السلطة، شرعية السلطة
Authority, Legitimation of Authority
إن ممارسة السلطة هي من أحد أشكال القوة التي توجه جهود الأفراد
العاملين في المؤسسات البيروقراطية نحو تحقيق الأهداف العامة والخاصة
التي يصبو إليها المجتمع والفرد، أما الأجهزة الرئيسية التي تساعد على
نشر النظام وجمع وتوجيه الجهود فهي:
(1) التبادل (2) المصالح المشتركة (3) التماسك الناجم عن وجود
العواطف المشتركة، المعتقدات، الشعور والمصالح (4) القوة التي تكمن في
التأثير، السلطة والسيطرة الجبرية.
يتم التبادل عندما يقوم عضو الجماعة بتقديم وظائف وواجبات يستفيد
منها بقية الأعضاء. والمصالح المشتركة تظهر عندما يقوم الفرد بإنجاز
العمل المطلوب منه لمصلحة شخص ثالث. أما صفة التماسك فتظهر عندما يشعر
كل فرد أن عمله مفيد للآخرين ومكمل للأعمال التي يقوم بها بقية
الأفراد، وقد تظهر القوة عندما يتأثر سلوك الآخرين أو تتأثر أعمالهم
بأوامر شخص يحتل منصباً عالياً في الجماعة.
السلطة إذن هي نوع من أنواع القوة تنظم جهود وواجبات الآخرين من
خلال الأوامر التي تصدرها لهم إذ تعتبر هذه فعالة لكونها صادرة من
أشخاص شرعيين حسب اعتقاد الأشخاص الخاضعين لمشيئتها. وتختلف السلطة عن
السيطرة القسرية أو الجبرية من حيث أن الأخيرة تلزم الأفراد على التكيف
لمشيئتها من خلال مقدرتها على فرض العقاب أو تقديم المكافأة.
إن السلطة الشرعية هي السلطة التي تتأثر فعاليتها بالأجهزة التي
تعتمدها كالفائدة والمصلحة المتبادلة المشتركة بين قادتها والأشخاص
الذين يخضعون لأوامرها ومتطلباتها. فالسلطة قد تقدم المكافأت المادية
والمعنوية للأشخاص الذين يقدمون الخدمات لها وتدافع عنهم وقت تعرضهم
للمخاطر.
وهناك جملة مصالح مشتركة بين أعضاء السلطة وقادتها من جهة والأشخاص
الخاضعين لها من جهة أخرى. وهذه المصالح تتجلى في تحقيق الأهداف
الجمعية التي تهم مصلحة الطرفين كتحقيق الانتصار العسكري في الحرب أو
إنجاز خطة اقتصادية أو ثقافية أو صحية يستفيد منها المجتمع الكبير. كما
أن التماسك الذي يربط السلطة بالجماعة التابعة لها غالباً ما يحقق لها
أغراضاً نافعة ومفيدة مثل الفوز في لعبة أو سباق رياضي معين أو رفع
المستوى العلمي في الجامعة أو الكلية. لكنه في جميع الحالات نشاهد بأن
الجهاز الذي يساعد السلطة على القيام بأعمالها وواجباتها قد يقوى أو
يضعف تبعاً لدرجة اندفاع الأفراد على تنفيذ الأوامر الصادرة لهم من
السلطة وهذا ما يؤثر على كمية الاعمال والإنجازات التي تستطيع السلطة
تحقيقها لأبناء الشعب. إلا أن الأجهزة التي تستعين بها السلطة في تنفيذ
خططها قد لا تعمل بصورة متوافقة ومتناسقة لأسباب مختلفة منها عدم وجود
المصالح المشتركة بين السلطة والاشخاص التابعين لها أو ضعف العلاقات
المتبادلة بينهما إذ يكره أحدهما الآخر لاسباب معينة، أو قد تكون
العلاقات القائمة بينهما غير مقنعة خصوصاً بالنسبة للطرف الذي يخضع
للسلطة وذلك لأنه يعتقد مثلاً بأن الجهود التي يبذلها لا تنطبق مع
المكافآت والامتيازات التي يحصلها من السلطة (من إدارة المصنع أو
الدائرة التي يعمل فيها).
لكن ممارسة السيطرة الجبرية من قبل السلطة الشرعية قد يكون في طريقة
ديمقراطية أو غير ديمقراطية. فالممارسة عند الديمقراطية للسيطرة
الجبرية قد تخلق مشاكل ومتاعب للسلطة أو للأشخاص الذين يمارسونها أو قد
تؤدي إلى تهديم السلطة أو القضاء عليها عن طريق عدم إطاعتها من قبل
أتباعها. إذن تعتمد شرعية السلطة على أرجحية الأسلوب أو الطريقة التي
تمارس بها السلطة خصوصاً القابلية والجدارة والشخصية الجذابة التي
يتمتع بها قائد السلطة.
يقسم العالم الاجتماعي الألماني ماكس فيبر
شرعية السلطة إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
1- السلطة التقليدية.
2- السلطة العقلية – الشرعية.
3- السلطة الكرزماتيكية.
السلطة التقليدية هي التي تعتقد بأن نظمها ما هي إلا امتداد لنظم
كانت موجودة في الزمن السابق أو أن رئيسها تقلد منصبه بموجب مؤهلات
معينة كانت شرعية في الزمن الماضي أو أن الأوامر التي يصدرها مدعومة
بأوامر كانت ماثلة في الزمن السابق ومتفق على التصرف بموجبها. وهذا
يعني بأن الجماعة التي تخضع للسلطة التقليدية تطيع أوامر سلطتها بسبب
شرعيتها التاريخية أو سبب تعودها منذ الزمن القديم على إطاعة مثل هذه
الأوامر. أما السلطة الشرعية – العقلية فإنها تعتقد بأن نظم وأحكام
السلطة ذاتها، الطريقة التي من خلالها يشغل الفرد دور سلطته، وطريقة
إدعاء السلطة يجب أن تتم بالطرق والأحكام القانونية العامة.
أما السلطة الكرزماتيكية فتنعكس بشخصية الفرد الذي يتميز ببعض
الصفات والمزايا المقدسة التي تدل على قابلياته الفذة وسحر شخصيته
وصلاحيته للدور الذي يحتله، في جميع حالات السلطة الثلاثة نشاهد بأن
أحكام السلطة وقوانينها والطريقة التي يحتل بها الرئيس مركز قيادته
وجوهر الحكم ومبدأ إصدار الأوامر كلها تعتمد على الاعتقاد بأنها متصلة
بصورة مباشرة أو غير مباشرة بقوة شرعية نهائية ومطلقة، وهذه قد تكون
إرادة الله أو إرادة مؤسسي الخلافة أو المجتمع أو القانون الطبيعي أو
إرادة الشعب، إن هذا يعني بأن شرعية السلطات التقليدية والشرعية –
العقلية تعتمد على اعتقادها واتصالها بمصدر مقدس أي مصدر كرزماتيكي.
إلا ان السلطتين الأوليين تختلف عن السلطة الكرزماتيكية من حيث أن
اتصالها بالمصدر المقدس هو اتصال غير مباشر بينما تكون علاقة السلطة
الكرزماتيكية بالمصدر المقدس علاقة مباشرة وعميقة.
لكن الحكام والمحكومين أي أصحاب السلطة والأشخاص الذين يخضعون لها
يشعرون باعتقادهم بشرعية السلطة التي يمارسونها أو يخضعون لها. فالحكام
يعتقدون بشرعية السلطة لأنهم يرون فيها قوة لحكمهم ولأن لهم حاجة ذاتية
تدفعهم للاعتقاد بأن ما يقومون به هو شيء صحيح يتطابق مع القانون الذين
يقتدون بنصوصه.
والأشخاص الذين يخضعون للسلطة غالباً ما يعلنون ولاءهم لها بسبب
رغبتهم في تكوين علاقة إيجابية وشرعية معها وذلك لحبهم للعدل والنظام
ولرغبتهم في مشاهدة أنفسهم بأنهم أعضاء مجتمع يعتقد بالقانون والأحكام
الصحيحة التي تجلب لهم السعادة والرفاهية وتدفعهم إلى الشعور بأنهم
يخضعون لنفس القوانين التي تحدد واجباتهم وحقوقهم.
لكن القوة تعتبر سيطرة جبرية أكثر مما تعتبر سلطة شرعية عندما تعمل
بصورة غير عادلة أي تعمل ضد الأحكام العليا التي تنص على توزيع الأدوار
والمكافآت والتسهيلات بصورة ديمقراطية وعادلة. وقد تفقد السلطة شرعيتها
عندما تفشل في المحافظة على النظام وفي توزيع الأدوار الاجتماعية على
الأدوار والمكافآت والتسهيلات بصورة ديمقراطية وعادلة. وقد تفقد السلطة
درجة من الشرعية في حالة مقدرتها المحافظة على النظام وضبطه.
فليس هناك مجتمع يستطيع إعطاء شرعية مطلقة للقوة التي يمارسها أعضاء
السلطة لأن الثغرات الموجودة في التماسك مهما يكون التماسك كالتماسك في
العقيدة أو التماسك العنصري تعمل على إضعاف صفة الشرعية. كما أن وجود
المصالح المتضاربة بين الحكام والمحكومين في المجتمع يضعف من صفة
الشرعية التي تتمتع بها الطبقة الحاكمة وهذا ما قد يجر المجتمع إلى
الاضطرابات والقلاقل السياسية.
بيد أن فشل الحكام في المحافظة على شرعية النظام الذي أوجدوه أو
أسسوه يجعل نظامهم عرضة للنكسات والهزات التي قد تطيح به أو تغيره. إذن
الفشل في المحافظة على الشرعية أي شرعية النظام يزيد من احتمالية تغيره
أو تغير الحكام الذين يتزعمونه. |