اصدارات جديدة: كيف تتحكم أجهزة الإعلام في رؤيتنا لسائر بلدان العالم؟

 

الكتاب: تغطية الإسلام ..

 كيف تتحكم أجهزة الإعلام ويتحكم الخبراء في رؤيتنا لسائر بلدان العالم؟

المؤلف: إدوارد سعيد

ترجمة: د. محمد العناني

 

 

 

 

هذه هي الترجمة العربية الكاملة لكتاب تغطية الإسلام: كيف تتحكم أجهزة الإعلام ويتحكم الخبراء في رؤيتنا لسائر بلدان العالم ؟الذي أبدعه قلم الناقد الفذ إدوارد سعيد، وقد ظهرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام 1981 عن دار نشر Routledge Kegan Paul في سلسلة كتب Pantheon ثم ظهرت الطبعة الثانية من الكتاب نفسه عام 1997 عن دار نشر Random House في سلسلة كتب Vintage، وأضاف المؤلف إليها مقدمة ثانية مسهبة يعرض فيها لبعض الأحداث والكتابات التي تؤكد ما انتهى إليه في الطبعة الأولى وتقتصر على هذا التأكيد، وقد استند المترجم في الترجمة على الطبعة الأولى ثم راجعها على الطبعة الثانية المنقحة، فرأى الاكتفاء الذاتي بالصورة الأخيرة دون إضافة المقدمة الجديدة.

 وفي ظنه أن إدوارد سعيد لو أمتد به العمر ليصدر طبعة ثالثة بعد غزو العراق (بعد غزو أفغانستان وأحداث 11 سبتمبر 2001) لأضاف مقدمة ثالثة تزيد من تأكيد صحة النتائج التي توصل إليها البحث في الكتاب.

 وأما أهم ما جاء في المقدمة الثانية فسوف نعرض له بإيجاز في هذا التصدير.

يعرض إدوارد سعيد في مقدمته الجديدة للتحولات التي طرأت على العالم بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره، قائلاً إن التقسيم المبسط (الساذج) القديم للعالم في عيون الولايات المتحدة إلى معسكرين: معسكر يناصر الشيوعية ومعسكر يناهضها، قد تحول إلى تقسيم لا يقل تبسيطاً وسذاجة، أي تقسيم العالم كله إلى معسكرين من نوع آخر: معسكر يناصر الإرهاب ومعسكر يناهضه، ويدلل على صدق ذلك القول بأحداث وكتابات شتى، ثم يعرض بعض الأفكار الرئيسية التي سبق له عرضها في متن الكتاب، وبعض الكتب التي صدرت منذ مطلع الثمانينات في هذا الصدد، ومعظمها يردد الأغلوطة نفسها عن (الصدام) المحتوم بين الحضارات، مع استثناء كتاب واحد كتبه أستاذ في جامعة جورجتاون أسمه اسبوزيتو، وعنوان الكتاب (التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقة واقعة؟) في عام 1992، وبعد ذلك يعرض لمشاركة إسرائيل في الحملة على الإسلام، بمساعدة المجلات والصحف والكتب الموالية لها في أمريكا، على أمل زيادة عدد الأمريكيين والأوروبيين الذين يرون أن إسرائيل من ضحايا العنف الإسلامي، ويأتي بنماذج من الكتابات الصحفية الأمريكية التي تفصح عن التعصب العرقي والتحيز البغيض واللاعقلاني، ثم يخصص الصفحات الباقية من المقدمة للهجوم على الكتاب الذي أصدرته صحفية تدعى جوديث ميلر بعنوان (رحلة صحفية في الشرق الأوسط المقاتل) الصادر عام 1996، وتزعم فيه المعرفة الفياضة بالمنطقة وشعوبها وهي لا تعرف أياً من لغاتها، بل وتخطئ حتى في كتابة الأسماء العربية أخطاءً فاحشة..يقول إدوارد سعيد في مقدمة كتابه:

وأما في تغطية الإسلام فإن موضوعي معاصر بصورة مباشرة، وهو المواقف الغربية، والمواقف الأمريكية خصوصاً إزاء العالم الإسلامي الذي بدأ الغربيون يرون، منذ مطلع السبعينيات، أن له صلة وثيقة بهم، ومع ذلك فهو يموج بالقلاقل المعادية لهم، ويمثل مشكلة لهم. وكان من بين أسباب هذه الرؤية إحساسهم الحاد بنقص إمدادات الطاقة، وهو الإحساس الذي تركز على النفط العربي ونفط الخليج العربي، وعلى منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والآثار الضارة الناجمة عن التضخم في المجتمعات الغربية وارتفاع أسعار الوقود ارتفاعاً بالغا. أضف إلى ذلك أن الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن قدمتا أدلة جديدة، وتدعو إلى الانزعاج، على صحة ما أصبح يشار إليه باسم (عودة الإسلام) وأخيراً لمحنا عودة ظهور المشاعر الوطنية الراديكالية في العالم الإسلامي، وما تبعها من اشتداد المنافسة بين الدول العظمى هناك وهو ما يؤسف له بصورة خاصة. فأما المثال على الظاهرة الأولى فهو الحرب بين العراق وإيران، وأما المثال على الظاهرة الثانية فهو التدخل السوفيتي في أفغانستان والاستعدادات الأمريكية لما يسمى بقوات الانتشار السريع في منطقة الخليج.

ورغم أن التورية في عنوان هذا الكتاب (تغطية الإسلام) سوف تتضح لأي قارئ له، فإنه قد يتطلب تفسيراً مبسطاً في البداية، فمن الأفكار التي أطرحها في هذا الكتاب وفي كتاب الاستشراق أن مصطلح (الإسلام) في السياقات التي يستعمل فيها اليوم، يعنى في ظاهره أمراً واحداً بسيطاً، وأما في الواقع، فالمصطلح من أحد جوانبه ليست له دلالة واقعية، وهو من جانب ثان لا يزيد عن كونه بطاقة أيديولوجية وهو من جانب ثالث اسم لا يتجاوز الحدود الدنيا في الإشارة إلى الدين الإسلامي. فنحن نرى أولاً أن المصطلح بالصورة التي يشيع فيها لدى الغربيين لا ينطبق انطباقاً واقعياً على صورة الحياة البالغة التنوع داخل عالم الإسلام، وهو الذي يربو عدد سكانه على ثمانمائة مليون نسمة، وتصل مساحة أراضيه إلى ملايين الأميال المربعة، معظمها في إفريقيا وآسيا، وإلى جانب عشرات مجتمعاته ودوله، وأشكال تاريخه وجغرافيته وأنماطه الثقافية. وفي مقابل ذلك نرى أن (الإسلام) أصبح يرتبط اليوم في الغرب بالأنباء المثيرة المفجعة بصفة خاصة، للأسباب التي أناقشها في غضون هذا الكتاب.

فلقد شُغِلَتْ أجهزة الإعلام الغربية بتغطية الإسلام في الأعوام القليلة الماضية، خصوصاً منذ أن لفتت أحداث إيران أنظار الناس في أوروبا وأمريكا إليه وشغلتهم حقاً، فإذا بهذه الأجهزة تتصدى لتصوير الإسلام، وتحديد ملامحه، وتحليله، وتقدم دراسات فورية عنه، ومن ثم فقد جعلته في ظنهم (معلوماً).

ولكن هذه التغطية، كما ألمحت إلى ذلك ضمناً، تغطية مضللة حتى ولو بدت شاملة، ويضاف إليها عمل الخبراء الأكاديميين في الإسلام، ورجال الاستراتيجيات الجغرافية السياسية الذين يتحدثون عن (هلال الأزمة) وعمل المفكرين الثقافيين الذين ينعون (تدهور الغرب) ومصدر التضليل هو أن التغطية توحي لمن ينقلون الأنباء بأنهم قد فهموا الإسلام، دون أن تقول لهم إن جانباً كبيراً من هذه التغطية النشطة يستند إلى مادة ابعد ما تكون عن الموضوعية، فلقد أدى استعمال مصطلح (الإسلام) إلى السماح بقدر واضح من الأخطاء، وبأقوال تنم عن التعبير عن التحيز العرقي الشديد، والكراهية الثقافية بل والعنصرية، والعداء العميق الذي يتذبذب صعوداً وهبوطاً، وهذه من إحدى المفارقات. ويجري ذلك كله في إطار ما يُفترض أنه تغطية منصفة متوازنة مسئولة للإسلام، وبغض النظر عن عدم تناول أجهزة الإعلام للمسيحية أو لليهودية بنفس الحماس الانفعالي الذي تتناول به الإسلام، وإن كان كل منهما يمرّ بنهضة بارزة (أو ما يسمى "العودة") فالافتراض المسلّم به هو أنه من الممكن تحديد صفات الإسلام دونما حدود باستعمال حِفنة من القوالب اللفظية (الكليشيهات) التي تتسم بالتعميم الذي ينم عن التهور، والتي تستخدم مراراً وتكراراً. ودائماً ما يُفترض أن "الإسلام" الذي يتحدثون عنه شيء حقيقي ثابت له وجود واقعي في المكان الذي تصادف أن وُجدت فيه إمدادات "بترولهم".

ولقد صاحب هذا اللون من التغطية قدر كبير من التستر والتكتم. فعندما تحاول صحيفة نيويورك تايمز أن تشرح المقاومة الإيرانية  للغزو العراقي، نجدها قد لجأت إلى المقولة القديمة من أن (للشيعة ولعاً بالاستشهاد) وأمثال هذه المقولات لها حظها من القبول من الناحية السطحية، ولكنني أعتقد أنها تستخدم لتغطية الكثير مما لا يدري الصحفي عنه شيئاً. والجهل باللغة لا يمثل إلا جانباً واحداً أشمل وأعظم، إذ كثيراً ما تبعث الصحيفة بمراسلها إلى بلد غريب، دون استعداد ودون خبرة، لا لسبب إلا لذكائه وقدرته على التقاط الأنباء بسرعة، أي للماحيته، أو لأنه تصادف وجوده في مكان قريب من الجبهة التي تزود الصحيفة بأنباء الصفحة الأولى. وهكذا فبدلاً من محاولة معرفة المزيد من ذلك البلد، نجد أن الصحفي قد التقط ما هو قريب منه، وعادة ما يكون كليشيهاً أو فكرة صحفية جذابة ليس من المحتمل أن يشك في صحتها قراء صحيفته في بلده. وهكذا وجدنا ما يقرب من ثلاثمائة صحفي في طهران في الأيام الأولى من أزمة الرهائن، دون أن يكون من بينهم من يتحدث اللغة الفارسية، ولم يكن من الغريب إذن أن تكرر جميع الأنباء الصحفية الخارجة من إيران، في جوهرها، نفس المقولات البالية عن الأحداث الجارية هناك، وبطبيعة الحال لم يلحظ أحد ولم يلتفت الناس إلى غيرها من الأحداث والتحولات السياسية في إيران، وهي التي تعذر تصنيفها باعتبارها نماذج "للعقلية الإسلامية" أو "لمعاداة أمريكا".

وقد ساهمت أنشطة تغطية الإسلام والتستر على الإسلام فيما بينها إلى حد كبير في صرف النظر عن المرض الذي تعتبر هذه الأنشطة من أعراضه، ألا وهو المشكلة العامة المتمثلة في الحياة في عالم أصبح يتسم بقدر بالغ من التنوع والتعقيد إلى الحد الذي يستحيل معه إطلاق التعميمات الفورية والميسّرة. ومصطلح الإسلام نموذج ينطبق عليه هذا القول، وهو نموذج ذو خصوصية أيضاً، بسبب تاريخ الإسلام في الغرب، فهو تاريخ قديم وذو سمات محددة بدقة، وأعني بذلك أن الإسلام لا ينتمي إلى أوروبا ولا إلى مجموعة البلدان المتقدمة صناعياً مثل اليابان، بل يشترك في عدم الانتماء المذكور مع سمات كثيرة أخرى من سمات عالم ما بعد الاستعمار، إذ يعتبر واقعاً في نطاق ما يسمى "المنظورات الإنمائية" وهي التسمية التي تعني بأسلوب آخر أن النظرة السائدة على امتداد ثلاثة عقود على الأقل تقول بأن المجتمعات الإسلامية في حاجة إلى (تحديث). ونجمت عن أيديولوجية التحديث نظرة خاصة إلى الإسلام بلغت ذروتها وأوجها في شاه إيران، سواءً في قمة مجده باعتباره حاكماً "حديثاً" أو عندما أنهار نظام حكمه، باعتباره ضحية من ضحايا الحركة التي اعتبرها الغربيون نموذجاً لتعصب العصور الوسطى واستمساكها بالدين.

قسم إدوارد سعيد كتابه إلى ثلاثة فصول وهي على الترتيب التالي:

الفصل الأول: تصوير الإسلام في الأخبار.

أولاً: الإسلام والغرب.

ثانياً: جماعات التفسير.

ثالثاً: حادثة الأميرة في سياقها.

الفصل الثاني: قصة إيران

أولاً: الحرب المقدسة

ثانياً: فقدان إيران

ثالثاً: الافتراضات الخفية التي لم تفحص

رابعاً: بلد آخر.

الفصل الثالث: المعرفة والسلطة.

أولاً: المبادئ السياسية لتفسير الإسلام...

المعرفة الصحيحة والمعرفة المضادة.

ثانياً: المعرفة والتفسير..

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 25/كانون الأول  /2006 - 3 /ذي الحجة /1427