ينتشر الشيعة بأعداد متفاوتة في مناطق المملكة المختلفة، لكن نطاق
تمركزهم وثقلهم الأساسي هو شرق الجزيرة العربية أو ما كانت تعرف قديما
بالبحرين التي تشمل تاريخيا أوال (مملكة البحرين حاليا) والخط (القطيف)
وهجر (الأحساء). وتاريخ التشيع في المنطقة قديم، وبعضهم يعود به إلى
عهد الإمام علي ابن أبي طالب الخليفة الرابع. وقد أنجبت المنطقة العديد
من الصحابة والتابعين والشعراء المبرزين، وتميزت المنطقة (البحرين
القديمة) باندلاع الثورات والانتفاضات المبكرة ضد الدولة الأموية ثم
الدولة العباسية والتي تكللت بسيطرة القرامطة في نهاية القرن الثالث
الهجري التي جعلوها قاعدة لحكمهم ومنطلقا لحملاتهم ضد المراكز والعواصم
العربية (العراق والشام ومصر)، واستمرت سيطرتهم قرابة 150 عاما.
الشيعة في المنطقة الشرقية هم إجمالا من الحضر المستقرين الموجودين
منذ قرون عديدة ضمن مدن وقرى حضرية، ويمارسون مهنا ثابتة مثل الزراعة
والحرف والصيد، وبالتالي فإن الأنماط الاقتصادية للعلاقات القبلية
وكذلك أعرافها وعاداتها وقيمها ضئيلة الحضور, علما بأن الأصول القبلية
والبدوية شكلت تاريخيا النواة الصلبة الأساسية للسكان المحليين
(الشيعة). وهم في غالبيتهم ينحدرون من قبائل ربيعة (عبد القيس وبكر بن
وائل) ومن قبائل وعشائر أخرى وفدت من نجد وغيرها (لأسباب اقتصادية) من
المناطق، ومن أهمها قبيلة بني خالد التي استقرت وتحضرت وذابت ضمن
النسيج المحلي للسكان.
إذا فالأصول والجذور العربية للشيعة لا جدال فيها، وهو ما يدحض
التخرصات المشككة في انتماءاتهم القومية والوطنية ومن ضمنها اعتبارهم
أجانب أو منحدرين من أصول فارسية مع أن ذلك لا يعيب ولا يشكل جريرة أو
مؤاخذة من أي نوع، ففي إطار الحضارة العربية الإسلامية تمازجت وتداخلت
واختلطت شعوب وحضارات وثقافات متنوعة، وكان ذلك أحد العوامل لإثراء
وحيوية وتقدم تلك الحضارة.
إن وجود أعداد غفيرة من ذوي المنحدرات الإيرانية والآسيوية
والأفريقية في معظم مناطق دول الخليج (وفي مقدمتها المملكة) ومعظمهم من
السنة لم يثر التحفظات والتشكيك من قبل السلطات والأوساط الدينية
الرسمية، وهذا يدل على التوظيف السياسي الذي يستخدم الدين المتشدد كما
في مرحلة المد القومي أو يتبنى القومية الشوفينية إزاء مطالب واحتياجات
وحقوق الأقليات الإثنية والدينية والطائفية ومن بينهم الشيعة.
نطاق الانتشار
الشيعة موجودون في مناطق وأقاليم مختلفة من المملكة، ففي المنطقة
الشرقية يشكل الشيعة نسبة كبيرة من السكان، وهم مذهبيا ينتمون إلى
الإمامية (الجعفرية)، وكذلك الأمر ينطبق على شيعة المدينة (النخاولة)،
بل إن الأشراف وهم سادة بني هاشم في المدينة ومكة وينحدر من سلالتهم
الأسرتان الهاشمية والعلوية الحاكمتان في الأردن والمغرب، كانوا ينتمون
(وبعضهم لا يزال) للمذهب الشيعي. كما أن هناك وجودا شيعيا بين قبائل
حرب وجهينة (الحروب) وفي منطقة ينبع البحر وهم من الشيعة الكيسائية.
أما الشيعة "الإسماعيليون" فينتشرون في الجنوب وبخاصة في نجران بين
قبائل يام, كما ينتشر الشيعة "الزيود" في مناطق عدة من المنطقة
الجنوبية والغربية.
ومع أهمية الوجود الشيعي في المملكة حيث تقدر نسبهم بحوالي 15% من
العدد الإجمالي للسكان المحليين البالغ حوالي 17 مليونا، فإن المسألة
الشيعية ارتبطت على الدوام بوجود الشيعة في المنطقة الشرقية لأسباب
وعوامل تاريخية وسياسية واقتصادية وثقافية. وقبل كل شيء يتمثل أهمية
العامل الشيعي في الحياة المعاصرة للمملكة العربية السعودية في كون
المنطقة الشرقية تحتوي على أكبر مخزون نفطي في العالم (25% من أجمالي
الاحتياط العالمي) إلى جانب وجود كميات هائلة من الغاز.
ورغم هذا الوجود الشيعي الكثيف في المملكة الا انهم تعرضوا للتهميش
والاقصاء على مدى الحكم الوهابي في السعودية فمارس ال سعود سياسة توهيب
المنطقة الشرقية وفرضوا قيودا على المذهب الشيعي وصلت الى ابعد مدياتها
من انتهاك حقوق الانسان في السعودية ونتيجة للاموال الهائلة اموال
النفط التي يملكها ال سعود وامتلاكه لوسائل الاعلام العربي واللوبيات
العربية تم اخماد الصوت الشيعي في السعودية كما تم التستر على الجرائم
الكبيرة التي تحدث هناك من انتهاكات صريحة لحقوق الانسان والى التغير
الديموغرافي الى تغير البيئة الى اساليب التعذيب النفسي والجسدي التي
يتعرض لها شيعة السعودية
وفي رسالة لاحد السعوديين وهو يستعرض حال الشيعة هناك اذ يقول:
نحن الشيعة ( نسبتنا 20%) في السعودية مغيبة أوضاعنا عن العالم
الخارجي بفضل الإعلام السعودي المسيطر والمدعوم بأموال النفط المستخرج
من تحت أقدامنا.
فالشيعة في المنطقة الشرقية التي هي أكبر مناطق المملكة والتي تحتوي
على كامل الثروة النفطية في البلاد محرومون من جميع المناصب في الدولة
من أكبر منصب وزير الى أصغر منصب رئيس بلدية. كما لا يحق للشيعي
الانتساب إلى أي فرع من فروع الأمن – الجيش,الشرطة,الحرس الوطني,سلاح
الحدود كما لا يحق لهم الانتساب إلى أي كلية عسكرية. كما يمنع الشيعة
من دخول كليات العلوم السياسية والشريعة والإعلام ولا يحق لهم دخول
المعهد الدبلوماسي لتخريج السلك الدبلوماسي. ولا يحق للمدرسات الشيعيات
تقلد منصب مديرة مدرسة أو وكيلة مدرسة.ولا يوجد في مجلس ما يسمى الشورى
المنصب أعضاءه من قبل الملك سوى عضوين شيعيين ولا يوجد ولا سفير او
قنصل شيعي واحد في جميع سفارات المملكة حول العالم كما يمنع الشيعة من
تقلد مدراء جامعات بل يمنعون من تقلد حتى منصب عميد كلية.
أما فيما يتعلق بمناهج التعليم فيجبرون على تعلم المذهب الوهابي من
سن 6 سنوات وهي المرحلة الابتدائية حتى التخرج من الجامعة ومع ذلك
لايوجد شيعي واحد في السعودية تحول من المذهب الشيعي إلى مذهبهم وهذا
أن دل على شيئ فانما يدل على الولاء الصادق لمحمد وال محمد صلوات الله
عليهم من الشيعة في السعودية. على الرغم أن مناهج التعليم التي ندرسها
في المدارس والجامعات تتضمن شتمنا وتكفيرنا بل حتى الدعوة ألي قتلنا.
ولا تتضمن هذه المناهج سوى مدح أعداء أل محمد ورفع منزلتهم والحط من
قيمة أهل البيت وشيعتهم حتى انهم طبعوا كتاب يمدح الطاغية الملعون يزيد
بن آبي سفيان لعنه الله ووزعوه على جميع مدارس المملكة والمكتبات
مجانا.
أما في القضاء فلا يوجد سوى محكمتين للشيعة واحدة في الاحساء
والأخرى في القطيف وليس لهاتين المحكمتين سوى النظر في قضايا الزواج
والطلاق والارث حسب المذهب الجعفري. أما الشيعة في بقية مناطق المملكة
فيجبرون على الرجوع إلى المحاكم الوهابية.
وفي القضاء لا يحق للشيعي الشهادة ضد السني والعكس صحيح والشيعي يحق
له الشهادة فقط ضد أخيه الشيعي أمام القضاء السني.
أما في صناعة النفط في المنطقة الشرقية ذات الأغلبية فقد تم بناء
الشركة على يد أبناء المنطقة وهم جلهم شيعة منذ ثلاثينيات القرن الماضي
وبعدما أكتمل هذا البناء صدر القرار الملكي بمنع الشيعة من التوظيف في
شركة أرامكو وهي الشركة المسئولة عن استخراج النفط وقال امير المنطقة
الشرقية الامير محمد بن الملك فهد مقولته المشهورة ( كفى عليكم الشيعة
50 عام في الشركة دعوا السنة يشتغلون 50 عام لهم) واجبر الشيعة على
التقاعد المبكر.
في مجال الإعلام يمنع الشيعة من تملك أو رئاسة صحف أو مجلات ويمنع
نشر أي شيء يتعلق بعقائدهم أو تراثهم أو أي شيء يتعلق بالشيعة.كما يمنع
دخول جميع الكتب الشيعية إلى البلاد بدون اسثناء ويعاقب بالحبس
والغرامة المالية كل من ادخل أو حاول إدخال كتاب شيعي إلى البلاد
وتصادر الكتب وتحرق.
وفيما يتعلق بالبيئة فقد انتهج النظام السعودي سياسة شبيهة بسياسة
الطاغية صدام في أهوار الجنوب العراقي فقد منع النظام المزارعين من حفر
الآبار المائية مما تسبب في موت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية بعد
أن أصبحت هذه الأراضي ليس لها قيمة زراعية فاجبر ملاكها على بيعها وقام
الامراء بشرائها بأبسخ الاثمان ومن ثم تخطيطها وبيعها الى الناس
الكادحين بأسعار خيالية.كما قام النظام بتخريب البيئة البحرية الخاصة
بسواحل المنطقة الشرقية بواسطة ردم البحر مما تسبب في القضاء على مزارع
الأسماك والقضاء على الحياة الفطرية مما تسبب في مشاكل بيئية وانقطاع
الأسماك قرب السواحل.
وفي مجال العبادة والشعائر الحسينية فقد منع النظام الشيعة من بناء
المساجد والحسينيات وان 90 % من الموجود منها ألان تم بناءه قبل
استيلاء النظام على بلادنا.ومنع الشيعة في بقية مناطق المملكة من إحياء
شعائر أهل البيت وأجبرهم على الذهاب الى القطيف لاحياء هذه الشعائر
خصوصا في شهر محرم الحرام.انتهت الرسالة
السعودية مجتمع غير متجانس وان حاول اضفاء هذه الصفة من خلال
الاعلام السعودي والتطبيل والتهويل بان السعودية مجتمع متجانس مرتكبين
اكبر الاخطاء وافدحها في تاريخ المنطقة وهو اقصاء الشيعة هناك
الا ان الشيعة هناك حاولوا لملمة امورهم وجادلوا بالتي هي احسن
وقدموا وثيقة شركاء في الوطن التي لخصت مطالبتهم بوطن للجميع وفي
الحالة السعودية وأعني هنا الشيعة اليوم وربما الحجاز وعسير غدا، فإن
الإصلاح والتطور هو المدخل الصحيح والوحيد للحفاظ على وحدة هذه الأنظمة
وتجديد وترسيخ شرعيتها المتآكلة بعد الاستبداد والفساد واحتكار السلطة
ومنع المشاركة الشعبية، وبالتالي فهذا هو المدخل الحقيقي ليس للحفاظ
على الوحدة الوطنية بل للمحافظة على وجود الأنظمة واستمرارها. وضمن هذا
الإطار والرؤية فإن الشيعة قدموا مطالب واضحة ومشروعة عبرت عنها
وثيقتهم "شركاء في الوطن
فالشيعة أكدوا في وثيقتهم ارتباطهم وانتماءهم النهائي لهذا الوطن
المشترك وأن مطالبهم تتقاطع وتندمج مع المطالب والتطلعات الوطنية
المشتركة في ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإشاعة ثقافة
التسامح والقبول بالآخر، وهذا يستدعي بالضرورة إقامة دولة القانون
والمؤسسات (دولة كل المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات) التي تضع
حدا لكل التجاوزات ومظاهر الفساد المالي والإداري والتأكيد على الفصل
بين السلطات التنفيذية والتشريعية -المنتخبة وليست المعينة- والقضائية
وإطلاق وتطوير خطاب ديني وإعلامي وثقافي متنور يحترم ويتقبل التعددية
السياسية والاجتماعية والثقافية والمذهبية.
التاريخ الحديث للقهر
احتُلت الهفوف (حاضرة الأحساء) في 12 أبريل/ نيسان 1913 بسهولة بعد
مقاومة ضعيفة أبدتها الحامية التركية. وكان موقف المجتهد الشيعي الأكبر
في الأحساء الشيخ موسى بو خمسين وعدد من الوجهاء بعدم المقاومة لعب
دورا حاسما في إحراز النصر السريع لابن سعود الذي عقد اتفاقا مع زعماء
الشيعة ينص على "ضمان حرية الأهالي الدينية" وضمان "إعادة الأمن ونشر
العدل" مقابل الولاء والانضمام إلى الكيان والحكم الجديد. وهكذا أصبحت
واحتا الأحساء والقطيف اللتان تتسمان بالاتساع الجغرافي الهائل وبمصادر
ثرواته (قبل اكتشاف النفط) الكبيرة المتوفرة آنذاك تشكلان درة الدولة
الجديدة التي كانت في طور التأسيس. واضطرت الحاميتان التركيتان في
الأحساء والقطيف إلى المغادرة عن طريق البحر، لكن ابن سعود نظرا لحنكته
ومعرفته الدقيقة بالطبيعة الخاصة للمنطقة وسكانها حرص على التصالح
والتعايش وكسب ودهم عن طريق اتفاقيات وتعهدات بعدم مس معتقداتهم وتوفير
الحماية والأمن لهم، بل إنه أقدم في فترة لاحقة على تعيين الشيخ علي
الخنيزي قاضيا أكبر في المنطقة يتقاضى أمامه جميع السكان الشيعة والسنة
على حد سواء، علما بأن ذلك يخالف ويتعارض مع النهج والتفكير الوهابي
المتشدد المتحالف معه.
وفي الوقت نفسه حرص ابن سعود انطلاقا من معرفته بموازين القوى
الإقليمية والدولية على عدم إغضاب الدولتين الرئيسيتين المهيمنتين في
المنطقة وهما الخلافة العثمانية (الآستانة) وبريطانيا العظمى، لذا كان
على الملك عبد العزيز إبرام المعاهدات والاتفاقات معهما من أجل ضمان
استقرار حكمه. ومن الواضح أن أسبابا وعوامل عدة ساعدت في غض النظر من
قبل الخلافة العثمانية وبريطانيا وعدم التدخل المباشر للتأثير في
الأوضاع المحلية، خصوصا في ظل الموقف السلبي من زعماء السكان المحلين
الذين رفضوا التعاطي مع المندوبين والرسل البريطانيين الذين عرضوا
عليهم (زعماء القطيف) وضعا مماثلا ومشابها للمشيخات المحمية في الخليج،
وذلك لأسباب دينية (عدم جواز حكم غير المسلم) ووطنية.
واضطر الملك عبد العزيز لأسباب تكتيكية إلى عقد اتفاقية معاهدة مع
الأتراك في 15 مايو/ أيار 1914. ومع أنه قدم فيها بعض التنازلات
الشكلية للأتراك فإنه سرعان ما تجاوزها ورفض التقيد ببنودها إثر اندلاع
الحرب العالمية الأولى (1914). وضمن هذا السياق وقع الملك عبد العزيز
على معاهدة (دارين, القطيف) مع ممثل الحكومة البريطانية كوكس في 26
ديسمبر/ كانون الأول 1915. وهذه المعاهدة حوت بالفعل إجحافا وتنازلات
تعد جوهرية إذ مست بمبدأ السيادة والاستقلال الوطني، لكن الوقائع
والسياقات التاريخية ذات المسارات تبين على نحو جلي أن وحدة الكيانات
وبناء الأوطان لا يمران عبر طريق مستقيم لا التواءات أو منعطفات أو حتى
تراجعات . وقد تبدو من الظاهر غير مقبولة أو مبدئية، لكن إذا أخذت ضمن
المنظور التاريخي العام نجد أنها قد تكون ضرورية وأهون الشرور
والخيارات للمحافظة على الهدف المركزي والأساسي وهو ما يتمثل بالانجاز
التاريخي الكبير، وهو إقامة أول وحدة عربية ناجحة في العصر الحديث،
وذلك على أنقاض التخلف والفقر والتجزئة والاحتراب القبلي والطائفي
والمذهبي الذي كان سائدا في أرجاء الجزيرة العربية لقرون عدة..
لعبت حركة الإخوان منذ تأسيسها (1915) دورا حاسما في توطيد سلطة
الملك عبد العزيز، وكانت تمثل الذراع العسكري والمظلة الأيدولوجية في
تأسيس وتوحيد المملكة حتى لحظة المواجهة والصدام حين افترق وتصادم
مشروعها مع توجهات الحكم السعودي نحو بناء الدولة المركزية واحترام
العلاقات والاتفاقيات الإقليمية التي أبرمها الملك عبد العزيز مع
جيرانه ومع بريطانيا الدولة الاستعمارية القوية المهيمنة في المنطقة
آنذاك إثر انهيار سلطة الخلافة وتقسيم المنطقة العربية (سايكس بيكو)
بين بريطانيا وفرنسا. وما أود التركيز عليه هنا هو النتائج والإفرازات
السلبية الناجمة عن تأجيج هذه الحركة للمسألة الطائفية دون أن نغفل
الأبعاد السياسية والاجتماعية والدينية التي رافقتها وأعقبتها والتي ما
زالت مستمرة حتى الآن سواء في التوجهات والممارسات الحكومية أو موقف
المؤسسة الدينية الرسمية ناهيك عن التكوينات والتشكيلات المنبثقة عنها
والخارجة عليها في الوقت الحاضر.
لقد اتسمت حركة الإخوان منذ بداية تأسيسها بالتشدد والتزمت الديني
والمسلكي الذي يصل إلى حد التكفير والاستئصال للآخر المختلف ضمن
الدائرة الإسلامية، بما في ذلك المذاهب السنية الأخرى. غير أن رأس رمح
هذه الحركة كان متجها ومسلطا على نحو متطرف ضد الشيعة على وجه الخصوص
الذين اعتبروا في نظرهم في منزلة الكفار الذين يجب إخضاعهم للتوبة
والعودة إلى صحيح الإسلام أو إعمال السيف في رقابهم ومعاملتهم بأدنى من
معاملتهم للذميين.
هذه الممارسات والانتهاكات الخطيرة أدت إلى أن يعيش الشيعة محنة
شديدة، حيث تم إغلاق مساجدهم ومنعهم من ممارسة شعائرهم وفرض عليهم
إعادة تأكيد إسلامهم على يد الشيخ (غالبا يكون جاهلاً ولا يفقه في أمور
الدين) يفرض من قبلهم ويقوم بإمامتهم في الصلاة إلى جانب تدميرهم
لمقابر آل البيت والأولياء بل وحتى القبور العادية بحجة العودة إلى
ينابيع الإسلام الصحيح. كما شددت ضدهم الإجراءات الاقتصادية (الزكاة
والجزية والمكوس) ومنعوا حتى من ممارسات بسيطة وعادية مثل التدخين الذي
اعتبروه من الكبائر وهو مما أدى إلى هجرة أعداد كبيرة منهم إلى دول
الجوار (البحرين والعراق والكويت.. إلخ) ووصل تماديهم إلى درجة وضعت
الملك عبد العزيز في موقف حرج وخطير داخليا وإزاء التزاماته وتعهداته
إزاء المحيط العربي(العراق والأردن واليمن ومصر) ومحميات الخليج التي
كانت تقع ضمن نطاق نفوذ بريطانيا العظمى والتي لم يكن بمقدور الملك عبد
العزيز إغضابها وتجاهل نفوذها ومصالحها في المنطقة، ووصل الأمر إلى حد
تكفير الدولة والملك عبد العزيز، وهو ما أدى إلى حدوث الصدام الحتمي
بين حركة الإخوان والملك عبد العزيز (1929) في معركة السبلة المعروفة
حيث تم القضاء على الحركة عسكريا وتم تصفية قياداتها بالقتل والسجن.
غير أنه ما أشبه اليوم بالبارحة، فعلى أرضية فكر الإخوان وممارستهم
والفكر التكفيري الأحادي الجانب انبثقت وتشكلت مختلف التيارات والفرق
المتطرفة التي انبثقت في غالبيتها من قلب المؤسسة الدينية الرسمية،
لكنها تمادت ووصل الأمر بها إلى تكفير هذه المؤسسة وتكفير الدولة
والدعوة إلى الخروج عليها ومحاربتها تحت عناوين ولافتات مختلفة من حيث
الشكل، غير أنها لم تذهب بعيدا عن النهج والممارسات الإخوانية القديمة
والجديدة مما شاهدناه في أفغانستان والجزائر ومصر والمغرب والسعودية
وحتى في داخل الولايات المتحدة، وهو نتاج بيئة ثقافية وفكرية منغلقة
ومتحجرة ترى العالم من خلال عدسة واحدة تقسم العالم إلى دار حرب ودار
إسلام وترفع شعار البراء والولاء وغيرها من المفردات القاتلة.
بتاريخ 29 مايو/ أيار 1933 أصدر المرسوم الملكي بمنح شركة ستاندرد
أوبل أوف كاليفورنيا (أميركية) امتياز التنقيب عن النفط في المنطقة
الشرقية، وهو ما مثل بداية التحولات الجذرية في الخارطة السياسية حيث
ابتدأ النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة في الهيمنة على
مقدرات الأوضاع في المنطقة، وكان من نتائجه الهامة على الصعيد الداخلي
حدوث تبدلات اقتصادية واجتماعية هامة في المنطقة الشرقية، حيث جذبت
صناعة النفط الوليدة أعداداً متزايدة من السكان المحليين ومن المناطق
المختلفة في المملكة، وكان من نتائجه بدايات تشكيل اجتماعي طبقي حديث
مرتبط بأهم مصادر الطاقة (البترول) في العالم. وقد دشن ذلك بدايات
وإرهاصات لتشكيلات عمالية سياسية حديثة لا تستند إلى الولاءات
والانتماءات التقليدية العمودية القديمة، بل تتوجه نحو العلاقات
الاجتماعية الحديثة القائمة على المصالح المشتركة بغض النظر عن
المنحدرات والخلفيات الجهوية والقبلية والطائفية.
وقد جرى أول إضراب عمالي في عام 1944 حيث قدم العمال مطالب
عمالية/نقابية وجرى تشكيل أول لجنة عمالية في عام 1952 سعت إلى
الاعتراف بها كممثل للعاملين في شركة النفط، وفي 17/10/1953 بدأ العمال
بالإضراب عن العمل الذي شارك فيه 20 ألف عامل سعودي وعربي واضطرت
الحكومة لإطلاق سراح أعضاء اللجنة العمالية ووعدت شركة النفط بتحسين
ظروف العمل وزيادة الأجور. وفي مايو/ أيار 1956 اندلعت تظاهرات عمالية
ضد قاعدة الظهران للقوات الأميركية. وقد ساهم الشيعة بفعالية إلى جانب
العمال السعوديين الآخرين وكانوا ضمن قيادات وفعاليات العمل والنضال
النقابي/السياسي الآخذ بالتشكل. ومما له دلالة واضحة على تسارع
الاندماج والوحدة في مصالح وأهداف العمال على اختلاف وتنوع مناطقهم
وقبائلهم ومذاهبهم الاجتماع الحاشد الذي عقد في منتصف يونيو/ حزيران
1956 في أحد مزارع القطيف وألقيت فيه الخطب والقصائد الشعبية الحماسية.
وفي اليوم التالي جرت اعتقالات واسعة في صفوف المشاركين من العمال
والمثقفين وكانوا من الشيعة والسنة على حد سواء، ثم توالت التحركات
العمالية المطلبية والتي بلغت ذروتها في 23 سبتمبر/ أيلول 1956 أثناء
زيارة جمال عبد الناصر.
وفي عام 1963 جرت اعتقالات واسعة وأذيع بيان رسمي عن اكتشاف تنظيم
شيوعي يستهدف إشاعة المبادئ الهدامة والعمل على تعريض أمن الدولة
للخطر، وتم إصدار أحكام قاسية بحقهم تراوحت بين 10 و15 سنة، وكان
الشيعة يمثلون أغلبية عدد المحكومين منهم.
لقد انخرط الشيعة بفعالية منذ البداية في التنظيمات والحركات
السياسية السرية التي شهدتها المملكة والتي كانت معروفة وموجودة على
الصعيد العربي مثل القوميين والبعثيين والشيوعيين والناصريين. وفي عام
1969 جرى اعتقال المئات من مختلف مناطق المملكة (شكّل الشيعة حوالي
نصفهم) بحجة اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم. وفي الواقع تبين أن كل
المعتقلين من العسكريين والضباط لم يكن بينهم أحد من الشيعة.
يتبين مما سبق أنه لم يكن للشيعة أي توجهات طائفية وفئوية أو
تقسيمية بل كانوا منخرطين بقوة في النشاط السياسي والمطلبي العام إلى
جانب إخوانهم المواطنين من بقية مناطق الوطن، وذلك من منطلقات وطنية
وقومية ويسارية سائدة آنذاك، والاستثناء الوحيد للتحرك السياسي/المطلبي
الخاص للشيعة هي أحداث نوفمبر/ تشرين الثاني 1979 وما أعقبها والتي
اندلعت في البداية كمسيرات احتجاج عفوية ضد سياسة التمييز والتفرقة
الطائفية، وسرعان ما تحولت إلى صدامات عنيفة حين بدأت القوات الخاصة في
إطلاق النار على المتظاهرين وسقط من جراء ذلك العشرات من القتلى
والجرحى ثم جرى اعتقال المئات منهم لاحقا، وقد توفي العديد منهم في
أقبية التعذيب. وتبين فيما بعد أن العديد من الضحايا والمتوفين لم تكن
لهم علاقة مباشرة بالأحداث أو بأي من التنظيمات المعارضة.
أن النزوع الشيعي الفئوي في مظهره لم يكن يعني تبني وتجذر الميول
الانقسامية والطائفية لديهم وإنما هي نتاج حالة عامة شهدتها المجتمعات
والبلدان العربية قاطبة إثر انهيار المشروع النهضوي العربي بمكوناته
واتجاهاته المختلفة بما في ذلك فشل الأنظمة والخيارات الليبرالية
والقومية واليسارية ووصولها إلى درجة الأزمة والطريق المسدود، والذي
بلغ ذروته في هزيمة يونيو/ حزيران 1967 مما أدى إلى توليد وتفريخ
البديل الإسلامي الذي رفع شعار الإسلام هو الحل. وأسهم انتصار الثورة
في إيران في تعزيز هذا الاتجاه في الشارع العربي الإسلامي ومن ضمنهم
الشيعة بطبيعة الحال الذين كانوا يشعرون بأنهم يعانون من اضطهاد مزدوج،
مرة باعتبارهم مواطنين مسحوقين ومرة أخرى من جراء التمييز والاضطهاد
الطائفي، خصوصا أنهم جربوا الانخراط في عملية التغيير الجارية وفقا
للمستجدات والالتزامات الوطنية.
غير أن فشل الدولة العربية الحديثة وتآكل مشروعيتها أدى إلى انبعاث
مختلف الولاءات والانتماءات القديمة الفرعية التقليدية كالقبلية
والعشائرية والإثنية والدينية والمذهبية، وعلى هذا الصعيد فإن الشيعة
يندرجون ضمن هذه الحالة العامة للمشهد العربي. ومع ذلك فإن السعودية
شهدت تكوينات سياسية وطنية/ديمقراطية عامة ومشتركة ضمت في صفوفها
ناشطين وفعاليات من منحدرات شيعية حتى بعد أحداث نوفمبر/ تشرين الثاني
1979، ونذكر هنا الاعتقالات الواسعة التي جرت في عام 1982 والتي شملت
تنظيمات يسارية مختلفة من بينهم قيادات تنتمي إلى المناطق الشيعية.
ان الممارسات الوهابية التكفيرية للسلطة السياسية والدينية ضد
الشيعة في السعودية قد بلغت اوج مدياتها ونظرا لعدم التغير الشامل في
بنية النظام السعودي وعدم استجابت لاجراء اي اصلاح وعدم قدرته على
الاعتراف بحقوق الشيعة هناك كان لزاما على المجتمع الدولي ومنظمات حقوق
الانسان ان تاخذ المبادرة لحماية اكثر من خمسة ملايين يعشون اسوء
الاوضاع واكثرها ماساوية في عالم لم يعد السكوت على الظلم فيه مقبولا.
saadkeion@hotmail.com |