بعد أن ظــــــلم لغيره

علي الكيمياوي..(من سطح الخـــــان لجهنم) وبئس المصير

 جاسم فيصل الزبيدي

 يروي في الأثر الشعبي العراقي: إن أحد أهل الجنة كانت فيه علامة سوداء ، سُئل عنها فقال لهم إنه كان صالحاً تقياً طوال حياته وإنه ماقتل بعوضة أو نملة ولم يتقرب الفواحش ماظهر منها ومابطن..فلما مات أدخلهُ الله الجنة ،وبعد مدة واجهوه مع رجل من أهل النار قال له : إنه مر ذات يوم على دار ذلك الشخص ـ الذي في النار ـ فأخذ (عوداً) لنبش أسنانه،وعلى هذا يجب أن يُطفئ به الذي في النار أحد أصابعه في جسم ذلك الرجل من أهل الجنة أيفاءاً للدَّين،وهكذا دس أصبعه المحترق بجسمه فظلت تلك العلامة السوداء بارزة للعيان.

إن مشكلة الإنسان المعاصر مع الظلم لم تكن وليدة اللحظة بل منذ اليوم الذي دب فيه الخلاف بين قابيل وهابيل وقتل احدهم للآخر ثأراً لأهدافه ومن يومها والمعاناة تتطور وتكبر حتى أصبحت عقيدة ومبدأ يسير عليها طغاة العصر وحكام الدول الشرقي لتسير دفة حكمهم على الضعفاء..فنشأة جمهوريات الخوف والرعب على الساحة الدولية والإقليمية وسيطر الطغاة على شعوبهم بقوة الظلم وعنف ردة الفعل. لذا حشدت قوى الدكتاتورية والطغاة كل إمكانياتها العدوانية واستقدمت كل مجرم يذوب شوقاً لدماء الضحايا وهي تنزف بوجع وألم.

فقد حورب الأحرار بسبب مواقفهم ووقوفهم بوجه الظلمة والطغيان ومناداتهم بالحرية والمساواة ، ولم يدخر الطغاة وسعاً في التمثل بجثث الأحرار في الشوارع والساحات ترهيباً للضعفاء والمساكين وإسكاتاً لأي صوت ربما يحاول أن يقول كلمة.

والظلم يعد في المنظومة الحقوقية القرآنية من اعنف الكبائر كونه يهدد البشرية بأنواع اخطر وأعمق من الجرائم ولعل من أهمها إبقاء العقل والشعوب تحت سيطرة فئة معينة وهذه الفئة قد تدافع عن ظلمها بواسطة الدم والمخالب والظلم مفتاح كل رذيلة تحصل ومن اجل ذلك قسم فلاسفة المذاهب الاسلامية الظلم يوم القيامة الى ثلاث:

1- ظلم بين العبد وبين ربه عزوجل: ويشمل الكفر والشرك وكل ماله صلة بين الخالق والمخلوق،وهذا النوع من الظلم يقول عنه فلاسفة الاسلام إنه قابل للمغفرة مستندين الى قوله تعالى(أن الله لايغفر أن يُشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء)

2- ظلم بين العبد وبين العباد: ويشمل كل مامن شأنه الاساءة الى الناس بكل أصنافه وتعاريفه،يقول الفلاسفة ان هذا النوع من الظلم(لا يُترك)حتى يتم إستحصال الحق ممن سلبه في الدنيا يوم الحساب الاكبر(وأشرقت الارض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ماعملت وهو أعلم بما يفعلون)وفي موضع آخر يقول جل شلأنه(وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).

وما يروى في هذا المجال إن رجلاً نادى سليمان بن عبد الملك ـ وهو على المنبرـ:ياسليمان أُذكر يوم الأذان؟ فنزل سليمان من على المنبر ودعا بالرجل فقال له: وما يوم الاذان ؟ فقال الرجل:قال الله تعالى (فأذن مؤذن بينهم إن لعنة الله على الظالمين).وقال علي بن أبي طالب(عليه السلام) (يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم) وقال قال أبو العتاهية:

أمــا والله إن الظلـم لـؤم

ومازال المسيئ هو الظلوم

إلى ديـان يـوم الدين نمضي

وعند الله تجتمع الخصـوم

ستعلم في الحساب إذا التقينا

غـداً عند الإله من الملـوم

3- ظلم بين العبد وبين نفسه:ويعني به الفلاسفة الاسلاميين قوله تعالى:(فمنهم ظالم لنفسه) وقوله على لسان نبيه موسى:(رب إني ظلمت نفسي) وقوله( وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).

ان الظلم طبيعة تكمن في النفس البشرية ولا يردعها الا احدى علتين اما عله سياسية خوف من سيف او علة دينية خوفاً من معادوالى ذلكأشار ابو الطيب المتنبي في قصيدته الميمية حين قال:

والظلم من شيم النفوس فإن

تجد ذا عفة فلعلة لا يظلمُ

وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه. على ان اشدها حساباً يوم القيامة هو( ظلم العبد للعباد)كالاستهانة بارواح الناس وبخس اشيائهم وقتله للنفس المحرمة والتي قال فيها جل شأنه(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) وقال تعالى(ومن قتل نفساً بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعاً)و(ولا تقتلوا انفسكم أن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على الله يسير)وقال النبي وقال عليه الصلاة والسلام(اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر،وقتل النفس التي حرم الله)(متفق عليه)وقال عليه الصلاة والسلام(لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم كفل ـ أي نصيب ـ من دمها، لأنه كان أول من سنَّ القتل)(رواه البخاري ومسلم).

واود ان الفت نظر البعض الى مسلة مهمة الا وهي ان هناك فرقاً وفصلاً لغوياً واصطلاحياً بين الموت والقتل.

فالموت كما يصفه الامام الحسين(ع)في خطبته حين قال(خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة )فالموت لابد منه ـ كحقيقة عقائدية ـ وهو يعني الانتقال الى حياة آخرى بعد انقاضاء الاجل المسمى للانسان وهذا ياتي بعلم الله عزوجل وحده.

اما القتل فهو سلب حياة فرد او مجموعة افراد عدواناً وظلماً لاجل تحقيق غايات بعيدة كل البعد عن المنظومة القرانية ولذا نرى ان النصوص القرانية شددت على ان قتل النفس محرمة واعتبرت القتل (عدواناً وظلماً) لانه تجاوز على حدود الله مثله مثل الرزق فهناك رزق مقسوم وهناك تسليب رزق اي قطع الطريق المعاشي للفرد وهذا الامر منبوذ في الفكر القراني..ولسنا الان في مجال تفصيل ذلك فقد تمذهب به فلاسفة المذاهب الاسلامية ايما تمذهب واشبعوا الموضوع بحثاً وتمحيصا.

ومما يروى في هذا الصدد ان الإمام علي أبن الإمام الحسين السجاد (ع) حين سألهُ عبيد الله ابن زياد عن اسمه قال : علي ابن الحسين

فقال زياد: الم يقتل الله علي ابن الحسين ؟

فقال الامام: كان لي اخ يسمى علي ابن الحسين وقد قتله الناس؟

فقال عبيد الله ابن زياد: بل قتله الله

فقال الامام : الله يتوفى الانفس حين موتها.

كما حالات التعذيب التي سنها الانسان منذ القدم منبوذة كذلك في الفكر الاسلامي ومن أوضح تلك النصوص الحديث الذي رواه هشام بن حكيم بن حزام في صحيح مسلم حين مرّ بالشام على أناس وقد أقيموا في الشمس وصبّ على رؤوسهم الزيت فقال:ما هذا؟ قيل: يعذّبون في الخراج،فقال:إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(إن الله يعذّب الذين يعذّبون الناس في الدنيا).

بل راحت المنظومة القرانية الى ابعد الحدود فقد وصل الامر بتعويض النس على(ارشى الخدش)اي خدش اليد السطحي غير المتعمد.

وأكثر من ذلك إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم وخز رجلا مرّة بقضيب أو بسواك فقال الرجل : أوجعتني فأقدني،فأعطاه العود الذي كان معه فقال:استقد، فقبّل الرجل بطنه صلى الله عليه وآله وسلّم ثم قال( بل أعفو لعلك تشفع لي بها يوم القيامة).

ولم يقف الأمر إلى هذا الحد بل تعداه إلى أكثر من ذلك فقد منحت المنظومة القرآنية الحيوان حقاً كما يروي بعض أصحاب رسول الله(صلى الله عليه واله) أنهم كانوا معه في إحدى الغزوات فمروا بعش طائر فوجدوا فيه فراخاً فأخذ بعضهم تلك الفراخ فجاءت الأُم ترفرف بجناحيها وتصيح فوق رؤوسهم فنظر إليها النبي(صلى الله عليه واله)بعين العطف والرحمة ثم خاطب أصحابه(مَن فجعها بولدها،ردوا إليها ولدها)فاستجابوا وأعادوا الفراخ إلى العش فهدأت الأُم.

كلمة راقية المعنى عظيمة المضمون تلك التي أطلقها الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) (مَن فجعها بولدها)..عطف ورحمة ورعاية لمشاعر حيوان لأنه (صلى الله عليه واله) مدرك إن لكل نفس حق في الوجود إن الحيوانات والطيور وكل ماخلق الله أمم مثلنا لها نصيب في العيش.

وهناك أمثلة أخرى تفوق ماذكرناه وهي لا تصلح للطغاة ولا للممهدين للفرعونية الحاكمة لان هولاء كما قال عنهم الشاعر:

بذي الغباوة من إنشادها ضرر

كما تضر رياح الورد بالجعلِ

هذه الأمثلة غابت في زمن الطغاة وجمهوريات الخوف فمادام هناك طغاة ،هناك دعاة تجللوا بجلباب الاسلام ـ والاسلام بريء منهم ـ من يقصّون لطغاتهم مقاسات تناسب وحجم طموحاتهم واهدافهم العدوانية لشرعنة حكمهم وهولاء اولى بالعقوبة لانهم كما في قوله تعالى:ـ (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة) وكما في قوله(إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).

إن جريمة الأنفال واحدة من أبشع جرائم العصر وهي الوجه القبيح للنظام الدكتاتوري المقبور وهي انموذجاً لأستهار ازلام الدكتاتور أساتذة فنون التعذيب والقتل والتهجير.فأي ذنب إقترفه الكورد ليفعل بهم علي الكيمياوي هذه الجريمة وبكل وحشية ودناءة ؟ولماذا ؟ولأجل من؟

إن علي الكيمياوي كان من بين هذه النماذج والذي باع دينه بدنيا للحصول على (جائزة ورضا الأمير) فخسر الدنيا والدين لانه لم ينسلخ من عبوديت الطغاة لينصهر مع أبناء المجتمع العراقي بل ظل يعامل ابناء الشعب على اساس اشياء قابلة للكسر والتلف ولكنه غير مسؤول عن تعويض اي جزء ولانه كان يقتل ويظلم لغيره فقد تحققت فيه ماذكرنا أعلاه.

قتلني علي الكيمياوي يوم قال في المحكمة انه يحترم الكورد !! أي احترم وكان يعاملهم معاملة قاسية معتبراً إنهم مواطنون من الدرجة العاشرة.

والسؤال القائم الآن:إذ كان الرجل المسكين المذكور في القصة المذكورة في بداية المقال قد تم إخراجه بسبب(عود) نبش به أسنانه ليحاكم عليه...فكم من الكورد والشيعة ممن قتلهم وسفك دمائهم وهتك اعراضهم وسلب اموالهم من يطلب حقاً من علي اليكمياوي يوم القيامة..؟؟

sunsetaa@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 6 شباط/2007 - 18 /محرم/1428