المرأة العراقية تدفع ثمنا مضاعفا لمأساة وطنها

 لم تكن ملاك صالح بنت الثلاثين عاما تتصور يوما أنها ستتكفل بمعيشة عائلتها المكونة من اربعة عشر شخصا ، جميعهم لا يملكون القدرة على العمل بعد ان قضى والدهم في إنفجار إحدى المفخخات التي تضرب بغداد كل يوم تقريبا ..لم تكن ملاك تتصور ان المرأة العراقية ستصير يوما الضحية الاكثر تضررا من الواقع المأساوي لبلادها..

قالت ملاك لوكالة انباء (أصوات العراق) "لم نكن نتصور أن الوضع سيتأزم ويصل إلى هذه الحال من السوء.. ولم نكن نتخيل ان يتصارع أبناء البلد الواحد..وللأسف دارت الأيام وأصبحنا على أعتاب واقع مرير ..ونحن نحترق في أتون هذا الواقع .."

وتساءلت "لماذا يحدث هذا في بلدي ، ومن الذي زرع الفتنة داخل الجسد العراقي الذي عرف بتعايشه السلمي منذ مئات السنين."

ومن جانبها ، قالت ام علي التي فجعت بمقتل ولدها في مواجهات حدثت في ضاحية الكفاح وسط بغداد بعد ان خرج لشراء بعض الحاجيات لغرفة سكنه التي يؤهلها لانه كان على اعتاب الزواج " هل يدرك من يتقاتل الآن أن هناك الكثير من الأبرياء اليوم يدفعون الثمن؟..عراقيون ابرياء هم من يدفع فاتورة الحساب لصراعات لا ناقة لهم فيها ولا جمل."

وأضافت أن " العنف الذي يشهده العراق حاليا سيحرق الأخضر واليابس ما لم يعجل العقلاء بوضع الحلول الجذرية لهذا الملف الشائك."

وتابعت " تفكر معظم العوائل بترك منازلها والذهاب للعيش في البلدان المجاورة لان حياتهم جميعا اصبحت مهددة في كل لحظة."

وتساءلت " الى متى يبقى الحال على ماهو عليه ..إنني أشعر بالخوف من كل ما يجري ،فالأوضاع من سيء إلى أسوأ..أصبحت حياتنا في العراق شبه مستحيلة، خاصة في بعض المناطق الساخنة..فلا يمر يوم إلا ويسقط عشرات الأبرياء من العراقيين."

ويشير تقرير صدر عن منظمة حقوق المرأة في العراق، وهى منظمة تهتم بالدفاع عن حقوق المرأة العراقية وتصدر تقارير شهرية بشكل دوري بهذا الشأن، الى ان "مابين 90 - 100 إمرأة عراقية تترمل يوميا نتيجة اعمال العنف والقتل الطائفي."

كما يشير التقرير الى ان هناك (300) ألف أرملة في بغداد وحدها الى جانب 8 ملايين ارملة في مختلف انحاء العراق ، وهذا يعني ان نسبة الأرامل تشكل 35% من عدد نفوس العراق و65% من عدد نساء العراق و80% من عدد النساء المتزوجات.

الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة الدكتورة هدى العنبكي، تقول إن " المشكلة الرئيسية التي تواجهها النساء الأرامل هي مشكلة الفقر والعوز المالي.. وعلى خلفية هذا الواقع المعاشي الصعب اضطرت اغلب العوائل لبيع اثاث بيوتهم من اجل تمشية امورهم فيما اضطر العديد من النساء الى إخراج اولادهن من المدارس للعمل من اجل اعالة الاسرة."

وانتقدت الدكتورة العنبكي" الممارسات الوحشية التي تتعرض لها المرأة العراقية ، بقولها " تعمد بعض مفارز قوات الاحتلال وحتى بعض الاجهزة الامنية العراقية الى اعتقال المرأة في محاولة للضغط على زوجها مثلا"."

وناشدت " المنظمات الانسانية المعنية بالموضوع بالتدخل واجبار اصحاب القرار في العراق على الكف عن اعتقال الأطفال الرضع مع أمهاتهم في السجون العراقية وكذلك اعتقال أقارب المتهم وخاصة زوجته للضغط عليه وإجباره على التعاون في التحقيق" ، واصفة هذا السلوك بانه " أمر معيب ومخجل ويقع خارج السلوك المدني والإنساني المتحضر."

واضافت الدكتورة العنبكي ان " ما تمر به المرأة العراقية من ظروف قاهرة بعد فقدانها لمعيلها يجعلها تقف عاجزة امام عمق المأساة التي تواجهها لأن فقدان المعيل يؤدي الى انخفاض مستوى المعيشة.. وانعكاسات هذا الترمل تمتد الى جميع نواحي الحياة الإجتماعية."

وفي الوقت الذي شجب فيه مصدر إعلامي في وزارة شؤون المرأة ماتتعرض له العراقيات في ظل الظروف الحالية ، صرح بأن " الوزراة تدرس امكانية رفع الحيف الذي وقع على المرأة العراقية من خلال رفع المستوى المعيشي لها ولعائلتها."

واضاف أن " الوزارة تدرس تقديم رواتب مالية الى اللاتي فقدن ازواجهن في مسلسل العنف الدامي في العراق لا سيما من ليس لديهن مورد مالي."

بينما ناشدت السيدة ميعاد علي ، وهى أرملة وأم لأربعة اطفال " الحكومة العراقية توفير فرص عمل مناسبة للواتي فقدن ازواجهن بسب العنف وتخصيص رواتب مجزية تكفل لهن وعوائلهن العيش الكريم."

وقالت " اعيش مع اطفالى الاربعة على مبلغ قدره 75 ألف دينار جراء عمل اقوم به في احدى المؤسسات وهو مبلغ قليل لايحمي اطفالى من الفقر وخصوصا ان الأطفال تزداد احتياجاتهم كلما كبروا "، مشيرة الى أن "هناك الاف الحالات المشابهة لحالتي..لا بل اكثر مني سوءا ..فإلى اين اتجه وانا امام متطلبات عائلة لاتنتهي."

واشار تقرير منظمة حقوق المرأة الى ان انعكاسات تدهور الاوضاع الامنية في العراق رفعت نسبة الترمل بشكل ملحوظ في صفوف النسوة مما دفع بالعديد منهن للبحث عن اى عمل دون جدوى للحصول على مصدر للعيش.

وندد التقرير " بجرائم الاغتصاب التي تتعرض لها المرأة العراقية في السجون الامريكية "وآخرها حادث الاغتصاب الذي تعرضت له إحدى الشابات بعد اعتقالها مع اسرتها في مدينة كركوك في شهر تموز يوليو من هذا العام من قبل القوات الامريكية.

وبعد اطلاق سراحها في شهر ايلول سبتمبر قتلت على ايدي اسرتها، تحت ذريعة الخلاص من لوثة الشرف التي لحقت بالاسرة جراء اغتصاب الفتاة في السجن."

إنها مأساة المرأة العراقية التي باتت معاناتها مزدوجة كمواطنة وكإمرأة وأم مسؤولة عن إعالة اسرتها في بلد يتزايد فيه القتل والموت وعدد المترملات كل يوم بل كل ساعة..

هذا وكان بيان أصدره صندوق رعاية الطفولة (يونيسيف) التابع للأمم المتحدة اخيرا إن حقوق المرأة والفتيات العراقيات مهددة بدرجة كبيرة في المنزل والمدرسة ومكان العمل وأيضا في المحافل السياسية.

وجاء في البيان إن المرأة تعول أسرة من بين كل عشر أسر في العراق حيث يهدد العنف حريات النساء ويحد الفقر من إمكانية حصولهن على الخدمات الاساسية بما في ذلك الرعاية الصحية.

وتترمل كل يوم عشرات العراقيات وبدأت الاسر التي تحاول التكيف دون عائل لها تشكل عبئا على الخدمات الاجتماعية وذلك وفقا لليونيسيف الذي يقول أن الحقوق المتساوية للمرأة هي مفتاح المجتمعات القوية.

وأظهرت احصاءات الامم المتحدة إن 14 في المئة فقط من النساء العراقيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 16 و60 عاما يشتغلن حاليا مقابل 68 في المئة من الرجال. وذكر اليونيسيف إن المرأة التي تغادر منزلها بحثا عن عمل تعرض نفسها وأطفالها للخطر.

وأضاف "مع تنامي المخاطر التي تتعرض لها الفتيات اللاتي يذهبن الى المدارس وجدت أعداد متزايدة من الاسر نفسها مضطرة للاختيار بين التعليم وسلامة بناتها."

وقال اليونيسيف إن تمثيل المرأة في الحكومة العراقية مازال "متدنيا بطريقة غير متناسبة" وانها تشغل فقط 25 في المئة من مقاعد البرلمان.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 20/كانون الأول  /2006 - 28 /ذي القعدة /1427