في ظل تصاعد العنف الطائفي وتنامي دور الدول الاقليمية في
العراق يصبح المشروع الديمقراطي فيه بمواجهة تحديات صعاب لعل اهمها
كيفية التصدي للمشروع الاقليمي بشقيه العربي المتمثل في السعودية ومصر
والاردن والايراني المدعوم من سوريا.
فالوقائع التاريخية اثبتت ان هذين المحوران ساهما في تصعيد العنف
الطائفي في البلاد نتيجة لما يمتلكه كل طرف من ادوات التدخل في العراق
فغير خافي دور السعودية او ايران بل انه في هذه السنة وصل الى حد
التفاوض المباشر بينهما كما حدث في مفاوضات لاريجاني وسعود الفيصل
واتهام كل منهما بالتدخل ودعم الارهاب كما تناقلته وكالات الانباء
العالمية اثناء اجتماعهما في الرياض.
المشروع الديمقراطي في العراق غدا كله مشروعا طائفيا بعد انزواء
القوى الوطنية الفاعلة في الساحة العراقية نتيجة لهيمنة التيار المتطرف
المدعوم خارجيا مقابل المشروع الوطني العراقي بل ان هذه القوى تتحالف
بينها من اجل وأد الحركة الديمقراطية في العراق ولعل تحالف قناة
الجزيرة القطرية مع القوى المتطرفة في الانتخابات العراقية ؟ وتحريف
التوجهات الوطنية خير دليل.
واليوم وبعد اربع سنوات على انطلاق المشروع الديمقراطي في العراق
نقف امام مفترق طرق ترى هل ساهمت قوى الاحتلال في تقديم النموذج
الديمقراطي ام انها عززت من تواجد النفوذ الطائفي وهل هناك مقاربات
تاريخية بين الفكر الطائفي والديمقراطي وهل تحمي الديمقراطية النظام
الطائفي ام العكس..؟
كل هذه اسئلة تلح على التجربة العراقية بعد ان منيت بانتكاسات
كبيرة شوهت كل المفاهيم وجعلت من البلاد اتون للحرب الاهلية بل ان
اثارها امتدت لتشمل تغير سايكلوجية الفرد العراقي اذ سرعان ما تحول
المواطن الى وحش كاسر ضد جيرانه الذين عاشوا بين اظهرهم لعشرات السنين.
تغيرت القيم التي كان المجتمع العراقي يزخر بها، قيم التسامح
والمحبة والايثار حتى ان كاتبا مهما مثل هافال زاخوي يتسائل هل نحن حقا
اصحاب قيم حقيقية ام ماذا؟
ويصل الى نتيجة مؤداها كفى نكذب على انفسنا لانملك قيم ولاهم
يحزنون؟؟
وله الحق فيما طرح اذان الهجمة التي تعرض لها المواطن العراقي هي
بحق كبيرة جدا فمنظر القوات المحتلة او الغازية لم يكن مالوفا لدى
الشعب العراقي منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة وخروج القوات
البريطانية منه وما يعرفه المواطن العراقي عن الاحتلال هو ذاك الذي
يراه فقط من شاشات التلفزة لكنه صدم وهو يرى المزنجرات الامريكية
والبريطانية تجوب شوارع مدينته وتكسر الابواب وتعتقل من تريد وتغتصب
النساء ويسمع ويشاهد عن قصص اخرى مروعة سواء في ابو غريب او بوكا،
وشاهد مع قوات الاحتلال الانفتاح من جهة اخرى الانفتاح على كل الاشياء
الممنوعة والمحرمة انتشرت الصحف والفضائيات ودخل الفرد العراقي لاول
مرة عالم التكنلوجيا الحديثة، شاهد تلك الرموز السياسية التي كان يسمع
عنها في الاعلام شاهدها وهي في اسوء صور التناحر السياسي وصدم في بعضهم
كان لص او سارق او تاجر مخدرات او متسكع في اوربا جاء ليقدم نفسه
كمشروع وطني او منقذ بعثه الله من اجل انقاذ الشعب.
كل هذه الامور بدات وكانها حلم على هذا المواطن فلم يجد افضل من
الاحتماء بالطائفة او المذهب لتخليصه من كل هذه الشرور وسرعان ماتحولت
هذه الطائفة والعشيرة الى وباء استشرى في الجسد العراقي بفعل تغذيته من
الدول الاقليمية وبالتالي يصبح سؤال زاخوي تعديا على هذا المواطن الذي
تحول الى ضحية جراء هذه التغيرات البنيوية والاجتماعية التي اصابت
المجتمع العراقي برمته, ومن اجل حماية جنودها وتقليل فرص الخطر عليهم
كان لابد لهذه القوات ان تلعب دورا سلبيا نعرفه في التاريخ بسياسية فرق
تسد وفعلا استطاعت القوات المحتلة من اذكاء الفتنة الطائفية في العراق
من خلال سماحها لعمل الزرقاوي واتباعه في ايقاع المزيد من التقتيل في
الشيعة دون ان تعمل على تحريك اي ساكن بل وصل الامر لها ان تتحالف مع
هذه العصابات الاجرامية وتتيح لها العمل في مناطق تسمى سنية حسب
التصنيف الطائفي وانتشرت تلك التنظيمات هناك بصورة لافتة وصولا الى
فاجعة العراقيين في تفجير مرقد الاماميين العسكريين في سامراء. وما
تبعها من تنامي وتيرة العنف الطائفي وكبديل عن سقوط الديمقراطية تم
تنحية رئيس الوزراء المنتخب من كتلته انذاك السيد الجعفري ليحل محله
المالكي في اشارة الى تراجع الديمقراطية وتنامي مفهوم الخوف من الاخر.
فما حصلنا عليه من تنامي الفكر الطائفي خسارة اولى لمفهوم
الديمقراطية بغض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا مع شخص الجعفري.
اذن تنامي المشروع الديمقراطي في العراق في خطر في ظل تنامي كل هذه
القوى ويصبح الحديث عنه قضية غير منطقية على الاطلاق اذ انها الان تتجه
الى تشكيل اصطفافات طائفية فما شاهدناه من تطاول من قبل نائب في
البرلمان على الشعب العراقي ويمارس التحريض واستجداء الاموال لقتال
الروافض في مؤتمر اسطنبول يجعلنا نتاكد من ان الديمقراطية في خدمة
الطائفية بل ان نائب رئيس الجمهورية _ حينما يسافر الى خارج العراق
لايتحدث باسم العراق بقدر حديثه باسم طائفته يحدث هذا باسم الديمقراطية
الامر خطير حينما تتحول الديمقراطية في العراق الى خدمة الطائفية.
كل هذا يدعونا الى مراجعة شاملة للمفاهيم التي ورثناها من الاحتلال
اقول ربما تمكننا من الخلاص فيما بقي لنا من وقت لنرمم جراحنا ولننهض
من جديد بفعل ديمقراطي يتناسب والتجربةالجديدة التي نعيشها خاصة بعد
تجربة السنوات المنصرمة من سقوط النظام.
ويتركز المشروع على اساسيات يجب الاعتراف بها من الجميع لعل اولها
الاعتراف بالاخر وعدم تهميشه فاسقاطات التجارب السابقة وتعميمها على
التجربة العراقية امر مؤلم حقا فلايمكن لنا ونحن في قرن الحادي
والعشرين من استنساخ تجربة الحلفاء في القضاء على دول المحور ونطلب من
التاريخ تعميم تلك التجربة حتى على الفاشية واجتثاثها من المجتمع
الالماني ؟
فاضافة الى اختلاف البيئة القبلية والتمايز الاجتماعي يجب ملاحظة
التغيرات الدولية والاقليمية في الساحة العراقية وكذا الامر بالنسبة
لبعض الشخصيات الدينية والسياسية فمازلنانمارس سياسية التخوين وعدم
الوطنية وهو امر لم يعد التفكير فيه سليما البناء الديمقراطي للعراق
يعتمد على ابنائه ولكن كيف لهم الشروع في هذا المشروع والتربص بالاخر
يدورفي الاذهان والاستقواء الخارجي يعشعش في الصدور اليس من المطلوب
التخلص من اوهام القوة الوهمية
التي نمتلكها من خلال الفصائل المسلحة او مخابرات الدول الاقليمية.
ثم ماذا يعني لو فاز السنة في الانتخابات ؟هل هو امر مخالف للشرع
والقانون الطبيعي والسؤال ذاته ماذا لو فاز الشيعة او الاكراد في
الانتخابات اليس العراق بلد الجميع.
مثل هذه الرؤية ليس مستحيلة اطلاقا بل المستحيل هو بقاء هذا الوضع
الطائفي الذي يتحكم باهل العراق. |