الجيش العراقي في ذكرى تأسيسه.. بريطاني التأسيس وطائفي السيرة وارتباط بحماية الدكتاتور

 المفارقة التاريخية في عمر الجيش العراقي هو أن بدايته بريطانية ونهايته أمريكية ، فالجيش الذي أسسه البريطانيون في مثل هذا اليوم من عام 1921 ، حله الأمريكيون في آيار مايو عام 2003 بقرار من الحاكم المدني للعراق السابق بول بريمر بعد سقوط نظام صدام حسين.

ومثل مجلس الحكم ، عمد بريمر إلى تشكيل نواة الجيش الجديد وفق "وصفة" طائفية ، حيث أعلن حينها عند تخرج أول كتيبة في معسكر قرقوش بديالى في تموز يوليو من عام 2003 أن 60% من إجمالي خريجي الدفعة الأولى في الجيش هم من الشيعة، و 25% للسنة؛ و10% للأكراد؛ و5% لباقي الطوائف(مسيحيون وصابئة وازيديون).

وفي ذكرى تأسيس الجيش العراقي السادسة والثمانين التي تصادف اليوم السبت السادس من يناير، وبعد أكثر من ثلاثة أعوام على حل الجيش السابق وبدأ تأسيس جيش عراقي جديد في ظل تداعيات أمنية وطائفية معقدة .. أبدى عدد من العسكريين والمحللين السياسيين مخاوفهم من أن تؤدي الاستقطابات الطائفية إلى تأسيس جيش لا يشكل ضمانة وطنية لكل العراقيين.

يقول ضابط سابق برتبة عميد طلب عدم نشر اسمه لوكالة أنباء (أصوات العراق) "واقع اليوم يقول إن الاستقطابات الطائفية تحاول أن تؤسس بنية تحتية يقوم عليها الجيش العراقي الجديد ، وإذا كان الكادر الفوقي والوسطي للجيش في عهد صدام يقوم على طائفة معينة ، فانه اليوم اخطر من ذلك بكثير لان هناك من يسعى إلى تقديم العقلية الميلشاتية لكل الطوائف على العسكرية في بناء هيكلية الدور الوطني للجيش."

وأضاف "لقد أهان صدام العسكرية العراقية التي ارتبطت بسيادة العراقيين علي أرضهم، وحوّل وظيفة الجيش من الدفاع عن السيادة إلي حماية كرسيه والتمجيد بفرديته وزعامته وتنفيذ أحلامه ومغامراته خارج حدود العراق."

وتابع قائلا "رغم ذلك ظل الجيش العراقي عبر تاريخه الطويل رمزا لسيادة الوطن والدفاع عنه عندما يتعرض لأي خطر خارجي."

وأشار إلى إن هناك من يحاول منع حتى استذكار هذه المناسبة وتجريد العراقيين من عنوان تاريخه الحديث."

ويشاركه الرأي المحلل السياسي نجم الشويلي، وقال "في ظل أجواء الشك وعدم الثقة التي تسود بين المكونات السياسية للعراق فان هناك مخاوف لدى السياسيين العراقيين من أن تعمل قوات الجيش لصالح طائفة على حساب أخرى."

وأضاف"إن دور الجيش في الحياة السياسية لم ينته من حسابات السياسيين الذين يحرصون على امتلاك قوة على الأرض تستطيع إحداث تغيير نوعي وقت ما تشاء."

وأوضح "وهذا هو أهم أسباب بقاء الميليشيات التي تسهم في تقوية كتل وحركات سياسية مختلفة من جانب ، وتشكيل حصانة مستقبلية لها باختراقها مؤسسة الجيش من جانب آخر."

ويقول ستار شمخاوي وهو ضابط سابق برتبة عقيد "كان الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي ارتكبه الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر بعد السقوط هو قرار حل الجيش العراقي بطريقة عشوائية تسببت بالكثير من المشكلات المعقدة."

وأوضح "كان قرار يستجيب لنزعات محلية فئوية أو فردية تعاني من عقدة الماضي ، فضلا عن كونه استجابة لارادات إقليمية."

ويقول الباحث السياسي ياسر الصافي أستاذ القانون الدولي في جامعة القادسية "مع سقوط النظام الدكتاتوري في العراق ، بدأت تظهر ميليشيات مسلحة وسط غياب القانون بفعل انهيار مؤسسات الدولة العراقية ، وتداعيات الاحتلال الذي عمل منذ اللحظات الأولى على تجريد الدولة العراقية من كل قدراتها العسكرية عبر حل الجيش العراقي ذو الخبرة القتالية العالية ."

وأضاف " كان من الممكن إعادة تأهيل الجيش على أسس وطنية ، لكن ذلك لم يحدث ، مما جعل مسار الحكومات المتعاقبة في بناء الجيش يعتمد على الأحزاب والقوى السياسية ، ناهيك عن الراعي الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تكن جادة في إعادة بناء الجيش."

وتبدو ظاهرة منح الرتب العليا على عسكريين وغير عسكريين مجانا سائدة في أوساط الجيش العراقي الجديد ، لاسيما بين منتسبي الأحزاب السياسية الذين يتطوعون في الجيش.

وذكر ضابط في الجيش العراقي بذي قار فضل عدم ذكر اسمه " أن هناك ضباطا منحت لهم رتب عالية من قبل أحزاب نافذة في الدولة وهم ليسوا خريجي كليات عسكرية سابقا ، وبعضهم خريجي كليات مدنية تطوعوا على الجيش مؤخرا ، فضلا عن أن الأحزاب أخذت تتجه إلى تجنيد اكبر عدد من أتباعها في الجيش. "

وأضاف ل (أصوات العراق) ان "الجيش الأمريكي منذ بدايات التطوع على الجيش قام بمنح رتب عليا لبعض العسكريين بشكل مجاني."

ويذكر الضابط في هذا السياق" أن ظاهرة منح الرتب العليا لمن لا يستحقها بدأت من صدام حسين نفسه ، عندما منح نفسه رتبة فريق أول ثم رتبة مهيب ركن ، ثم منح عزة الدوري رتبة فريق أول، كما منح حسين كامل الرتبة نفسها، وهو الذي كان سائق دراجة نارية من قبل ، ومنح أيضا علي حسن المجيد، وتوزر بها وزارة الدفاع ."

وتابع " هناك أفواج صارت محسوبة على الشيعة وأخرى محسوبة على السنة ، وأفواج من هذا الحزب أو ذاك .. وكأن نواة تشكيل الجيش الجديد قدر لها في ظل هذا الصراع الطائفي السياسي أن تنفلق إلى أجزاء طائفية وحزبية. "

وتحدث أحد الضباط الجدد لـ (أصوات العراق) وقال انه منح رتبة مقدم في الجيش العراقي بعد دورة استمرت شهرين في مركز تدريب ذي قار.

وأوضح الضابط الذي فضل عدم ذكر اسمه انه لم يكن بمقدوره أن يحصل على "الوظيفة " لولا تبني حزب لمطلبه شريطة الانتماء لذلك الحزب.

وعن التركيبة الطائفية للوحدة العسكرية التي يعمل بها " قال جميعهم من طائفة واحدة ."

وعن عودة الضباط السابقين إلى الجيش، قال المحلل السياسي الشويلي "لابد أن يحسب السياسيون أن رمي نصف مليون مسلح بالخبرة القتالية إلى قارعة الطريق كارثة لا زلنا نجني تداعياتها المؤلمة."

وأضاف "عودة منتسبي الجيش السابق خطوة لابد منها في إطار برنامج وطني ، على الأقل ، إنها تقطع الطريق على عسكرة المجتمع بميليشيات وتنظيمات طائفية مسلحة."

يشار هنا إلى أن وزارة الدفاع تتجه حاليا لإعادة الرتب العالية من الجيش السابق للخدمة في الجيش الجديد على ألا يكونوا مشمولين بإجراءات اجتثاث البعث.

وبحسب مصادر في الوزارة فهناك دراسة تجريها الآن وزارة الدفاع لإعادة الضباط من رتبة لواء فما دون بعد أن كانت العودة إلى الخدمة تشمل فقط الضباط من رتبة مقدم فما دون وذلك ضمن التوصيات التي خرج بها مشروع المصالحة الوطنية بمؤتمره الأخير الشهر الماضي.

وفي ما بين الوجه القديم لجيش عمره هو عمر الدولة العراقية منذ تأسيسها في عام 1921 ، وصاحب أول انقلاب عسكري في الشرق الأوسط عام 1936 بقيادة بكر صدقي ، والوجه الجديد لجيش لازال يحبو كالوليد منذ تشكله في تموز يوايو عام 2003 ، وصاحب أول وزير بلباس مدني "مشروط " .. لازالت مسيرة البناء لهذا الجيش الجديد متعثرة في ظل الرعاية الأمريكية.

ويقول جندي عاد توه إلى الخدمة في احد معسكرات ذي قار "كل العراقيين يتطلعون إلى جيش قوي يمثلهم جميعا."

ولعل هذه التطلعات البسيطة والمشروعة تعكس ما قاله الشاعر محمد مهدي الجواهري قبل نحو خمسين عاما وهو يتغنى بالجيش العراقي : " جيش العراق ولم أزل بك مؤمنا... بأنك الأمل المرجى والمنى".

ويصف العميد علي الخفاجي الجيش العراقي منذ تأسيسيه بأنه "وطني وعروبي"، ويقول "الجيش العراقي منذ تأسيسه كان جيشا وطنيا يدافع عن العراق وشعبه ومحطاته كانت وطنية مضيئة وتحول بعدها الى جيش عروبي للدفاع عن الامة العربية ومن خلال أشتراكه في حرب 1948 والحرب العربية –الاسرائيلية , وظل كذلك الى حين تم حله."

ويقول العميد الخفاجي الذي خدم في الجيش العراقي منذ 1978 حتى حله بقرار من الحاكم المدني الامريكي في 2003 إن" ممارسة النظام السابق وادخاله الحزبية الى الجيش أخل ببناء الاخير وجعله يمل من النظام ويفقد مبادئه."

وقال " لو كان الجيش العراقي حارب القوات الامريكية في الحرب الاخيرة ( 2003 ) لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه الان."

وتابع "ضرب النظام السابق بقوانين العسكرية عرض الحائط.. معروف أن الرتب كانت توزع حسب الخدمة العسكرية لكن صدام و بأعطائه الرتب كيفما شاء ادى الى تسلل اشخاص غير أكفاء الى مواقع للقيادة وإبتعد ذوو الخبرة والكفاءة."

وفيما يتعلق بالوضع الحالي اشار الخفاجي الى ان "الجيش الحالي لا يستطيع فرض القانون لان ولاءه ليس للعراق بل للمليشيات والاحزاب السياسية."

واضاف"الجيش العراقي الجديد طالما دخلت به عناصر لا تؤمن بالعراق بل تؤمن بالطائفية فهذا لا يعد جيشا."

من جهته اشار الخبير العسكري طارق حرب الى وجود جيشين ايام حكم الرئيس السابق صدام حسين هما جيش الحرس الجمهوري والمرتبط برئاسة الجمهورية مباشرة ، والجيش العراقي المرتبط برئاسة الاركان ووزارة الدفاع."

وأوضح ان "الحرس الجمهوري هو ما كان يسمى الحرس القومي في عهد الاخوين عبد السلام وعبد الرحمن عارف."

وقال حرب "كان الجيش العراقي عبارة عن لواء في زمن عبد السلام ووسع الى ثلاثة الوية في بداية حرب الثمانينات وفي منتصف الثمانينات اصبح فرقا."

وتابع "تم تشكيل جيش النخوة وجيش القدس عقب حرب الخليج وكلاهما جيش لان نواته كانت من المتطوعين لكن قادته كانوا من ضباط دائمين وهو حال جيش القدس أما جيش النخوة فكان يقاد من قبل الضباط المتقاعدين."

وعد طارق حرب اكبر هزيمة للجيش "كانت في معركة المحمرة (شرق البصرة ) في الحرب العراقية –الايرانية والتي تم التعتيم عليها أعلاميا."

واضاف " أما في حرب الخليح فتم اعدام عدد من الضباط منهم لواء ركن طارق هاشم حنطة ولواء ركن عصمت."

وعن بناء الجيش العراقي الحالي والذي يتكون من عشر فرق ، قال حرب "بناء الجيش العراقي الان متواضع حيث الدول الديمقراطية لاتميل لبناء جيش كبير وتعتمد على التقنية والتكنولوجيا" ، مشيرا الى أن الجيش الامريكي من يحمل رتب اللواء فيه لايتجاوز ال 450 في حين بلغت في الجيش العراقي 11 الف."

ومن جانبه ، يقول أبو احمد وهو احد الذين خدموا في الجيش العراقي " قضيت احلى ايام العمر في العسكرية فقد خدمت في منتصف السبعينات وكانت خدمة العلم مفخرة لي و لكن ومع الحرب الايرانية وقضائي أكثر من 8 سنوات فيها تغيرت نظرتي وبالاخص عند تسريحي واضطراري لبدء حياتي العملية من الصفر."

لكن أثير يوسف يشير الى أنه أضطر للهرب الى تركيا بعد طلبه للخدمة العسكرية في حرب الخليج الثانية ، وقال "عندما أستدعيت للخدمة للمرة الاولى في الحرب الايرانية كنت أشعر أنه واجبي الدفاع عن بلدي وقدمت ما علي، لكن ومع الحرب الكويتية أيقنت أني بيد شخص لايحترم القوانين و لايعرف المبادىء وعندما طلب مني الضابط مبلغا من المال لكي لايرسلني الى الخطوط الامامية للجبهة قررت الهرب."

وبعد أن سرح قليلا عاد ليقول " بس أكيد لو كان عندنا جيش قوي كما في السابق لكانت الامور تغيرت واستطعنا على الاقل ضبط الحدود وملاحقة الارهاب" متمنيا أن يكون كذلك في الوقت الحالي.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 7/كانون الثاني/2007 - 16 /ذي الحجة /1427