العراقيون لاجئون بعقد طويل الاجل.. والعالم لايتحمل مسؤوليتهم

 قالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة إنه يتعين على العالم أن يتحمل مزيدا من العبء للتخفيف عن سوريا والاردن اللذين يستضيفان أغلب اللاجئين العراقيين الفارين من العنف أو الاضطهاد في بلادهم.

وأضافت المفوضية أن الدولتين تستضيفان أكثر من 1.2 مليون عراقي كثير منهم في السنوات القليلة الماضية وأن الهجرة لا تزال مستمرة.

ومضت تقول إن أكثر من 50 ألف عراقي يفرون من ديارهم كل شهر يغادر عشرات الالوف منهم البلاد غالبيتهم إلى الاردن وسوريا بينما يكافح الباقون للبقاء داخل الحدود.

وبدأ المفوض السامي لشؤون اللاجئين التابع للامم المتحدة انتونيو جوتيريس يوم الجمعة رحلة تستغرق أسبوعا إلى المنطقة لمناقشة محنة العراق والمساعدات المالية لتغطية نداء الوكالة لجمع 60 مليون دولار. ويتوقف جوتيريس في السعودية والكويت والاردن وسوريا.

وقال رون ريدموند المتحدث باسم المفوضية في افادة صحفية إن "العنف الذي لا يهدا في العراق سيعني على الارجح تواصل النزوح الداخلي والخارجي مما يؤثر على جانب كبير من المنطقة المجاورة."

ووتشير أرقام المفوضية الى سكان العراق البالغ عددهم 26 مليون نسمة نزح منهم نحو 1.8 مليون شخص داخليا منهم ما يقدر بحوالي 640 ألفا في العام الماضي وحده.

وهرب ما مجموعه مليونا عراقي إلى الدول المجاورة أو دول أبعد على مدى أعوام. وبالاضافة الى الاردن وسوريا فإن المضيفين الآخرين في المنطقة هم مصر ولبنان وتركيا وايران.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية استريد فان جينديرن إن العراقيين في سوريا والأردن يواجهون مصاعب متزايدة في إدخال أولادهم الى المدارس المزدحمة والحصول على الخدمات الاساسية التي تتضمن الرعاية الصحية وتمديد تصاريح اقامتهم.

واضافت "يجب أولا أن يكون هناك تمويل كاف لمساندة حكومات البلدان التي تستقبل العراقيين للتعامل مع العبء والضغوط المتزايدة."

وقالت "في الواقع لقد أبقى الاردن وسوريا أبوابهما مفتوحة لفترة طويلة الآن في الواقع لسنين. وهما لم يتوقفا لكن هناك مشاكل متزايدة."

وتعتمد سياسة المفوضية في انحاء العالم على توطين اللاجئين في المناطق التي لجأوا اليها لكنها تشجع أيضا "اعادة التوطين في دولة ثالثة" في حالات خاصة.

وكانت الموجات الاولى من النازحين العراقيين الى الاردن قد فرت من المعارك بين القوات الامريكية والمقاتلين في مدن سنية بغرب البلاد مثل الفلوجة وحديثه والرمادي لتنضم الى عراقيين أكثر ثراء يعيشون بالفعل في الاردن.

جاء الوافدون الاوائل بمليارات الدولارات ليعطوا دفعة لازدهار تجاري لم يشهده الاردن منذ حرب الخليج عام 1991 حين فر مئات الالاف من الفلسطينيين من الكويت الى الاردن.

الطلب على المنازل الذي زاد بسبب الوافدين العراقيين تسبب في رفع الايجارات وأسعار العقارات مما أثار بعض الاستياء بين الاردنيين.

لكن العراقيين الذين تدفقوا على الاردن وأغلبيتهم من السنة وجدوا ملاذا ملائما.

وأشاد البرلمان الاردني بالرئيس العراقي السابق صدام حسين بوصفه بطلا بعد اعدامه في 30 ديسمبر كانون الاول. وانتقل بعض أفراد عائلة الرئيس السابق الى عمان حتى قبل الغزو.

لجأ الكثير من العراقيين ممن ينتمون للطبقة المتوسطة فضلا عن ضحايا الاضطهاد من الشيعة ابان حكم صدام الى الاردن في التسعينات حين واجهت بلادهم عقوبات خانقة من الامم المتحدة وأوضاعا سيئة.

ويشكل من كانوا موظفين في عهد صدام وشيعة علمانيون وعراقيون يخشون الانتقام منهم لعملهم لحساب الاحتلال الامريكي الان بيئة خاصة بهم في العاصمة الاردنية التي أصبحت تسكنها جنسيات مختلفة حديثا.

وتقول مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين ان ما بين نصف مليون ومليون عراقي فروا الى الاردن الوجهة الرئيسية الى جانب سوريا لمن نزحوا بسبب الصراع.

وترى قلة قليلة امكانية للعودة المبكرة الى أحياء بغداد التي كانت تسكنها طوائف مختلطة ذات يوم والتي تعاني انقسامات طائفية الان بسبب المسلحين الشيعة والسنة في عملية يقول السنة انهم الاكثر تضررا منها.

ويجد الكثير من العراقيين السنة أن من السهولة بمكان الاندماج في الاردن حيث يتعاطف كثيرون مع العمليات المسلحة المناهضة للولايات المتحدة ويشعرون بالعداء تجاه تزايد النفوذ الشيعي في أنحاء المنطقة.

لكن السلطات الاردنية التي تشعر بقلق متزايد تحاول الان وقف تدفق نازحين جدد. ويعاد كثيرون عند الحدود ومن المطارات او لا يستطيعون الحصول على تصاريح بالاقامة.

وقال رفيق تشانين رئيس بعثة العراق في المنظمة الدولية للهجرة "عدم قدرة الكثيرين على الحصول على الاقامة تجعلهم يشعرون بأنهم غير قادرين على الحركة ولا يشعرون بالامان".

وأثبت المهنيون العراقيون المهرة أنهم هبة للجامعات والمستشفيات الاردنية لكن العراقيين الافقر والاقل تأهيلا يجدون من الصعوبة بمكان العثور على وظائف او حقوق للاقامة.

ومع تضاؤل مدخراتهم يعيش الكثير من النازحين المحرومين في خوف من الترحيل.

اما قصة اللاجئين العراقيين في لندن فهي مختلفة حيث فرت الكاتبة العراقية هيفاء زنكنة من بلدها قبل ثلاثة عقود بعد ان تعرضت للتعذيب عندما كانت سجينة سياسية خلال حكم الطاغية العراقي السابق صدام.

وظنت هيفاء ان منفاها مسألة مؤقتة لكن العنف المتفشي في شوارع بغداد ازاح بعيدا كل الاحلام التي راودتها بالعودة.

وقالت هيفاء في لندن التي استقرت فيها منذ عام 1976 "لا أرى اي منطق في العودة الى العراق الان."

واضافت "لن يصبح بمقدوري عمل اي شيء سوى البقاء في المنزل وحتى في منزلي سأكون مهددة وسأكون عبئا على العائلة والاصدقاء هناك."

وتابعت "الوضع خطير للغاية واي شخص يتحدث ضد الاحتلال او يحاول الكتابة عن الميليشيات والفساد الحكومي عرضة لان يتم اغتياله."

وهيفاء التي تخرجت من كلية الصيدلة بجامعة بغداد سجنت لمدة ستة اشهر في قصر النهاية عام 1972 عندما كان صدام رجل العراق القوي لكنه لم يكن قد اصبح بعد رئيسا للبلاد.

وتصف حياتها كلها منذ الافراج عنها بأنها "سنوات اضافية". وفرت هيفاء في بداية الامر الى سوريا قبل الانتقال الى بريطانيا وبقيت بعيدا عن العراق حتى بعد الاطاحة بصدام عام 2003.

وقالت "عملت في مخبز لعدة اسابيع لكنني طردت لانني لم اكن اعرف اسماء الفطائر والمخبوزات ولم اكن قادرة على فهم لهجات بعض الناس عندما كانوا يطلبون المخبوزات والخبز."

وفي وقت لاحق تقدمت للحصول على وظيفة عاملة نظافة في حمام للسباحة لكن طلبها رفض لان مؤهلاتها تفوق تلك المطلوبة فيمن يشغلون هذا العمل.

وقبل عودتها للكتابة عملت كمترجمة حرة.

وعادت الى بغداد لمدة شهر عام 2004 وكانت المدينة التي رأتها عقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة "تحطم القلب".

وقالت "لم تعد مدينتي وانما تبدو ملكا لقوات الاحتلال. كانت صدمة ان ارها وقد تحولت الى خرائب وحل بها الدمار."

ومن بين هؤلاء الذين وجدوا ملاذا في لندن الجندي السابق (30 عاما) من بغداد الذي طلب ان يعرف باسم ابوعامر.

ورغم انه حائز على مؤهل (دبلوم) في الترجمة في ست لغات بينها الهولندية والكردية فقد عمل ابوعامر كنادل في مطعم يمتلكه عمه في شارع ايدجوير في لندن.

واجبر على محاربة القوات الغازية التي قادتها الولايات المتحدة كفرد في اللواء الثالث بالجيش العراقي لكنه تمكن من الفرار بعد ان انقلب قائد اللواء ضد صدام.

وقال وهو يشير الى عراقيين يعملون معه بالمطعم هم خليط من الاكراد والشيعة والسنة والمسيحيين الاشوريين "انا مثل الباقين منا الذين قدموا الى هنا بحثا عن الامن والاستقرار بعد تدمير العراق وانهيار بنيته على الرغم من اننا كنا في وضع مالي افضل كثيرا بالعراق."

ودخل ابو عامر بريطانيا بشكل قانوني عام 2003 واعترف به في وقت لاحق كلاجيء ومنح اللجوء السياسي. وتقدم بطلب للحصول على الجنسية والذي يتوقع قبوله خلال ستة اشهر.

ويتوافد العراقيون على بريطانيا -التي كانت في السابق قوة انتداب على بلادهم- منذ اواخر الثلاثينيات من القرن الماضي ليشكلوا جالية تتألف من حوالي 250 الف شخص.

ولم يتضح عدد الذين وفدوا منهم الى بريطانيا منذ 2003.

وتقدم الرابطة العراقية وهي هيئة خيرية مقرها بريطانيا المساعدة لاكثر من عشرة الاف عراقي في العام منذ تأسيسها عام 1987.

ورغم ان ابو عامر يأمل في العودة ذات يوم الى بلاده فانه يقول ان انعدام الامن هناك يتفاقم ومن ثم فهو يعتزم البقاء في لندن للابد. وجميع افراد عائلته تقريبا في اوروبا.

ويقول "اشعر انني في دياري في لندن وفي هذه اللحظة اشعر اني افضل حالا عما كنت عليه في الوطن."

وتابع "في الماضي كنت أؤدي قسمي لصدام والان سأقوله للملكة لانها منحتنا الامن والاستقرار."

غير أن هيفاء التي لديها اقارب في عدد من المدن العراقية لاتزال تتوق الى وطنها. وتقول ان ملجأها في لندن هو "ايجار طويل الاجل فحسب...ومن ثم منفاي مؤقت فحسب."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 6 شباط/2007 - 18 /محرم/1428