مئتا مليار دولار خسائر هجرة العقول العربية الى الغرب

ظاهرة هجرة العقول العربية الى الخارج خاصة الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الاوروبية تشكل خطرا كبيرا على النمو الاقتصادي والاجتماعي وهاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء، وقدرت التقارير ان الهجرة التي تاخذ منحا تصاعديا تتسبب في خسائر مالية تتجاوز 200 مليار دولار.

 وانعقد بالقاهرة مؤخراً مؤتمرلمناقشة هذه الظاهرة، توصل خلاله المتحاورون الى مجموعة من الاسباب التي تقف وراء هذه الهجرة وعكفوا على محاولة ايجاد الحلول الناجعة لتجاوز سلبياتها، وتوصل المؤتمرون الى ان هذه الهجرة شملت كوادر متخصصة في تخصصات حرجة ودقيقة، والى ان استفادة الدول العربية من هذه الهجرة ضعيفة للغاية مقارنة باستفادة اسرائيل من مثل هذه الهجرات، مؤكدين على ضرورة التصدي بكل الوسائل لوقف هذا النزيف الذي يلحق الضرر بالتطور الاقتصادي القومي والتركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية.

ويذكر انه يوجد فقط من مصرعلى سبيل المثال 824 الف مهاجرمن الكفاءات وفقا لاخر الاحصاءات في عام 2003 من بينهم نحو 2500 عالم.

وتعد ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء من الدول العربية الى الخارج أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد القومي وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد اعداد المهاجرين خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة وتتمثل أهم الاثار السلبية في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعاني الدول العربية من اثار هذه الظاهرة، وتشير الاحصاءات الى ان مصر قدمت نحو 60% من العلماء العرب والمهندسين الى الولايات المتحدة الاميركية، وان مساهمة كل من العراق ولبنان بلغت 10% بينما كان نصيب كل من سوريا والأردن وفلسطين نحو5%.

وتشير احصاءات جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية وبعض المنظمات المهتمة بهذه الظاهرة الى ان الوطن العربي يساهم بـ %31من هجرة الكفاءات من الدول النامية، وأن 50% من الاطباء، 23%من المهندسين، 15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون متوجهين الى أوروبا والولايات المتحدة وكندا بوجه خاص وأن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لا يعودون الى بلدانهم ويشكل الاطباء العرب في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الاطباء العاملين فيها، وان ثلاث دول غربية غنية هي اميركا وكندا وبريطانيا تتصيد نحو 75% من المهاجرين العرب.

وتناول هذه القضية بالبحث مركز بحوث الدول النامية بجامعة القاهرة في مؤتمر عقد مؤخرا شارك فيه العديد من الباحثين وأساتذة الاقتصاد والاجتماع حيث أكد الدكتور عبدالسلام نوير مدرس العلوم السياسة بجامعة أسيوط ان الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينيات، وان الدول الغربية هي الرابح الأكبر من 450 ألفاً من العقول العربية المهاجرة وان الخسائر الاجتماعية نتيجة هذه الظاهرة تقدر بـ 200 مليار دولار.

وأضاف د.نوير أنه في حين تخسر الدول العربية وفي مقدمتها مصر من ظاهرة هجرة العقول فإن اسرائيل تستفيد من هذه الظاهرة بفعل الهجرة عالية التأهيل القادمة اليها من شرق أوروبا وروسيا وبعض الدول الغربية وقال ان مصر تعد الخاسر الأكبر من هجرة الكفاءات في الكم المطلق ففي اميركا حوالي 318 كفاءة مصرية، كندا 110، استراليا 70 و35 في بريطانيا، 36 في فرنسا، 25 بألمانيا، 14 في سويسرا، 40 في هولندا، 14 في النمسا، 90 في ايطاليا، 12 بأسبانيا وفي اليونان 60 وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من الكفاءة والعقول العربية بنسبة 39% تليها كندا 3, 13% ثم اسبانيا بنسبة 5, 1% وتتضمن هذه الارقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الحرجة والاستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي والعلاج بالاشعاع والهندسة الالكترونية والميكرو الكترونية، والهندسة النووية، علوم الليزر، تكنولوجيا الانسجة والفيزياء النووية وعلوم الفضاء والميكروبيولوجيا والهندسة الوراثية مضيفا أنه حتى في العلوم الانسانية كاقتصاديات السوق والعلاقات الدولية، هناك علماء متخصصون.

وأشار الدكتور نوير الى القنوات الرئيسية لهجرة الكفاءات العربية الى البلدان الغربية وهي الطلاب في الجامعات الغربية لاسيما المبعوثين الذين ترسلهم الجامعات والمراكز البحثية ولا يعود هؤلاء الى بلدانهم الأصلية، ويقدرعدد من تخلف من مبعوثي مصر في العودة اليها منذ بداية الستينات وحتى مطلع عام 75 بحوالي 940 مبعوثا بنسبة 12%من مجموع المبعوثين خلال تلك الفترة وتركز معظمهم في اميركا، كندا، فرنسا، بريطانيا وكانوا من المتخصصين في الهندسة والطب والأبحاث الزراعية وخلال الفترة من 70 إلى1980 لم يعد الى مصر 70% من مبعوثيها في الولايات المتحدة

وعن أثر العوامل الاقتصادية لهجرة الكفاءات أكد الدكتور سعد حافظ استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط القومي ان هناك اسبابا مشتركة وراء الهجرات السكانية سواء أكانت داخلية او خارجية أهمها الفقر حيث لا يقتصر على مفهوم واحد ولكنه يمتد ليشمل فقر الامكانيات والقدرات والذي يعكس نقص الخدمات الاساسية، انخفاض مستوى المعيشة ونوعية الحياة معا ويرتبط الفقر بهذا المعنى بنقص التشغيل، البطالة التهميش وضعف أو انعدام فرص الحراك الاجتماعي وهو المحرك الاساسي لانتقال الناس مكانيا اضافة للاضطهاد وعدم الاستقرار السياسي لاسباب ايديولوجية أو عرقية أو ثقافية أو دينية تلعب دورا هاما في الهجرات الجماعية الى جانب التعرض لاشكال القهر بدءا بالحرمان من الحقوق السياسية، والاعتقال دون قوانين وكبت الحريات الى التعذيب والتصفيات الجسدية.

ويضيف الدكتور سعد أنه قد تكون الأسباب العامة دافعا للهجرة ولكن هناك أسباب أخرى لهجرة العقول والكفاءات وهي في الغالب خاصة تتلخص في توفر امكانات البحث العلمي في الدول التي تتم الهجرة اليها سواء مايتعلق بمناخ البحث العلمي السائد أو الامكانات المادية من معامل ومختبرات وتمويل وفرق عمل بحثي متكاملة ،ويركز الدكتور سعد على اثر انخفاض مستويات الدخل والمعيشة على هجرة الكفاءات من مصر حيث تنشأ الكفاءات المصرية المهاجرة منها والمتميزة في البناء بالوطن في خلل بيئة معيشية تصنف حسب دليل الفقر البشري ضمن مجموعة الدول المتوسطة ووفقا لهذا الدليل فإن حوالي 3,10% من السكان لا يتوقع لهم أن يعيشوا حتى سن الأربعين ويزيد معدل الأمية للقراءة والكتابة عن 50% ويحرم13% من السكان من الحصول على المياه المأمونة، و1% على الخدمات الصحية و12% من الصرف الصحي، ويعيش تحت خط الفقر 3, 23% من السكان ووفق هذا التقرير يتراوح متوسط دخل الفرد في السنوات الخمس الأخيرة بين 1015 - 1400 دولار دونما اعتبار للفروق الحادة في توزيع الدخل.

وتندرج أغلب الكفاءات تحت ظل أصحاب الدخول الثابتة ومع اضطراد معدلات البطالة السنوية ونمو الاسعار بمعدلات تضخمية فلقد تولدت عوامل طاردة لهجرة الكفاءات للخارج تعوزها الفرصة أو قبول دول المهجر، وحتى بالنسبة لمن أتيحت لهم فرص العمل من أصحاب الأجور وعلى الرغم من تميز أجور قطاع الاعمال العام والخاص عن القطاع الحكومي فإن معدلات الزيادة في الاجور تراوحت ما بين 1, 1%، 2,1% في حين زادت الاسعار بمعدلات تراوحت بين 8, 2% ، 3, 22%

ويضرب الدكتور سعد مثلا بأجور الكادر الجامعي حيث تنضوي أجور العاملين بالجامعات والمعاهد العليا والمراكز البحثية في مصر تحت طائفة أصحاب الاجور الثابثة والمجمدة باللوائح الأجرية وعلى الرغم من الارتفاع النسبي الظاهري للأجور النقدية لهذه الفئة فهي تقل عن نصف نظيرتها بالكادر القضائي وعن 15% من رواتب العاملين بالهيئات الدبلوماسية ويضيف أنه بالرغم من زيادة معدلات الأجور الثابتة والمتغيرة خلال الفترة 1988 وحتى الآن بما يقارب 70% فإن معدلات زيادة المتوسط العام لأسعار المعيشة في الحضر قد سجلت زيادة تقدر بنحو 352% بالإضافة إلى عدم حصول هذه الفئة على ما كانت تتمتع به من مزايا عينية، مثل الحصول على مسكن ملائم وقريب من مكان العمل، بتكلفة إيجارية محدودة أو بقيمة مقبولة.

ومن شأن هذه العوامل أما استنزاف قدرات وطاقات الباحثين العلميين في تحسين مستوى المعيشة بكافة الاشكال كالاشتغال بمهام وظيفية أخرى مدره للدخل وأما تفضيل الهجرة والتي تتوافق والعوامل الأخرى المشار إليها كالبيئة البحثية والإمكانيات التمويلية والتقنية للعملية البحثية وبذلك تشكل ظروف المعيشة أحد حوافز هجرة العقول وفي حصره للخسائر الناتجة عن الهجرة أشار الدكتور سعد إلى أن هجرة الكفاءات سواء أكانت دائمة أو مؤقته والتي تقدر بنحو 4, 50%من إجمالي العمالة المهاجرة والبالغة 276, 675, 3 قد كبدت الميزانية العامة للدولة خسارة في الاستثمارات المنفقة على التعليم الحكومي بما يتراوح ما بين 01, 43 مليار جنيه و349, 62 مليار خلال الفترة من 62-2000 ولا تتضمن هذه التقديرات موارد انفاق الأسرة على التعليم الخاص.

وتشير إلى أن خطورة الأمر تكمن في أن الهجرة سوف يكون لها تأثير كبير على الاجيال الأصغر من كفاءات الدول النامية خاصة من ينتمي منهم إلى الفئات الاجتماعية الأقدر حيث يتيح لهم أن يكونوا أكثر استعدادا من خلال وسائل الاتصال والتعليم للهجرة إلى الخارج الأمر الذي سيلحق مزيدا من الضرر بالدول المصدرة لهذه الكفاءات بدء من الفاقد في الاستثمار في التعليم وإنتهاء بإضعاف القدرة الذاتية للمجتمع على القيادة والإدارة ومرورا بإضعاف قوى التنمية في المجتمع.

 وعن الجانب الاجتماعي لظاهرة الهجرة أكد الدكتور محمود فهمي الكردي أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة إلى أن المكاسب التي تجنيها الدول المتقدمة من جراء هجرة العقول إليها هي نفسها وبصورة معكوسة تمثل الخسائر التي تمنى بها الدول الأقل تقدما نتيجة هجرة العقول إليها وتتكامل المشكلة حينما تسعى المجتمعات التي هجرها أبناؤها واتجهوا صوب المجتمعات الأكثر تقدما إلى الاستعانة بناتج عمل هؤلاء. وهم أبناؤهم، فمثلا في المبتكرات التكنولوجية التي أنتجوها أو السلع التي طوروها أو مجسدا فيهم شخصيا حين يعودون إلى بلادهم في زي الخبراء الدوليين .

ويضيف أن هجرة الكفاءات العلمية أصبحت ظاهرة لافتة للنظر ليس بمصر وحدها وإنما على مستوى بلدان العالم الثالث وأن الخط النمطي المؤقت هو الشكل السائد لهجرة المصريين إلى الخارج رغم وجود نسبة من الهجرات الدائمة ويرى أن كافة الشرائح والفئات المكونة للبيئة الطليعية معرضة لعملية الهجرة بل ومشاركة فيها أما الأسباب والدوافع فترتبط ببيئة المجتمع المادي وما يصاحبه من تدن في مستويات الحياة وبخاصة فيما يتعلق منها بكمية الغذاء ونوعيته وحالة المسكن وأوضاع المرافق وأحوال البيئة ويرى أن هذا النمط من الفقر لا يرتبط بالضرورة بانخفاض مستوى التعليم بل قد يكون العكس هو الصحيح أحيانا الأمر الذي يرفع من مستوى الطموح فيدفع الفرد دفعا إلى تغيير مكان الإقامة بالهجرة ومن بين الأسباب الأخرى ضآلة فرص العمل بل انعدامها أحيانا الأمر الذي يؤدي إلى ظهور أشكال متعددة للبطالة السافر منها والمقنع.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 2 شباط/2007 - 13 /محرم/1428