مختار لماني.. شهادة موثقة من المنطقة الحمراء للمهمة المستحيلة في العراق

 في ظل موجات العنف والتهجير القسري والقتل على الهوية والتدهور الامني المضطرد الذي يعيشه العراق منذ اربعة اعوام وغياب الدور العربي الايجابي، بل ممارسة الدور السلبي وذلك عبر تصدير الانتحاريين العرب وغير العرب، وتسهيل مرور الارهابيين، واصدار فتاوى سياسية بغطاء ديني تؤدي للاحتقان الطائفي وتبيح دماء المسلمين وتكفرهم تحت ذرائع وحجج مختلفة حسب مايقتضيه تكتيك العمليات الارهابية.

فقد اصبح هذا البلد ساحة مفتوحة للصراعات الاقليمية وتصفية الحسابات بين امريكا ودول الجوار العراقي من جهة وبين هذه الدول نفسها من جهة اخرى.

وتزداد الامور تعقيدا اذا ما علمنا ان لكل من هذه الدول مصالح خاصة في العراق وتعمل على انجازها عبر وسائل تاثير مختلفة موجودة على الارض في هذا البلد. مستغلة التشرذم الذي يعصف بالعراقيين نتيجة عدم التوافق بين الكتل السياسية وضعف الاداء الحكومي بسبب اسلوب المحاصصة واختلاف الاراء في القضايا المصيرية للبلد. 

وقد كشف مختار لماني، ممثل جامعة الدول العربية في العراق في مقابلة له مع صحيفة (الشرق الاوسط) ، عن تفاصيل مثيرة وخطيرة عن الوضع الداخلي في العراق محذراً من غياب الدور العربي، وتحويل عدة أطراف خارجية للأرض العراقية كساحة للاقتتال والاحتقان الطائفي.

 وتقدم لماني باستقالته للأمين العام لجامعة الدول العربية قبل عدة ايام، بعد عمل استمر في العراق نحو سنة كاملة، تمكن خلالها من إجراء اتصالات مع كافة الأطراف العراقية.

 وقال لماني إن الحالة في العراق معقدة ومرشحة لمزيد من التعقيد، إذا استمرت دول الجوار في تغذية الطائفية على حساب مصلحة الشعب العراقي، مشيراً الى ان أعمال التهجير والقتل على الهوية لم تعد بين طائفة وأخرى بل امتدت إلى الاقتتال داخل الطائفة الواحدة وبعضها البعض.

وفي سؤال عن الوضع هناك قال لماني، الوضع في العراق وضع مأساوي.. لم أر أزمة في العالم وصلت تعقيداتها للتعقيد الحالي الذي وصلت إليه الحالة في العراق.. عندك ثلاثة مستويات أساسية.. المستوى الأول هو علاقات العراقيين بين بعضهم البعض وخطورتها.. العراقيون غير متفقين حتى على تشخيص ما هية المشاكل بينهم.. ثاني شيء هناك حالة انعدام ثقة تامة بين كل العراقيين.. وقضيت الشهور الأربعة الأولى هناك كمستمع لأفهم الوضع في العراق.

واضاف، قسمت الناس الذين استمعت إليهم لأربعة مستويات.. سياسيون وعلماء دين ورجال العشائر والمجتمع المدني بما فيه الأكاديميون والمفكرون .. السياسيون كانوا أيضاً ينقسمون إلى قسمين.. السياسيون الذين آمنوا بالعملية السياسية ودخلوا فيها وشاركوا في الانتخابات والدستور، والسياسيون الذين رفضوا هذه العملية السياسية.. في فترة الأربعة أشهر الأولى لاحظت بعدما استمعت لكل الأطراف العراقية.. انهم مشغولون بما يريدون أن يأخذوه من العراق.. وليس بما يريدون أن يقدموا له.. ولاحظت ايضا وبصفة خاصة لدى السياسيين ان شعور كل طرف بطائفته أو قوميته أقوى من الشعور بعراقيته.

وقال أنا مقتنع أنهم لا يستطيعون ايجاد الحلول لأنهم الان في حالة احتقان وردود فعل، ولا توجد ثقة.. كل واحد يرد فعل على الثاني.. أكيد يحتاجون مساعدة من الخارج.. وحدهم لن يستطيعوا عمل شئ على الأقل في الظروف الحالية، وأعتقد أنني كنت من القلائل إن لم أكن الوحيد في العراق الذي له اتصالات مع كل الأطراف العراقية من المقاومة للحكومة لهيئة علماء المسلمين..

واضاف السفير لماني "كل طائفة من طوائف العالم أو كل دين أو كل قومية، هناك أغلبية طيبة تريد أن تعيش ويوجد متطرفون دائماً في الأطراف.. وعندما الغلاة يكونون في الأطراف هذه مسألة صحية.. وبالرغم من كمية التطهير العرقي وغيره، إلا أن الشيعي والسني المتجاورين المتعايشين يدافعان عن بعضهما كجيران.. من يأتي للتطهير العرقي، سواء من هذا الطرف أو ذاك، يأتي من الخارج.. هذا نوع من أنواع الانتقال بالغلاة من الأطراف إلى المركز وهذا خطر جدا..

وفي معرض اجابته عن التدخلات الخارجية قال لماني، أكيد الجهات الخارجية لها دور.. يعني الزرقاوي أو غيره .. لكن الآن هناك منظمات عراقية متطرفة جداً سواء لهذه الطائفة أو تلك، وصار التهجير حتى داخل نفس الطائفة، وبعض عناصر «القاعدة» يهجرون من المقاومة لأنهم بعثيون يقولون علمانيون.. ونفس الشيء ظهور جند السماء في النجف.. وهذه هي الخطورة لأن الأمر يبدو كأنه بين سنة وشيعة لكن هذا مقدمة.. الشيعة سيأكلون السنة والسنة سيأكلون الشيعة وتعم الفوضى إذا لم يتم تدارك هذا الموضوع.. والعراقيون يحتاجون الى المساعدة لتدارك هذا الأمر.. يجب على العراقيين ودول الجوار أن يفهموا أن تحصين العراق هو من الداخل ويكون خطأ قاتلاً إذا اعتقد كل طرف أن يحصن طائفته فقط..

واضاف لماني، أنا مقتنع ان هناك مسؤولية على دول الجوار العراقي سواء لتورطها وتغلغلها، أو لتخندقها، أو لتفرجها.. المتفرج يتعامل خلال السنين الماضية وكأن العراق موجود على سطح القمر.. أما الذي تغلغل فقد تغلغل وفق أجندات.

وقال يحتاج العراق إلى وقفات من نوع مختلف.. دعك من المؤتمرات والكلام الفاضي.. والبيانات الجميلة.. مطلوب وقفات إقليمية ودولية لمساعدة العراق..ويجب على أطراف كثيرة أن تراجع مواقفها. ومن هذه الأطراف الولايات المتحدة الأميركية.. أميركا لها مسؤولية خاصة..

واضاف لماني، قابلت بيكر ولجنته وتحدثنا مطولاً عن التقرير الذي خرج به، وما أتخوف منه الآن أن الملف العراقي صار ملفا مركزيا لأميركا وانتخاباتها لكن اكثر ما يخيفني هو أن مراجعته تكون وفق مصلحة أميركا وليست المصلحة العليا للعراق حتى بالنسبة لعملية الانسحاب أو عدم الانسحاب تكون لأن بعضهم يقول إن أولادنا (أي الأميركيين) يموتون هناك، ولا يطرح أحد المأساة في العراق..

ومما لاحظته وكنت شاهداً عليه بعد انتخابات الكونغرس الأميركي، لا أعتقد أن المشكلة ستحل من خلال إضافة جنود أميركان، لسبب بسيط جداً هو أنه إضافة 21 ألف جندي إلى الـ 130 ألف جندي الموجودين في العراق أي نحو 150 ألفا لن تغير في الامر شيئاً، وبمقارنة عدد قوات التحالف عام 2005 كانوا 160 ألفا وكان الوضع أسوأ من هذا.. أميركا تتحمل مسؤولية كبيرة جداً..

واضاف لماني، ان اكتفاء العرب بالتفرج اللامسؤول بهذه الطريقة شيء مشين وليس لمصلحتهم، وإيران نفس الشيء يجب أن تراجع موقفها لأنها تستثمر حالة الفراغ في العراق للتغلغل بهذا الشكل وتريد أن تقيم علاقات مع بعض الأطراف بهذا الشكل وتلعب دورا.. هذا ليس في مصلحتها، ولا توجد أية مراقبة للحكومة، إضافة للمشاكل الموجودة داخل الحكومة نفسها.. لا يوجد تناسق حكومي.. وهذه المحاولات التي كانت تهدف لإنشاء أغلبية معتدلة.. كل محاولات الإصلاح مالت للترقيع سواء على الصعيد الداخلي بين العراقيين أو على المستوى الإقليمي، وأعتقد أن انهيار العراق سيحرق الأخضر واليابس.

وفي معرض رده على كيفية بدء مهمته قال لماني، مكثت نحو 3 أشهر متنقلاًً في كل أرجاء العراق لأفهم الوضع، ولم تكن لدي أوهام بأنه ستكون هناك إمكانيات.. كانت البعثة تتكون من شخصين أنا وآخر، مقارنة ببعثة الأمم المتحدة التي لها 4 مراكز في أربيل وبغداد وفي عمان 500 موظف وطائرات وإمكانيات.. يعني لا يمكن أن تقارن ما بين هذا وبين وضع بعثة الجامعة، إضافة إلى أنني اخترت أن أقيم في المنطقة الحمراء التي تشمل كل العراق ما عدا المنطقة الخضراء..لتسهيل التواصل مع كل الأطراف العراقية حيث لا أمن ولا أي شيء.. السيد هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي قام مشكورا بتوفير حراسة خارجية للبيت من قوات البشمرجة (عناصر مسلحة كردية)، وعلى مدى ما يقرب من عام امضيته تحت الخطر لم تكن لدي سيارة مصفحة في بلد تقتل فيه التفجيرات عشرات الابرياء كل يوم وتعمل فوق ارضه عشرات التنظيمات المسلحة المتنافسة، طلبت سيارة مصفحة ولم اتسلمها الا بعد سبعة أشهر، ايضا لم تكن لدي أية وسيلة آمنة للاتصال بالجامعة العربية، كنت اعيش تحت الخطر ولا أبالي، تعرضت لتحرشات مسلحة وتهديدات لكن المخاوف الأمنية لم تكن أبدا سببا لعودتي والا لعدت قبل شهور من الان.

وعن المذكرة التي ارسلها الى الجامعة العربية قال، لا أعرف لماذا هذه الضجة الإعلامية ولا كيف تم تسريبها، هي مذكرة منطلقة من القلب عما كنت شاهداً عليه.. شعور بأننا في مفترق طرق ما أنا مطالب بتقديمه ليس في يدي ولا أريد أن أكون متفرجا، الامر الذي ترك لدي شعورا بالقهر.. استعرضت فيها كيف أرى الوضع في العراق.. مشاكل أهل العراق.. والظروف التي ذهبت فيها.. وأبلغت السيد عمرو موسى الأمين العام أنه للأسباب المذكورة لا أرى أي توجه حقيقي لمعالجة الموضوع، وبالأساس أنا ركزت على الوضع العربي بحكم أنني ممثل الجامعة العربية وأنني قررت أن أنسحب من هذه المهمة.

 وأعتقد أن الذهاب للعراق وخدمة العراق بالشكل الذي كنت عليه شرف لي وإذا أتيحت لي الفرصة أذهب مرة ثانية وثالثة.. لكن بشرط وحيد أن تكون الأمور في اتجاه المساعدة الحقيقية لأهل العراق لمساعدة بلدهم من الداخل. وكما تعرف فان علاقتي بالعراق بدأت منذ 1991 واتمنى ان استطيع ان اقدم شيئا لكننى لن اذهب من اجل ان اصب الماء فوق الرمال ليضيع سدى، فالعراق في اللحظة الراهنة ربما وصل الى طريق مسدود وبات ساحة صراع بين قوى خارجية على ارضه وهذا خطير جدا.

واضاف، ما يحزنني هو أن الوجود العربي لم يكن على المستوى.. حتى أنني ذهبت إلى هناك بدون أية إمكانات..القرار الذي ذهبت بموجبه للعراق ينص على الوجود الدبلوماسي العربي، وخلال سنة رأيت الكثير من الدول عينت دبلوماسيين لكن طلب منهم الإقامة في عمان، رغم أن لديهم إمكانات أمنية ومادية.. لم يكن هناك أي شيء في حقيقة الأمر يمكن تقديمه.. وقناعتي أن علاقاتي الطيبة مع كل الأطراف العراقية لن تحل المشكلة لأنني أصبحت مثل الراهب الذي يقدم النصح، لكن الأمر يحتاج إلى المشاركة في المفاوضات وهذا ليس بيدي بل بيد الدول، ولم يكن يلوح في الأفق أن تلك الدول ستلعب دوراً في التقريب بين العراقيين، ولدي قناعة أن هذا لن يحدث.

واضاف لايمكن حل الاشكالات هناك مرة واحدة وكانك تملك عصا سحرية بل يتم حلها واحدة بعدواحدة، لكن يمكن بالتركيز على المشاكل الأقل صعوبة.. وتحقق فيها نجاحا ميدانيا ينعكس بالإيجاب على إعادة بناء الثقة بين الأطراف، وتجميعهم، لأنك ستتعامل مع كل الأطراف وحولك أجندات محيطة بك سواء داخلية أو خارجية، على أساس أن يكون الخط الأساسي هو تحصين العراق من الداخل، وترحب بكل من يمشي في هذا الاتجاه بما في ذلك إيران وتركيا والدول العربية، وأن يكون الفيصل في العلاقات مع الأطراف الخارجية والداخلية هو التحصين الداخلي، لأن الخطوة بهذا الشكل ستحمي العراق من الاتجاه الذي يسير فيه الآن وهو اتجاه سيصبح فيه العراق أكثر فأكثر ميداناً لصراعات الآخرين، فيجب عكس هذا التوجه.. النيات الطيبة بالأمانة العامة (للجامعة العربية) للتعامل مع العراق لن تمكن وحدها من عمل شيء، الحل يتطلب وقتا أكثر وإمكانيات أكثر.. خاصة الارادة السياسية والتباحث مع الآخرين.. لم يكن يمر أسبوع إلا ويأتيني استرالي أو إيطالي يريد الاطلاع على الوضع في العراق، أما العرب.. فلم يأت منهم أحد ولم يسأل أحد، إلا منذ نحو أسبوع تلقيت طلبا من دولة الإمارات..

واستطيع القول ان هناك بعض الخطوط العريضة، أول شيء هو تغيير طريقة التعامل مع العراق.. لا توجد طريقة عربية للتعامل مع الوضع العراقي منذ 2003 حتى الآن، وأخشى أن يكون الوجود هناك لمجرد مجابهة طرف آخر.

ويبقى السؤال، مالذي قدمته الجامعة العربية للقضايا المصيرية للعرب سوى انها اتخذت موقف المتفرج، حتى يمكن ان نعول عليها، بدءا من سكوتها على جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي والتمييز العنصري الذي كان يمارسه النظام البعثي البائد في العراق ومرورا بالقضية الفلسطينية التي تراوح مكانها منذ نصف قرن بل زادت سوءا في الاقتتال الفلسطيني الداخلي الذي يجري حاليا والى جرائم الابادة الجماعية في دار فور بالسودان وقائمة طويلة ليس هذا محلها، لم تضع هذه الجامعة حلا ناجعا لمشكلة عربية واحدة منذ تاسيسها وحتى يومنا هذا، بالكاد هي تستطيع ان تجمع الرؤساء العرب في يوم واحد ثم تفرقهم متخاصمين في نهاية ذلك اليوم.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 7 شباط/2007 -19/محرم/1428