هل أفقد «أحمد النفيس» القرضاوي توازنه؟

حسن آل حمادة

 منذ أن كنت طالباً في المرحلة الثانوية وأنا أتتبع قدر الإمكان بعض كتابات الشيخ يوسف القرضاوي، وكان إعجابي به يزداد يوماً بعد آخر، وكنت في المرحلة الجامعية أشيد  بكتاباته الوحدوية، أو تلك الداعية إلى التعددية أو ما يُسميه هو «الاختلاف المحمود». كما كنت أدعو بعض الأصدقاء لقراءة نتاجه الثقافي والتعرّف إلى فكره الذي حسبته يومها مميزاً عند مقارنته ببعض علماء السنة المتشددين. كان هذا الكلام قبل أن تقدمّه قناة الجزيرة في برنامجها الشهير (الشريعة والحياة).. البرنامج الذي جعل القرضاوي: كأنه علمٌ في رأسه نارٌ!

ولكن، للأسف الشديد لم تتم هذه الفرحة، وبدأ انبهاري بالشيخ يتقلص شيئاً فشيئاً؛ إذ خيّب القرضاوي نظرتي الإيجابية له، فقد لحظت مؤخراً، تخبطاته المميتة، حتى حسبته من أولئك الرجال: الذين يقولون ما لا يفعلون! ولا غرابة في ذلك فهو شاعرٌ من الشعراء قبل أن يكون واعظاً من الوعاظ!!

ولعلّ المتابع لمواقف الشيخ القرضاوي الأخيرة فيما يخص شأن الشيعة والعراق، يصاب بالذهول والغثيان؛ خاصةً عندما يستمع لكلماته التي قد لا يُتصور أن يتفوه بها إنسان جاهل!!  فكم هو الفرق شاسع بين دعوة القرضاوي للوحدة، وتشجيعه لحالة الاختلاف الإيجابي بين المسلمين، وبين تصريحاته النارية الأخيرة ضد الشيعة.

فقد فاجئنا الشيخ القرضاوي عندما انتقد بشدة -في الكلمة التي ألقاها أمام «مؤتمر الدوحة لحوار المذاهب الإسلامية»- ما أسماه محاولات «التشيع» الإيرانية في بلدان عربية سنية بالكامل، معتبراً أنها تدفع إلى «الفتنة» بين السنة والشيعة.

هذه المقولات التي تلقفها بسذاجة بعض الكتّاب لدينا ومنهم الكاتب عبد العزيز محمد القاسم، ودفعته ليقول في مقالته: (الخطوات العملية بدلاً من الشعارات يا دعاة التقارب): «ننتظر من الشيخ محمد حسين فضل الله وآية الله التسخيري وغيرهما ممن تصدوا لموضوع التقارب على مستوى الأمة التنادي بنصح الساسة في إيران لإيقاف لعبة التبشير الشيعي في بلاد أهل السنة -وهو الأمر الذي اشتكى منه الشيخ يوسف القرضاوي مراراً- وأن يرفعوا أصواتهم عند طائفتهم باستنكار هذا الفعل الذي يقوّض كل أساسات التقارب، إذ ما قيمة أن يكسبوا حفنة هنا وحفنة هناك غير استنفار الطرف السني ليبدأ حملة أقوى؟ مع العلم أن ما لديه هو الأكثر إقناعاً، ولولا ذاك لما تسيّد المشهد طوال القرون».

       لا أدري هل أضحك وأنا أقرأ مثل هذا الكلام للقاسم؟ لا لن أفعلها! إذ سأكتفي برفع حواجبي وإنزالها لوضعها الطبيعي؛ فمن عجائب هذا الزمن أن يخاف من لديه القدرة على الإقناع!! اللهم إلاّ إذا قصد القاسم القدرة على تفجير المساجد والحسينيات والأسواق؛ بشيوخها ونسائها وأطفالها، كما نشاهد ذلك يومياً في العراق الذبيح!!

فماذا يفعل الشيعي لكسب رضا الشيخ القرضاوي وأمثاله ممن نفترض كونهم علماء الأمة؟

فإن سكت الشيعي قيل: إنه يمارس التقية، وإن نشر فكره في الآفاق قيل إنه يبشر بمذهبه! هل يودُّ القرضاوي من الشيعي أن يعيش بطريقة: لا أبصر، ولا أسمع، ولا أتكلم؟! إذاً أين دعوة القرضاوي للحوار والجدال بالتي هي أحسن، كما هو نهج القرآن الحكيم، وسيرة الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ التي يصِّر القرضاوي على أنه متمسك بهما.

       وماذا بوسع إيران أن تفعل إن اطلع سنيٌ على الفكر الشيعي -أو المواقف الشيعيةـ وتشيع؟ فالآفاق الآن غدت مفتوحة للجميع؛ وإيران ليست بحاجة لنشر مجموعة من الكتب الشيعية في معرض الكتاب بالسودان أو غيره، لكسب عشرة أشخاص، أو عشرين، أو أكثر، للدخول في مدرسة التشيع؛ فهذا الكلام لا ينطلي إلا على البسطاء والسذّج، ونعوذ بالله أن يكون القرضاوي منهم!

       ولا أدري لماذا تتعالى يا شيخ بإدعائك بأن السنة هم دعاة التقريب بين المذاهب؟ صدقني يا شيخ فقد وددت تصديقك في دعوتك هذه، غير أنني وجدتك تنفث أحقادك الطائفية في مؤتمر عُقد من أجل التقريب بين المسلمين، فهل ستخدم بنفث هذه السموم المشروع الإسلامي؟ أم المشروع الأمريكي/الصهيوني؟

       عجيب أن تدعو الشيعة في العراق عن كف قتلهم للسنة، وتتعامى عن قتل السنة للشيعة، وهم -أي السنة- أول من استخدم لغة السلاح والإرهاب لتحقيق بعض المكاسب السياسية الرخيصة!!

       ويكفي أن أذكرك بحادثة تفجير ضريح الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، التي أُستهدف من خلالها شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم (رضوان الله عليه)! فأينك عن هذه المجزرة الرهيبة التي راح ضحيتها العشرات؟ وهل أسالت دموعك؟ بل هل حركت مشاعرك؟ وأينك عن تفجير ضريح الإمامين العسكريين (عليهما السلام)؟ وأينك عن...إلخ.

       أم أنك تعمل وفق مقولة: «ضربني وبكا، وسبقني واشتكى»!! وهذا هو الظاهر من خلال دموعك التي أسلتها في خطبة الجمعة الأخيرة؛ بدعوتك الأكراد في العراق للوقوف مع السنة لقطع يد الشيعة بعد أن نفضوا عن أنفسهم غبار المذلة والمسكنة!

وشخص مثل القرضاوي قد يتهمنا بأننا نتعاطف مع الشيعة في العراق، لذا سنذكرها بالتصريح الشهير للرئيس العراقي جلال طالباني -وهو كما يعلم سني من الأكراد- لجريدة الحياة حيث قال: إن أكثر من 70% من ضحايا العنف في العراق خلال عام 2006 هم من الشيعة.

كما أوضح طالباني أنه ليست هناك «حرب ضد السنة»، كما يقول «بعض المتطرفين السنة الذين يعيشون في الخارج من أمثال الشيخ الضاري».

وأضاف طالباني: «الحقيقة أن الذين يقتلون في العراق هم من السنة والشيعة ولدي أرقام». وسردها على النحو الآتي: منذ «1-1-2006 إلى 20-11-2006 بلغ عدد القتلى 20101 قتيلاً من بينهم 15522 من الشيعة أي 77% بينما بلغ عدد شهداء السنة 2138 أي 11% وعدد مجهولي الهوية من كرد ومسيحيين ومسلمين حوالي 2441 أي 12%».

بعد الإشارة لشهادة شاهد من أهلها، أقول: حيرتنا يا شيخ يوسف!! فهل أنت حريص على أمة الإسلام لذا حذرّت من الخطر الشيعي؟ أم أنك حريص على ذاتك ومصالحك ونفوذك؟ وهل هناك من يحركك؟ أما أنك تتحرك لوحدك بغير دراية؟ الله العالم!

يا شيخ يوسف، أنا لستُ محللاً نفسياً، كما أنني لم أتخصص في علم النفس، ولكن يتراءى لي  أنك لم تستطع السيطرة على أعصابك وذهبت بها عريضة؛ بسبب مفعول الكتاب الذي ألفه ابن مصر البار الدكتور «أحمد راسم النفيس»، فقد قرأت إشارتك -كما ذكرت جريدة الوطن السعودية في عددها (2165)- إلى أنك كتبت كتاباً حول الحوار والمذاهب ففوجئت بشخص يرد عليك بكتاب آخر عنوانه: «القرضاوي وكيل الله أم وكيل بني أمية»[1]؟ فظننت أن المؤلف من إيران أو من العراق أو لبنان، غير أنك عندما سألت عنه وجدت أنه من مدينة «المنصورة» بمصر وقد اعتنق المذهب الشيعي!

وهذا الأمر على ما يبدو هو الذي جعلك لا تستطيع السيطرة على وضعك النفسي بشكل طبيعي.

فقد أصابك «النفيس» في مقتل، وأفقدك توازنك، ليجعلك تتخبط في خطبك وتصريحاتك. وكأني بك تريد من المصريين أن يستمعوا لمقولاتك ويتبعونها بطريقة ساذجة! أما أن يخرج منهم من يرد على أفكارك بطريقة حوارية جدلية علمية فهذا لا يرضيك!

كنت أتوقع منك يا شيخ يوسف أن ترد على كتاب الدكتور النفيِِس بكتاب، فالفكرة يُرد عليها بمثلها، ولكن الضعيف يلجأ للصراخ، ولك الخيار! 


[1] - صدر الكتاب في بيروت عام 1427هـ، عن دار الميزان، في 306 صفحة من القطع الكبير. وقد نتطرق له في مناسبة أخرى.

 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 29 كانون الثاني/2007 - 9 /محرم/1428