الحكيم وزيارته الثالثة لواشنطن

عدنان آل ردام العبيدي*

 يتساءل الكثير من المراقبين والمتابعين للملف العراقي عن سبب زيارة زعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد الى الولايات المتحدة الامريكية طالما كانت عمان قد جمعت يوم الاربعاء الماضي كلاً من سماحته والرئيس الامريكي بوش ودولة رئيس الوزراء الاستاذ نوري المالكي.

ربما الاجابة تكمن في السؤال نفسه، فالسيد زعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد عندما ذهب الى عمان لم يذهب كعضو من اعضاء الوفد الحكومي الرسمي الذي رافق رئيس الوزراء العراقي والدعوة التي على ضوئها كان السيد الحكيم قد زار الاردن كانت اقدم بكثير من الدعوة التي وجهت للسيد نوري المالكي بل ان الدعوة الاردنية لزعيم الائتلاف العرقي الموحد كانت موجهة لسماحته من قبل الحكومة الاردنية قبل ان يكلف الاستاذ المالكي بتشكيل الحكومة. لكن الظروف السياسية والامنية التي يعيشها العراق قد دفعت الى تأجيل الزيارة حتى الانتهاء من انجاز الاستحقاقات الاساسية التي تتطلبها العملية السياسية العراقية والتي كان في طليعتها خوض الانتخابات الدستورية الاخيرة والتصويت على الدستور بعد انجاز مسودته ومسألة تشكيل الحكومة الحالية وبعض العناوين المرتبطة بشكل او بآخر بمجمل العملية السياسية.

زعيم كتلة الائتلاف العراقي الموحد لم يلتق الرئيس الامريكي في عمان وهذا يؤكد بما لا يقبل الشك بان اجندة الزيارة ليست لها علاقة بزيارة الرئيسين بوش والمالكي الى عمان، سوى ان التزامن الذي فرضته المصادفة هو القاسم المشترك في هذه الموضوعة. ووفقاً لاجندة الزيارة فان السيد الحكيم كان يرافقه وفد خاص بسماحته وان فترة زيارته الى الاردن قد امتدت الى اربعة ايام تخللتها فعاليات رسمية واجتماعية وبرلمانية ودينية فضلاً عن الامور السياسية والعلاقات الثنائية التي تربط الشعبين الشقيقين الاردني والعراقي.

المهم في الموضوع كله ان زيارة السيد الحكيم لعمان هي محطة اولى ضمن جولة لا تنتهي بزيارة الولايات المتحدة بل انها ستشمل ايضاً المانيا وفرنسا وبريطانيا وبعضاً من دول الخليج العربية.

وبطبيعة الحال ان هذه الجولة حُددت لها اهداف واتجاهات متعددة جميعها يصب في خدمة صنع الامن والاستقرار في المنطقة بشكل عام وفي العراق بشكل خاص بالاضافة الى الاهداف الكبرى الاخرى والتي يأتي في مقدمتها اعادة الثقة للعلاقات العراقية الدولية – والعراقية العربية.

وبما ان السيد الحكيم قد حط الرحال في محطته الثانية بالولايات المتحدة الامريكية فمن نافلة القول، التذكير بان هذه الزيارة لم تكن الاولى للسيد الحكيم الى هذا البلد، فلقد زار سماحته الولايات المتحدة في العام 2002 مع وفد عراقي رفيع كان يمثل القيادات البارزة في المعارضة العراقية آنذاك وقد جرى لسماحته خلال الزيارة اهتمام بالغ من قبل المسؤولين الامريكيين ووسائل الاعلام الامريكي، كذلك كرر سماحته زيارته لهذا البلد ضمن جولة شملت دولاً اخرى عندما حلّت فترة رئاسته في مرحلة مجلس الحكم وذلك خلال العام 2003، لذلك تأتي هذه الزيارة هي الاخرى وفق سياقات واستحقاقات سياسية استراتيجة لا تهم العراق فحسب وانما تهم دول المنطقة والعالم ككل، خصوصاً بعد كثرة المشاريع العبثية التي تريد للتجربة العراقية الجديدة ان تنكفئ وتعود بنا الى المربع الاول كما يقال.

أية حلول تأتي من خارج بغداد غير شرعية

عادةً ما تقترن زيارات السيد الحكيم زعيم الائتلاف العراقي الموحد الى أي من دول العالم بمواقف مبدأية جريئة وواضحة وتتسم بالثقة المفرطة بالعمق الجماهيري والسياسي لهذه الشخصية السياسية الوطنية.

وخلال السنوات الثلاث الماضية شكلت حركة السيد الحكيم في مجمل الخارطة السياسية العراقية مفاصل اساسية بالتأريخ العراقي المعاصر وهنالك من وصف تحرك سماحته بانه يمثل مفتاح التغيير في المعادلة السياسية القديمة نحو ما هو قائم حالياً.

فسماحته كان صمام الامان في مسألة الاصرار على عدم تجاوز الاستحقاقات الدستورية وهو دون غيره ممن رفض أي محاولة تأجيلية للانتخابات العراقية الاولى. وقد شخص سماحته افرازات التأجيل آنذاك ومخاطرها على انها خطوة تمهيدية لاعادة انتاج الظاهرة الصدامية من جديد، وقد اعتبر العديد من المتابعين للشأن العراقي آنذاك بان التأجيل الانتخابي فيما لو قدر له ان يتحقق فانه من المستحيل ان يصل العراق الى ما وصل اليه حالياً.

ذلك المفصل السياسي يذكرنا بحالة الرفض الصريح والفوري الذي اعلنه زعيم الائتلاف من كان وواشنطن لمقترح الامين العام للامم المتحدة الذي يتجه لتدويل القضية العراقية عندما اختصر عملية الرفض بعنوانيين اساسيين هما: ان مثل هذا التدويل هو غير واقعي وغير شرعي مشدداً على ان العراق لا يحتاج الى مبادرات من هذا النوع ومضيفاً بان ليس في العراق ما يستوجب ان تعالج قضاياه بهذه الطريقة التي اشار اليها السيد كوفي عنان.

سماحته ذكّر العالم اجمع بان الذي جرى في العراق خلال الفترة المنصرمة انما هو حالة دستورية فريدة من نوعها في المنطقة وان العراق الحالي يمتلك حكومة هي الاقوى من بين قريناتها في المنطقة استناداً الى عمقها الجماهيري المليوني الذي قدم التضحيات الجسام من اجل الوصول الى هذا المنجز.

الرؤية الواضحة للمشهد العراقي لدى السيد الحكيم وثقته بالتجربة العراقية الحديثة هي التي املت على سماحته ان يرفض كل الرفض مقترح السيد كوفي عنان حتى من داخل البيت الابيض الامريكي وامام مسامع رئيس اقوى واكبر دولة كونية، بل ان الحكيم زاد على ذلك بالقول: ان أي حل لاي ازمة عراقية لا يمكن ان يكتسب شرعيته ما لم تكن بغداد حاضنته الاساسية معتبراً ان أي مسعى اقليمي او دولي يحاول ان يتجاوز المعطيات التي افرزتها العملية السياسية بانه مسعى قاصراً ستكون نتائجه تدميرية وكارثية ليست على العراق فحسب وانما على عموم المنطقة والعالم.

بالتأكيد ان مواقفاً كهذه سوف تشكل منعطفات تأريخية في مسيرة رموزنا الوطنية والسياسية وقد تكون هي الحالة الاكثر خطورة عندما يراد تفحص المسيرة التأريخية لتلك الرموز.

نعتقد ان زيارة زعيم اكبر كتلة برلمانية عراقية لواشنطن تعد من الاحداث المهمة خصوصاً فيما اذا جاءت الزيارة في ظروف كالظرف الذي وصل اليه العراق حالياً عبر تخطيه لاصعب الاستحقاقات السياسية والدستورية، وما يزيد من اهمية هذه الزيارة انها جاءت بعد انجازات عظيمة نجح الشعب العراقي وقواه السياسية من تجاوزها كصياغة الدستور الدائم للبلاد وبناء السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية وتوجه العراق بكل ثقله باتجاه تخليص جغرافيته من كل مواقع الارهاب والاجرام.

ولعل ما قاله بوش في مؤتمره الصحفي من ان الولايات المتحدة الامريكية تدعم بقوة النشاط السياسي الذي يقوده الحكيم ورئيس الحكومة العراقية الاستاذ نوري المالكي يعد شهادة دولية كبيرة وهامة ستدفع بالعاملين الاقليمي والدولي على التمسك بالخيار دعم ومساندة التجربة العراقية الجديدة خدمة للعراق والمنطقة والعالم.

*رئيس تحرير صحيفة الاستقامة

رئيس اتحاد الصحفين 

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 8 /كانون الأول  /2006 -16 /ذي القعدة /1427