دراسة لتوفر فرص عمل للعاطلين عن العمل برؤوس مال بسيطة

 بهاء النجار*

 بمناسبة حلول عام 2007م الذي نتمنى أن يشهد تقدماً في جميع المجالات وخصوصاً السياسية والأمنية والاقتصادية، ونحاول الآن أن نقدم خطة عملية للأخوة المسؤولين في الحكومة العراقية المركزية والحكومات المحلية في المحافظات، وهذه الخطة تسعى لتوفير فرص عمل للعاطلين وذلك من خلال توفير رؤوس الأموال لهم لإقامة مشاريع يختاروها هم بأنفسهم بحسب إمكانياتهم العلمية والمهنية والحرفية.

ولا تخفى أهمية توفير فرص العمل للمواطنين التي يمكن ذكرها باختصار :-

1.     لها مساهمة فاعلة في استقرار الوضع الأمني، الذي اضطرب بسبب الظروف المعاشية والاقتصادية التي يعاني منها المواطن العراقي والذي يضطر قسم منهم الى اللجوء الى بعض المجاميع المسلحة لتوفير لقمة العيش.

2.     تقليل الهوة بين المواطن والحكومة العراقية والقضاء على أزمة الثقة بينهما والتي نتجت بسبب ضعف الخدمات وقلة الإنجازات الحكومية والتي في بعض منها تكون الحكومة معذورة بسبب الوضع الاستثنائي الذي يمر به البلد إلا أن الكثير من الأزمات فالحكومة مقصرة فيها وتحتاج الى من يقلل من تقصيرها.

3.     التقليل عن كاهل الحكومة وخصوصاً وزارة العمل في توفير فرص العمل التي ضاعت بين القريب والصديق بسبب المحسوبية المقيتة التي من الصعب السيطرة عليها بسبب الفساد الإداري المتسرطن في جسم الدولة.

4.     التأثير الإيجابي على الحالة النفسية للمواطن وعائلته وبالتالي إدخال السرور والسعادة على المواطنين وهي من مسؤوليات المسؤولين الحكوميين، وبالتالي التقليل من المشاكل الاجتماعية من طلاق وقتل واغتصاب وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي تلقى في النهاية على كاهل الحكومة، بالإضافة الى إرجاع الثقة بالنفس لدى المواطن عند تحسن وضعه الاقتصادي.

5.     إنعاش جزء من الاقتصاد العراقي الذي أنهكه وجود العاطلين عن العمل.

6.     تحسين الوضع المعاشي للمواطن وبالتالي يمكن للحكومة إجراء الإصلاحات الاقتصادية التي تنوي إقامتها وتنفيذها مثل رفع الدعم عن المشتقات النفطية وعن البطاقة التموينية وعن المؤسسات الصحية والتعليمية وغيرها من الإصلاحات.

هذا باختصار أما إذا أردنا أن نفصل فلا تكفينا هذه الصفحات لبيان أهمية توفير فرص العمل.

وجاءت هذه الدراسة أو هذه الخطة بمناسبة العام الميلادي الجديد وما يتبعه من تخصيصات مالية وميزانية جديدة للوزارات والمحافظات ومؤسسات الدولة المرتبطة بصورة مباشرة بالمواطن، ترتكز هذه الدراسة على تخصيص مبالغ تعطى للمواطنين على شكل سلف تسدد في فترة معينة تعتمد على الظروف الموضوعية للجهة المقرضة، ويسدد المواطن هذه السلف بدون فائدة لكي لا تفقد عملية التسليف أهميتها.

ولكن الطريقة والآلية هي ليست أن تسلف الحكومة مثلاً المواطنين مباشرة من ميزانياتها لأن هذا يتطلب ميزانية ضخمة لا أعتقد أن الحكومة تتحملها، والآلية هي الاتفاق مع بنك عراقي أو غير عراقي على إقراض الحكومة مبالغ تساوي مجموع المبالغ المراد تسليفها للمواطنين وذلك حسب حجم طلب المواطنين للسلف، وتتكفل الحكومة بدفع الفوائد.

ولنأخذ مثال واقعي يوضح العملية بشكل جيد :

كانت ميزانية محافظة البصرة لعام 2006م هي (258 مليار دينار)، قام مجلس محافظة البصرة بتوزيع هذا المبلغ على القطاعات الخدمية والقطاعات التي يعاني المواطن من نقص فيها، فلو خصص مجلس المحافظة جزء من هذا المبلغ وليكن (10 مليارات دينار) لتوفير فرص عمل للمواطنين وذلك عن طريق تسليفهم، فإن كان مقدار السلفة التي تكفي لإقامة مشروع مناسب لكل مواطن هو (10 ملايين دينار) لكان عدد الذين يستفيدون من هذه السلف في محافظة البصرة (1000 شخص) وهو عدد قليل مقارنة بمحافظة البصرة ثاني أكبر المدن العراقية، ومقدار الأموال التي تضخ في السوق من هذه الطريقة هي (10 مليارات دينار) فقط وهو مبلغ صغير لا يؤثر تأثيراً واضحاً على حركة السوق وانتعاشه.

أما لو استخدمنا الخطة المقترحة وهي أن ينسق مجلس المحافظة مع أحد البنوك العراقية أو غير العراقية بتسليف المواطنين قروض سنوية وتتكفل المحافظة بتسديد فوائدها، لكانت الفائدة أكبر. فإذا كانت نسبة الفائدة السنوية لهذه القروض هو 20% من المبلغ المقترض لأمكن إقراض (5000 مواطن) بنفس المبلغ أي (10 ملايين دينار) لكل مواطن يطلب القرض أو السلفة وبنفس المبلغ المخصص من مجلس المحافظة وهو (10 مليارات دينار)، كما أن المبلغ الذي سيدخل الى السوق هو (50 مليار دينار) نتيجة استخدام المبلغ المخصص من مجلس المحافظة للتسليف لدفع الفوائد وليس للتسليف مباشرة، وبعد سنة واحدة نكون قد ضمنّا توفير (5000) فرصة عمل في محافظة البصرة، وهذا طبعاً عند تخصيص (10 مليارات دينار) للتسليف أما إذا ضاعفنا هذا المبلغ أكيد سوف تتضاعف الى (10000) فرصة عمل.

نستفيد من هذه الطريقة الكثير من الفوائد بالإضافة الى فوائد توفير فرص العمل التي ذكرناها آنفاً وهذه الفوائد هي :-

 

1. استحداث آلية جديدة لتنفيذ المشاريع التي تخدم المواطن غير الآلية التقليدية التي يتبعها أغلب المسؤولين والتي لم يلمس المواطن من هذه التقليدية آثاراً واضحة، هذا بالإضافة الى الآلية التقليدية.

2. إحداث حركة في السوق بسبب دخول أموال كبيرة إضافية غير التي ستنفقها الحكومات المحلية والحكومة المركزية في المشاريع التي ستنفذها، ويقل نتيجة لذلك الركود الاقتصادي الذي يعاني منه البلد.

3. بسبب المبالغ الضخمة التي تتطلبها هذه الآلية فيما لو طبقت في أكثر من محافظة فضلاً عن الحكومة المركزية فإن البنوك المحلية لا يمكنها تغطية جميع هذه المبالغ وبالتالي ستلجأ هذه الحكومات المحلية والمركزية الى الاقتراض من بنوك غير عراقية وبالتالي فإن هذا يفتح باب الاستثمار الأجنبي داخل العراق وتقام أثر ذلك علاقات اقتصادية وسياسية بين العراق والدول الأخرى.

4. إن هذه العملية تقلل من التضخم الذي يصيب الاقتصاد العراقي خلال هذه الفترة بسبب الركود الاقتصادي في البلد.

5. بسبب توفر رؤوس الأموال سنلاحظ إقامة مشاريع تستند على أساس علمي بسبب وجود الكفاءات العلمية ضمن طبقة العاطلين عن العمل وبالتالي سنحصل على تنمية كفاءات علمية بالإضافة الى تحسين الوضع الاقتصادي.

6. إن هذه الطريقة تضمن وصول المبلغ المخصص للتسليف كاملاً الى المواطن لأنه لا يتأثر بالفساد الإداري الذي تعاني منه الدولة بأسرها حكومة وشعباً إذا ما قورنت بإنشاء المشاريع التقليدية التي يذهب أكثر من نصفها بدون استفادة بسبب الفساد الإداري والمالي.

7. بسبب لجوء الحكومات المحلية والمركزية الى المصارف وفق هذه الخطة فإن القطاع المصرفي سوف ينشط وبالتالي تزداد المنافسة خصوصاً عند مجيء المصارف الغير عراقية التي تمتلك من التقنيات المصرفية الحديثة والتي قد تسيطر على سوق المصارف، مما يؤدي الى التسارع الى تقليل نسبة الفائدة وهذا يعود بالنفع على المواطن من جهتين وهي أن عدد المواطنين المشمولين بالسلف سيزداد (عند بقاء المبلغ المخصص للتسليف ثابت) ومن جهة أخرى أن المواطن العادي الذي لم يحصل على سلفة يمكنه الاقتراض من المصرف وبنسبة فائدة أقل.

آليات تنفيذ هذه الخطة

بعد التنسيق بين الحكومات المحلية أو المركزية مع أحد البنوك العراقية أو غيرها يُعلن عن فرص التسليف، فيقدم أي مواطن بحاجة الى السلفة طلباً لتسليفه فتقوم الجهة المشرفة على  التسليف بالتحقيق والتدقيق في الشروط الواجب توفرها في المواطن والتي توضع لكي يستفيد من السلفة أكبر عدد ممكن من المواطنين، مثلاً يشرط أن لا يكون المواطن المقدم للطلب موظفاً أو موظف ولكن راتبه أقل من (200 ألف دينار) ويمكن تحقيق هذا من خلال جلب تأييد من وزارة المالية بأنه لا يتقاضى راتباً أو أن راتبه أقل من (200 ألف دينار)، كما يمكن وضع شروط مثل أن أعلى قرض هو مثلاً (10 ملايين دينار) ويمكن أقل من ذلك، ولا يجوز إقراض المواطن أكثر من مرة، ومن ضمن الشروط المقترحة أن يكون عمره أكثر من (20 سنة) باعتبار أكثر المحتاجين للعمل فعلاً هو فوق هذا السن، كما يمكن للجهة المشرفة على الإقراض وضع خطة لتوزيع هذه السلف بدلاً من توزيعها عشوائياً لتضمن إقامة مشاريع ذات فائدة عامة أو إقامة مشاريع تستقطب أيدي عاملة أكثر أو مشاريع توفر مواد غير متوفرة في السوق أو متوفرة لكن سعرها في تزايد وهكذا، أو ترسم خطة لتجميع هذه الأموال وإدخالها في مشروع واحد برأس مال كبير يستقطب أيدي عاملة كثيرة ويحقق مكبساً اقتصادياً مهماً للبلد مثل إنشاء مزرعة دواجن أو حيوانات أو مزرعة لإنتاج المحاصيل الاستهلاكية المهمة مثل الرز والحنطة، طبعاً هذا في حالة توفر الآليات المناسبة لإنجاح مثل هذه المشاريع بحيث تسدد القروض في موعدها المحدد، كما يمكن للجهة المشرفة أن تشرط تحمل فائدة سنة واحدة لهذه القروض ولو أراد مواطن أخذ قرض ويريد تسديده خلال فترة أكثر من سنة فيمكنه ذلك ولكن يتكفل هو بدفع الفائدة المترتبة بسبب تأخير التسديد أكثر من سنة  وذلك للسماح لإقامة مشاريع قد تتأخر أرباحه لكنه مثمر وجيد من دون أي تأثير على الجهة المشرفة على الإقراض أو على المصرف المقرض.

وهناك أمور تخص المصرف المقرض مثل الكفيل والمستمسكات المطلوبة وغيرها من الأمور ولا دخل للجهة المشرفة على الإقراض.

المعوقات:

هناك معوقات تحول دون تنفيذ هكذا خطة، ومن هذه المعوقات :-

‌أ-  معوقات شرعية : وهي ناتجة بسبب أن الفائدة التي تؤخذ من البنوك بحكم الربا لذا فهي محرمة لذا من يتجنب الحرام سوف لن يستفيد من هذه السلفة وكذلك المسؤولون الذين يرفضوا التعامل مع هذه المعاملات سوف يلغي الفكرة من الأساس، على كل حال يمكن طرح هذه المسألة من قبل المسؤولين الذين يودون تنفيذ هذه الخطة على المرجعيات الدينية ورجال الدين ليعطوا رأي الشريعة في ذلك الأمر.

‌ب- قد تلاقي الحكومات المحلية والوزارات التي ترغب بتطبيق هذه الخطة قلة السيولة في المصارف العراقية بسبب رؤوس الأموال المتواضعة لهذه  المصارف، وبالتالي ستضطر هذه الحكومات الى اللجوء الى مصارف غير عراقية، وعلى الرغم من وجود منافع من الاقتراض من هذه المصارف والتي ذكرناها سابقاً إلا أن هناك طريقة أخرى لسد هذا الطلب على الاقتراض وهي الاستفادة من سوق الأوراق المالية، إذ يمكن شراء سندات بفوائد قد تكون أقل من المصارف وبالتالي فإن سوق الأوراق المالية سيشهد نشاطاً واضحاً بسبب هذا الإقبال على شراء السندات وسينتعش المستثمرون في هذا السوق الذي يجب تطويره وتوسيع عمله لإنعاش الاقتصاد العراقي الذي سيبنى على مبدأ السوق الحر، وكل هذا يعود بالنفع على المواطن، وإن كان يصاحب هذه الطريقة بعض السلبيات وهي معرفة موقف الشرع من شراء السندات ودفع الفوائد بهذه الطريقة، بالإضافة الى أن الجهة المشرفة على الإقراض ستباشر بنفسها إدارة الإقراض بدلاً من المصرف وهي أمور دقيقة وفنية قد لا تتقنها تلك الجهات، ومع هذا فهي تعتبر حل بديل عن المصارف.

هذا ما عندنا للأخوة المسؤولين في الحكومة نتمنى أن يقدموا لنا وللشعب ما عندهم ليتداركوا ما فاتهم وما لحق بهم من نظرة شعبية غاضبة، وليعلموا أن الشعب هو من أعطاهم القوة الشرعية والدستورية وأنهم صعدوا بتأييد الشعب وليتذكروا أن لا قوة لهم بدون الشعب.

*مركز أضواء للبحوث والدراسات الستراتيجية

www.adhwaa.org 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 3/كانون الثاني/2007 - 12 /ذي الحجة /1427