إثيوبيا
هي أحدى دول حوض النيل وتقع في الشرق الإفريقي ويحدها من الشرق
جيبوتي والبحر الأحمر والصومال، ومن الشمال والغرب السودان ومن الجنوب
كينيا.وتمتد إثيوبيا بين خطى عرض 30:15 درجة شمالاً وبين خطى طول 33:
48 شرقاً وهذا يجعلها تقع في معظمها في الإقليم المدارى حيث الأمطار
الصيفية والجفاف في أشهر الشتاء، أما أجزاؤها الجنوبية فتنتمي إلى
الإقليم الاستوائي حيث الأمطار أغلب فترات السنة بما يسمح بنمو الغابات
الاستوائية.(1)
وهذا التنوع في المناخ ترتب عليه تنوع في حاصلاتها وثرواتها واتساع
المراعى الطبيعية وبالتالي قيام حرفة الرعي، وتبلغ مساحة إثيوبيا
1.223.600 كيلو مترمربع يبلغ عليها الطابع الهضبى والصحراوي ويصل
ارتفاع هضبتها في بعض الأجزاء إلى 15.158 قدماً كما في " راسي داشان ".
وإثيوبيا كلفظ كلمة يونانية تعنى " ذوى البشرة المحروقة " وقد أطلق
عليها العرب اسم الحبشة وذلك نسبة إلى قبيلة " حبشت " التي عبرت البحر
الأحمر من جنوب اليمن واستقرت في إفريقيا بين القرنين السابع والعاشر
قبل الميلاد.
أما عن السكان فالأحباش ينسبون إلى " حام بن نوح " ويبلغ عددهم وفق
إحصاء عام2000 حوالي 65 مليون نسمة منهم 55% من المسلمين ويتوزع السكان
بين عدد من القبائل تنقسم على النحو التالي. (2)
1- قبائل الأمهرا والتيجرى: وتسكن أعلى الهضبة ومعظم السكان يدينون
بالمسيحية ولغتهم الأمهرية.
2- قبائل الشأوا والجالا والدناقلة والصوماليين: ويسكنون في معظم
أجزاء الهضبة ومعظمهم من المسلمين.
3- أقلية صغيرة من اليهود: يقيمون في إقليم سيدامو جنوب إثيوبيا
ويطلق عليها " الفلاشا وتعنى الأغراب.
ومع التعدد في الأجناس تشهد إثيوبيا تعدداً في اللغات، فهناك حوالي
"80" لغة واللغة الرسمية هي اللغة الأمهرية، ومن اللغات المنتشرة بصورة
كبيرة هناك اللغة العربية وخاصة بعض المناطق في إريتريا والواقعة تحت
السيطرة الإثيوبية والعفر وأرومو بجانب الإيطالية والإنجليزية.
وتشهد إثيوبيا تعدداً في الأديان ولكن الأغلبية تدين بالإسلام بنسبة
(55%) من السكان ونحو (30% ) يدينون بالمسيحية والنسبة الباقية تتوزع
بين الوثنية القديمة واللادينية، وأهم المدن في إثيوبيا مدينة أديس
أبابا وهى العاصمة للبلاد وتقع في وسطها وتعنى الزهرة الجديدة.
ويقوم الاقتصاد في إثيوبيا على الزراعة بصفة أساسية حيث يعمل بها
80% من السكان، ومن أهم المحاصيل الشعير والذرة وقصب السكر والبقول
والبن.، وهناك أيضاً الرعي وتتمتع إثيوبيا بثروة كبيرة من الحيوانات
تقدر بـ 45 مليون رأس من الأغنام والماشية ولكن قيمتها الاقتصادية
ضعيفة بسبب تدهور الرعاية الصحية من جهة، وأن أغلب السكان يتخذون من
الثروة الحيوانية مصدراً للفخر والثراء من جهة أخرى.
وبجانب الزراعة والرعي تقوم بعض الصناعات ولكنها لا تغطى سوى 6% من
الاحتياجات المحلية وهى في أغلبها بدائية وتقتصر على المنسوجات
والصناعات الغذائية، وتشبه إثيوبيا الجزيرة العربية في مناخها
وحيواناتها ونباتاتها أكثر مما تشبه أي جزء في أفريقيا، أما عملة
إثيوبيا فهي " البير " وقد بدأ استخدامها منذ 1976 بدلاً من الدولار،
وفى عام 1977 كان الدولار الأمريكي يعادل 2.08 بير أثيوبى.
تاريخ الإسلام في إثيوبيا:
كانت الوثنية القديمة تسيطر على إثيوبيا حتى تسربت إليها المسيحية
في وقت مبكر عن طريق العلاقات مع بيزنطة في مصر، وتم تأسيس الكنيسة
الحبشية على يد "فرومنوس" الذي أوفده " أثناسيوس" بطريرك الإسكندرية
فنجح في إقناع " عزانة " ملك الحبشة باعتناق المسيحية وجعلها الدين
الرسمي للدولة عام 350 ميلادية.(3)
ونظراً لموقع إثيوبيا الجغرافي فقد ارتبطت بالجزيرة العربية بالعديد
من صور التفاعل كان أعنفها قيام الأحباش بغزو بلاد العرب واحتلال اليمن
وحكمها " أبرهة الأشرم " عام (531 ميلادية) بعد أن قتل منافسه على
السلطة " أرباط "، ثم خلف أبرهة بعد تدميره في " حادثة الفيل " والتي
ورد ذكرها في القرآن الكريم ابنه " يكسوم " ثم " مسروق " والذى في عهده
قامت ثورة وطنية في اليمن بزعامة " ذى يزن "، ثم ابنه " سيف بن ذي يزن
" والذي نجح بمساعدة الفرس في طرد الأحباش من اليمن في عام 590 ميلادية.
وكانت الحبشة من أولى البلاد التي عرفت الإسلام، فمع بزوغ الإسلام
في شبه الجزيرة العربية تعرض المسلمون للعديد من صور الاضطهاد من
المشركين فنزل أمر الله على نبيه بالهجرة فاختار الرسول " الحبشة "
لتكون إليها أول هجرة في الإسلام لما عرفه عن عدل وتسامح ملكها عام
615م وكان من بين المهاجرين والذين تكونوا من 83 رجلاً و17 امرأة غير
الصبيان – عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت الرسول وعبدا لرحمن بن عوف
ومصعب بن عمير وعثمان بن مظعون، وقد عاد بعض المهاجرين إلى المدينة بعد
الهجرة إليها واستقر بعضهم الآخر بالحبشة لنشر نور الإسلام بها، وفى
عام 6هـ - 628م أرسل الرسول(ص) كتاباً إلى النجاشي " ملك الحبشة "
يدعوه فيه إلى الإسلام واستمرت الرسائل بينهما حتى وفاة النجاشي ونعاه
الرسول(ص) في اليوم الذي مات فيه وصلى عليه صلاة الغائب في مسجده
بالمدينة.
مصدر إعتزاز مسلمى الحبشة بالإسلام:
1- أن ملكهم النجاشي أول ملك أسلم في التاريخ وقد وكله الرسول عليه
الصلاة والسلام ليعقد له على أم سلمة.
2- أن الحبشة كانت أول أرض يهاجر إليها المسلمون خارج الجزيرة
العربية.
3- أن بلال بن رباح مؤذن الرسول كان حبشياً.
4- أن أيات كثيرة من القرآن الكريم في سورتي الحشر والمائدة قد
نزلت في وفد الحبشة على الرسول عليه الصلاة والسلام.
أما الدخول الحقيقي للإسلام في إثيوبيا فقد كان عبر منفذين هما :
الأول: مصر وكما كانت مصر مصدراً لنشر المسيحية في القرن الرابع
الميلادي في إثيوبيا كانت كذلك مصدراً لنشر الإسلام فيها في القرن
السابع والثامن الميلادي حيث قامت " بنى عامر " وهى قبائل استقرت في
شمال الحبشة حتى حدود مصر بالوساطة في المبادلات التجارية بين مصر
والحبشة ومع انتشار الإسلام بين قبائل " الدناكل أو الدناقل " كان لها
دوراً بارزاً في نشره بالحبشة.
الثاني: الهجرات العربية الإسلامية إلى السواحل الإفريقية ومنها
امتد إلى الحبشة وبقية الدول الإفريقية وكان للدعوة الإسلامية والنشاط
التجاري الدور الكبير في ذلك.
وينقسم التاريخ الإسلامي في إثيوبيا إلى فترتين الأولى يمكن
اعتبارها فترة ازدهار أبان قوة المسلمين، والثانية فترة المحنة
والمأساة والتي تبدأ مع الضعف الإسلامي في القرنين الثامن عشر والتاسع
عشر الميلاديين والتدخل الأجنبي بصورة العديدة لمحاربة الإسلام في
معاقله.وفى إطار هاتين المرحلتين تتعدد المراحل الفرعية وذلك على النحو
التالي. (4)
مرحلة ازدهار الإسلام وانتشاره:
1- تبدأ هذه المرحلة مع عصر الفتوحات الإسلامية، ففي عهد عبدالملك
بن مروان نشط القراصنة الأحباش على سواحل الجزيرة العربية فأرسل إليهم
حملة فتحت جزر وهلك قرب مصوع وكانت هذه الجزر بمثابة القنطرة الأولى
لدخول الإسلام الحبشة.
2- في القرن الثالث الهجري نشأة العديد من الإمارات والمشيخات
الإسلامية على البحر الأحمر في الشرق الإفريقي أطلق عليها الطراز
الإسلامي " لأنها على جانب البحر كالطرازان وكانت بمثابة مراكز شعاع
وانتشار لنور الإسلام في إفريقيا وتمثلت في إمارات " أوفات – هدية –
داورو – بالى – أرابينى – شرحا – دارة – عدل "، وكذلك مشيخات " عوان –
مقديشيو – كلوة " واستمرت هذه المراكز حتى سقطت على يد الملك عمر أصيون
الأول في النصف الأول من القرن الرابع عشر.
3- في النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي وتحديداً بين 1527:
1547م 934: 950هـ قاد الإمام أحمد بن إبراهيم أمير مملكة " عدل " حركة
المد الإسلامي في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا فقام بنشر الإسلام
في جنوب إثيوبيا ووقف أمام غزو الأحباش بمدينة هرر الإسلامية عام 974هـ
- 1527م وهزمهم ثم دخل " شوا، وأمهرة " في قلب الحبشة عام 938هـ -
1531م واستطاع نشر الإسلام بين قبائل " الجالا " في جنوب الحبشة.
أما الفتح الإسلامي الذي قاده الإمام أحمد بن إبراهيم من الجنوب فقد
لعب دورا مهما فى العديد من البلدان الأفريقية، كما كان للتجار
المسلمون المصريين دور أيضا في نشر الإسلام في الشمال الأثيوبى هذا من
ناحية، وكذلك الثورة المهدية التي نشأت في السودان واتخذت مدينة
القلابات في شرق السودان مركز لنشر الإسلام في إثيوبيا من ناحية أخرى.
ولكن أمام الضعف الذي أصاب الدولة العثمانية حامية الخلافة
الإسلامية من ناحية وتكالب الدول الاستعمارية على أملاكها من ناحية
ثانية، ثم اتصال الحبشة بالدول الأوربية التي اتخذت منها ركيزة لضرب
الإسلام نظراً لموقعها الهام والخطير فأمدتها بالمال والسلاح مما زاد
من قوتها من ناحية ثالثة.
وأمام كل هذا توسعت الحبشة على حساب المماليك والإمارات الإسلامية
وكان ذلك بمثابة بداية المحنة التي يتعرض لها الإسلام في إثيوبيا وخاصة
منذ عام 1889 عندما تولى منليك الثاني السلطة في إثيوبيا وما تزال
آثرها حتى الآن.
ومع تعدد السياسات والممارسات التي قام بها حكام إثيوبيا، ومن
يدعمهم فقد كان الهدف واحد وهو القضاء على الإسلام وطرد المسلمين من
إثيوبيا نهائياً وكانت الوسيلة مجموعة من الحكام الذين استطاعوا أن
يمارسوا العنف والاضطهاد مع المسلمين وكان لذلك أثرة في تحول الكثيرين
من المسلمين عن الإسلام في القرى والمدن الإثيوبية ومن هولاء الحكام:
منليك الثاني، وليج باسو، وزود يتو بنت منليك، والرأس تافرى ماكونن "
هيلاسيلاسى و"منجستو هيلاماريام.
السلطة في إثيوبيا والإسلام:
بعد وفاة الملك جون سنة 1889 ظهر منليك الثاني ووطد سلطاته في جميع
أنحاء البلاد وأعاد المسيحية كدين رسمي للبلاد مقابل الحصول على الدعم
المادي والعسكري الذي يحتاجه من الدول المسيحية الأوربية.
وأمام هذا الدعم استطاع منليك الانتصار على إيطاليا التي حاولت غزو
الحبشة في معركة "عدوة " سنة 1895 وساعد هذا الانتصار زيادة نفوذه في
شمال الصومال وبريطانيا في جنوب الصومال وشمال كينيا.
وكان مقابل ذلك أن طالبتة الدول الأوربية بالقضاء على الإسلام فى
الحبشة فقام باحتلال الإمارات الإسلامية وطارد المسلمين فأحرق منازلهم
ومساجدهم واستولى على أراضيهم وأملاكهم وقام بتقسيمها بين الدولة
والكنيسة والجنود.ومن أبرز الحكام الذين حكموا أثيوبيا وكان لهم
تأثيرهم السلبى على وضع الأقلية الإسلامية هناك الأتي: (5)
بيج ياسو ( 1913 – 1916 ) :
هو حفيد منليك، إلا أنة يختلف عن جدة في أنة اتبع سياسة اللين مع
المسلمين، بل أنة تأثر بتعاليم الدين الاسلامى، فأنكر الدين المسيحي
وأعلن إسلامه وارتدى الزى الإسلامي ونقش عبارة " لا إله إلا الله محمد
رسول الله " على العلم الحبشي، بل أنة فكر في إعلان الجهاد والقضاء على
المسيحيين وأعد لذلك جيشا عظيماً لتنفيذ هذه الخطة، فاهتزت أوروبا
لهذا النبأ وقررت إسقاطه ونجحت في ذلك ونصبت بدلا منة " زود يتو" ابنة
منليك إمبراطورة على البلاد وجعلت الرأس تافرى ماكونن هيلاسيلاسى وصيا
على العرش، وتوفيت الإمبراطورة وتولى ماكونن السلطة في عام (349هـ -
1930 م ) وأطلق على نفسه " هيلاسيلاسى الأول " وهو من أصل يهودي واشتهر
بلقب أسد يهوذا لتزداد في عهده وطأة المحنة التي يتعرض لها المسلمون في
إثيوبيا.
هيلاسيلاسى أسد يهوذا :
أطلق " هيلاسيلاسى " على نفسه لقب أسد يهوذا أو سبط يهوذا ويعتز به
بدرجة كبيرة وهذا مرجع اعتزازه بأصله اليهودي، وما شهده الإسلام
والمسلمون في عهد هيلاسيلاسى الذي بدأ في الثاني من نوفمبر سنة (1930)
واستمر حتى(1974) أى قرابة من نصف قرن يفوق ما شهده المسلمون طوال
تاريخهم في إثيوبيا من الألم والمحن ولم يخفف من هذه الآلام والمحن إلا
الفترة التي طرد فيها هذا الطاغية من البلاد بين(1936 – 1941 )، إلا
أنة عندما استولت إيطاليا على إثيوبيا خلال هذه الفترة ظهرت المساجد من
جديد وقامت الحكومة الإيطالية بالسماح بتعيين القضاة الشرعيين وأدخلت
تدريس اللغة العربية في مدارس المسلمين كما ساهمت في إنشاء كلية دار
العلوم الإسلامية ولكن أمام تطورات الحرب العالمية الثانية وهزيمة
إيطاليا عاد هيلاسيلاسى ثانية إلى السلطة بدعم من بريطانيا والدول
الغربية المسيحية في سنـة (1941). (6)
ثم ما لبث إرضاء هذه الدول أن أعلن أمام الكونجرس الأمريكي أثناء
زيارتة للولايات المتحدة أن إثيوبيا فريدة بين سائر الأمم في أنها
الدولة المسيحية الباقية التي يمكن أن ترسم تاريخاً غير منقطع لدولة
مسيحية منذ أن كانت الإمبراطورية الرومانية حقيقة واقعة، وأن أهم
الأهداف التي سنسعى إليها هي توحيد الدين واللغة في بلادنا وبدون ذلك
لا يمكن أن نحقق شئ من التقدم نحو تصفية الإسلام من القارة المسيحية –الأفريقية-
أما بالنسبة للمسلمين في هرر فهم قلة دخلت إثيوبيا عن طريق التجار
العرب وقد وضعن لها برنامج منذ سنة (1832) ولن يمضى وقت طويل إلا وتعود
إلى أبائها ونحن لن نسمح بأن يكون في إثيوبيا دينان، أو أن يشارك
المسيحية دين أخر على أرض إثيوبيا.ولتحقيق هذه الأهداف التي أعلنها "
هيلاسيلاسى " صراحة في تحدى صارخ لمشاعر المسلمين في العالم، وتعدد
ممارستها وسياساتها ضد المسلمين وقامت خطته على: (7)
1- حرمان المسلمين من التعليم وتلقى الثقافة الإسلامية واللغة
العربية باعتباره لغة القرآن، الذي يحث المسلمين على كراهية اليهود
والنصارى.
2- مصادرة أموال المسلمين وأملاكهم بهدف إفقارهم، وإجبارهم على
الهجرة خارج الأراضي الإثيوبية.
3- هدم ما تبقى من مساجد المسلمين وإقامة الكنائس على أنقاضها، ومنع
تداول القرآن الكريم في الكتاتيب والمدارس الإسلامية.
4- تنصير أبناء المسلمين بالقوة ونشر الهيئات التبشيرية في جميع
المناطق الإسلامية وفرصة تقديم العون المالى لها على المسلمين.
5- الفتك بالمسلمين وقتلهم في مجازر جماعية بحجة العصيان ضد الدولة
وتدمير قواهم وتشريدهم في الجبال.
6- ابتلاع معاقل الإسلام المحيطة بالحبشة لسد الطريق أمام أية
عملية إنقاذ لمسلمي الحبشة، من السودان أو أريتريا.
7- حرمان المسلمين من الاتصال الخارجي والحيلولة دون اتصال المسلمين
من الخارج بمسلمي الحبشة، ومنع زيارة البيت الحرام.
8- حرمان المسلمين من الوظائف القيادية الرئيسية في الدولة، أو
الترقي للمناصب الإدارية العليا.
9- فرض الضرائب الباهظة على المسلمين والسماح للكنيسة بالتسلط على
المسلمين ومصادرة أموالهم وأملاكهم لصالحها، بما فيها الأوقاف الخيرية
الإسلامية.
وفى هذه السياسات تعددت الفصول المأساوية التي ارتكبها هذا الحاكم
كان أبرزها:
أولا: كان أسد يهوذا يتظاهر بمحاربته للرق ولكن عندما سيطرت إيطاليا
على الحبشة كشفت السلطات الإيطالية عن وجود قرابة نصف مليون من الرقيق،
وفى قصر الإمبراطور نفسة ألفان من الرقيق، بل والأخطر من ذلك تم
الإفراج من سجن" هرر" الإسلامية وحدها عن حوالي ثمانية آلاف سجين مسلم
ظل بعضهم مقيد الرجلين واليدين على شكل قوس لأكثر من عشرين عاماً.
ولما أفرج عنهم لم يعودوا إلى حالتهم الطبيعية إذ تشكل العمود
الفقري في كل منهم بذلك الشكل المقوس، إضافة للمئات الذين لقوا حتفهم
تحت أقبية السجون.
ثانيا: بعد عام من عودة هيلاسيلاسى إلى الحكم في 1941 وبعد أن تم
استئناف برامجهم لتنصر المسلمين جاءت الهيئات التبشيرية السويدية
بإيعاز منه إلى مناطق " القراقى " الإسلامية والتي لا يوجد بها نصراني
أو وثنى أو يهودي واحد.، وعندما هب شيخ المقاطعة " السيد عبدالسلام "
يطالب عن طريق القانون منع دخول المبشرين النصارى إلى هذه المقاطعة
الإسلامية تجنباً لما قد يحدث من أضرار لأولئك المبشرين فاتهمته
السلطات الحبشية بأنه يبيت نية العدوان على المبشرين النصارى وزجت به
في السجن وعند ذلك احتشد المسلمون في تلك المقاطعة أمام بيت الحاكم
الأمهرى وطلبوا منه الإفراج عن الشيخ فأغلظ لهم القول وهددهم بإطلاق
النار عليهم إذ لم يعودوا إلى منازلهم ولكنهم رفضوا العودة وطلبوا منه
التفاهم فدخل إلى قصره بعد أن أمر جنوده أن يتصرفوا تصرفاً حازماً،
وعاد الجنود ينزلون بأولئك المسلمون العزل ضربا بأعقاب البنادق ثم
إطلاق النار عليهم.، وما هى إلا لحظات حتى تفرق المسلمون مخلفين ورائهم
عشرات القتلى والجرحى، وقضى على الشيخ في السجن بطريقة غامضة فقام
الأهالي بإحراق مراكز التبشير فانتقم " هيلاسيلاسى " منهم بمصادرة
أراضيهم الزراعية للمبشرين وتشرد من نجا منهم وتحولت تلك القرية إلى
قرية نصرانية بعد أن كانت إسلامية منذ وقت قريب.
ثالثاً: في عام 1367 هجرية رفض المسلمون فى قرية " يوجو "العمل
بالسخرة فى مزارع الإقطاعيين الأحباش الذين تمادوا فى بناء الكنائس
والمراكز التبشيرية النصرانية لمحاربة الإسلام فما كان من النصارى إلا
أن أبادوا القرية أسوأ إبادة بعد أن أحرقوا مساجدها وزجوا بعلمائها فى
سجن" ألم بقة " والذى يعنى " نهاية الحياة ".
رابعا ً: في عام 1367 هجرية هبت " هرر " تطالب بحقوقها العادلة
فجهزت لها الحكومة ثلاثة ألوية من الجيش اقتحمت المدينة وعملت فيها
السلب والنهب فصودرت المتاجر والمزارع والمدارس واعتقل الآلاف وامتلأت
السجون وأقيمت محاكم التطهير وأخذت أوقاف المساجد وأبعد الزعماء وتعرض
الناس لأشد أنواع العذاب مثل هتك الأعراض على مرأى من الآباء والأزواج
والعبث بظهورهم بالسياط ودق ناصيات الرجال بأعقاب البنادق وقذفهم بين
الأسلاك الشائكة حتى تمزق أجسادهم والجنود يتلذذون بتلك المناظر
الوحشية (8).
ولم تنتهي فصول هذة المأساة التي راح ضيحتها الآلاف من الأبرياء
بانقلاب دبره من دعموه طوال فترة حكمه عندما وجدوا أن سياساته رغم
وطأتها أصبحت عقيمة وكان ولابد من التغيير لتنشيط السياسات وتجديد
سياسات التدميروالبحث عن أساليب جديدة فجاء إلى الحكم الجنرال "
مانجستو هيلاماريا " (1974 ) واستمر حتى (1990) وكما جاء بانقلاب ذهب
أيضا نتيجة انقلاب على حكمه، وواصل ماريا سياسات سابقه " هيلاسيلاسى "
وأجاد الوقيعة بين الفصائل الإسلامية وزادت الحكومة من عنفوانها ضد
المسلمين والمراكز والمساجد الإسلامية على الرغم من أنهم يمثلون
الأغلبية في البلاد.
والواقع أن محاربة الإسلام في الحبشة لم تكن بدايتها بمجرد أن تولى
هيلاسلاسى الحكم في إثيوبيا، بل تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير حيث الصراع
بين هرر الاسلامية معقل الإسلام في ذلك الجزء من أفريقيا وبين الحبشة
المسيحية، ازدادت حدة هذا الصراع في القرنين( 15، 16) حيث كانت أعنف
المعارك بين المسيحية والإسلام، واستطاع المسلمون من تحقيق انتصارات
واسعة على المسيحيين بقيادة الأمام أحمد بن إبراهيم القائد الهررى ثم
خلفه من بعده الأمير نور ولم يكن للمسيحية أية نفوذ إلا بعد أن استوطن
الاستعمار دول القرن الأفريقي.
ففي إثيوبيا كانت الديانة الرسمية للدولة في عهد " هيلاسيلاسى " هي
المسيحية والمذهب القبطي أو الكنيسة المصرية على نحو خاص وفى كثير من
المصادر ترجح كفة المسيحية عن الإسلام في إثيوبيا من حيث العدد وعلى
الرغم من أن المسيحية قديمة في الحبشة أو في إثيوبيا الآن وأن أول هجرة
في الإسلام حدثت إليها، إلا أنها ظلت قلعة للمسيحية قرونا طويلة، ولكن
التحول في الإسلام حدث بصورة واضحة بها حيث قامت حركة " أحمد القرين "
الذي كان هو نفسه أحد أبناء القساوسة ثم تحول إلى الإسلام وقاد ثورة في
الحبشة في منتصف القرن السادس عشر من سنة ( 1528 :1543 ) كادت تحول
الحبشة كلها إلى الإسلام لولا المساعدات التي قدمها البرتغاليون،
وانتهت بقتل أحمد القرين عام 1543 وبعد مقتله عمت الفوضى، وبدأت حملات
الاعتقال والقتل والطرد والتشريد لكل من أمنوا بالإسلام أو اعتنق هذا
الدين.(9)
وعلى الرغم من أن أغلبية سكان إثيوبيا مسلمون كما تشير إلى ذلك بعض
المصادر يمثلون أكثر من 55% من تعداد السكان البالغ عددهم (65 مليون
نسمة ) فإن إثيوبيا مازالت في نظر العالم دولة نصرانية ففي عام ( 1975
) كانت الكنيسة القبطية مرتبطة بالدولة ارتباطاً عنصريا كما تشير
الوثائق التاريخية إلى أنه لم يتولى الحكومة أو الرئاسة مسلم في
إثيوبيا منذ 1400 عام ولا يوجد حاليا في الوزارة إلا وزير واحد فقط
ويعتبر دوره هامشي وغير مؤثر حتى في الوزارة التي يتولى رئاستها، هذا
وبالإضافة إلى منع تعيين أي ضابط مسلم في الجيش، ولا حتى في الوظائف
الحكومية الكبيرة مالم يرتد عن دينه، باستثناء موظفي الجمارك نظراً
لأمانتهم - التي اشتهروا بها – عدا ذلك فلا يحق للمسلمين الحصول على أى
حقوق مدنية من الحكومة كما كان يتم في عهد " هيلاسيلاسى " مصادر
الأوقاف الإسلامية لتتولاها الكنيسة بل ومنع إقامة أي مساجد جديدة (10)
ومع أن الإسلام استوطن في هذه المنطقة مبكراً منذ أن أعلن النجاشي ملك
الحبشة اعتناقه الإسلام في عهد الرسول (ص) فإن الوضع الاجتماعي
والسياسي للمسلمين هناك يزداد سوءاً يوما بعد الأخر (11) مما أدى إلى
تشريد أكثر من مليوني مسلم بمنطقة الأوجادين في الصحراء، معرضين للجوع
والجفاف، وفى النكبات والمصائب التي تحل بالمسلمين الأفارقة تنشط
الجمعيات التبشيرية لتجنى ثمار الجوع والحرمان، مما يدفع المسلمين إلى
التنازل عن عقيدتهم واعتناق النصرانية فداء لأطفالهم وأرواحهم (12) كما
أفرزت محنة الأقليات الإسلامية في إثيوبيا مشكلتين هما:
مأساة إريتريا والأوجادين الصومالي اللذان يتمتعان بأكثرية مسلمة
تصل إلى ( 80%) من عدد السكان الأصلي، وأيدت روسيا والولايات
المتحدة إثيوبيا في حربها مع الصومال حتى لاتهدأ منطقة القرن الأفريقي
ويمكن أن نوجز هذه الحقائق في عدة نقاط منها:
- أن إثيوبيا استطاعت أن تسيطر على ثلاث أقاليم إسلامية وليس اثنتان
وهى الأوجادين وإريتريا وتيجرى (13) وهذه الأقاليم الثلاثة كان أولها
جزء من الصومال والثاني عاصمة لدولة "هرر " الإسلامية والثالث جزء من
دولة البورسعيدييـن.(14)
- أن الأقليات النصرانية الحاكمة، واليهودية المتوغلة داخل الحكومة
كانت وراء ما يحدث للمسلمين في الأقاليم الإسلامية الثلاثة إذ تمكنت
إسرائيل من السيطرة على مراكز صنع القرار في إثيوبيا باستيلائها على
موارد البلاد الاقتصادية من خلال شركاتها ورؤس الأموال التي تستثمرها
هناك (15) وقد ظل التوتر بين الدولتين ففى أعقاب دخول قبيلة "
الجالة " فى الإسلام والتي يقدر عدها بـ ( 6 ملايين نسمة ) ليصل عدد
المسلمين في إثيوبيا أكثر من (35 مليون مسلم ) (16) وتقول تقديرات
رابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية أن المسلمين يمثلون
بإثيوبيا ( 70% ) من إجمالي عدد السكان البالغ ( 65 مليون نسمة ) (17)
وعلى الرغم من ذلك استطاع المنصرون الاستيلاء على كل المناصب الحساسة
داخل إثيوبيا، وطبعوا التعليم العام بالطابع الأمهرى القبلي، وأصبح على
كل من يرغب في الالتحاق بالمدارس أو الوظائف الحكومية من أبناء
المسلمين تغيير اسمه واسم أبيه وديانته حتى يسمح له بالدراسة أو
استكمال الدراسات العليا أو الالتحاق بعمل حكومي مرموق، وقد يقوم بعض
المسلمين بهذا التبديل كلية والبعض الأخر بإخفاء عقيدتهم بين ضلوعهم
وهم مقتنعون تماماً بأن تغيير الاسم بأخر مسيحي لن يؤثر عما بداخل
القلب من إيمان وعقيدة.
مظاهر الحياة الإسلامية فى أثيوبيا:
رغم ما يشهده المسلمون من محن وآلام في إثيوبيا والمناطق المحيطة
بها فإنهم حافظوا على السمات الإسلامية في حياتهم، ومن مظاهر ذلك: (11)
1- ما تشهده إثيوبيا من صحوة في أوساط الشباب والمثقفين الذين
يعملون على بناء الشخصية المسلمة والحفاظ عليها وسط تيارات التنصير
والتبشير، وفى هذا الإطار ظهر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لتمثيل
المسلمين ورعاية شئونهم لدى الحكومة
2- قام المسلمون ببناء مئات المساجد في الريف والحضر وإن كان بناء
بعضها متواضعاً على نسق بيوت الفلاحين في الأرياف، ولا يزيد عدد
المساجد الكبيرة في إثيوبيا عن (850 ) مسجد في الوقت الذي يبلغ فيه عدد
الكنائس نحو (20 ) ألف كنيسة ودير.
3- للمسلمين محاكمهم الشرعية الخاصة بهم والتي تنظر في أحوالهم
الشخصية مثل المواريث والحضانة والنفقة والزواج والطلاق.
4- يحرص مسلمو إثيوبيا على تعليم أولادهم اللغة العربية والثقافة
الإسلامية تحصيناً لهم ضد الخطر التبشيري، ولذلك تنتشر المدارس
الإسلامية في جميع أنحاء البلاد وهى أهلية تقوم بتدريس المنهج الرسمي
للدولة بجانب اللغة العربية والثقافة الإسلامية.
5- تتعدد الوفود والبعثات من أبناء المسلمين في إثيوبيا للدراسة في
المؤسسات والجامعات الإسلامية العالمية مثل الأزهر في مصر والقرويين في
المغرب أو الجامعات الإسلامية في مدن الحجاز ثم العودة إلى الوطن
لتثبيت العقيدة في نفوس أبناء الإسلام ونشر الإسلام بين اللادنيين
والوثنيين وغيرهم من الذين سأموا الصراعات بين المذاهب المسيحية
والأطماع الاستعمارية التي تختفي خلف السياسات والممارسات التي تقوم
بها الدول الأوربية المسيحية
التحديات التي تواجه مسلمى إثيوبيا بعد 11سبتمبر:
مع تصدى المسلمين للآلام والمحن التي يتعرضون لها ومع حرصهم على
الطابع الإسلامي في حياتهم اليومية إلا أنهم يواجهون بالعديد من
التحديات التي تزيد من محنتهم ويجب التحقيق من حدتها لإنقاذ الإسلام
والمسلمين في إثيوبيا ومن هذه التحديات:
1- الجفاف وما ترتب عليه من قحط ومجاعة وبالتالي خلق البيئة
المناسبة لعمل البعثات التنصيرية.
2- الأمية والتي زادت نسبتها عن 90% بين السكان في ظل العراقيل التي
توضع أمام إنشاء المدارس الإسلامية مما دفع المسلمين للاكتفاء بالتعليم
الديني في المساجد.
3- ضعف المنظمات الإسلامية وقلة فاعليتها أمام المنظمات المسيحية
واليهودية والتي تعمل بشتى الوسائل على القضاء على المسلمين في هذا
المعقل الهام للإسلام في قلب العالم.
4- انتشار عادة تخزين نبات " القات " وهو نبات مخدر في مناطق تجمعات
المسلمين في إثيوبيا ويترتب عليه العديد من الأضرار المالية والصحية
وضياع الوقت ومما يزيد من خطورتها إضفاء صفة القدسية عليه مما جعل
العوام يعتبرونها من شعائر الإسلام ويكثرون من تناولها في المناسبات
الدينية.
5- العزلة التي فرضها حكام إثيوبيا على المسلمين لمنع اتصالهم
سلباً وإيجاباً إرسالاً واستقبالاً مع العالم الإسلامي.
6- انتشار التيارات القبلية وسيطرة روح الأنانية بين الفصائل
والقبائل الإسلامية وتعدد الجبهات والأحزاب التي تدافع عن مصالحهم
وترعى شئون المسلمين مما يفقدهم الكثير من قوتها في التصدي للمحن
والآلام التي يكابدها المسلمون سواء من الداخل أو الخارج.
7- المخاوف من عودة الأمل لدى المنظمات التنصيرية الأوربية
والأمريكية التى تعمل بكل طاقاتها فى أديس أبابا لتنصير المسلمين هناك
من ناحية، أو تكوين الإمبراطورية المسيحية فى قارة إفريقيا فى أثيوبيا
من ناحية ثانية، أو القضاء على الجماعات الدينية فى الصومال من ناحية
ثالثة بزعم أن هذه الجماعات هى التى تقوم على بتمويل الجمعيات
والمنظمات الإسلامية فى أثيوبيا..
...............................
هوامش المقال :
1-عبد الكريم غرابية
دراسات في تاريخ أفريقيا( سوريا، دمشق للطباعة 1970) ص32:22
2-عبد الرحمن زكى
الإسلام والمسلمون في غرب أفريقيا( القاهرة، مطابع سجل العرب،
1975) 15:11
3-محمد السيد غلاب
جغرافية العالم الاسلامى ( الرياض، 1979) 15:12
4-محمد عبد الغنىسعودى
افريقية( القاهرة، الأنجلوا المصرية، 1983) 275، 271
5-عبد الرحمن زكى
جغرافية العالم الاسلامى،مرجع سابق ص22
6-محمد السيد غلاب.
العالم الاسلامى (بيروت، دار العبيكان 1995) ص240
7-إسماعيل ياغى وتوماس أرنولد
الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم (القاهرة، النهضة المصرية
1997) ص1370138
8- والإسلام والمسلمون في أفريقيا، مرجع
سابق، ص111
9- محمد حسنين هيكل
العرب على أعتاب القرن الحادي والعشرين (بيروت، المستقبل العربي،
العدد "19" 1994) ص11
10-عاطف إدريس
من ينقذ إثيوبيا (الإمارات، مجلة منارالاسلام، عدد ديسمبر 1990)
ص55
11-عادل يونس
أفريقيا القارة السوداء، القاهرة، ابن سينا،1992ص20.21
12-يوسف الرفاعى
الأقليات الاسلامية في العالم (الإمارات مجلة منار الإسلام، عدد
يناير 1989) ص51
13-محمد عبد الله السمان
محنة الأقليات المسلمة في العالم، دار الإعتصام،1985ص59
14-أحلام السعدي
فرهود
التيار الاسلامى والسياسة المصرية تجاة الصلح مع اسرائيل
( القاهرة، الزهراء للإعلام العربي 1991) ص313
15-عبد الرحمن زكى
جغرافية العالم الاسلامى،مرجع سابق ص22
16-محمد السيد غلاب.
العالم الاسلامى (بيروت، دار العبيكان 1995) ص240
17- تقرير رابطة العالم الإسلامى، مكة
المكرمة،2004،ص11 |