أزمة النازحين في العراق تتسبب بكارثة انسانية وهجرة جماعية الى الخارج

 نزح أكثر من مليوني عراقي الى الخارج هربا من المذابح والتطهير العرقي مما فرض توترات على سوريا والاردن المجاورتين وهما الدولتان الرئيسيتان المضيفتان. وانتقل نحو نصف مليون شخص اخر الى اماكن اخرى في العراق.

"نعيش بين المطرقة والسندان"..كلمات مرة نطق بها أحد المهجرين ، وقلبه يعتصر آلماً وحزناً بعد أن تم إخراجه من داره على خلفية طائفية لينضم الى جيوش النازحين داخل الوطن.

وأضاف الرجل في شكواه التي بثها وكالة (اصوات العراق) أن "المهجرين امثالي يعيشون بين مطرقة المسلحين وسندان الحكومة التي اختفت سلطتها وتعجز عن ردع هؤلاء والقضاء عليهم."

ويبدو أن الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ كان يرد على شكوى هذا الرجل وغيره ممن هجروا قسرا وظلما على الهوية سواء من الشيعة او السنة ، عندما قال في تصريح ل(اصوات العراق) إن "الحكومة خصصت جزءا من الخطة الامنية الجديدة لمعالجة مسألة المهجرين والمرحلين قسراً ، ومعالجة موضوع المهجرين سيكون بعد تحقيق الامن."

واضاف الدباغ "يفترض ان يعود المهجرون الى مناطقهم التي هجروا منها بعد تنفيذ الخطة الامنية الجديدة والحكومة من خلال تطبيقها للخطة ستوفر البيئة المناسبة للعودة وسيتم محاسبة كل من اشغل هذه الاملاك وكذلك محاسبة الذين ساعدوا على القيام بعمليات التهجير."

حالات تهجير عديدة شهدتها محافظات العراق سواء كانت طاردة أو مستقبلة أو تحمل الصفتين معا ، دفعت الامم المتحدة الى التحذير من أن العراق يشهد أكبر حركة نزوح داخلي في الشرق الاوسط منذ نزوح الفلسطينيين بعد إقامة الدولة اليهودية على أرضهم.

وتقول الوكيل الاقدم لوزارة المهجرين والمهاجرين حمدية احمد نجف إن اعداد العوائل النازحة وصلت الى اكثر من 70 ألف عائلة في بغداد والمحافظات،مشيرة الى أن " الوزارة ارسلت لجان تفتيشية للتأكد من هذه الاعداد لاننا نعتقد ان هذه الاعداد مبالغ فيها."

وأضافت أن "المناطق الوسطى والجنوبية إستقبلت اكبر عدد من العوائل النازحة ولدينا معلومات بان اعداد النازحين الى مناطق اقليم كردستان(اربيل ,السليمانية,دهوك) هي مابين 3000 و3500 نازح."

وتابعت "سنعمل على بناء كرافانات للنازحين تليق بالعائلة العراقية لكن المبالغ المتوفرة لدينا لا تكفي الا لبناء 150 كرفان واغلب العوائل المهجرة لم تهدد ولكنها تبحث عن ملاذ امن في مناطق اخرى اكثر امناً."

واوضحت السيدة حمدية أن "عملية النزوح تركزت في مناطق بغداد الساخنة وأيضا هناك نزوح من المنطقة الغربية نتيجة العمليات العسكرية في هذه المناطق."

أما مديرة شبكة الرعاية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ليلى عبد اللطيف فقالت إن "الوزارة عملت بمقترح من وزارة المهجرين بشمول العوائل بشبكة الرعاية الاجتماعية من خلال منحهم رواتب مالية تتراوح بين 70 و 120 ألف دينار شهرياً"."

واضافت"وزعنا بعض الرواتب...وخصصت مبالغ لا يستهان بها لاعانة هذه العوائل."

غير أنها إستدركت قائلة إنه "بالرغم من ان المبالغ المقدمة قليلة إلا أنها من الممكن ان تعين العائلة على بعض لوازمها مثل دفع الإيجار او معونات حياتية لانه من المعروف ان الذي يخرج من منزله يفقد امورا كثيرة مثل عمله وبيته وممتلكاته."

وزارة التربية هي الاخرى كانت لها اجراءاتها حيال المهجرين من الطلبة حيث قال وليد حسين مديرالمكتب الاعلامي في الوزارة إن "وزارة التربية عممت على جميع المدارس قبول الطلبة المهجرين...ليكملوا العام الدراسي لحين وضع الحلول الناجعة بهذا الخصوص من قبل الحكومة."

واشار الى ان "الوزارة منحت مدراء المدارس في المناطق الساخنة حرية التصرف من خلال تحديد تاريخ عطلة نصف السنة وكذلك تحديد موعد اجراء الامتحانات للصفوف غير المنتهية, اما الصفوف المنتهية (البكلوريا) فانهم يجب ان يؤدوا امتحاناتهم نهاية العام في وقت واحد وبأمكان الطالب ان يؤدي الامتحان في مدرسة اخرى بعد اخذ الموافقات وقبل وقت من موعد الامتحانات."

ومن جانبه شدد رجل الدين عبد الجبار حميد على ضرورة أن "تضع الحكومة الحلول المناسبة لهذه الازمة التي تمر بها البلاد وخاصة معالجة عملية تهجير العوئل من منازلهم والاستيلاء على ممتلكاتهم او حرقها."

وقال"لا توجد شريعة في الكون كله تحلل ممتلكات الغير والاستحواذ عليها وبالتالي نحن كرجال دين مطالبون بان نرفع صوتنا بوجه هؤلاء لايقافهم عن اعمالهم"، مشيرا الى أن "هناك من يدفع لهؤلاء من الخارج للقيام بهذه العمليات والمراد منها تخريب البلد ومن كلا الطائفتين."

وكان تقرير مفوضية اللاجئين الذي صدر مؤخرا قد ذكر ان عدد المهجرين العراقيين في داخل العراق بلغ حسب تقديراتها مليونا وسبعمائة ألف شخص.وتوقعت المفوضية التابعة للامم المتحدة أن يصل عدد النازحين في البلاد بحلول نهاية عام 2007 إلى 2.3 مليون شخص،مشيرة الى أن ما بين 40 و50 ألف لا يزالون يغادرون منازلهم كل شهر..

كما إعتبرت حركة النزوح الجماعية الحالية للعراقيين من أوسع حركات النزوح السكاني طويلة الأمد في منطقة الشرق الأوسط منذ تهجير الفلسطينيين عقب تأسيس إسرائيل عام 1948، إذ يوجد نازح بين كل ثمانية عراقيين تقريبا.

وتحدثت ستيفاني جاكميت الممثل الاقليمي للمفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين لرويترز بشأن المشكلة. وقال بأن هناك زيادة كبيرة في اعداد الاشخاص الذين يقتلون. والاحصائية التي لدى الامم المتحدة هي 3000 شهريا.

واضاف: نحن نقدر عدد الذين يغادرون العراق عند 1000 شخص على الاقل يوميا لكن ربما كان العدد أكبر من ذلك بكثير. ويوجد بين نصف مليون ومليون في الاردن وعدد مماثل في سوريا وربما أكثر من 100 الف في مصر وبين 20 الف و40 الف في لبنان و54 الف في ايران بالاضافة الى عدد غير معروف في تركيا.

وعن سبب الهجرة الى الاردن قال: في عهد صدام حسين وبعد سقوطه مباشرة كان هناك عراقيون أثرياء يذهبون الى الاردن. القادمون الجدد فقراء بدرجة متزايدة. انهم لايسهمون في الاقتصاد. وهم بحاجة الى التعليم والرعاية الطبية والاموال الاساسية التي يحتاجونها للمعيشة. ومع تزايد الاعداد فانه يوجد قلق بالغ من جانب السلطات الاردنية.

وعن سوريا يقول جاكميت: عادة الذين يدخلون سوريا هم الاكثر فقرا وهناك وسائل قليلة لتدبير تكاليف المعيشة هناك. من الصعب جدا العثور على عمل. سوريا أرخص من الاردن لكن عندما تنفد اموالهم فانهم لا يعرفون ماذا يفعلون. وعلى عكس معظم الدول في المنطقة فان سوريا اعترفت رسميا بأن هناك حاجة لحماية مؤقتة للعراقيين.

وعن اعادة توطين اللاجئين العراقيين قال: الدول الرئيسية في الغرب التي تقبل العراقيين هي الولايات المتحدة واستراليا والسويد وكندا. وهناك مشكلة وهي انه من الصعب على بعض العراقيين الوفاء بتعريف اللاجئين الذين يواجهون خطر الاضطهاد. وتعتبر المفوضية العليا للامم المتحدة لشؤون اللاجئين في الوقت الراهن ونظرا لمستوى العنف في العراق ان كل عراقي يجب ان يعتبر لاجئا بموجب التعريف الموسع لضحايا العنف. وللاسف هذا غير معترف به في دول المنطقة باستثناء سوريا وهو غير معترف به تماما في دول اعادة التوطين.

وحول عدد العراقيين الذين اعيد توطينهم يقول الممثل الاقليمي للمفوضية العليا للامم المتحدة:  الاعداد ضئيلة للغاية. وسنرى هذا العام لاننا ندرك ان معظم البلاد تريد توسيع حصصها لكن حتى اذا حدث هذا فانني لن اتوقع ان يكون العدد أكثر من خمسة الى عشرة في المئة من الذين يدخلون الاردن وسوريا. اعادة التوطين دائما تعد حلا لاقلية صغيرة.

ويضيف: من المهم للغاية ان يقدم المجتمع الدولي مزيدا من المساعدة للعراقيين في الدول المجاورة. وما هي الاعداد لاخرى التي يمكن لسوريا والاردن قبولها قبل ان يقولا هذا العدد كبير جدا.. وما هو العدد الذي يمكن للغرب ان يقبله في اطار مشاركته في تحمل الاعباء.. هذه اسئلة مفتوحة.

واضاف:  من الواضح ان هناك زيادة في عدد العراقيين الذين يقدمون طلبات للحصول على حق اللجوء في اوروبا لانه بخلاف ذلك ستكون هناك تحركات هجرة ضخمة لا تخضع للسيطرة من خلال مهاجري الزوارق مع كل المخاطر المتعلقة بهذا النوع من الهجرة.

من جهتها قالت منظمة خيرية طبية أمريكية إن أكثر من نصف مليون فروا من ديارهم في العاصمة العراقية بغداد العام الماضي بسبب العنف الطائفي وإن أكثر من مليون آخرين قد يضطرون الى النزوح بحلول منتصف العام.

وقالت منظمة القوات الطبية الدولية التي تتخذ من كاليفورنيا مقرا لها والتي لها أكثر من 300 موظف في العراق ان حركة المواطنين النازحين في تزايد "بمعدل مأسوي" خاصة في العاصمة العراقية التي يقطنها نحو ستة ملايين نسمة.

وقالت نانسي أوسي رئيسة المنظمة "انه موقف صعب للغاية. هناك موقف أمني مروع مع تزايد عدد الاشخاص النازحين."

وخلصت دراسة أجرتها المنظمة الى ان 80 في المئة من بين نحو 550 ألف عراقي مدني فروا من ديارهم منذ تفجير مزار شيعي هام في سامراء في فبراير شباط عام 2006 هم من سكان بغداد. وفجر هجوم سامراء موجة من العنف الطائفي المتبادل بين الشيعة والسنة.

وقالت أوسي انه اذا استمر العنف بمعدله الحالي سيضطر أكثر من مليون مواطن اخرين ترك ديارهم في بغداد خلال الستة أشهر القادمة وسيبقى غالبيتهم داخل العراق بدلا من اللجوء الى خارج البلاد.

وقالت أوسي لرويترز "هناك حاجة للتركيز أكثر على ذلك. بغض النظر عن رأي أي شخص في الحرب هناك اناس يعانون."

ومضت أوسي قائلة "انها أزمة انسانية متصاعدة ذات أبعاد هائلة."

وقالت منظمة القوات الطبية ان حركة النازحين تعيد تقسيم أحياء بغداد على أساس طائفي وتضر "بالاقتصاد الهش بالفعل والنسيج الاجتماعي" لتلك المجتمعات التي تستضيف النازحين.

وعلى خلاف عمليات النزوح السابقة التي أعقبت الغزو الامريكي يبدو النزوح الحالي دائما حيث يتخلى الناس عن ديارهم او يبيعونها.

ولا يحصل عدد كبير من الناس على الحصص الغذائية والمؤن التي توزعها الحكومة بشكل غير منتظم نظرا لتدهور الامن.

وسئل شون مكورماك المتحدث باسم الخارجية الامريكية عن تزايد عدد النازحين في العراق فقال ان الولايات المتحدة قلقة بشأن ذلك وانها أبرزت أهمية تحسين الموقف الامني في العاصمة العراقية بغداد.

وقال مكورماك "الناس بحاجة لان يشعروا بان الموقف الامني يتحسن وانهم سيصبحون أكثر أمنا اذا ارادوا البقاء او اذا ارادوا العودة (الى ديارهم)."

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 1 شباط/2007 - 12 /محرم/1428