تراجع عادة القراءة مسؤولية من؟

يعد من الصور الحضارية للمجتمعات المتقدمة أو المثقفة كثرة إقبال أفرادها بمختلف مستوياتهم العلمية والفكرية والاجتماعية على القراءة، حتى أصبح الفرد منا يتصور بأن تلك المجتمعات مصابة بمرض نفسي نستطيع أن نطلق عليه مرض التعطش للقراءة إن صح التعبير ـ وهو في الحقيقة ليس مرضاً، إنما هو حالة صحية قوته الدافعة حب الاستطلاع والمعرفة عند الإنسان فنجد الواحد منهم لا يبرح عن مكانه إلا وفي يده كتاب ما، وباتت القراءة وسيلتنا الأولى في التنمية والارتقاء.

 فأي أمة لا يمكنها أن تخرج من نفق التخلف ما لم تقرأ.. ولكن للاسف أصبحنا  أمة ابتعدت عن القراءة وبالتالي عن الكتاب بعداً كبيراً، إذ على الرغم من تزايد عدد السكان إلى 250 مليون عربي، وتناقص عدد الأميين بسبب قوانين التعليم الإلزامي، فإن الناشر بات لا يطبع من أكثر عناوينه رواجاً أكثر من ثلاثة آلاف نسخة، وأصبحنا نرى تراجعاً كبيراً عما كان عليه الكتاب في المراحل السابقة، في الستينات والسبعينات,والسؤال هنا لماذا تراجعت القراءة في منطقتنا العربية ؟ومن المسؤول عن هذا التراجع ؟

ففي حين يرى البعض أن لسعر الكتاب  دور في الإحجام عن القراءة  لاسيما إذا كان سعره لا يتناسب مع المستوى المادي للشريحة الأوسع ضمن المجتمع، لا يرى البعض الآخر  في أسعار الكتاب عاملاً مهماً في انحسار القراءة مبررين  ذلك بالقول: "إذا كانت لدى القارئ الرغبة في اقتناء الكتاب يستطيع أن يقتطع من مصروفه ولو جزءاً بسيطاً على مدى الأيام ليشتري الكتاب، أكثر ما هنالك أن الأمر يحتاج إلى بعض الاهتمام بتوفير مبلغ معين لشراء الكتاب، وجرت العادة بتوفير مبلغ من المصروف الشخصي على حساب أشياء أخرى  في سبيل امتلاك كتاب، وهذا الدافع يعود إلى طريقة حياتية معتادة منذ الطفولة.

 والطريف هنا أنه عندما تطرح قضية ارتفاع أسعار كتب دور النشر الخاصة على عدد من الناشرين يجمعون  على أن ثمن الكتاب لايتجاوز ثمن تذكرة السينما في معظم دور العرض التي تحقق الملايين وأرجعوا المشكلة إلى غياب الإحساس بأن القراءة تشبع احتياجا حقيقيا للقارىء ".

كذلك فإن ظهور وسائل الاتصال والإعلام والتقنيات الحديثة من فضائيات وكمبيوتر وإنترنيت والتي أخذت حيزاً كبيراً من اهتمام الناس،  والإغراق في متابعتها وظهور جيل جديد من الشباب لم يعتده الوسيط الورقي ‏ أدت إلى ابتعاد القارئ عن اقتناء الكتاب..

ولا يرى  الأستاذ الرفاعي الدكتور في كلية الآداب جامعة دمشق في وجود وسائل الاتصال أي خطر على وجود الكتاب، فهذه وسائل وجدت في الغرب منذ فترة طويلة، ولم تؤثر على الإقبال على شراء الكتب، بل على العكس ازدادت طباعة الكتب، إذ لا يقل عدد نسخ الكتاب المطبوع في مختلف العواصم الأوربية عن خمسين مليون نسخة، وتضعنا الأرقام أمام مقارنة مضحكة ومخجلة في آن واحد‏,‏ حيث يتضح أن المواطن الألماني يقرأ في المتوسط‏48‏ كتابا سنويا مقابل نصف كتاب يقرأه المصري في نفس الفترة لاسيما إذا علمنا أن المعلومة الموثوق بها والتي تترسخ في الذهن أكثر هي المأخوذة من الكتاب مباشرة.

كما يوافقه الرأي الأستاذ نوفل إذ لا يعتقد أن وسائل نقل المعلومات الحديثة-كما يرجح بعضهم- سبب لتراجع القراءة، فهي: أنشطة ليس لها علاقة بالكتاب، ولاتؤثر عليه، بل على العكس يمكن أن يجمع الإنسان بين أكثر من نشاط خلال ساعات يومه، فلكل وسيلة خصوصيتها وفوائدها، والإنترنيت لاتغني عن الكتاب كما أنها لا تلغي وجوده فيمكن لوسائل الاتصال أن تأخذ من وقتنا بعض الشيء، لكن إذا كانت عادة القراءة متأصلة لدينا، سنجد أنها حاجة ماسة في حياتنا الفكرية والعملية، وبقليل من التنظيم نوفر لكل نشاط حقه من الاهتمام والوقت.

 من ناحية أخرى فإن عدم دراسة طبيعة المنطقة التي يتم فيها توزيع الكتاب وغياب الدعاية المناسبة والوكيل الأدبي القادر على تسويق عمل المؤلف وافتقاد القارىء لروح المغامرة التي تدفعه لإقتناء كتاب لمؤلف غير معروف كلها أمور تؤثر على سوق الكتاب‏ وبالتالي إلى ابتعاد القارئ عن اقتنائه.

هذه الأمور ربما كانت من أهم الأسباب التي أبعدتنا عن القراءة..

لذلك ومن أجل الإسهام في صنع مجتمع قارئ نحن بحاجـة إلى جهود كثيرة، تعمل بطريقة منظمة لدفع عملية التغيير خطوات كبيرة للأمام. فصحيح أن الجهود الفردية قد تسهم في عملية التغيير إلا أن العمل الفردي لن يكون بطبيعة الحال عملاً قوياً قادراً على إحداث تموجات كبيرة ,ماذا لو اجتمعت الجهود وتضافرت جميع القوى القادرة على التأثير والتغيير، أليس بإمكانها أن تخلق حالة جديدة باستطاعتها أن تخرج الناس من الظلمات إلى النور، أو بتعبير آخر من حالة العزوف عن القراءة إلى حالة الولع بها.

فكيف نستطيع أن نصنع مجتمعاً قارئاً، محباً للعلم والتعلم ومندفعاً نحو القراءة والكتاب ؟

هناك العديد من العوامل التي من الممكن أن تلعب دوراً كبيراً في تنشيط عادة القراءة عند أبناء المجتمع، فالأسرة تلعب دورها في تنمية هذه العادة من خلال تشجيع الطفل على القراءة المستمرة,فحين نجد قارئ مولع  بعالم القراءة ومنجذب لسحر الكلمة المكتوبة، نحكم عليه مباشرة بأنه لابد من وجوده في أسرة تحتضن الكتاب، ولا تستطيع لفراقه صبراً ,فالطفل محب للمعرفة ومتطلع إليها بالفطرة، والقراءة من أهم أسباب اكتسابه المعارف لكن  (البيت والمدرسة) هم الذين ينمون فيه هذه العادة أو يصرفونه عنها، لذلك لابد أن توضع كل الوسائل أمامه ليكون أكثر ما يشتاق إليه الطفل هو الكتاب، فيصبح الصديق الدائم له.

 والملاحظ في المجتمعات المتقدمة أن الطفل لا يأبه للألعاب الاستهلاكية ما لم تكن ألعاباً ثقافية، ومتعته الكبرى في اقتناء الكتاب، ولا يتوقف الأمر على الأسرة فقط، بل يتعدى إلى الطرق والأساليب التي تنتهجها المؤسسات التعليمية في التعزيز أو التقليص من عادة القراءة حيث يرى الأستاذ هاني مقداد مدير المكتب الإعلامي في دار الفكر: إن عادة القراءة غائبة لدى جيلنا نتيجة ضعف الطرائق التعليمية في المدارس، لأنها تعتمد على مقررات محددة يلتزم بها الطالب، بعيداً عن طريق اكتساب المعرفة بالبحث والتحليل وتجميع المعلومات من مصادر خارجة عن المناهج المسبق إعدادها، إضافة إلى تفعيل دور المكتبات في المدارس، والخروج عن الشكل التقليدي المألوف لتصبح مكان جذب للشباب والصغار‏,‏ يحولون فيه الإيمان بأهمية الاطلاع لممارسة حقيقية‏,.

أيضا لايمكن تجاهل دور المجتمع في تنمية عادة القراة عن طريق إقامة الندوات والمحاضرات التي تركز على هذا الموضوع وإقامة المسابقات الثقافية المشجعة، وغير ذلك من الأساليب، كقيام المثقفين من أبناء المجتمع بإعارة كتبهم لمن يطلبها ؛ والعمل على إهداء ما توافر منها ,كذلك دور الإعلام المرئي والمسموع في الترويج لعادة القراءة في المجتمع.. ومما لا شك فيه أن لهذه الوسائل قدرة كبيرة في التأثير على سلوكيات المشاهد وتفكيره،فوسائل الإعلام العصرية غيّرت الكثير من عاداتنا وتقاليدنا...

وتبقى الأسباب كثيرة وازدحامها في مقال واحد أمر شبه مستحيل، لكن حاولنا عبر هذه السطور أن نكشف اللثام عن الأسباب الأساسية علنا نؤمن بضرورة تضافرالجهود كي نستطيع عبر القراءة إعادة إنعاش وتجديد الفكر العربي المعاصر.

.........................

المراجع :

- (صناعة المجتمع القارئ) تحقيق حسن أل حمادة مجلة الكلمة العدد 21 موقع إسلام أون لاين

- مقال ( أنحسار الكتاب مسؤولية من ) غادة الجوابرة

- تراجع قراءة الكتب‏ ظاهرة عالمية أم تقليعة مصرية/جريدة الأهرام/سناء صليحة11-6-2006  

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 24/كانون الأول  /2006 - 2 /ذي الحجة /1427