الأثر الأصل
Trace
يوضح مفهوم الأثر في التقويض بمفهوم (الحضور) و(الحضور الذاتي)
وينبع منهما في النظرة الماورائية، أما بالنسبة لدريدا فهو يرى في
الأثر شيئاً يمحو المفهوم الميتافيزيقي للأثر وللحضور (لا يمكن أن يقوم
أي مفهوم سواء كان الأثر أو الحضور إلا على محو الأثر كما يصفه دريدا).
إن المعرفة تقوم كنتيجة للعلاقة البنيوية التي تنجم عن التضاد (الأنا
لا تحدد نفسها وانفصالها عن الآخر إلا بمقابلتها له في بنية تجمعهما
معاً، ولذلك تصبح الأنا وظيفة من وظائف تحديد الآخر وتابعة له، وليست
أصلاً سابقاً).
والأثر الأصل هو الإمكانية التكوينية للتلاعب المتبادل بين أطراف
التضاد، بين الأنا والآخر؛ باختصار: إن الأثر الأصل هو الإمكانية
التكوينية لما يعرف عادة بالاختلاف.
والأثر الأصل هو أدنى أو أصغر مستويات البنية الضرورية لإيجاد أي
اختلاف أو تضاد بين المصطلحات أو المفردات، ولإيجاد ما يمكن أن تحل هذه
المصطلحات أو المفردات مكانه وتنوب عنه (إي إيجاد أي علاقة مع الخارج).
وقد عالجت النظرة التقليدية الميتافيزيقية هذا الاختلاف من منظور
أحد الضدين حتى يكون المضاد الآخر تابعاً ومشتقاً وثانوياً (وليس أصلاً
جوهرياً وضرورياً). وأصبح الضد الذي تتبناه النظرة الميتافيزيقية لا
يتاثر بحقيقة أنه هو ذاته لا يظهر ويتأسس إلا في علاقته مع النقيض
المنبوذ.
في مقابل هذه النظرة الميتافيزيقية يقوم دريدا بقراءة الأثر قراءة
تنقض الموقف الميتافيزيقي. فالأثر الأصل يرتكز على إدراك وظيفة
الاختلاف التكوينية، وتصبح قضيته قضية الإدراك ذاته. فالمفردة التي
تتسم بالامتياز في عملية التضاد البنيوي الاختلافي لا تظهر أبداً
بذاتها دون الاختلاف والتضاد، دون بنية العلاقة التي تمنح كل مفردة
شكلها ! وهويتها.
ونتيجة لذلك فإن الأثر الأصل هو انعكاس على أو انعكاس للشكل الذي
سيأخذه المصطلح المميز طالما هو لا يستطيع أن يظهر إلا من خلال بنية
ضدية ثنائية، إن الأثر الأصل هو ما يستدعي التأمل في عملية الظهور
المرتبطة أبداً بما يبرز للعيان (أو الفكر) في ارتباطه المتأصل مع
الآخر الذي ألزمته الميتافيزيقا مكانة الدونية والثانوية والخارجية،
دون هذه الثنائية الضدية يتعذر الإدراك وتستحيل المعرفة، ومن غير الأثر
الأصل لا وجود أبداً لمثل هذه الثنائية المتضادة، كما لا يمكن أن تظهر
مفردة أو مصطلح دون أن ينطوي على بنية ضدية تجعله قابلاً للإدراك.
التأويل
Hermeneutics
يعنى التأويل بالاهتمام بمناهج لتفسير الأدب، وهو منشغل في الأصل
والأساس بتفسير وتأويل الكتب المقدسة، وتأتي كلمة التأويل hermeneutics
اشتقاقاً من الكلمة اليونانية Hermeneuticos التي تشير إلى المرء الذي
له القدرة على التفسير، أو جعل الأشياء واضحة، وترتبط الكلمة اليونانية
بهرمز Hermes رسول الآلهة، وهو إله الابتكار والطرق وهو المعروف بمكره
وقدرته على الابتكار واللصوصية، وكذلك فإن أصحاب منهج التأويل
المعاصرين يعرفون بمكرهم وخداعهم، غير أن قليلاً منهم نسبياً هم
اللصوص.
يعتبر التأويل في النقد الأدبي والثقافي المعاصر، منهجاً للتناول
وإماطة اللثام عن معنى النص (أو النشاط الثقافي الذي يرى من حيث كونه
نصاً) لا عن طريق إعمال الفكر أو التحليل العقلي الموضوعي، وإنما
بالنفاذ إلى داخل النص، فالنص إن جاز التعبير – يعتبر عالم مقال
مكتفياً بذاته، ويرغب الناقد التأويلي أن يرتاد هذا العالم لا مجرد أن
يعرفه من خلال العمليات العقلية.
ففي مقال احتفالي – كثيراً – ما يعد من الأكثر خصوبة، يصف الناقد
الفرنسي جورج بوليه Geoges Poulet غاية الناقد التأويلي بقوله:
إنني أعتقد، شأن كل فرد، أن غاية النقد هي أن يصل إلى معرفة وثيقة
بالحقيقة النقدية، ومع ذلك، يبدو لي أن مثل هذه الوثاقة لا تكون ممكنة
إلا بقدر المدى الذي به يصبح التفكير نقدياً، وهو بمقدوره أن ينجح في
هذا الفعل – فحسب – عندما يستطيع أن يعيد الشعور والتأمل والتخيل لهذا
التفكير من الداخل، فلا شيء أقل موضوعية من حركة العقل، وخلافاً لما قد
يتوقعه المرء، فإن النقد ينبغي أن يكبح نفسه من رؤية موضوع من نوع ما
(سواء كان شخص المؤلف الذي يرى على أنه آخر، أو عمله الذي يعتبر شيئاً
ما) فما يتعين الوصول إليه هو الذات، التي هي نشاط روحي لا يستطيع أن
يفهمه أحد، إلا بوضع نفسه في مكانه ويلعب الدور مرة أخرى داخلنا بوصفه
ذاتاً.
ومن ثم فإن النصوص الأدبية لا تقبل التحليل، وعوضاً عن ذلك يتم
تجليتها حيث ينفذ الناقد داخل العمل ويجوس بين جنباته خيالياً، لا أن
يقف خارج النص ويراه من حيث كونه موضوعاً للدراسة، ففي التأويل يكون
التركيز على النص، وفي هذا الصدد يختلف التأويل عن نظرية التلقي
reception theory، تلك التي تركز على الدور الذي يلعبه القارئ في النص،
لا في المعنى المزعوم الذي يحتويه النص. والتأويل يختلف أيضاً عن
التحليل البنيوي، الذي يميل إلى معالجة النص بوصفه موضوعاً للتحليل،
ليرى كيفية إنتاج المعنى، والكيفية التي تتم بها تأثيراته، كما يختلف
التأويل عن التناول المارك! سي، الذي يهتم بأمور من قبيل إنتاج النصوص،
والقوى الاجتماعية والاقتصادية الفاعلة في المجتمعات التي أنتجت
النصوص. |