الآن تأكد لي لماذا انهزم العرب!

قراءة في ردود الفعل حول إعدام صدام حسين

ادريس هاني

ربما يظن من لا يعرف كاتب هذه السطور أنه سوف يعزف النغمة ذاتها التي جعلت  الكثير من المثقفين والعوام من  العرب  سواء بسواء، لا سيما في مغاربنا،  مثل سرب من الفئران مهرولين خلف  عازف ليل و ساحر لعين يريد إلقاءهم في بحر من المغالطات. لا سيما وهو يخالف جمهورا ممن يجهلون كل شيء عن العراق ما عدا صور التزييف التي تشحن بها أذهانهم  بالليل والنهار و لا تملك من منطق الوقائع سوى عنوان المناهضة للمشروع الأمريكي والصهيوني كما لو كانوا حقا في طليعة النضال بالنفس والمال في سبيل مواجهة هذا المشروع.. لكن الذين يعرفونه سيعلمون لا محالة  موقفه الثابت سلفا..ليس لأنه نابع من إحساس طائفي أو أيديولوجي أو من أي منطلق آخر، بل لأنه نابع من إصرار على الإنصاف ومن  موقف إنساني طالما كان  مفقودا في كل القراءات  المغالطة حول إعدام صدام حسين صبيحة يوم عيد الأضحى.. ولأنهم يدركون أن موقفنا من صدام كان منذ أن كان عميلا للولايات المتحدة الأمريكية ومن هناك بدأ بالتأكيد..وهو رأي ينتصر للحقيقة وللمظلومين ولا تتحكم به حسابات حزبية ولا أطماع مادية أو معنوية، فكاتب السطور فوق أن يعلمه المقلدة كيف يجتهد رأيه ويتحقق من الأمور كما يجب، لأنه لم يطلب معرفته من الصحافة ولا من الشعارات ولا من إيحاءات طائفية بل لقد شاهد بعضا من الدم العراقي المسفوح ورأى الدموع ورأى الفقر ورأى التشريد ورأى ما لم يره  مطربوا صدام حسين وكل الذين تحولوا بقدرة قادر هذه الأيام إلى بكائين بلا دموع على طاغية بغداد ونظامه المقبور.. لا أحتاج أن أذكر إخواني المغاربة تحديدا  بأنني حتما وبحكم اعتبارات كثيرة  أخبرهم بهذا الديكتاتور الفاسد  وبسيكولوجيته المريضة، حيث عرفته من خلال قربي واحتكاكي  بالملف العراقي ومآسي أبنائه وعذاباتهم لا من خلال عطايا صدام وكوبوناته أو منحه الدراسية أو الاشتغال داخل قصوره التي فاقت العد و الخيال..كم كان الأمر سهلا على مثقف أن يسلك طريقه إلى صدام لكي يحظى بهداياه التي ملأت دنيا العرب وغير العرب نكاية في صوت الأحرار ممن قاوموا طغيانه العاري ولم يلتفت إليهم  أحد طيلة هذا التاريخ الحافل بالدم والجرائم المنكرة.. حينها كان مجد صدام الشخصي يبنى فوق جثمان الشعب العراقي الذي اشتد حبل  الطغيان حول عنقه أكثر من ثلاثين سنة..أعواد مشانق أقيمت في ساحات بغداد.. أصبح القتل العبثي طقسا  يوميا لنظام المقابر الجماعية لم يشهد له نظير البتة حتى في روسيا ستالين وألمانيا هيتلر..إننا نقدر أولئك الذين جهلوا ولا زالوا يجهلون وربما يحبون أن يجهلوا ويتجاهلوا واقع العراق وتناقضاته..وهم في الأعم الأغلب  كانوا نزلاء  في قصر الضيافة يتحركون بين عيون صدام وعبيد نظامه المقبور تحيط بهم الهدايا من كل جانب ويغرقون في بحر من المديح للطاغية.. وهو طقس استمر طويلا في بغداد..إن الرأي العام العربي يجهل الكثير عن العراق..وهذا ليس غريبا..اقرأ سيكولوجيا الجماهير لغوستاف لوبون كي تقف على حقيقة ما نقول..الحقيقة ليست بالضرورة ملازمة للموقف الجماعي..والله جل وعلا ذكر بأن: " وما آمن به إلا قليل " و " وقليل من عبادي الشكور" وفي المقابل " أكثرهم غافلون" و " كثير ما هم " وحتما، إن أكثر الناس لا يعلمون..أذكر موقف  ريجس دوبرييه حينما قال بكل صراحة على إثر الموقف الفرنسي من حرب الخليج الأولى، بأنه فقد ثقته في الرأي العام..وليس ذلك غريبا  في فرنسا حيث الثقافة السياسية أعلى وحيث مستوى التعليم والوعي أكبر..كيف سيكون حال الرأي العام في بلداننا ذات الأغلبية الأمية وذات الوعي الذي يصاغ في وسائل إعلام تعاني من ضعف المهنية وفيها تضيع الحقيقة بين مفارقات المغالطين..في أكثر المواقف التي بادرني بها أناس عاديون أبدوا رفضهم لإعدام صدام، بمجرد أن أحدثهم لمدة خمس  دقائق عن حقيقة صدام يقولون فورا: هذا ملعون..حدث هذا في مناسبات متفرقة..لك أن تتأمل كيف يتحول صدام من رمز وشهيد إلى ملعون في نظر هؤلاء في ظرف خمس دقائق..هكذا تستطيع أن تقيس منحنى الوعي عند الناس الطيبين الذي تخونهم المعطيات ويمحوا نور البصر من أعينهم ومن بصيرتهم الصور الكاذبة لعراق مزيف: عراق صدام حسين!..أحدهم حتى يقنعني بأن صدام كان شامخا وواثقا من نفسه وهو في طريقه إلى منصة الإعدام ـ  وكأنهم كانوا يترقبون أن يأتي زحفا على بطنه، وهم لا يدركون أن الجزار الذي ألف الذبح لا تخيفه السكاكين كما تخيف من لم يذبح دجاجة في حياته..وكان صدام قد ألف الذبح و آنس بالموقع نفسه الذي أعدم فيه وهو يعرفه أكثر من أولئك الذين زاروه للمرة الأولى وقد شهد ألوف المشانق..هل هؤلاء يفاجئهم انتصاب أعواد المشانق ـ يقول:" لا، هذا ليس صحيحا.. الرجل جاء واثقا من نفسه..أنت ترى حتى المسيح لما اقتادوه إلى  الصليب كان  يرتعد خوفا من الموت"!؟

طبعا لقد  صارت المسألة غاية في الهزل..قلت: "فهل المسيح صلب أم شبه لهم..وهل كنت معهم ومن قال ذلك من المسيحيين أو المسلمين؟!"..لا أرى في مثل هذه الأجوبة  ما هو أغرب مما نجده عند محللين كثر، مسكوا بعصا  الحكمة وصعدوا منابر الوعظ، لكي  يعطوا للشعب العراقي درسا فيما يجب أن يكون وما لا ينبغي أن يكون..وهم دائما خطؤوا الشعب العراقي في كل مواقفه قبل الاحتلال وعند الاحتلال..علينا إذن أن نفرغ العراق من أهله ونسكن فيه الأغراب..يا لها من وقاحة!

لكن عليك أن تفتش داخل هذه الأذهان التي لا تريد أن تعرف الحقيقة..إن صدام يفوق الخيال ويفوق عظمة  السيد المسيح.. لو أردنا أن نؤول ما يجود به اللاوعي البائس لسيكولوجيا الجماهير المضللة والمهجوسة بالهزائم والإحباط، لقلنا إنهم يرون صدام من سنخ الأنبياء.. بهذا المنطق نستطيع أن نفهم كيف مجد التاريخ العربي الحجاج وأمثاله دون أدنى إحساس؟!

لقد أعدم صدام، أي نعم..لكن حدث ذلك بعد أن ثبت الحكم عليه في محكمة عراقية واضحة شفافة عرضت فيها جميع الوثائق وتمت مناقشتها وفق المساطير المتبعة في العقوبات ووفق أصول المحاكمات الجزائية العراقية..والقضاة  الذين توالوا على المحكمة معروفون ومارسوا القضاء سنوات عديدة في زمن صدام نفسه.نعم، كانت المحكمة تحت الرعاية الأمنية للمحتل. شاء القدر أن يكون الأمر كذلك لأن صدام لم يكن بإمكانه أن يريح العراق وأبناءه بسلام، لقد أبى إلا أن تحتل بغداد  بأسهل مما احتلها التتار ذات مرة.. ليس هذا غريبا لأن الملف الأمني في يد المحتل حتى في المناطق الشيعية نفسها وإلى حين المحاكمة ؛ وهو المحتل نفسه الذي أمن سير المحاكمة كما أمن حضور محاميي صدام الذين تقاطروا من كل حدب وصوب ولم يدافعوا قانونيا عن صدام بقدر ما ناوروا كفاية وبغوغائية ليلبسوا على العدالة.. وقد منحهم أمن الاحتلال الحق في أن يغالطوا في المحكمة ويناقشوا في المسلمات ويهينوا الشعب العراقي ويعتبروا ضحايا المقابر الجماعية خونة ومجرمين، فقط من أجل أن يمارسوا استعارضهم القبيح كأبطال في زمن عربي بئيس أصبح من السهل أن يتحول الجلاد إلى ضحية بخيمياء الدجل والعناد والتزييف، ليؤكدوا كم  كانوا يحترمون حقوق الإنسان وكم هم أوفياء لها ولم تهز بدنهم لمرة واحدة الوثائق التي دانت صدام وأعوانه في ملحمة القتل الجماعي في حق هذا الشعب المعذب..بل الحق يقال، إن صدام حتى قبل الاحتلال كان يمارس جرائمه في حق الشعب العراقي ولا أحد من هؤلاء وقف موقفا يجرم صدام..بقدر ما حملوا على نظم أخرى وزعماء آخرين!

لا يهمنا أن صدام أعدم يوم العيد، وليته لم ينفذ فيه الإعدام يوم العيد..هذه شكليات كما أن تدخل الاحتلال لا يطال جوهر القضية، بل تأثيره أيا كان لا يمكن أن يمس إلا أعراضها.. فحتى لو فرضنا أن ذلك التوقيت يشكل جريرة أو كونه مستقبحا عرفا، فهو ليس محرما في الشرع كما لا تجرمه القوانين وقصاراه أن يكون مستقبحا، وقبحه تنسيناه كل المقاتل والجرائم التي مارسها صدام في حق الأبرياء من الشعب العراقي في أشهر الحرم والأعياد، بل إنه خاض حربا ضد جارتين مسلمتين إحداهما عربية،  في الأشهر الحرم، فلا هو  اتقى الله يومها  ولا هو تورع ولا أحد من هؤلاء المغالطين صاح واعظا كما أصبحوا اليوم وعاظا ونصبوا منابر للحديث عن حرمة العيد والأشهر الحرم..وقد تكون تلك وجهة نظر يجب تفهمها، وإن تعددت القراءات حول محاولة تهريب صدام، وهو أمر ممكن جدا بلغ حدا  أثار غضب عوائل الشهداء الذين ضغطوا بما فيه الكفاية لأجل تسريع التنفيذ لو لا أن الاحتلال كان يضغط باتجاه التأخير..لكنه نقاش لا علاقة له بقانونية وشرعية المحكمة وإدانة صدام وأعوانه..ومع ذلك فالنقاش في التفاصيل والتوقيت ممكن ومشروع.. حيث ما يهمنا هنا هو موقف الشعب العراقي نفسه الذي بات لا يراه هؤلاء جميعا وكأنهم اختزلوا العراق كله في صدام وحفنة من معاونيه وعشيرته.. يقول عبد الباري عطوان في مقالة له أشبه بقصيدة رثاء بائسة، بأن صدام  كبير في حياته..كبير في شهادته !؟..لا يكاد المرء يقف على شيء جدي في ما يقوله ويكتبه عبد الباري عطوان..وهو إذ يجرم ويشيطن ويتهم المعارضة العراقية بالأمس والحكومة العراقية اليوم بكل صنوف الخيانة، لا يقدم نفسه للرأي العام العربي  بشفافية كنصير تقليدي لصدام وكحاقد قديم على معارضيه..السيد عبد الباري عطوان ليس صاحب رأي موضوعي مجرد.. ولكنه يملك قدرة خاصة على تحريف الحقائق وإيقاع العوام في حبائل تحليلاته المزيفة.. سمعنا قبل سنوات أن السيد عبد الباري كان مدعوما حتى النخاع من قبل  صدام حسين، وهو الذي ينشر جريدة في المهجر بعدد من الصفحات ومن دون إعلانات لا يمكن أن تصدرها  إلا شركة أو مؤسسة كبيرة..وقد سمعنا أنه يدير كل أسهم صدام في شركة آشيت الفرنسية..وبأن حسين كامل زوج رغد صدام حسين الذي قتله صدام، هو نفسه سلم مبلغا كبيرا بالدولار الأمريكي للسيد عبد الباري ذات يوم كما حكى ذلك لبعض العراقيين الذين التقوا به في منفاه الاختياري  بعمان..وسمعنا ويا ما سمعنا.. وقيل هذا وأزيد..بل إن هذا الفارس العربي المزيف  الذي ملأ الدنيا صراخا كان يتعرض لكل صغيرة وكبيرة تحدث في سورية في زمن الحصار الأمريكي والإسرائيلي على سورية، يفعل ذلك دفاعا عن صدام خصيمها التقليدي  وليس دفاعا عن المواقف القومية كما يدعي..لأن صدام يشتري الذمم والسيد حافظ الأسد لم يشتر أنصاره..ليبس لأنه فقط لا يملك ما يكفي من البيترودولار، بل  تلك قصة مدرسة أخرى.. في المقابل لم يتحدث عن سلبية واحدة وعن موقف واحد ضد جريمة قام بها صدام يوم كان صديقا لرامسفيلد وفي مأمورية الأمريكان؛ وبالتالي الصهاينة في منطقة الخليج..إن السيد عبد الباري عطوان باع نفسه للنظام العراقي وكذب على الرأي العام العربي وهو في هذا الموضوع تحديدا يكيل بمكيالين.. لكن ليثق السيد عبد البارئ عطوان بأنني لن أصدق بما يقال، وشخصيا أحاكم القائل على ما قال لا أحاسبه على اتهامات حتى لو ثبتت عندي بالوثائق والدليل.. فبقدر ما أقدر مواقفه القومية والإسلامية في قضايا عديدة إلا أنني أختلف معه جذريا في موضوع العراق..السبب بسيط، سواء أتعلق الأمر بعبد الباري عطوان أو غيره ممن اصطف ضد المعارضة العراقية حتى قبل احتلال العراق، بل وحتى لما كان صدام حليفا للولايات المتحدة الأمريكية في حين كانت بعض التنظيمات في   المعارضة العراقية مدرجة أمريكيا في لا ئحة  المنظمات  الإرهابية..وأيضا من اصطف ضد المعارضة المذكورة وهو يجهل شخوصها وبرامجها وأسماء أصحابها لأن لا أحد منهم كان يجرأ أن يقترب من المعارضة العراقية حتى لا يزعج النظام العراقي ولا أحد منهم كان يقبل أن يتواصل مع خصوم صدام حسين أو يسمع حتى لظلامتهم..هؤلاء لم يتعرفوا على هذه الأحزاب والتنظيمات والشخصيات واكتفوا بترديد كل القاموس التخويني الذي كان يلاحق به صدام معارضيه وضحاياه، رددوا ذلك كببغاوات و كأطرش في الزفة، ثم اليوم يتحدثون عن إحقاق الحق وعن القوانين وعن العدالة والتسامح، وأصبحوا جميعهم  ملائكة وحكماء ورسل السلام وآباء كنائس وكلهم يحفظون رثاء موحدا..وليس دفاع عبد الباري عطوان عن صدام كرمز إلا من جنس دفاعه عن التكفيريين الذين فجروا الأسواق وأرهبوا المارة..إن عبد الباري عطوان لا يحلل ولا يفكر، بل هو يرسم مواقفه بعناد و على خلفية ثابتة وقارة..صدام خط أحمر حتى لو كان أبشع ديكتاتور عرفته الدنيا..لو لم يعدم في العيد لوجدوا قصة أخرى ولحبكوا على ألف منوال..هل يستطيع عطوان وأمثاله أن يقنعنا بأن صدام لو حوكم في محكمة بلاهاي سيعترفون بأنها محاكمة عادلة..أو هل سيعتبر إعدام الطاغية عدالة لو أن صدام أعدم بقرار نبوي و برضا الدنيا كلها ؟! هذا لا يصدق..فصدام أولا ثم تأتي الحقيقة ثانية..صدام هو البطل ولا يهم ما فعل ولو بشعته الشرائع واستقبحته الأديان وجرمته القوانين. ينسى هؤلاء أنهم باستهتارهم هذا يعمقون الإحساس الطائفي، ويستفزون ضحايا صدام وهم يعدون بالملايين.. يتعين أن نعري الموضوع من قصة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لأن هذه الشماعة لن تحرف الأنظار عن اللحظة التاريخية التي تحققت فيها العدالة الإلهية.. ويبدو أن شيعة العراق لم يظلموا على قدر سواء مع باقي الأطياف الأخرى فلنكن منصفين وصرحاء..ولكنهم حينما طالبوا بمحاكمة صدام فلأنهم مظلومين لا لأنهم شيعة..الذين جعلوا من صدام قربانا شيعيا  كما تتحدث بعض وسائل الإعلام هم  بالأحرى الذين اعتبروه رمزا للسنة..وهو حقا ظل رمزا في نظر هؤلاء لأنه فتك بالشيعة في العراق.. لا أعتقد أن أمريكا قادرة على النجاح في مخططها الطائفي  في منطقة الشرق الأوسط، بقدر ما يستطيع هؤلاء الذين لا زالوا يمجدون ديكتاتورا دمويا لم تثبت جريمته عندهم فقط وفقط لأن الدم المسفوح كان شيعيا وليس سنيا..ولأنه كان كرديا وليس عربيا..الاستهتار بجرائم صدام قبل الإعدام وبعد الإعدام، يعكس الموقف المبطن تجاه الدم الشيعي الرخيص..يتحدث السيد عبد البارئ عطوان عن أن الاهتمام العالمي غير المسبوق بإعدام صدام والطريقة الوحشية التي تم بها، يؤكدان أهمية الرجل ومكانته البارزة ودوره المتميز في تاريخ المنطقة..ولا ندري هل بالإمكان ان نستخلص قضية منطقية من هذا الكلام..ولا ندري ماذا يعني عبد الباري عطوان بالاهتمام غير المسبوق، وكيف تم استنتاج المكانة البارزة لصدام..وإذا كان صدام رمزا لهم وليس للعراقيين، كان أولى أن يسلطوه عليهم في  بلدانهم لا أن يظل فوق رؤوس العراقيين.. ثمة بلا شك جملة من الإسقاطات التي لا يخلوا منها تحليل هؤلاء للوقائع، فيتصورون أن رمزية صدام في أعين العالم هي متضخمة بالحجم المرضي نفسه  الذي يجدونه في أذهانهم..وقد دلت الوقائع أن صدام وجد نفسه مكشوفا أمام التاريخ، حيث لم يجد له في ملايين الشعب العراقي من يترحم عليه ما خلا بعضا من عشيرته وبعض أعوانه وعملائه في الداخل والخارج والكثير من الأغراب عن العراق ممن نصبوا أنفسهم أدرى من الشعب العراقي بمصالحه.. لقد رمزوا صدام قبل الاحتلال ؛ لا  بل رمزوه  حتى لما كان عميلا للولايات المتحدة الأمريكية..لقد قدموا الولاء لمن يدفع أكثر ويسمح لهم بالكثير من الثرثرة باسم الثورة والنضال والتحرر..لقد مسخ هؤلاء المعنى الجميل للثورة والنضال والتحرر، لما أصبح كل ذلك سخرة ومسرحة وثرثرة ومزايدة وعناد وتجارة..

يقول عبد الباري عطوان بأنهم خافوا صدام حتى وهو وراء القضبان، لذا سارعوا إلى إعدامه..طبعا السيد عبد الباري عطوان يتحدث ليس فقط كصحفي غير معني بجرائم صدام، بل كمستفيد سابق من عطايا صدام وكحاقد أيضا على شيعة العراق وكرده..وهو لا يريد أن يقول الحقيقة، بقدر ما  يحاول أن يكتب خواطر بالمناسبة، لأن المسألة مسكونة بداء المكابرة..ولا يخفى أن ضحايا صدام وعوائل الشهداء الذين يعدون بالملايين في العراق كانوا منذ البداية منزعجين من تأخير المحاكمة والتنفيذ..ما الغريب أن تكون نهاية طاغية مجرم بين يدي ضحاياه..ماذا لو لم يكن ثمة احتلال وسقط طاغية بغداد بين يدي الشعب العراقي..والحق أن صدام لا يحتاج حتى إلى محاكمة، لأن جرائمه مشهودة ومتواترة وفاقت الخيال..هؤلاء الذين يتحدثون عن كراهية وحقد على صدام وهم يقلبون الحقائق ويدوسون على كرامة الضحايا، يغالطون حتى في مشاعرهم..لنفترض أن هناك من يحقد من العراقيين على صدام يا ملائكة، أليس من حق الضحية ومن قتل أبناؤهم وأطفالهم بلا رحمة ولا شفقة وبالشبهة والظنة  وهجروا وشردوا أن يحقدوا ؟!..هل الاستبداد بلغ مبلغه ليمنع الضحية حتى من الحقد على الطاغية ؟!..هل ثمة شرعة في الدنيا تمنع المظلوم من أن يحقد على ظالمه وقاتله؟!ولماذا  سن القصاص وشرعت الحدود وقامت القوانين الجزائية ونظام العقوبات إذن، إلا لتهدأ النفوس وينتزع الحقد والكراهية من الصدور  وتتحقق العدالة..وهل العدالة إلا ثأر مقنن وهل الثأر إلى عدالة عمياء كما يقولون ؟! لكن هؤلاء الذين يحدثوننا عن الحقد، أليسوا هم أكبر الحاقدين على المعارضة العراقية لأنها عجلت بفوات مصالحهم وقصة الكوبونات والقصور والفيلات ـ ومنهم من لم يكلف شراء ضميره إلا تذكرة سفر وإقامة في قصر الضيافة بضعة أيام  ـ التي كانت  بمثابة جوائز صدامية مقابل مسخ ضمائرهم وفسادها..لقد أمنت الولايات المتحدة للطاغية محاكمة طويلة زادت من عمره بخلاف ما كان يأمله الشعب العراقي. وأمنت لمحامييه طريقا آمنا يحول دون وقوعهم في يد أمواج من ضحايا صدام أهينوا كل الإهانة حينما أمنت لصدام محاكمة عادلة وشفافة لم يظفر بها ضحاياه يوما، ومنهم علماء ومراجع دين وسياسيون هم أرفع منه قدرا في وجدان الوطن وفي وجدان الأمة وفي وجدان التاريخ..وهم وحدهم الذين يزدان بهم العراق بقدر ما يقبح بوحشه الكاسر.. وإن من قتلهم صدام من أمثال الشهيد السيد الصدر وأخته الحاجة بنت الهدى أو لاحقهم بالاغتيال في عواصم عربية وغير عربية كاغتياله للسيد مهدي الحكيم في الخرطوم  والسيد حسن الشيرازي ببيروت والسيد صادق الصدر في العراق وقطع رؤوس مجموعة الطلبة العراقيين في باكستان وغيرهم من شرفاء وأعلام العراق هم أنبل وأشرف من كل الذين يمنحون وسام الشهادة من كيسهم لصانع المقابر الجماعية..وإن قافلة الشعراء الذين نفاهم أو سحب منهم الجنسية العراقية وألقى بهم في العراء منذ الجواهري حتى مظفر النواب هم أشرف من كل الشعراء الذين يرثون جلادهم اليوم..لقد عبر هؤلاء جميعا على أن العراق أعدم، لأنهم صدقوا وأيدوا دعوى صدام: "أنا العراق!"..فهم لا يرون العراق قائما بذاته بل يرونه عراقا قائما  بصدام و بكل العصابة التي سقطت كلعنة فوق العراق..وتكفي تلك أكبر إهانة للعراق وللشعب العراقي ولتاريخ العراق.

 لم يكن الشعب العراقي يخشى صدام حتى وهو أسير كما يزعمون، بل إن الدعم الأمريكي لهذا النظام الحديدي هو الذي جعل الشعب العراقي يعيش المنفى في وطنه والغربة في بلده كما تغنى البياتي قائلا:

وطني المنفى

منفاي الكلمات

صار وجودي شكلا

والشكل وجودا في اللغة العذراء

 وغيره من شعراء العراق الذين بكوا محنتهم على أرصفة العواصم العربية وغير العربية، ولم يسمع لهم أحد بحة ولا "جاب لهم خبر "!

يتحدث عبد الباري عطوان  عن وجود شعارات طائفية بغيضة أمام رجل لم يكن طائفيا..وي وي.. صدام ليس طائفيا؟! لمن يقال هذا الكلام ولأي غبي  تحكى هذه الأكذوبة ؟! وجب أن لا نتسامح في وصف صدام بأنه قسم ظلمه بالعدل على كافة العراقيين، أصبح هذا التسامح ضارا بالحقيقة ؛ والحق أن صدام فتك فتكا طائفيا بشيعة العراق كما فتك فتكا شوفينيا بالأكراد.. ولا ندري هل حقا  أن ما نطق به بعض ممن حضر الإعدام على افتراض عدم صوابية الموقف، كان طائفيا..فترديد الصلاة  من قبل شخص على طريقة أتباع مقتدى الصدر مسألة  طبيعية وعفوية يرددونها ضد الأمريكان وضد إسرائيل..وقد كان السيد مقتدى في نظر السيد عبد الباري عطوان وأمثاله بطلا ومقاوما قبل فترة..لكن ترى هل حقا صدام لم يكن طائفيا؟!..كم قتل من مراجع وعلماء الشيعة بلا رحمة ولا شفقة وفي أشهر الحرم ولم يسمح لأحدهم حتى أن يقام عليهم عزاء وتقرأ عليهم الفاتحة..من نطق يومها من هؤلاء الذين يتحدثون اليوم عن الحرمات كقديسين، ومن منهم  أسمعنا وقتها شيئا من هذه الاحتجاجات ؟! لقد حاول عبد الباري عطوان وغيره أن يصوروا صدام في رباطة جأش، وهو يستقبل الموت بشجاعة..مهم جدا  أننا عرفنا الرموز الذين يفيض بهم خيال السيد عبد الباري عطوان!؟ مرة أخرى هناك جهل كبير بسيماء الوجه وعلم الكاركتير..إذا كان صدام قد أبهر العالم برباطة جأشه واستقباله للموت وأحرج بثقته من أرادوا أن يصوروه، كان يفترض أن يكون بطلا مشرفا..فلما الإحساس إذن  بالإهانة ولما هذا الاجتهاد للي الحقيقة وإعادة تشكيل المشهد وأسطرته بالكثير من التغليط.. رباطة الجأش عند صدام كما عودنا في فترات طغيانه لا تشبه موقفه وهو يسعى إلى المشنقة أو هو محجوز وخارج من  حفرة الذل..فإذا غم عليك الأمر فقس الحاضر بما مضى..فهذه الحالة غريبة وغير معهودة من صدام في كل مواقفه  التي يبدي فيها رباطة الجأش وهو محاط بألوف من أعوانه،  منهم من نرى ومنهم من لا نرى..حالة بدا فيها ديكتاتور العراق شاحبا يحاول أن لا يسمح للواقفين أمامه بأن يتملكهم الإحساس بالشماتة بعد أن عبر عن يأس كبير  لا مثيل له..تمسرح صدام لا حدود له..لقد بكى يوما من قتلهم بلا شفقة ولا رحمة من رفاقه البعثيين أنفسهم..صدام يدرك أنه ميت منذ ألقي عليه القبض، ولم يكن يأمل في مخرج بعد أن وقع في قبضة العدالة العراقية..تلك هي مفارقات طاغية..كان علينا أن نسأل كيف عاش صدام في سجن الاحتلال..وهو يحرص على طلب الشوكولاته الأمريكية  ويحرص على التشبب و تخضيب شعره وهو الذي كان يفترض أن يحزن على حال بلده وعائلته.. إن عبد الباري عطوان يعود إلى نموذجه فيعدنا بخروج القاعدة مرة أخرى من إعدام صدام كما خرجت من الغطرسة الإسرائيلية في لبنان و العجرفة الأمريكية في العراق..لا ندري حقا هل نحن أمام إعلاميين يدركون ما يقولون أم هو الهذيان..فالقاعدة خرجت من رحم التدريب والدعم الأمريكي لما كان يعرف بالجهاد الأفغاني يومئذ.. وهم أبعد عن أن  يكون لهم مشروع في العراق سوى الحديث عن إعلان خلافة ونظام على غرار نظام  طالبان، في بلاد الرافدين. وأما لبنان، فلا ندري كيف خرجت القاعدة من رحمها وهل كان في أجندة القاعدة يوما مشروع لمواجهة إسرائيل..الحقيقة أن صدام الذي اعتبره عبد الباري عطوان زعيم الشهداء وشيخهم يؤكد مرة أخرى كيف يسيء هؤلاء اختيار رموزهم وكيف لا يمتلكون قدرة على التمييز بين المجرمين وبين الأبطال؛ حقا لديهم أزمة في الرموز !..إذا كنا نعتبر أن السنة هم أشرف من أن يمثلهم صدام.. فليس من حق أحد  أن يمنع أحد من  أن يعتبره رمزا للسنة ـ لا  إشكال في ذلك ـ لكن هذا لا يمنع من أن تتحقق العدالة في حق مجرم شكلت حقبته عنوان القمع العراقي، وليس من حق أحد أن يعطي دروسا للعراقيين ويتحدث عن الشعب العراقي وهو يجرم غالبته العظمى، فذلك منتهى التغليط....ثمة عبارة قالها السيد عبد الباري عطوان وأحسبها غاية في التغليط. قال في إحدى الصحف المغربية:" هناك مؤاخذات على الرئيس العراقي صدام حسين إبان حكمه وهناك أيضا سلبيات.(...) لكن ينبغي أن نقرأ أن صدام حسين لم يعدم اليوم بسبب هذه السلبيات أو لأنه ديكتاتور..صدام أعدم بسبب إيجابياته واعدم لأنه تصدى للمشروع الصهيوني والهيمنة الأمريكية واعدم لأنه أقام قاعدة علمية ضخمة في العراق وامتلك أسلحة متطورة في خدمة المصالح العربية وأعدم لأنه أطلق 87 صاروخا على إسرائيل والاهم من هذا كله أن صدام كان دائما مع الوحدة العربية وكان إلى جانب شعبه وإلى جانب أمته في كل محنها. فلهذه الأسباب كلها أعدم صدام حسين ولم يعدم لأنه ديكتاتور أو لأنه ارتكب بعض التجاوزات في حقوق الإنسان"..

هكذا يلخص السيد عبد الباري عطوان موقفه وهكذا يمارس التدجيل على الرأي العام ويخفي الحقيقة كإعلامي شاهد على جرائم صدام لكنه ساكت عليها ككل الذين سكتوا لكن انطلق لسانهم فقط يوم أنصف التاريخ المظلومين رغما عن كل الذين خذلوا الشعب العراقي واغتنوا على حساب عذاباته و تمجيد جلاده وتزييف صورة الطاغية بتغليط الرأي العام في الخارج..فالذي يتهم المعارضة التي رجعت إلى وطنها وقادتها صناديق الاقتراع إلى الحكومة، بالخيانة وبالعصابة، يمكنه أن يقول كل شيء..لكنهم نسوا أنهم  خانوا الشعب العراقي لما سكتوا عن ويلاته واغتنوا بالمال العام العراقي الذي وزع بكرم حاتمي على فاسدي الضمير.. بينما الذين ناضلوا وسجنوا وعذبوا هم خونة!؟..تلك هي مفارقة العقل العربي هذه الأيام..أمريكا بالتأكيد يروقها أن يعدم صدام..وإسرائيل أيضا..لكن ما ذنب الضحايا ؟!  هل سنكفر بموسى إذا  تعبد بنبوته من هم في إسرائيل اليوم..أو نكفر بالمسيح لأن أمريكا تؤمن بالمسيح.. هؤلاء يحملون كراهية لليهود والمسيحيين ولأمريكا..وليس غريبا أن تجدهم يوما يكرهون نبي الله داوود حينما قاتل جالوت فقط لأن الأول من بني إسرائيل والثاني فلسطيني..فإذا أحبت أمريكا شيئا يجب أن نكرهه  والعكس صحيح..نحن نقول لهم إننا ضد المشروع الإمبريالي وضد الظلم الأمريكي والصهيوني ولكننا لا نحقد حقدا أعمى..لقد كان صدام حاقدا على أمريكا ليس لأنه كان مناهضا لأمريكا، بل لأنها نازعته سلطته وتخلت عن أدواره كعميل غير مرغوب فيه.. وإلا كيف يناهض أمريكا وهو الذي خرب الشرق الأوسط واستقوى عليه بفضل الدعم الأمريكي. بل ما كان له أن يصل إلى السلطة إلا بمؤامرة انقلابية على حسن البكر تمت برعاية أمريكية مشهودة..هناك من راقه ويروقه إعدام صدام حتى من أولئك الذي خاضوا أعظم ملحمة فدائية ضد إسرائيل..سيروق ذلك لإيران وهي تواجه المشروع الأمريكي والصهيوني أكثر مما حلم به السيد عبد الباري عطوان  وسيروق ذلك لحزب الله الذي قدم درسا في الصمود والمقاومة لم يخطر على بال من أصبحوا مولعين بتقديم دروس في المقاومة وهم الرعديد خلف العريش.. بل سيروق ذلك حتى للبعث السوري الذي تآمر عليه صدام أكثر من أي جهة أخرى.. فصدام الذي سرق البعث العرقي وفتك برموزه التاريخيين وأبقى على المتملقين وحال دون تحقيق حلم  التوحد مع نظيره السوري، هو أفشل في أن يقف مع المصالح العربية..لم تتدخل أمريكا في العراق لما كان صدام يفتك بمواطنيه بطريقة وحشية لم نجد مثالا لها إلا في عصور الظلام، وهي إذ سكتت عن جرائمه يومها لم تفعل أكثر مما فعله أمثال عبد الباري عطوان وغيره ممن سكتوا أمام أبشع الجرائم التي ارتكبها طاغية بغداد..يتحدث السيد عبد البارئ عطوان وهو نموذج للمطبلين والمزمرين لصدام، كما لو أن الأمر يتعلق بعصابة جاءت من السماء لا عن شخصيات انتخبها الشعب العراقي وهم يمثلون حقا ملايين من الشعب..وهذا معناه أن الأمر يتطلب أن  نمحي أغلبية الشعب العراقي من الخريطة ونسلم العراق لحفنة من بقايا النظام البائد وبعض المنتفعين..انظروا كيف يتسامحون مع عباراتهم ولا يهمهم التحقيق فيما يدعون..فبجرة قلم تصبح حكومة الائتلاف التي صوت عليها ملايين من الشعب العراقي تحت وابل من الرصاص والتهديد بالموت، مجرد عصابة..وفي المقابل يستطيع هؤلاء أن ينفوا حقائق على الأرض، وبأن يقولوا أن الذي ألقي القبض عليه في الحفرة ليس هو صدام بل شبه لهم في مسرحية أمريكية..وربما ليس هو من أعدم..وقالوا قبلها إن الزرقاوي ليس حقيقة وإنما هو أسطورة، اختلقتها الولايات المتحدة الأمريكية لتبرير بقائها في العراق..ثم سرعان ما اضطروا للاعتراف بوجوده بعد إصرار على النفي..إنه العقل الخرافي النافي للحقائق، وهو نفسه الذي أدى إلى أن لا يوجد الشعب العراقي في نظر هؤلاء،بل هناك فقط أشباح، ليس هناك إلا ما يسمونهم بعصابة الخونة الذين جاءوا على الدبابات الأمريكية..أسطوانة مكرورة ومملة يحفظونها بغباء وتتردد بين الأعلام والعوام..لا ندري هل سمعنا أن العصابة المذكورة كانت قد أجبرت الشعب لأن ينتخبها وهل الشعب مغفل حتى ينسى رموزه لصالح رموز من خيال الأغراب عن العراق.. وهي لعمري، إهانة للشعب العراقي حينما يتحدث هؤلاء عن شعب عراقي آخر  لا يوجد إلا في أذهانهم وفي مخيلتهم التي تضخمت بالصور الصدامية ومجد الطغيان المحفوف بالكوبونات: العصى للعراقيين والجزرة للأغراب..هكذا أرادوا للعراق أن يكون وأن يبقى وإلا فلا عراق..رضي العراقيون بإعدام صدام وكفر الأغراب بوقاحة، وكأن صدام حسين كان رئيسا لهم وليس رئيسا للعراقيين الذين كان لهم ذلك عيدا ثالثا..فرح العراقيون بإعدام الطاغية وأحس الأغراب بالإهانة..ومرة أخرى لا يراقبوا عباراتهم اللامسؤولة لما يقولون إنها إهانة للعرب والمسلمين..بذلك كانوا قد أخرجوا الشيعة العرب وغير العرب من العروبة والإسلام، وهم بالتأكيد لم يروا في ذلك إهانة، لأنهم يعرفون أنهم هم من فرض محاكمة صدام وأنه هو نفسه وبجرائمه مثل أكبر إهانة للعراق وللعرب والمسلمين.. ولكن دعنا نقف عند ما  زعمه السيد عبد البارئ عطوان. نحن لا نتحدث عن وجود إيجابيات مقابل سلبيات فيما يتعلق بصدام حسين..فالسلبيات أحيانا تقال في مقام التراخي في المواقف الوطنية أو في كل ما هو عدمي لا يرقى إلى الإيجاب..لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى صدام حسين، فلقد كان وحشا كاسرا مجرما قاتلا سفاحا  لا يتورع عن إبادة شعب بأكمله..كان بلاء على العراق وعلى العرب وعلى العالم الإسلامي..لم يعدم صدام لإيجابياته التي أحصاها السيد عبد الباري بكثير من المغالطة..لقد أعدم بسبب  إبادة جماعية وقتل للشعب العراقي بقضاء عراقي وقد شهد إعدامه ضحايا بطشه والعالم يرى أنهم كانوا أكثر تشبثا بتنفيذ الإعدام، لأن أمريكا يمكن أن تغير رأيها في موضوع المحاكمة ويمكن أن تدفعها المصلحة للاحتيال على القضاء العراقي. غير أن  الشعب العراقي هو من له المصلحة في إعدام صدام في كل الأحوال. لذا فإن اختزال الأمر في حقد شخصي بين آل بوش وصدام، قراءة تافهة وساذجة ومغرضة أيضا..إذا راق ذلك أمريكا، فلا يعني أننا يجب أن لا نرى في العراق شيئا سوى صدام وشرذمة من يتاماه وبعض التكفيريين الذين احترفوا المقاومة بقتل العزل في المساجد والمراقد المقدسة وفي الأسواق، وهم في نظر هؤلاء المتحمسين للمقاومة وفي نظر صدام الرمز، شجعانا وأبطالا..صدام أعدم بقرار محكمة عراقية بعد أن فشلت الولايات المتحدة في محاولة  تهريبه إلى مزرعة  بفلوريدا..لم يقبل صدام المساومة ولم يشأ أن يغادر العراق لأنه متشبث بأمل العودة إلى السلطة تعلقا مرضيا بلغ حد الخيال..ولأنه يدرك أن لا صديق يرحمه في الخارج، ولن تؤمن له أي دولة ألوف العملاء والأعوان الذين اشتراهم كعبيد..لكن إن كان ولا بد أن نتحدث عن أمريكا في الموضوع، فلنقل أنه راقها إعدامه، لا شك في ذلك..راقها ذلك ليس لأنه واجه المشروع الأمريكي والصهيوني، بل لأنه عميل فاشل لم يقبل أن يتنحى بعد انتهاء موسم حصاد الحروب القذرة وفق شروط الحرب الباردة..لقد أدى صدام وظيفة أمريكية في المنطقة وخرب الشرق الأوسط وأساء إلى العمل القومي والإسلامي..هل يريد السيد عبد الباري أن يحدثنا عن مغالطات؛ إذن فلنتحدث عن إنجازات صدام..لقد قدم هذا الأخير كل المبررات والمسوغات لاحتلال المنطقة برمتها..لا يريد أمثال السيد عبد الباري عطوان أن يصدقوا أن صدام هو الذي أغرى برعونته السياسة الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق، لكنهم أحبوا أن يسلوا  أنفسهم بأن الذي جاء بالاحتلال هو شلبي..وقد جعلوا من الشلبي جحا سياسي استطاع أن يؤثر على أمريكا أكثر مما يمكن أن يؤثر فيها أكبر لوبي في الولايات المتحدة الأمريكية..لقد منحوه وساما يصلح أن يدخل به إلى لا ئحة  دهات  العرب.. وقبل أن يشيطنوا المعارضة العراقية صنعوا منها أسطورة شريرة بكثير من الهذيان..إنجازات صدام الكبرى أنه قبل أن يخوض حربا بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل ضد دولة تعيش أجواء انتصار ثورتها..ما يقارب 8 سنوات من الحرب المدمرة العدوانية والعبثية التي اقتادت دولتين مسلمتين لأبشع حرب استعمل فيها صدام حسين كل أسلحة الفتك التي زودته بها الولايات المتحدة الأمريكية..هذا أول إنجاز قومي وإسلامي.. قومي لأنه يحتاج المرء أن يسأل سورية وهي البلد القومي الذي آوى حتى ضحايا صدام القوميين وغير القوميين، إن كانت الحرب العدوانية على جارة مسلمة هو في صالح الصراع العربي ـ الإسرائيلي..وهي إسلامية لأن صدام حينما غزا إيران أخرجها من الملة واستدعى موقفا تكفيريا، لما اعتبر الإيرانيين  مجوسا.. وقد لعب على الحبلين معا..ففي وسائل الإعلام العربية كان يحرض العرب على الفرس والمجوس والصفويين..وفي الإذاعة الفارسية الموجهة  إلى الرأي العام الإيراني كان يؤلب ضد الإمام الخميني ويقول للإيرانيين هذا رجل عربي الأصل وليس فارسيا،  لماذا  تقبلون به زعيما..خطاب للفرس وخطاب للعرب..هكذا كان صدام في الحالتين معا لا قوميا ولا إسلاميا..غزا الكويت ولم يقبل بأي وساطة وأقسم أن لا يخرج من الكويت وسيحارب الأمريكيين ويذيقهم الدم العربي ويسبي مقاتلاتهم..جاءت أمريكا إلى الكويت وانسحب صدام وظهور الجنود العراقيين الذين أكرهوا على هذه الحرب تستقبل حمم النار  والقذائف الأمريكية عزلاء..واصل ثرثرته  ولعبة شد اليد مع الأمريكيين، ووعدهم بالموت والمقاومة والقتال، لما جاؤوا فر إلى حفرة الذل وترك ثرثارا مثل الصحاف يمارس  دور حكواتي الحرب،  يعد العالم بالنصر وقد وجد نفسه فجأة يخطب أمام الغزاة..ضرب إسرائيل ببضعة صواريخ مفرغة من أي قدرة تفجيرية للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لكنه لم يمس إسرائيل حتى وهو على أهبت الهروب وتسليم العراق للغزاة..اصطف ضد العمل القومي..أفشل مشروع الوحدة بين العراق وسورية وحاول اغتيال الرئيس الأسد وآوى أبو نضال ورعى كل محاولاته للفتك بالفدائيين الفلسطينيين..لم نسمع أي تأييد مادي أو معنوي للمقاومة الفلسطينية ممثلة في حماس والجهاد والجبهة العامة وغيرهما.. كون جيش القدس ليقمع به كقوة خاصة في العراق انتفاضة الشعب العراقي، و آوىمنظمة خلق الإيرانية الإرهابية  التي غادر أكثر عناصرها إلى إسرائيل بعد احتلال العراق..طرد كبار الشعراء العراقيين وسحب الجنسية من بعضهم، ثم استضاف الشعراء العرب..قتل خيرة العلماء والمفكرين ورجال الدين في العراق ثم استقبل أتفه رجال الدين العرب من خارج العراق..قتل خيرة المناضلين السياسيين واستقبل أقبح السياسيين العرب..قتل المثقفين العراقيين ومد الجسور مع  الأغراب..طرد الملايين من شعبه وسحب عنهم الجنسية وعبر عن استعداد سخيف  لتوطين الفلسطينيين في العراق..أعطى بعض عوائل الفلسطينيين بعض المال متاجرة في قضيتهم لكنه فقر الشعب العراقي وجفف مياه الهور..عملية إبادة وتهجير ممنهج، كانت تلك هي إنجازات صدام..لا شيء من ذلك يهز مشاعر هؤلاء الموتى..ولكن مع ذلك يقول السيد عبد الباري أنها  مجرد "بعض التجاوزات"..ولا أدري مغزى هذا التبعيض، إذا علمنا أن ما سمي ببعض  تجاوزاته إبادة  أكثر من 5000 كردي في حلبجة بالكيماوي وتدمير مئات القرى في حملات الأنفال التي حصد فيها ألوف الأكراد، وقمعه للانتفاضة الشعبانية وحالة تطهير السجون التي ذهب ضحيتها ألوف الضحايا..هذا رصيد صدام من العمل القومي، لكنه في نظر محللينا لا تعدوا تلك أن تكون  مجرد بعض التجاوزات، وبلاغتهم: "ومع ذلك.."، "وإن.."،"نعم ولكن". والغريب أن السيد عبد الباري يتحدث عن أن صدام  أقام قاعدة علمية ضخمة في العراق وامتلك أسلحة متطورة في خدمة المصالح العربية..وقد بان بؤس التحليل، لما نتحدث عن بلد تم تضخيم مشاريعه في عهد صدام، قبل أن يكتشف العالم  بنفسه أنه إزاء دولة أفقرها طاغيتها حيث رأينا أن صدام فشل في أن يعمم الصرف الصحي وأن يخرج بعض القرى من وضعية القرون الوسطى..أما الأسلحة المتطورة التي كانت جائزته لقاء حرب العمالة ضد دولة جارة، ليس سلاحا نظيفا، وقد ظهر كيف كان ذلك في خدمة المصالح العربية، حيث بمجرد إنهاء الحرب على دولة جارة بادر إلى غزو الكويت وقضى على  ما تبقى من رمق في الجسم العربي..لقد كانت أسلحة في خدمة العرب في رأي الكاتب..ولك أن تتأمل إلى أي حد بلغ تغليط الرأي العام..الحديث طويل مع السيد عبد الباري عطوان، لكنني أحب أن أختم حديثي عنه، بالرد على استنكاره للموقف المغربي لا سيما وأن صدام  كما يقول السيد عبد الباري عطوان كان يحب ويقدر المغرب، كما تحدث عن عطايا ودعم صدام لبعض الأقطار العربية حاثا الحكومة المغربية على أن تكون متماهية مع الشعب المغربي الذي خرج بالملايين دعما للعراق..أقول للسيد عبد الباري عطوان وللكثيرين من أمثاله، بأن الموقف المغربي  كان على قدر من الفهم والنضج في هذا الموضوع تحديدا..ولا تحتاج الخارجية المغربية إلى دروس في هذا المجال لا سيما من أمثال هؤلاء المتاجرين في قضايا الشعوب والأمم.. هناك من أصحاب الكوبونات وسارقي الشعب العراقي في الخارج والداخل من يحاول توريط حكوماتهم في مواقف غير صحيحة ولا نافعة..إذا كان صدام قد اشترى من المغرب بعض الخضار وقدم النفط مقابل ثمن متفهم، فالمغرب لا يعني أن ثقافته السياسية كانت راضية على الثقافة السياسية التي أقامها صدام وحشا  بها رؤوس أعوانه  والمنتفعين من طغيانه.. المغرب أكبر من أن يشترى أو ترهن سياسته لنظام فاشي كنظام صدام حسين..لقد استقبل المغرب حتى تلك الأثناء الكثير من المظلومين من  أهل العراق وضحايا صدام ودافع عنهم  وحال دون أن تمتد إليهم يد الملاحقات الصدامية، وهي وقائع جرت في صمت من دون ضوضاء يعرفها الكثير من أبناء العراق الذين لا زالوا يذكرون أن أفضل من آواهم ودافع عنهم من ملاحقات الاستخبارات الصدامية هم رجال أمن مغاربة..صدام لم يكن يحترم المغرب، بل هو يريد توريط المغرب في الكثير من مشاريعه..كانت المنظمة الصدامية تسيء إلى المغرب وتصطف مع خصومه وأعدائه..وإذا كان الشعب المغربي قام بواجبه لأنه يرفض الاحتلال ويسير المسيرات، فإنه كغيره من الشعوب العربية التي ضللها صدام والمغالطون أمثال السيد عبد البارئ عطوان، لأنهم يجهلون حقيقة العراق ومشاكله..وسوف يحاول المغالطون أن يعبئوا الكثير من الطيبين للاحتجاج ضد إعدام صدام، ويتاجروا بذلك ضد الحقيقة..لكن هذا لا يمنع من أن المغاربة أكملوا عيدهم وما منعهم إعدام صدام من أن يذبحوا أكباشهم ويقيموا مجاميرهم وأثفياتهم للاستمتاع بلحم العيد..وما رأيناهم عزفوا عن الذبح ولا عن أكل لحوم الأضحية ولا حزنوا..وقد رأينا أن من يسميه هؤلاء المغالطون بالمقاومة العراقية التي لا نجد لها أثرا إلا في الأسواق والمساجد، هم من رد الجميل فاختطف المغربيين الآمنين من السفارة المغربية ببغداد..مصلحة المغرب مع العراق الجديد، الذي قلنا يوما  أنه سوف يحتل  لا محالة، بسبب رعونة النظام المقبور، فإنه سيحرر من الاحتلال وسجد الجميع أن العراق سيصبح طبيعيا، لكنه غير ديكتاتوري..وهؤلاء يقدرون المغرب ويحترمونه أكثر من صدام الذي أراد أن يرشي المغرب ويشتري قراره دون جدوى..

بالتأكيد، إن رموز المعارضة العراقية ليسوا ملائكة ولا أحد يقول ذلك.. لكنهم ليسوا شياطين كما يقول خصومهم..هؤلاء الذين لم يريدوا أن يروا بأم أعينهم كيف تدفق ملايين من الشعب البسيط إلى صناديق الاقتراع وكيف أن العملية السياسية فرضت نفسها بقوة مما أفشل مخطط بريمار نفسه..إذا كان شيعة العراق وغالبيتهم ائتلاف واحد والأكراد والسنة العرب المعتدلين الذين قبلوا بالعملية السياسية أو مارسوا معارضتهم غير الدموية والتكفيرة،  خونة وعملاء وعصابة، فمن بقي في العراق إذن؟!..بالتأكيد إنهم يتحدثون عن حفنة من بقايا النظام البائد الذين قتلوا الشعب العراقي وكثير من فلول القاعدة..فالزوراء التي تحاول أن تنقل بعض الفرقعات من قبل عدد من الملثمين الذي لم يزعج كتابنا أنهم ملثمون بقدر ما يزعجهم الملثمون الذين اقتادوا صدام إلى المشنقة، أجل، إننا  نستمع إلى أصوات من سموا بالمقاومة العراقية، وهي أصوات تفضح ادعاءاتهم لأنها تنطق لهجات مختلفة خليجية ومغاربية وسودانية..وقد عرفنا أن الكثير من هؤلاء الانتحاريين دخلوا العراق تهريبا من الخارج وقسم كبير منهم كما تم اكتشافه من منطقة بمدينة تطوان المغربية، وهو أمر يؤسف له، لأن شبابا من بلادنا يتم التغرير بهم وتفخيخهم، لصالح هذا التركيب العجيب الذي انتهى إليه مشعل جبوري  بين أقصى الصداميين وأقصى التكفيريين..

ـ الانزلاق الطائفي، جاء من خارج الائتلاف

لا أحد من الائتلاف العراقي يستطيع أن يتحدث بمثل ما نجده عند الدليمي  أو عند عطار السياسة العراقي مشعل جبوري مثلا..المحللون لا يقرؤون ما وراء الخطاب القذر الذي ينطق به عدنان الدليمي في مؤتمر دعم العراق باستنبول، الذي يشارك في العملية السياسية ويأوي السيارات المفخخة التي تقتل المدنيين في العراق..الطائفية بدأت لما اعتبر الزرقاوي يوما رمزا للمقاومة وهو غريب على أرض الرافدين حدد مشروعه في قتل من سماهم بالرافضة.. الطائفية بدأت في تفجير ات النجف وكربلاء وجسر الأئمة وقتل الرموز الدينية والسياسية وتدمير مرقد العسكريين بسامراء..

في إحدى برامج الجزيرة ـ الاتجاه المعاكس ـ حاول أحد عملاء صدام السابقين مشعل جبوري أن يمارس الغوغائية السياسية ويترحم من دون حتى دموع التمساح على طاغية كان قد جنده يوما للتجسس على المعارضة العراقية في الخارج..هذا الفاعل السياسي الفاسد الذي قبل الدخول في العملية السياسية فقط ليسرق المال العام ويفلت من قبضة العدالة العراقية، يتحول مقدار180 درجة للاصطفاف  مع الصداميين والقاعدة في العراق وتتحول قناة الزوراء  بنبرتها التافهة إلى محرض للطائفية وصب الزيت على النار..من يستحضر لقاء مشعل جبوري مع موفق الربيعي قبل الاحتلال في نفس البرنامج ولقاءه مع السياسي العراقي صاحب الموسوي، يدرك أن ثمة تمسرحا مكرورا ونوطات غوغائية ثابتة.."إنكم إيرانيون ولستم عراقيين.. جيب جوازك..أتحداك جيب جوازك"..يحاول أمثال هؤلاء الغوغاء أن يظهروا للعالم بأن العراق ينحصر في عشيرة يتيمة هنا أو هناك، وكأننا أمام عشيرة أو حارة ولسنا أمام عراق مؤلف من أعراق وقوميات تعد نفوسه بالملايين..يخادع هؤلاء الرأي العام في الخارج ولا يقولون الحقيقة..فصدام كان يسحب الجنسية العراقية من كل ضحاياه حتى لو كانوا من بني أسد..ويحتاج الإنسان حينئذ وفق المسطرة القانونية في العراق إلى تقديم طلب استعادة الجنسية..ليس الأخ صاحب الموسوي أول من سحبت منه الجنسية، بل لقد سحبت من كبير الشعراء العرب في العصر الحديث: الجواهري وأمثاله..إذا كان من يسمونهم بالصفويين قد استولوا على الحكومة فلما لا يزال الكثير ممن سحبت منهم الجنسية العراقية في قائمة الانتظار الطويلة؟!

ـ عدنان الدليمي..ينعى رشيد هارون!؟

ليس في العنوان ما يثير الغرابة..ولا ثمة ما يمكن أن يحملنا على المفاجأة الرديئة التي نطق بها عدنان الدليمي في مؤتمر نصرة العراق باسطنبول..حينما نعى بغداد عبر طابور من الأسماء يوحي بأن ما يجري اليوم ببغداد هو حرب طائفية؛ بغداد "رشيد هارون" كما سماه الدليمي تؤكد  أن طائفيته الهجينة لم تسمح له حتى بحفظ أسماء الأعلام التاريخيين، ليؤكد بأنه غريب على بغداد وعلى كونها عاصمة احتضنت كل ذلك الطيف العراقي الجميل، وهي بالتالي أوسع من أن تختزل في الأسماء التي ذكرها على غير تدقيق وعلى غير ترتيب..وقد عزز هذا النفس الطائفي الصادر عن نائب في الجمعية الوطنية العراقية ما صدر عن الضاري الذي وعد بإخلاء بغداد من الشيعة..أمر مؤسف وغريب..ولغة طائفية لا يزال يتبرأ منها أبناء سنة العراق الحقيقيين، وليس أولئك الذي سقطوا سهوا فوق رؤوس السنة كما لو كانوا هم من يمثل وجهة النظر السنية في العراق..فبغداد منذ وجدت قبل قرون من الزمن ازدانت بكل أطياف المذاهب والمدارس الاسلامية، وكانت عاصمة ازدهار المعرفة والتعددية..إن كان ولا بد أن نتحدث عن بغداد كما يحلم بها الدليمي والضاري فهي بغداد النكبة التي قامت فيها حرب الإبادة التي قام بها قوم من الحنابلة ضد المسلمين المختلفين معهم، فقتلوا بمسجد براثا الكثير، وكان من حملاتهم تلك أن أحرقوا بيت المؤرخ الكبير الطبري..لكن بغداد لم تكن يوما مناهضة للعلويين، حتى أنك تجد من طبقات المعتزلة، معتزلة بغداد الذين كانوا أكثر قربا للشيعة وميلا لعلي بن أبي طالب..يكفي بغداد أنها مدينة الإسكافي وابن أبى الحديد صاحب أكبر موسوعة لشرح نهج البلاغة..لم تكن بغداد بلون واحد..بل كانت بغداد ملتقى الثقافات وعاصمة التواصل والحوار بين المدارس، ومنها خرجت روائع المناظرة بين المتخالفين...

يبدو أن العالم الإسلامي اليوم يشهد بدايات لتطبيق  الفوضى البناء..وحيث ليس ثمة طريق أنجع من اللعب على الوتر الطائفي، فإن ثمة ما يؤكد على أن هناك من يدفع باتجاه الوصول بالكيان الإسلامي إلى حالة الاقتتال البيني، لتأهيل المنطقة إلى تقسيمات جديدة. لم يعد التقسيم التقليدي للجغرافيا السياسية كافي لضمان أمن واستقرار الكيان الإسرائيلي، بل إن الفورة الجديدة التي يشهدها العالم العربي والإسلامي تجعل المنطقة مقبلة على مزيد من التفتيت والاصطراع، وهو أمر يتوقف عليه مصير إسرائيل، التي تشكل محورا أساسيا في استراتيجيا الفوضى البناءة..

يحدث هذا كله في العراق وفي لبنان وغيرها..وتنطلق تصريحات وبيانات وتحريضات طائفية من مستويات عليا ودنيا ومن جهات رسمية وغير رسمية ومن دوائر سياسية وثقافية ودينية..هناك كما يبدو المناخ في صدد النضوج لاحتضان اصطفافات طائفية على درجة كبيرة من الخطورة..

لم يجرأ فاعل سياسي عراقي شيعي أن يتحدث باللغة التي نطق بها الدليمي، وهو ما يستوجب في الحد الأدنى رفع الحصانة عنه، لتورطه في لغة طائفية وتحريض على الفتنة في بلد هو أحوج اليوم للأمن أكثر من أي حاجة أخرى، على الرغم من الوضع المزري للبنى التحتية العراقية والأزمة الاقتصادية الخانقة..وإذا كان مثل هذه اللغة الطائفية موجودة ولها رجال لا يألون جهدا في العراق لتصوير الصراع السياسي كما لوكان صراعا طائفيا، فإن المثير حقا هذه اللغة الخطيرة التي تمثلها عدنان الدليمي وهي بالتأكيد مؤشر خطير على التحدي الذي تواجهه العملية السياسية في العراق..

ـ إسلاميونا..هم أيضا ترحموا على صدام؟

 قد يتفهم الإنسان أن أحدا من هنا أو هناك تسمح له آراؤه وربما عناده بأن يقرأ الفاتحة على روح طاغية بغداد..ما أذهلني حقا هو اصطفاف إسلاميينا في المأتم ذاته وقد نافسوا الصداميين في هذا الرثاء..المثير في الموضوع حقا أن ثمة نبرة من العناد، كأن الأمر يتعلق بتصفية حساب..ينزاح الحديث بشكل هوسي إلى موضوع طائفي..كأنك أمام محاولة لاستغلال الظرف وحشد الأذهان وممارسة التغليط، لشيطنة الشيعة دون تمييز، لعلها الفرصة للانقضاض على الصورة التي فرضتها المقاومة اللبنانية. يتاح لأي قارئ بين السطور ولسيمياء الكلام أن يكتشف بعضا من الاحتقان الذي وجد له سياقا مناسبا للتعبير عن نفسه.. امتعض إسلاميونا من إعدام الطاغية..قرؤوا الفاتحة في البرلمان وأصدروا بيانات وتفيهقوا كثيرا وهم يعطون دروسا ليس للعراقيين فقط  بل للشيعة عموما.. وفجأة خرجت إحدى صحفهم ترثي صدام وتمنحه وسام الشهادة الذي نزعته من المهدي بنبركة..ولا ندري بأي فقه وبأي معايير شرعية تمنح وتسلب الشهادة في قاموس هؤلاء..نعذرهم لأنهم مزاجيين ولا يفقهون حتى الشريعة التي يدعون إلى تطبيقها.. لقد أعادوا نشر مقال  عبد الباري عطوان في صحافتهم وهو يمجد صدام ويعتبره شيخ الشهداء كما كانوا دائما يأتون بمقالات المخرف السياسي الأردني المدعو زعاترة وآخرون من داخل المغرب لا يفعلون أكثر من ترديد معطيات وتحليلات أمثال زعاترة وعبد الباري عطوان.. وقد اقتبسوا من هذا الأخير  في بيانهم الحركي عبارة" أن صدام لم يعدم لسلبياته"..والأخطر في الموضوع أنهم ولأول مرة يعودوا إلى ضلالهم القديم وتتحرك الأحاسيس الطائفية البغيضة والنزعة الاستئصالية بصورة فجة وجبانة..فيكتبون عن جرائم الشيعة العبيدية في شمال أفريقيا وموقف علماء السنة وأساليب المقاومة للعبيديين في العدد نفسه الذي رثوا فيه صدام ومنحوه وسام الشهادة هم الإسلاميون وهو قاتل مراجع الدين الكبرى ؛ أي مفارقة للإسلاميين، ما لكم كيف تحكمون؟!..وهو تدهور كبير في التعاطي مع موضوع الشيعة وخلط للأوراق..يذكرنا هذا في موقف بعضهم لما كان قد أدخل كتاب وجاء دور المجوس، أو ما كانوا أدرجوه في إحدى برامجهم التربوية بأن الشيعة والخوارج أخطر على الدعوة الاسلامية وأن أفضل المراجع لذلك كتب مثل وجاء دور المجوس ونظائره..ولا ندري لمن هذه الرسائل الغبية إلا أن يكونوا يحاولون  التحريض في أمر لن يملكوا إيقافه وهم  حتما عنه عاجزون وإن كنا عنه في غنى إلا أن يفرضوه فحينئذ فلات حين مناص..يتحدث مسؤول حزب إسلامي في المغرب وهو توا عائد  من الولايات المتحدة الأمريكية  منتقدا تحقيق العدالة في الطاغية..إن كان هذا الزعيم الإسلامي يحتج من جهة أن الأمريكان هم المتورطون في إعدامه كان أولى أن لا يهرولوا إلى الولايات المتحدة بحثا عن الدعم لحزبهم في الانتخابات القادمة ويتلقون دورات في الولايات المتحدة للتمرن على الديمقراطية..وإن كان الأمر يتعلق بيوم العيد، فالمسألة قابلة للنقاش وفي كل الحالات هو استشكال مشروع ووجهة نظر مشروعة..أما لو كان الأمر يتعلق باستحقاق الطاغية للإعدام، فنقول لهم كونوا شجعانا وقولوا إن صدام لا يستحق الإعدام، وقولوا إن حركتكم أكثر إسلامية وأعرق تاريخا  من حزب الدعوة..وبأن علماءكم أكبر من السيد باقر الصدر..قولوا إنكم غير معنيين كما كنتم دائما أمام مقتل المراجع والعلماء..وقولوا أن صدام على حق والشهيد الصدر على باطل..لن يجرءوا على قول ذلك..لكنهم ظلوا كما ظل الكثير من الإسلاميين يلعنون عبد الناصر البطل القومي  فقط لأنه قتل رموزا من الإخوان المسلمين..رغم الإنجازات القومية لجمال عبد الناصر وشموخه الحقيقي في مواجهة إسرائيل..يذكرني هذا الفصام وهذه المزاجية في منح ونزع الصفات، في الشيخ سعيد حوى السوري الذي كان يكفر حافظ الأسد ويصف صدام بالمؤمن!؟؟..إسلاميونا ليسوا متشرعة ولا حتى سياسيين محترفين..قتلاهم في الجنة وقتلى غيرهم في جهنم..يتعلمون ويتتلمذون  خفية على كتابات  الشهيد السيد الصدر ويمنحون الشهادة لقاتله..يحتجون على أمريكا ويطلبون ودها بالليل والنهار..اتفي، على ورعكم!

المؤامرة الأمريكية الإيرانية

كم يحتاج المرء أن يكون مغفلا حتى يستمع إلى رطانتهم السياسية والطائفية المفضوحة..لو اجترح لهم الشيعة المعجزات لكفروهم..بعضهم يذكر بسذاجة أن المسلمين السنة الذين تبلغ نسبتهم 85 في المائة ربما تحاول أمريكا أن تجعلهم يحاصرون إيران..أرقام متخيلة وتحليل بائس..وكان يفترض أن يجعل هذه النسبة تزيل إسرائيل الصغيرة والقليلة العدد من قلب الأمة العربية..هذه التعبيرات الساذجة هي رسائل لكنها ذات مضمون مغرض و سخيف..وقد سبق وقلنا إن الحديث عن المقاومة اللبنانية لم يكن إلا من باب ركوب الموجة حتى لا يلفظهم التاريخ، وقد بات واضحا أنهم أيضا يسعون اليوم لركون موجة الجماهير لتبشيع صورة الشيعة أمام إخوانهم ولو بالتغليط..وإلا ما معنى إقحام الشيعة عموما في جزئية إعدام صدام حسين؟!!

ومن ذلك حديثهم عن التدخل الإيراني ونعته بالصفوي وغيرها من العناوين الساذجة والمغرضة..كان لا بد أن تقال هنا الحقيقة..لقد كثر الحديث عن الصفويين هذه الأيام..وهي نبرة صدامية مزيفة..لقد مرضوا بإيران وتعقدوا حتى هذوا..ولكن لا بد أن نتحدث عن وقائع..ولا أدري ابتداء، ما العيب في الدولة الصفوية تاريخيا.. ولا أعلم من أين أتى هذا الحقد في حق دولة يستحق أن يفخر بها التاريخ..وكان بالإمكان أن يقرأ هؤلاء الغوغاء التاريخ جيدا ليدركوا أن الدولة الصفوية هي الدولة الإيرانية الوحيدة التي مكنت العرب من اختراق إيران وليس العكس..لقد كان الشيخ الكركي فقيها  بل ولي فقيه في إيران الصفوية وهو اللبناني العربي..وقد سلمت مفاتيح التعليم والنفوذ لعلماء عرب هاجروا إليها من لبنان والجزيرة العربية..وفي هذه الحقبة بالذات ألفت كبرى المصنفات العربية في إيران..الصفوية هي التي فتحت الباب للتغلغل العربي في إيران وليس العكس..هذا درس تاريخي لأمثال مشعل جبوري والببغاوات التي يتحدثون كأطرش في الزفة..ولا أدري لو أننا نعثنا كل إيراني في التاريخ بأنه كسروي ومجوسي  لكان لا بد أن نتهم كل تراثنا..بالتأكيد ما كان بالإمكان أن ينعث الطبري الذي أحرق بيته في بغداد من قبل التكفيريين كسرويا..ولا أمكننا القول إن البخاري السمرقندي ابن المجوسي الذي أسلم أو مسلم النيشبوري الإيرانمي أوة الترمذي محدث ترمذ الإيرانية أو  الغزالي من طوس الإيرانية أو..أو..كانوا كسرويين ومجوسيين ومتآمرين..لماذا اليوم فقط أصبح الإيرانيون خطرا على الإسلام وقد كانوا رموز السنة والشيعة معا..إن كان أمثال مشعل جبوري يتحدث عن صفويين، نقول له نحن عرب وربما أكثر عروبة منك ولكن كفى شوفينية وعنصرية..فهل ذنب إيران أنها كافحت طاغية مأمور من قبل الأمريكان بشن حرب على بلادها..هل الإيرانيون ليس لهم الحق في رد العدوان؟!

فلو قيس ما قدمته إيران للعمل الإسلامي والقومي في البلاد العربية مع ما قدمه صدام لما عدله..ففي الوقت الذي  رعت إيران المقاومة الفلسطينية ودعمت حماس والجهاد ودعمت حزب الله ودعمت سوريا في صمودها ودعمت كل الوطنيين وحركات التحرر في العالم، كان صدام يأوي أبو نضال الذي مارس كل جرائم الإبادة في حق الفدائيين الفلسطينيين..لم يدعم صدام حماس أو الجهاد أو حزب الله ـ مع أن إحدى صحف إسلاميينا تورد بجهل وغباء وبهتان أن صدام دعم طيلة فترة ما قبل تحرير الجنوب حزب الله بصواريخ وما شابه، وهو شخص قذر في نظرهم، لكنهم يحاولون تلميع صورة صدام وأيضا تلطيخ سمعة المقاومة اللبنانية ـ أو أي مقاومة حقيقة وطنية..

إن موقف هؤلاء من إيران هوسي ومرضي، كما يبدو من عناوينهم: صفويين، مجوس،..كلها تمتح من قاموس صدام بطل القادسية الثانية..هذا  هو الخطاب اللامسؤول الذي يصف أمة من المسلمين بأنها مجوسية بتفاهة ونزق، حيث انظم إليهم من ليسوا حتى في مقام التصنيف الطائفي لأنهم ليسوا أهل دين وشرع..أن الشيعي مدان مهما قدم لهذه الأمة..لم يشرفهم هزيمة الكيان الصهيوني بقدر ما شرفهم طاغية مجرم يتهاوى من على حبل المشنقة..

وبعد..ما المطلوب بعد رحيل صدام

لقد انتهى صدام..وذهب غير مأسوف عليه..ولا يستحق أن يرمز إلا عنادا ومن قبل المتنكرين لملايين من ضحاياه في كل ملاحم التقتيل والتفقير والتهجير التي مارسها نظام صدام في حق شعبه..أعدم طاغية العراق لا لأنه سني، بل لأنه مجرم حرب مارس جرائم في حق الإنسانية..رموز الإسلام السني الذين هم رموز الإسلام بكل طوائفه هم أمثال ابن باديس والقسام وحسن البنا وسيد قطب وعبد الكريم الخطابي  وعمر المختار..هم أولئك الذين شمخوا بالعمل الإسلامي والعمل القومي..وليس أولئك الذي كانوا عملاء يأتمرون بالقرار الأمريكي..وقضوا في طريق الدفاع عن نفوذهم باسم الوطنية وباسم مواجهة المشروع الأمريكي..

ثقوا تماما لا أحد يرضى أن يحتل بلد عربي بالطريقة التي تمت في العراق..ولا أحد يرضى أن يقضي زعيم عربي كما قضى صدام..فصدام لا يشبهه أحد..وهو نموذج فريد للديكتاتورية العارية..إن المعارضة العراقية لم تأت بالاحتلال، بل جاء معظمها من البراري والصحاري بتحدي الاحتلال نفسه الذي صرح بأنه لن يسمح بدخول القوى العراقية الموجودة في الخارج..جاءوا وعرضوا أنفسهم للخطر..لكن بالمقابل كانت الدول العربية هي من مهد لاجتياح العراق..القواعد العسكرية  المرابطة في دول عربية وكذا الأجواء التي سمحت بمرور الطائرات والمياه الإقليمية..إيران وحدها من رفض وعارض احتلال العراق ولم يتعاون بل لا تزال هي الدولة المدانة أمريكيا لأنها ساهمت في عدم استقرار العراق المحتل..فكفى أن نتباكى الأمة ونحن نمد جسورا مع الولايات المتحدة ونطلب ودها ونصادق على قانون الإرهاب في مجلس النواب ونلعب على الحبلين..

يفترض في القيادات السنية في العراق أن تعود إلى طاولة الحوار، لأن مستقبلها مع كافة العراقيين، وبأن شيعة العراق لن يكونوا إلا شيعة وأكراده لن يكون إلا كردا وسنته لن يكونوا إلا سنة.. سنكون نحن أول من يعارض أي أذى يلحق بسنة العراق أو العالم العربي، لأنهم الجناح الآخر للأمة الاسلامية..ولأنهم سيظلون كذلك..لكن هذا رهين بحضور الوعي والنضج السياسي..أمريكا كانت وستبقى الشيطان الأكبر الذي زرع الفتنة بين المسلمين وقد يحاول زرعها وتأجيجها دائما..لن تستطيع الشيعة أن تمحي الوجود السني ولن تستطيع السنة محو الوجود الشيعي..وحتى إذا كان البعض يتحدث بالنسب  العددية فذلك لا معنى له، لأن الكيان الشيعي أقوى من أن نتحدث عنه كوجود أقلي..هذا واقعنا وهذا تاريخنا..ولا خيار غير التوحد والتقارب ومراقبة التعبيرات الخاطئة والمستفزة..

إن موقف المغالطين هو نفسه لن يتغير وإن تغيرت الظروف..فلو حوكم صدام في محكمة بلاهاي لقيل إنها مؤامرة أمريكة..قصة حجى والحمار مجددا تحكم كل مواقف الحاقدين الطائفيين الذين يعتبرون أي حق يطلبه الشيعة في بلدانهم هو عمل طائفي..والسؤال الذي يظل مطروحا: هل يجب على الشيعة حتى لو كانوا أغلبية في أوطانهم أن لا يفوزوا في انتخابات..هل صناديق الاقتراع طائفية والديمقراطية طائفية حينما تنصف الشيعة..الشيعة في العراق وصلوا إلى الحكومة ليسوا لأنهم شيعة، بل لأنهم أغلبية في وطنهم..لماذا لا يريد أن يعترف هؤلاء المغالطون بهذه الحقيقة الواضحة..هل ممارسة الشيعة للسياسة طائفية..هل تحقيق العدالة وإنزال العقوبة بجلادهم هو طائفية فقط لان ضحاياه شيعة..وهو مجرم حرب سفاح يتحول إلى شهيد فقط لأن ضحاياه شيعة..من هو الطائفي إذن سوى هؤلاء الذين لا يراقبون عباراتهم ويستهينون بالدم الشيعي ويغالطون ويكذبون بالعلالي..الحاقدون والطائفيون يطرحون حلا واحدا: فمادمتم شيعة، فأنتم طائفيون..ولا تكونوا كذلك إلا إذا خلت منكم الدنيا..فمشكلتهم مع الشيعة أصبحت أنطولوجية محض..يا لطيف!

والحق أن السنة كانوا أقدر على إنجاح العملية السياسية والتسريع بخروج الاحتلال..لكنهم سكتوا ولم يحتجوا احتجاجا كبيرا لما كان الدم الشيعي يراق في العراق، والمقدسات تفجر..بدءا بجسر الأئمة والمراقد المقدسة في كربلاء وكذا تفجير مقام العسكريين..كل هذا كان مدبرا فكانت النتيجة أن بلغ السيل الزبى، فالبادي أظلم..فإلى أي حد يستطيع علماء وقيادات شيعة العراق أن يلجموا جماهيرهم بعدم الرد بالمثل..إن مشكلة العراق هي اليوم مسؤولية الجميع، لكن بإمكان السنة أن يمارسوا الدور الأهم، ليعود العراق بسنته وشيعته إلى مجده القديم، مجتمعا متعايشا، يتزاوج  فيه الشيعة والسنة ويحضن فيه بعضهم البعض..فلا أمريكا ولا أي قوة في الدنيا تملك أن تزرع الفتنة بيننا  إذا  نحن تخلصنا من نزعة الاستهتار بالآخر المسلم وراقبنا تعبيراتنا وكنا مسلمين أولا، قبل أن نكون مختلفين..وبأن نعطي دروسا لأنفسنا في التسامي عن النزعة الطائفية قبل أن نقدم دروسا للآخر..فقلع الطائفية من نفس الآخر تبدأ بقلعها من نفسك..ومن رأى لا سيما من الإسلاميين أن صدام  هو رمز وبطل: فاللهم سلط عليه أمثال صدام..ومن رأى فيه   حسن النية واعتبره شهيدا: فاللهم احشره معه يوم القيامة..وإن من يمجد الطغيان وينصب تذكارا للظالمين يحب أن يصبح للظلم تاريخا ماجدا وأعيادا واحتفالات بل يدعوا للظالمين بطول البقاء والمجد..لهذا عرفت لماذا انهزم العرب..أجل لقد ذهب صدام إلى مزبلة التاريخ، وانفضح معه مطربوه ويتاماه وأسراب من الدهماء لا تدري أين كوعها من بوعها..فلا قرت أعين الظالمين..ولا نامت أعين المغرضين..ولا يسعنا إلا أن نقول في حق شهيد الأنذال: ألا بئس الشهادة..و إلى الجحيم!

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية - الاحد 7/كانون الثاني/2007 - 16 /ذي الحجة /1427