دوافع الظاهرة الارهابية

د. غالب محمد رشيد الأسدي

 انتشرت في نهايات القرن الماضي عديد من المفاهيم الاجتماعية والسياسية التي طغت على الساحة الاعلامية والفكرية والجدلية، من هذه المفاهيم مفهوم الارهاب، وقد قسم المختصون و المعنيون الارهاب الى قسمين: ارهاب الدولة الذي تمارسه الدول على مواطنيها، والارهاب الذي تمارسه المنظمات السياسية تحت مبررات وتسميات واعذارمختلفة، ولم تتمكن المؤسسات الدولية المعنية من ان تضع تعريفا موحدا ومتفقا عليه يمكن للحكومات او المؤسسات القانونية والعلمية والبحثية المنتشرة في دول العالم الختلفة ان تتبناه.

 مما قاد هذا الامر الى الاختلاف في تعريف المنظمات السياسية التي تتبنى العنف السياسي من قبل المعارضين والمؤيدين لها، واوجدت فسحة من الاصول القانونية لتبرير الاعمال التي تقوم بها بعض المنظمات، وفي الخلاصة اختلطت الأراء والاتجاهات في تعريف معنى الارهاب وحدود الظاهرة الارهابية وفي من هو الارهابي، وبالتالي قد توسم بعض الاعمال العنفية بانها مشروعة بينما يراها اخرون انها ارهابا.

أن الارهاب والارهابيين مفهوم قديم في معناه حديث في تداوله قياسا بمفاهيم سياسية اخرى، وبغض النظر عن عمقه التاريخي، اذ كانت عديد من المنظمات الثورية لاسيما المنظمات اليسارية في العالم الثالث وبعض دول اوربا توصم به، وذلك لاسباب تتعلق بالاساليب العنيفة التي تتبناها او تتبعها تلك المنظمات في برامجها السياسية مثل الاغتيالات والقتل والتفجيرات والاختطافات، بل حتى قطع الطرق وتسليب المارة، وكلها اساليب عنيفة وعدوانية ترفضها الحضارة والمدنية الجديدة في عالم يتقدم الى امام وتحذوه مشاريع الديمقراطية وبرامج العولمة وحقوق الانسان وغيرها.

توجد للارهاب عدة اتجاهات تتبناها مختلف الجماعات والتيارات والتنظيمات السياسية التي توصم به، فهناك الارهاب الديني، والارهاب السياسي، والارهاب القومي، والارهاب الفكري..الخ. وهذا يعني وجود منطلق ايدلوجي تنطلق منه تلك الجماعات في تنظيراتها وتشكيلاتها وتبنيها للمسلك الذي ندعوه ارهابا.

أن الارهاب الديني هو ابرز انواع الارهاب انتشرا في الساحة العربية، وهذا لايعني ان انواع الارهاب الاخرى غير موجودة مثل الارهاب القومي منذ مدة ليست بالقليلة ثم اتخذ صفة العالمية في العالم الاسلامي وبعد ذلك انتشر واستشرى في مناطق مختلفة من العالم مثل امريكا واوربا وافريقيا علما بان الارهاب الديني لايمكن اطلاقه على دين او مذهب معين، بل قد يتبعه اتباع اي دين او مذهب وليس من اتباع الدين الاسلامي فقط كما يطلق عليه الآن ضلما وعدوانا. فالارهاب ليس له دين او ملة، والدليل على ذلك العمليات التي يقوم بها بعض اتباع اديان ومذهب اخرى كما في الهند او بعض دول افريقيا المسيحية.

لقد اصبح الارهاب والارهابيون ظاهرة تثير الباحثون والدارسون والمختصون في مختلف التخصصات الامنية والعسكرية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية، بعد ان امتدت اثارها السلبية الى بنية وتركيبةالمجتمعات المختلفة.

ان الدوافع التي تقود الى ظهور الارهاب بوصفها ظاهرة سلبية سياسية دينية، هي مجموعة من الظواهر التي يحاول الارهابيون ان يضعوا لها مبررات دينية من خلال استغلال النصوص التي يعتقدون انها تبرر افعالهم واتجاههم الى هذا المنحى في التعامل مع الاعداء كائن من يكون هذا العدو حتى لو كان من نفس الدين او المذهب الواحد، ويشيروا الى ان هذا موجود في نصوصهم او تعليماتهم الدينية مثل ما يعتقد به الارهابيون من ذوي الاتجاه الديني الاسلامي فيشيروا الى ما في القرآن والسنة النبوية الشريفة او سيرة السلف الصالح من ادلة وبراهين، وهي مبررات تنقضها كثير من الادلة والبراهين المستقاة من القران والسنة والسلف الصالح ايضا، والدليل على ذلك وجود تيار ديني قوي في كل دين يعارض هذا التوجه في استخدام او الافراط في استخدام اساليب القتل، لاسيما القتل الجماعي على الهوية او الانتماء الديني او المذهبي او القومي.

واذا اخذنا الارهاب الديني الذي يقوم به من ذوي اتباع الدين الاسلامي مثالا للدوافع التي تقود الى الارهاب فان الدوافع التي تدفع هولاء للقيام بجرائم مشينة ولاانسانية يرفضها الشرع والمنطق السليم من قتل جماعي وباسلوب انتحاري يستهدف قتل اكبر عدد ممكن من المواطنين الابرياء المتواجدين مصادفة في مواقع تلك العمليات ينقصها كثير من الحكمة والمنطق والادلة النقلية والعقلية. اذا سألنا هولاء الذين نسميهم بالارهابيين عن اسباب الظاهرة الارهابية للاستعلام عن دوافع العمليات الارهابية التي يقومون بها، فان الجواب الذي نتوقعه منهم هو قتال الكفار والمشركين والمحتلين الصليبيين، وهويحتاج الى منهجية علمية لسبراغوار هذا الفكر الذي يقودهم الى هذا القتل المبالغ فيه، فاذا جئنا لقتال الكفار فاننا نرى ان هناك شروط وضرورات لقتالهم على الا تكون فيها مفسدة للدين او فيها ضرر على عموم المسلمين كما يرى عديد من شيوخ ورجال الدين المسؤلين عن ارشاد وتوجيه الامة في زمننا الحاضر، وللاسف الشديد فان مفهوم الكفر والكفار لاينطبق على كثير من التنظيرات التي يطلقها المنظرون لهذا الفكر الارهابي وبامكان المبتدئين في العلوم الدينية او صغار رجال الدين من المذاهب المختلفة ان يفندوها او يدحضوها.

 اما قتال المشركين فهي عملية اجتهادية ايضا فمن هم المشركون ؟ هناك خلط ايضا في معنى او مفهوم الشرك والمشركين يحاول الفكر التكفيري ان يضع هو الاخر تعريفا اجتهاديا للمشركين يمكن هو الاخر دحضة بالادلة والبراهين النقلية والعقلية لاسيما وانهم ادخلوا بعض من ينطق بشهادة ( لااله الا الله محمد رسول الله) في باب الشرك وهو امر غريب، اذ ان من المعلوم ان من نطق بهذه الشهادة عند جميع المذاهب الاسلامية تعني انه عصم نفسه وماله واهله من المسلمين، وهناك شواهد تاريخية واضحة ومتفق عليها عند عامة المسلمين، منها قصة اسامة بن زيد في احدى الغزوات وتأنيب رسول الله (ص) له لقتله احد المشركين الذي نطق بالشهادة وقتله اسامة. ولكن الواقع يرى من خلال هؤلاء بشكل اخر مختلف تماما فكل شيء مستباح اذا تعارض مع فكرهم او منهجهم او ما يعتقدون، وكذلك الامر ينطبق على موضوع الصليبية والصليبيين فهو مصطلح كما هو معروف يقصد به الحملات الصليبية الاوربية التي حدثت في القرون الوسطى لاحتلال بيت المقدس، ولانعلم كيف تم توظيف هذا المصطلح بما يتناسب مع القرن العشرين والحادي والعشرين.

اننا اذا اردنا ان ندرس او نعرف دوافع الظاهرة الارهابية استنادا الى الحقيقة العلمية والموضوعية، فان الامر يتطلب اجابات واضحة ودقيقة لجملة من التساؤلات المشروعة والتي قد تتضمن:

 ماهو الارهاب ؟ وما علاقة الدين به؟ ومن هو الارهابي ؟ وماحدود الظاهرة الارهابية ؟.

فاذا استطعنا عن طريق وضع تعريفات واضحة وقانونية تصوغها جهات قانونية معتمدة تعترف بها المنظمات الدولية المعنية ومنها منظمة الامم المتحدة والمنظمة الاسلامية وجامعة الدول العربية، للاجابة على هذه التساؤلات نكون قد غلقنا ابوابا فتحت وستفتح بشكل اوسع تستغل هذه الظاهرة في الاساءة للدين الاسلامي وشخوصه ورموزه الذين نفتخر ونقتدي بهم، وننظر لهم بمثالية، فلماذا اذا نجعل الابواب مفتوحة لمثل هؤلاء لينالوا من الاسلام والمسلمين بقصد النية السيئة، وقد حدث هذا فعلا في بعض كتابات ومؤلفات مثل هولاء في الولايات المتحدة وبعض دول اوربا.

كما ان هذه الاجابات ستضع حدا فاصلا وواضحا بين العمل القتالي المبرر والعمل الارهابي مثل مايتعلق بالقضية الفلسطينية وغيرها من بؤر التوتر الآن في عديد من بقاع العالم ومنها النشاطات اليسارية والقومية وليست الدينية فقط.

 والامر الثالث الذي يمكن له الافادة من هذه الاجابات هو مراكز البحث العلمي والجامعات والمؤسسات الاخرى التي تجري بحوثا في هذا الموضوع، وبالتاكيد هناك مطالبات من جهات مختلفة للحصول على هذه الاجابات العلمية من جميع المعنيين والمهتمين بهذه الدراسة، لانهم بذلك يكونون قد قدموا خدمة جليلة وكبيرة للانسانية بعد استفحال او بروز هذه الظاهرة المقيتة في عالمنا العربي والاسلامي.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 26/كانون الأول  /2006 - 4 /ذي الحجة /1427