بغداد: مدينة على حافة الهاوية وسكانها الخائفون يحرسون احياءهم اثناء الليل

 

قد يكون العراق في حرب أهلية بالفعل أو أنه أقرب ما يكون إلى حرب أهلية. ولكن في الحالتين فان بغداد في بؤرة الاهتمام حيث ان العنف الطائفي يعطل كل مناحي الحياة في المدينة أكثر من أي وقت مضى كما أن سكانها قلقون وخائفون أكثر من أي وقت مضى.

وتكفي جولة بالسيارة نهارا في هذه المدينة التي يعيش بها سبعة ملايين نسمة لرؤية علامات واضحة.. صفوف من المحلات المدمرة وحواجز على الطرق ومنازل خاوية ونشاط ضعيف يستمر فترات قصيرة. . وما أن يجن الليل حتى يستولي المسلحون على المدينة اثناء حظر التجول. ومن يتحدث الى الناس في بغداد يسمع صوت مجتمع ممزق يتملكه الرعب.

وقالت امرأة في بغداد تخشى - مثلها مثل الغالبية العظمى في المدينة الواقعة على ضفتي نهر دجلة - أن تذكر اسمها بالكامل "نحن خائفون ومحزونون ومحبطون."

في هذا العام ارتفع عدد القتلى الذين يسقطون في العاصمة العراقية كل أسبوع من العشرات الى المئات وتحديدا منذ أن أدى تفجير مزار شيعي رئيسي في مدينة سامراء الى موجة من أعمال العنف الانتقامية.

وأدت التفجيرات التي قتلت أكثر من 200 شخص في العاصمة منذ أسبوعين في اسوأ هجوم في الصراع الى قفزة كمية في عامل الخوف مما يدفع أكثر الرجال اعتدالا الى الى حمل بنادق كلاشنيكوف والتجول في الشوارع دفاعا عن بيوتهم.

وكان يفر بالفعل الى الخارج نحو مئة ألف عراقي شهريا كثيرون منهم من العمالة الماهرة في بغداد في اطار عملية "نزيف للعقول". والان يفر المزيد ممن تبقوا في المدينة بحثا عن الامان من خلال الكثرة وسط أناس من طائفتهم سنة كانوا أم شيعة.

وتندلع "حروب بقذائف المورتر" بين أحياء متصارعة في بغداد التي كانت تسمى "مدينة السلام".

المتاجر والمدارس مغلقة. والعمال والتجار والموظفون يخطفون بالعشرات ويعثر على جثث كثيرين منهم في الشوارع وعليها اثار تعذيب قبل قتلهم. ويجر مدرسون وهم يتوسلون الرحمة من داخل فصولهم. وتقلصت الحياة العائلية داخل البيوت في مدينة تصبح فيها الكوابيس حقيقة والكل تنغصه عليه أحلام سيئة.

وقالت العروس لينا "لا يمكنني أن أذهب للمصور.. انني خائفة." ومضت تقول "عندما تزوجت صديقتي في تموز (يوليو) كانت الامور سيئة لكنها الان أسوأ. أخشى أن أخرج للتسوق."

وأضافت "من المفروض أن أكون سعيدة لكنني لا أشعر أنني عروس."

وبالنسبة لأبي مروة وهو رب عائلة فإن تفجيرات 23 نوفمبر تشرين الثاني في حي مدينة الصدر الفقير معقل الشيعة كانت لحظة فاصلة تغيرت فيها الحياة.

قبلها كان الحي الذي يعيش فيه تعرض بالفعل لهجمات قاتلة بقذائف المورتر كما قتلت إحدى فرق الإعدام رجلين بالرصاص وألقت بجثتيهما قرب منزله وتركت زوجته العمل وأغلقت المحلات في الحي أبوابها.

ولكن في ليلة التفجيرات عندما وجد المترجم البالغ من العمر 40 عاما نفسه لأول مرة يلتقط بندقية كلاشنيكوف غاضبا ويستعد لإطلاق النار على أي شخص يقترب منه أدرك أن الوقت حان أخيرا كي يترك بيته.

خرج إلى الشارع خشية أن يتعرض الحي لهجوم متلقيا أوامر من أغراب يتحدثون بغلظة كلهم من طائفة واحدة نظموا الرجال في مواقع دفاعية.

وقال أبو مروة "هناك سنة وشيعة في عائلتي لكن تعين علي الاختيار لأن منزلي يقع في منطقة لها خصوصيتها."

وقرر بينما كان يجلس في الظلام على سطح المنزل الذي شيده وعاش فيه 16 عاما أن الوقت حان لمغادرة العراق.

وقال بينما كان يجلس في مكتبه مرتديا بزة ويضع رابطة عنق "لن أقضي نحبي إلا إذا قدر الله. لست خائفا." واستطرد قائلا "لكنني أفكر.. ماذا ستفعل عائلتي إذا حدث لي مكروه.. قررت هذا الأسبوع أن أغادر."

والخروج الذي قد يكون معادلا لهجرة مليون أمريكي كل شهر مقارنة بعدد السكان يضرب الاستثمارات ويقضي على الاقتصاد في المدينة الذي ازدهر لفترة قصيرة عندما أنهى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العقوبات.

وقال وسام بديع (40 عاما) صاحب متجر في محله الصغير في وسط بغداد "نشعر أنه لم يتبق أحد... إنهم إما يخشون الخروج أو يفرون من البلاد."

ويقول تجار التجزئة إن خطف الناس بالجملة والتفجيرات في الأسواق بما في ذلك التفجير في سوق الشورجة لتجارة الجملة بوسط المدينة عطل الإمدادات. وزاد معدل التضخم على 50 بالمئة في العام لكن أسعار بعض السلع الترفيهية المستوردة مثل البن والشيكولاتة قفزت بمثل ذلك المعدل كل أسبوع أو نحو ذلك في الآونة الأخيرة.

أما أم خالد مصففة الشعر فقد رثت التراجع في النشاط الذي تعمل به لما يزيد على 25 عاما. وقالت "عهد صدام كان عصرا ذهبيا" مرددة ما يقوله كثير من العراقيين الذين هللوا من قبل للإطاحة بالطاعية.

وقالت صاحبة محل تصفيف الشعر "بل إن الأمور كانت أفضل بكثير قبل عام." ومضت تقول "كان يهل علي كثير من العرائس في أيام زفافهن. واليوم لا يأتي سوى القليل. ويساورني الخوف من أن يخطفن بملابس زفافهن عندما يغادرن المحل."

وأطفال بغداد من ضحايا الاضطرابات الأكثر تأثرا. فآباؤهم الخائفون لم يحرموهم فقط من الذهاب إلى المتنزهات واللعب في الشارع وإنما تأثر تعليمهم بشدة والكثيرون إما لزموا بيوتهم أو وجدوا مدارسهم مغلقة.

وتهاجم جماعات مسلحة الكليات والمدارس وتغتال المدرسين.

قال الشاب محمد إنه هرب من مدرسته هذا الأسبوع عندما اقتحمها رجال ميليشيا وخطفوا ناظرها.

وبالنسبة للكثيرين فإن ما يمنعهم عن مغادرة المدينة نقص المال وعدم التأكد من حسن استقبالهم في أماكن أخرى. وآخرون يجدون ببساطة صعوبة في أن يتركوا المدينة.

قالت أم خالد انها ذهبت إلى الأردن هذا العام لكنها وجدت أن من الصعب عليها ترك الأشياء الصغيرة التي ألفتها في بيتها.

وقالت "افتقدت عربات السمك الخشبية في بغداد... رغم أني أفكر الآن في أنها تحمل جثثا بعدما تنفجر القنابل."

وأضافت "لن أغادر لأنني أحب العراق."

وعند غروب الشمس وهبوط الظلام يهجع أهالي حي الحرية في بغداد عائدين الى بيوتهم فيما يهرع فراس حسن واصدقاؤه الى حمل البنادق الكلاشنيكوف ويتجهون صوب الشوارع الخالية.

هؤلاء المتطوعون ليسوا من المسلحين لكنهم أعضاء في احدى جماعات حراسة الاحياء العديدة التي ظهرت في ارجاء العاصمة العراقية بعد احتدام احداث العنف بين الطوائف الدينية المتناحرة وتكريس الاحتقان الطائفي في احياء بغداد وضواحيها.

وقال حسن "يستهدفنا الارهابيون لاننا من الشيعة." واضاف "لا نضع ثقتنا في احد ونرسخ وجودنا في الحي من خلال استجواب الاغراب وايقاف السيارات لردع هؤلاء المجرمين."

وقال حسن ان حراس الاحياء باشروا مهمة الذود عن منطقتهم هذه منذ ثلاثة اشهر عندما تسلل مسلحون من السنة من منطقة قريبة وألقوا بكيس ضخم على ارضية الشارع.. ووجدوا داخل العبوة اشلاء احد اصدقائهم الشيعة كان قد اختطف قبل ذلك بيوم واحد.

وقال حسن وهو ينظف ماسورة بندقيته وقد عاد بذاكرته الى الوراء "عندما فتحنا الكيس وجدنا بداخله رأس خليل وبقية اشلائه." واضاف "منذئذ أدركنا أن علينا الدفاع عن انفسنا لذا فقد قمنا بتكوين هذه الجماعة اثناء الجنازة."

وعلى الضفة الاخرى من نهر دجلة وفي حي الاعظمية الذي تقطنه أغلبية سنية يقول أبو أنس ان افراد جماعته من الرجال المسلحين لا يغمض لهم جفن خوفا من رجال الميليشيات الشيعية لاسيما بعد انفجار ست قنابل في حي مدينة الصدر القريب ومقتل أكثر من 200 قبل اسبوعين.

كان هذا الهجوم هو الاعنف منذ غزو قوات تقودها الولايات المتحدة للعراق عام 2003 مما أوغر صدور الشيعة وجعل السنة يتخذون حذرهم خشية تعرضهم لهجمات انتقامية عنيفة يخاف كثيرون ان تغرق العراق في اتون حرب اهلية شاملة.

ومما اثار مخاوف جديدة من احتمال تقسيم العاصمة الى جيوب طائفية تفصل بينها خطوط جبهة ما اعقب الهجمات من قيام الجماعات المسلحة في مختلف الاحياء بتكثيف الاجراءات الوقائية ونشوب حرب بقذائف المورتر بين الجماعات الطائفية المتنافسة.

وقال أبو أنس "نعمل في أربع نوبات كل نوبة من ست ساعات بدءا من السادسة مساء حتى السادسة من مساء اليوم التالي ونتخذ مواقعنا على اسطح منازلنا في النوبة الثانية." ومضى يقول "كلنا متطوعون لكن تمنحنا بعض العائلات في احيان كثيرة قدرا من المال والطعام."

واضاف "يسود الهدوء الحي لكننا على استعداد دوما لمهاجمة جيش المهدي اذا أتوا الى شوارعنا حتى لو استخدموا مركبات الشرطة."

الا ان بعض الناس تجاوزوا التوترات الطائفية لمعاونة الجيران من طائفة اخرى في صد المسلحين.

ابو مصطفى رجل شيعي عضو في جماعة حراسة الاحياء في منطقة السعيدية ذات الاغلبية السنية في جنوب بغداد وكلف بحراسة مسجد سني في شارعه من هجمات الميليشيات.

وقال ابو مصطفى "في شارعنا لا نشعر بالتوتر الذي تجده في اماكن اخرى في بغداد. نحن جيران منذ 25 عاما واننا كالاخوة." واضاف "بالاضافة الى ذلك انا ان عاونتهم في الدفاع عن مسجدهم فلن يلحقوا بي أو باسرتي الاذى."

وتواجه مثل هذه الجماعات المسلحة بالاحياء مخاطر قاتلة لاسيما على الخطوط الفاصلة بين الطوائف حيت تتلاحم المناطق المتناحرة.

وكرار علي مقاتل في جيش المهدي عمره 19 عاما من حي الشعلة الكثيف السكان وهو يحرس جسرا يفصل بين حيه ومنطقة الغزالية السنية. وقال ان المسلحين قتلوا اثنين من اصدقائه خلال الاسابيع القليلة الماضية.

وقال علي "تقول لي أسرتي باستمرار ان اتخلى عن عملية التطوع وان اذهب الى الخطوط الامامية بالجبهة." واضاف "الا ان الخيار بالنسبة الي بسيط.. اما ان نعيش في خوف او ان نموت مرفوعي الهامة."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد10  /كانون الأول  /2006 -18 /ذي القعدة /1427