منذ الحادي عشر من سبتمبر ( أيلول ) وحتى يومنا هذا، والعالم يعيش
مسلسل الرعب المخيف، والذي ينبئ بمآسي وآلام ستغير وجه العالم إذا ما
استمرت.
فقد تحول العالم من ذلك اليوم إلى جبهة صراع، بين الولايات المتحدة
الأمريكية وصنيعتها تنظيم القاعدة، وأصبحت الشعوب ترزح بين نيرانها
المدمرة، وبالتالي أصبح الشرق الأوسط برمته ساحة قتال، وشعوبه وقود تلك
الحرب المشئومة، فلم تنفك الولايات المتحدة تقسم العالم لمحورين،
إحداهما محور الخير وهي تمثله كما تزعم، والآخر محور الشر التي راحت
تضمنه كل من لا يتوافق معها في مشروعها الاستيطاني التدميري المعنون
بالحرب على الإرهاب !؟
ووفق سياسة التصنيف الأمريكية أصبح للولايات المتحدة أصدقاء وأعداء
داخل الشرق الأوسط ،وهذا ما عبر عنه وزير الدفاع الأمريكي روبرت
جيتس،عندما كثر الحديث حول توجيه ضربة عسكرية لإيران بسبب نشاطاتها
النووية، فقد قال في تصريح له (( ان الغرض من الحشد العسكري الأمريكي
في الخليج توجيه رسالة إلى الأصدقاء والأعداء المحتملين على السواء
ورفض بشدة وجود أية نية للإدارة الامريكية باستهداف إيران )).
لقد أوضحت أحداث الشرق الأوسط من هم الأعداء ومن هم الأصدقاء،
فالعراق وأفغانستان كانتا تمثلان محور الشر، وأصبحتا الآن في نظر
الولايات المتحدة تحت السيطرة الأميركية، ولم يبقى من محور الشر في
الشرق الأوسط إلا إيران وسوريا، اللتان أصبحتا عصيتان على إحكام قبضتها
عليهما، فهي تريد فتح بوابة الشرق الأوسط بالكامل من خلال إخضاع سوريا
وإيران، فالحل العسكري بعيد المنال وخاصة بعد تجربتها المريرة في
العراق وأفغانستان، وتكبدها الكثير من الهزائم التي دأبت على إخفائها
خشية الخسائر الإعلامية.
ولهذا الأمر انتهجت الولايات المتحدة سياسة أخرى، معتقدة أنها
السياسة الناجعة لإخضاع سوريا وإيران وهي السياسة المسماة الحرب على
الاستبداد ونشر الديمقراطية، وهذا الأمر يقابل سياستها بعد الحادي عشر
من سبتمبر (أيلول) والتي كان عنوانها الحرب على الإرهاب، فقد استخدمت
الولايات المتحدة الملف اللبناني للضغط على سوريا، وربما نجحت في خلق
التوترات في لبنان لحد هذا اليوم، وفي مقابله استخدمت الملف النووي
للضغط على إيران.
ماذا تريد الولايات المتحدة من إرسال الرسائل المزدوجة للأعداء
والأصدقاء في الشرق الأوسط؟ وما الهدف من إرسال رسائل عسكرية من هذا
النوع!؟ هل أصبحت الولايات المتحدة بهذه الدرجة من الضعف لتعوض ضعفها
باستعراض عضلاتها في الخليج، فالرسالة الموجهة إلى الأعداء أعتقد بأنها
مفهومة، فهي تريد إرسال رسالة إلى إيران مفادها بأنها قادرة على
تدميرها في أي لحظة، وربما تعتقد الولايات المتحدة ان إيران ستخضع لها
عندما تشاهد القوة العسكرية الأميركية قد أصبحت على بعد بضعة كيلومترات
من الأراضي الإيرانية.
لو كانت إيران ستخضع لخضعت منذ ذلك اليوم الذي فرضت عليها العقوبات
الاقتصادية، ولكننا نراها ماضية في برنامجها النووي السلمي فإيران
شأنها شأن أي دولة تستخدم التكنولوجيا والعلم من أجل مصلحة الإنسان،
أليس لها الحق في تجاربها النووية؟ وكيف لباكستان والهند الحق وليس
لإيران الحق في ذلك؟
لقد أصبحت الولايات المتحدة تنتهك القيم التي تأسست عليها هذا ما
جاء على لسان كوفي عنان صرح به قبيل انتهاء منصبه يوم 31\ 12\2006 .
وبالفعل فقد أصبحت الولايات المتحدة تنتهك القرارات الدولية، ليس
ذاك فقط!! فالمفارقة العجيبة التي وقعت بها الولايات المتحدة أنها
أصبحت تنتهك حتى قوانينها الصادرة عنها ففي 31 تشرين الأول ( أكتوبر
1999 ) صدر قرار من مجلس الشيوخ في الولايات المتحدة وتقرر بموجبه رفض
التصديق عل معاهدة منع التجارب النووية منعا باتا، ووفق هذا القرار
الذي يشكل كارثة حقيقية في حق الأمن العالمي انتزعت أي شرعية عن الضغوط
التي قد تمارسها واشنطن لصالح منع التجارب النووية من الآن فصاعدا.
إلا أننا وجدنا العكس من ذلك، فمازالت الولايات المتحدة تمنع أي
نشاط نووي يخرج عن دائرتها ودائرة إسرائيل، فهناك إجماع اميريكي
إسرائيلي على عدم السماح لإيران باستكمال برنامجها النووي مهما كان
الثمن، وإصرار على الوقف الكامل والفعلي لكل أنشطة التخصيب النووي وهو
أمر من المستبعد أن تقبل به إيران، واكبر شاهد على ذلك مبادرة البرادعي
وموقف إيران منها.
لم تتوقف الولايات المتحدة عن إرسال رسائلها إلى الأعداء والأصدقاء
على حد سواء، على الرغم من اختلاف نوعية الرسائل حسب كل مرحلة فربما
تكون سرية وربما تكون علنية وربما تكون عسكرية أو شيئا آخر، فسياستها
في العالم هي سياسة التدخل، فقد حاولت منذ عم 1945 قلب أربعين نظاما
سياسيا في الخارج وسحق أكثر من ثلاثين حركة وطنية أو شعبية تتصارع ضد
أنظمة طاغية، ولا ننسى الحادي عشر من أيلول عام 1973 كيف دعمت الحركة
الانقلابية التي قادها الجنرال( بينيوشيه) ضد الرئيس الاشتراكي سلفادور
الندّي وجعلت القوات الجوية تقصف القصر الرئاسي بوابل من قذائفها مما
أدى إلى مقتل العشرات.
ربما تتضح مع سير الأحداث فحوى الرسائل الموجهة إلى الأصدقاء
والأعداء المحتملين مع الأيام القادمة، وهل ستظل الرسائل العسكرية
كفزاعة في حقل النزاعات الشرق أوسطية أم سيحدث إنفراج سياسي تكون
الغلبة فيه لشعوب المنطقة المغلوب على أمرهم؟
alaradimohd@hotmail.com |