارض الواقع لا يطابق هذا التصديق الذي لا يعدواكثر من حبر على ورق فالاجراءات المتخذة لا تماشي خطورة وتطور وزيادة عدد الجرائم المرتكبة فلا توجد اي احصائية اودراسة عن هذه الظاهرة كما لم يتم سن اي قانون يعالج هذه الظاهرة معالجة جذرية.

ان المطلوب من الجهات المختصة رصد هذه الظاهرة الخطيرة التي بدأت بالانتشار بشكل سرطاني في العراق وبالتعاون مع بعض الموظفين الفاسدين في دائرة الجوازات والجنسية والاهمال اوالتغاضي من قبل سلطات المطار ونقاط الحدود العراقية. كما ان الحاجة الى اصدار تشريع يعالج هذه الجريمة ويفرض عقوبات رادعة لمن يمارس هذه التجارة القذرة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 12 شباط/2007 -24/محرم/1428