عرض كتاب: خرافة التنمية الاقتصادية.. اقتصاديات مستنفذة في القرن الحادي والعشرين

 

الكتاب: خرافة التنمية الاقتصادية

المؤلف: أوزوالدو دي ريفيرو

ترجمة: نقولا عزقول

الناشر: الشركة العالمية للكتاب، بيروت 2003

عرض: أحمد دعدوش*

 

 

 في استعراض شائق ومثير لمسيرة التنمية المزعومة في الدول التي تدعى بالنامية، يبدد الاقتصادي والديبلوماسي البيروفي "أوزوالدو دي ريفيرو" كل الأحلام المتبقية لدى شعوب هذه الدول في اللحاق بركب التقدم على النحو الذي يجري تطبيقه اليوم، انطلاقا من استحالة الوصول إلى التنمية المأمولة عبر خطط التنمية التي روجت لها الدول الكبرى منذ مطلع القرن الماضي، ومعتمدا على خبرته الدبلوماسية التي امتدت لأكثر من عقدين كسفير لبلاده إلى الأمم المتحدة، ثم إلى منظمة التجارة العالمية، ورئيسا لمجموعة البلدان الـ 77، مما يضفي على شهادته أهمية تستحق المتابعة.

تعود المشكلة إلى الإرهاصات الأولى للفكر السياسي الغربي في عصر النهضة الذي دعى أقطابه إلى قيام الدول- الأمم المستقلة، والذي تجسد في معاهدة وستفاليا (عام 1648) التي وضعت حداً للحروب الدينية في أوربا ومهدت لتقسيم القارة الأوربية إلى دول تتمتع بسيادة مستقلة كتلك التي كان يتمتع بها الملوك في أشخاصهم، ثم جاء الاستقلال الأمريكي (عام 1776) والثورة الفرنسية (عام 1789) ليستبدلا الديمقراطية وسيادة الشعب بالنظام الملكي، في الوقت الذي أعيد فيه تفسير مفاهيم سيادة الشعب والإرادة العامة وفقا لمفاهيم ضيقة، الأمر الذي أدى إلى كوارث إنسانية تجسدت في بروز نزعات التطرف النازي والشيوعي. واكتملت صورة هذا النظام السياسي الجديد مع قيام الثورة الصناعية التي أضافت مفهوم التقدم الاقتصادي إلى مفاهيم الوحدة العرقية والثقافية والدينية المكونة للدول، مع الاعتماد على نمو الناتج القومي الإجمالي للدولة كمؤشر لرفاهية الشعب، وهكذا تصبح "خرافة التنمية" هي الهدف الذي تلهث وراءه كل شعوب الأرض.

لقد صُدرت هذه الفكرة أيضا إلى الدول التي رزحت طويلا تحت وطأة الاحتلال الأوربي، فبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وكنتيجة للمبادئ التي أعلنها وودرو ولسون وأكدتها معاهدات فرساي، استيقظت مشاعر القومية في تلك الشعوب، وبدأت كل جماعة بشرية تنفرد بخصوصية عرقية أو ثقافية أو دينية بالمطالبة بحقها في تأسيس دولتها المستقلة، دون الالتفات إلى ما تملكه من مقومات اقتصادية تكفل لها البقاء كأمة ذات سيادة واكتفاء ذاتي، وهكذا تم تقسيم العالم إلى دويلات لا تملك أدنى مقومات الدولة أو الأمة، وتفتقر إلى الطبقة الوسطى والسوق القومية وغيرها من المقومات التي قامت عليها الدول الأوربية، وأصبح تطبيق مبدأ حرية تقرير المصير أحد الأعمال الشائعة في أروقة الأمم المتحدة التي سهّلت استقلال المستعمرات تفاديا لإثارة المشاعر أثناء الحرب الباردة، ليتحول الاستقلال بذلك إلى مبدأ أيديولوجي تقوم عليه كرامة الشعوب دون الالتفات إلى أي حق آخر، مع الوثوق المطلق بأن الاستقلال سيمهد فيما بعد للتطور الاقتصادي، وهو الحلم الذي تحول إلى "خرافة"، إذ تحولت هذه المستعمرات إلى دول تقتات على المساعدات الدولية، وأثبتت بعد خمسين سنة من التجارب أنها لا تملك أي أمل في اللحاق بالدول المتقدمة.

لقد انهارت كل هذه الآمال مع نهاية الحرب الباردة وتحوُل العالم إلى نظام القطب الواحد، إذ وجدت تلك الدول نفسها فجأة وقد رزحت تحت وطأة التزايد السكاني الهائل، واعتمادها الكلي على تصدير المواد الأولية والصناعات البدائية، مع انعدام الأمل في الحصول على المساعدات الدولية، ووقوعها في أزمة تسديد ديونها المتضخمة، لتجد نفسها بذلك تحت رحمة البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية اللذان يفرضان عليها الانضمام إلى الاقتصاد العالمي وفقا لشروطهما المجحفة، حتى وصل الأمر ببعض الدول مثل بورتو ريكو وجزيرة بالاو الباسيفيكية إلى رفض الاستقلال عن الولايات المتحدة، بل وتمني سكان جزر القمر العودة إلى الانضواء تحت لواء الإمبراطورية الفرنسية، مما يدفع الكاتب إلى تسمية هذه الدول المتخلفة بـ "أشباه الدول".

في الوقت نفسه، لم ينجح الأمين العام للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي في تحقيق حلمه بإدارة نظام عالمي جديد قائم على الديمقراطية الرأسمالية والرخاء لكل شعوب الأرض، إذ تزامن نشوء هذا النظام مع انهيار الجدار الاستراتيجي الذي وفره توازن الرعب بين العملاقين طوال حالة اللاحرب واللاسلم، فسرعان ما احتدمت الصراعات المؤجلة بين شعوب العالم المتخلف في البلقان، القوقاز، أفريقيا، أفغانستان، كولومبيا والشرق الأوسط، ووجدت الأمم المتحدة نفسها عاجزة أمام استهتار القوى العظمى، وجاء قرار الولايات المتحدة بعدم إعادة انتخاب غالي دليلا على عدم رغبة هذه الدول في التضحية من أجل تسوية صراعات مجتمعات أخرى فقيرة ونائية، إذ أن المهم هنا هو صورة السياسيين أمام ناخبيهم الرافضين لدفع ضرائب إضافية أو إرسال أبنائهم للموت في سبيل عملية "إحقاق السلام" العالمي. مما يعني أننا بصدد أزمة أخلاقية عالمية مع شيوع النمط الاستهلاكي الذي تراد عولمته على حساب ما كان يسمى بـ "الدوافع الوطنية النبيلة" التي دفعت ملايين الشباب للدفاع عن أوطانهم في الحربين العالميتين للقرن العشرين.

نشوء العولمة

لقد منح توازن الرعب بين القوتين النوويتين العظميين أثناء الحرب الباردة الشركات الرأسمالية فرصة التوسع على حساب معظم دول العالم حتى الخاضعة منها للنفوذ السوفييتي، إذ ارتفع عدد الشركات متعددة الجنسيات من 7000 عام 1960 إلى 37000 مع نهاية عام 1989، ومع انتهاء الحرب الباردة تحولت هذه الشركات إلى مؤسسات عملاقة تملك القدرة على التحكم في الاقتصاد العالمي خارج نطاق الدول التي تدار على أراضيها، بل أصبحت الدول الكبرى نفسها عاجزة عن الوقوف في وجهها، خصوصا مع تمكن المضاربين من التحرك عبر أجهزة الكمبيوتر والاتصالات البعدية من أي مكان في العالم، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار عملات بعض الدول وما يتبع ذلك من إفلاسات هائلة وتضخم في الأسعار وطرد ملايين العمال من وظائفهم.

في هذه المرحلة بدأت صورة الدولة- الأمة بالانهيار، إلى درجة اضطرار الصين في المستقبل القريب للتخلي عن الكثير من سلطاتها في المناطق الاقتصادية المزدهرة على شواطئها، لنشهد نشوء ظاهرة الدولة- المدينة، مع انخراط المدن الكبرى في الاقتصاد العالمي.

هذا الانسلاخ سيتكرر حدوثه في الدول المتخلفة أيضا ولكن على نحو مخالف، إذ تقدر مصادر الأمم المتحدة بأن ما يزيد على خمسة بلايين نسمة- أي 70% من الجنس البشري- سيعيشون في مدن فقيرة في العام 2025، مما يشي بتفجر كوارث بيئية وبشرية هائلة مع تقلص قدرة الحكومات على السيطرة على مدنها المتضخمة.

الارستقراطية العالمية

تحت وطأة البطالة العالمية المرتفعة وتقلص أهمية المواد الأولية القابلة للتصدير، اضطرت الدول المتخلفة أخيرا للسعي وراء الشركات العالمية التي كانت المظهر الإمبريالي الأكثر إثارة للريبة، إذ لم يعد أمامها خيار آخر سوى جذب الاستثمارات العالمية المنتجة لتتمكن من الحد من أزمة البطالة ورفع المستوى التكنولوجي أملا في إنتاج سلع تتمتع بمزايا تفاضلية قادرة على المنافسة. ولكن الشركات العالمية في المقابل تضع حوالي 70% من استثماراتها المنتجة في الدول الأربع والعشرين الصناعية الكبرى في العالم، بينما تتوزع مشاريعها المتبقية في دول جنوب شرق آسيا، وبعض الدول الشيوعية السابقة ودول أمريكا اللاتينية، ولا يبقى للدول المتخلفة الأخرى سوى المشاريع ذات الإنتاجية الضئيلة والآثار البيئية الضارة.

هذا التساهل الاضطراري يزيد من تبعية تلك الدول ويقلص من سيادتها التي ناضلت للحصول عليها، فبارونات العالم الجديد يفضلون الاستثمار في أنشطة سريعة الربح وقادرة على الانسحاب السريع عند الضرورة، وهم لا يعترفون إلا بمسؤوليتهم تجاه حاملي الأسهم الذين يصعب تحديد هويتهم أصلا، مما يعني أن أشخاصا مجهولين لم يجر انتخابهم أصبحوا هم الذين يقررون قيمة النقد وأسعار المواد الأولية والطاقة والغذاء ونسبة البطالة ونظافة البيئة في هذه الدول، وبالتالي فإن جوهر الديمقراطية قد بدأ بالتآكل.

خرافة التنمية تتجسد هنا مع سقوط نظرية المزايا التفاضلية، فهذه الشركات لم تعد تبحث عن مناطق توفر الموارد الأولية والعمالة الرخيصة، بل تحقق أرباحها عن طريق قوة عمل عالية التأهيل ومشاريع مجهزة بقدرات تكنولوجية متقدمة. كما أن أسطورة اليد الخفية التي تضبط الاقتصاد الحر لم تتحقق في الدول التي نجحت في تخطي الفقر، إذ قدمت حكومات كوريا الجنوبية وسينغافورة وهونغ كونغ الدعم الكافي للمستثمرين القادرين على إنتاج سلع قابلة للتصدير.

الدول المتخلفة بدأت تفقد سيادتها منذ اضطرارها للانصياع لشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، وإلا فإنها ستجد نفسها خارج المنظومة الدولية، مما سمح لهذه المؤسسات بالتحول إلى إكليروس عالمي يتولى مهمة التبشير بعقيدة الرأسمالية المقدسة، كسبيل أوحد لخلاص العالم من كابوس الفقر. وقد وردت هذه العقيدة في ما أسماه جون وليامسون عام 1990 بإجماع واشنطن الذي يتضمن السياسة الاقتصادية المنبثقة من اتفاق الكونغرس والحكومة الأمريكية وصندوق النقد والبنك الدوليين مع كبار المصرفيين والمدراء التنفيذيين والسياسيين، حيث تقوم هذه العقيدة على ضرورة الانصياع لآليات السوق الحرة، مع السماح للدولة بالتدخل للحفاظ على النظام المالي واستقرار العملة المحلية، مما يضمن الحصول على القروض والاستثمارات الأجنبية، والنتيجة هي أن اثني عشر عاما من التطبيق العملي لهذه العقيدة الصارمة لم يؤد إلى النتائج المأمولة. بل رأينا انتهاك صندوق النقد الدولي لمبادئ السوق الحرة بضخ بلايين الدولارات لإنقاذ كبار المستثمرين إبان أزمة الاقتصاديات الناشئة في آسيا، وترك شعوب هذه الدول لتتحمل نتائج تطبيقها لبرامج إعادة الهيكلة. ومع ذلك فإن رجال الإكليروس ما زالوا يصرون على عصمة هذه العقيدة من الخطأ، مما يشي بتحولها الحقيقي إلى أيديولوجيا صارمة.

الدول المتخلفة تجد نفسها اليوم في وضع لا تحسد عليه، فالدول الصناعية كانت لا تضع حدودا لانتقال التكنولوجيا أثناء الثورة الصناعية مما مهد لتقليد الاختراعات في كل الدول، أما اليوم فإنه من الصعب جدا الحصول على التكنولوجيا مع وجود قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية.

ومن الطريف أن عمال الدول الصناعية نفسها بدؤوا يفقدون قوتهم، إذ يهدد أرباب العمل بتقسيم المصانع الكبرى إلى مصانع صغيرة تعتمد على التكنولوجيا بكثرة وتقوم بإمداد المعامل الكبرى بحاجتها من القطع التي يعاد تجميعها، وبالتالي فإن عدد العمال المنتسبين إلى النقابات انخفض إلى الثلث مع ضياع الأمل بقدرتهم على ممارسة الضغوط لصالحهم.

الداروينية العالمية

يتجاهل الليبراليون الجدد اليوم حرص "آدم سميث" على العامل الأخلاقي عندما أكد أن المصلحة الشخصية لا يمكن أن تكون المحرك الناجح للاقتصاد دون أن يتم احتواؤها في إطار "السلوك العقلاني"، وأن تتولى الدولة مهمة ضمان مستويات معيشة كريمة للعمال إلى جانب وظائفها القانونية والأمنية. ولكن دعاة الليبرالية الجديدة التقطوا مصطلح "اليد الخفية" الذي لم يرد سوى مرة واحدة في كتاب سميث "ثروة الأمم" ذي الأربعمئة صفحة، ثم دعموا هذه النظرية بالمعادلات الرياضية لتتحول إلى قانون حتمي مثل قانون الجاذبية. وبالتالي فإن الحرية الاقتصادية والمسؤولية الأخلاقية تم اختزالهما في داروينية السوق العالمي، حيث تقوم اليد الخفية المجردة من الأخلاق بانتقاء الأشخاص والشركات والاقتصادات القادرة على الحياة والتطور، وتطرح جانبا كل من هو غير قادر على المنافسة. وإذا كانت أحلام التنمية تعد بتعميم النمط الاستهلاكي على كافة الشعوب، فإن إحصائيات بعض المصارف العالمية تشير إلى أن حوالي 900 مليون شخص فقط من بين البلايين الستة من البشر هم وحدهم القادرون على امتلاك بطاقات ائتمان تؤهلهم لدخول سوق الاستهلاك.

إزاء هذه الحقائق، فإن دعاة الليبرالية يكتفون اليوم بالاهتمام بـ 300 مليون مواطن صيني قادر على الاستهلاك ليشكلوا مبررا قويا للتوجه نحو دمج الصين بالاقتصاد العالمي، أما البقية فسيترك أمرهم لقانون الانتقاء الطبيعي.

من جهة أخرى، فإن عولمة النمط الاستهلاكي المفرط ستؤدي في حال إمكانية تطبيقها إلى كارثة بيئية لا تحتمل، ففي ظل اقتصاد استهلاكي ينظر إلى الطبيعة على أنها مجرد مادة أولية قابلة للاستهلاك، تُصادر كل يوم مساحات هائلة من الأراضي الزراعية للتوسع العمراني، ويتم استنزاف الثروة السمكية دون اكتراث، وتُشحن باستمرار نفايات مصانع الدول المتقدمة لتدفن في أراضي العالم المتخلف. وعليه فإن الطفل الذي يولد في الولايات المتحدة يشكل عبئاً مضاعفاً على البيئة من الطفل السويدي، و3 أضعاف من الطفل الإيطالي، و13 ضعفا من الطفل البرازيلي، و35 ضعفا من الطفل الهندي، و140 ضعفا من الطفل البنغالي، و280 ضعفا مما يكلف البيئة طفل مولود في تشاد أو نيبال، مما يعني استحالة تطبيق هذا النمط المعيشي على الثمانين مليون طفل الذين يولدون كل عام.

مستقبل مرعب

تشير التنبؤات إلى أن عدد سكان العالم في عام 2020 سيصل إلى 8 بلايين نسمة، يتواجد 6.6 بليون نسمة منهم في العالم المتخلف، حيث يعيش 3 بلايين تحت خط الفقر إضافة إلى 840 مليون جائع ومئات الملايين من العاطلين عن العمل، وستستوعب أكثر من 550 مدينة ضخمة غالبية هذه الأعداد بمعدل مليون شخص لكل منها، بينما يصل عدد المدن التي تضم أكثر من 10 ملايين نسمة إلى عشرين، مما يعني الانفتاح على كافة الاحتمالات من جنوح وإرهاب وتلوث بيئي مفرط.

أمام فشل كل المحاولات السابقة، فإن التفاؤل باستنساخ تجارب سابقة يبدو مستحيلا، فحتى الدول الأربع الوحيدة التي تخطت عتبة التخلف (كوريا الجنوبية، تايوان، سينغافورة، هونغ كونغ) لم تلجأ إلى توصيات الليبرالية الجديدة السابق وصفها والتي لا تتناسب مع "أشباه الدول" التي وقفت عاجزة أمام الانفجار السكاني المتزايد وصعوبة استقطاب الاستثمارات القادرة على رفع مستوى صادراتها التكنولوجي، وبالتالي فإن الاستبشار ببعض الأرقام كارتفاع الدخل القومي في بعض الدول لا يعني شيئا طالما ظل الوضع البيئي والثقافي والاجتماعي في انحدار مستمر، وطالما لم تأخذ الطبقة الوسطى دورها الحقيقي في إنشاء قاعدة ديمقراطية كما كان عليه الحال في عصر الثورة الصناعية، وإلا فسنشهد حركة تحول مكلف نحو رأسمالية فارغة تتحكم بها أنظمة فاسدة ومتحالفة مع مستثمرين ومضاربين عالميين، يسعون فقط نحو المزيد من استنزاف خيرات "أشباه الدول" مع ضخ بعض مظاهر الاستهلاك الترفي لإلهاء الشعوب المقهورة.

من جهة أخرى، فإن الاستمرار في غض الطرف عن واقعية نشوء وبقاء "أشباه الدول"- والتي ينطبق وصفها على معظم الدول العربية- سوف لن يؤدي إلى حل جذري لمشكلة تخلفها المزمن، فالتشرذم الذي يسمى استقلالاً بعد جلاء الاستعمار عن الدول العربية والإسلامية يجب أن يعاد فيه النظر، إذ أن نشوء الدول الصناعية كان نتيجة لتوحد شعوبها تحت رابطة قومية أو دينية تعكس وحدتها كأمة، والتي تجسدت بعد ذلك في انبثاق طبقة وسطى (بورجوازية) وسوق قومي واسع وثقافة ديمقراطية، بينما شهد العالم المتخلف تطبيقا معاكسا لنشوء "أشباه الدول"، والتي يشكل استمرار وجودها المشوه عبئا على مجتمعاتها وعلى العالم بأسره.

*باحث في المعهد العالي للدراسات والبحوث السكانية

سورية- دمشق- ص. ب 11192

[email protected] 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 18/كانون الأول  /2006 - 26 /ذي القعدة /1427