مدينة الصدر بين الفواجع والبحث عن معالجة جذرية للملف الأمني

 

 المحامي طالب الوحيلي

   (تشكيل و تطوير اللجان الشعبية وهي ذات مغزى امني واجتماعي وخدمي، على ان تمنح الصفة القانونية)

الحديث عن فاجعة مدينة الصدر قد لا ينتهي بوصف شامل لاحداث يوم الخميس الدامي، او ما رافقها من تصرفات ارهابية تؤكد على غلو قوى الارهاب بتصعيد جرائمهم ومحاولته الوصول بعصاباتها الى مداخل هذه المدينة للحيلولة دون وصول الجرحى الى مستشفى الكندي مثلا، ففي برنامج العراقية احزان مدينة الذي جرى تسجيله بطريقة جريئة لم يعبأ فيها كادر البرنامج من القصف المستمر بالهاونات والقذائف ليزيد ذلك من احداث الرعب الذي عاشته المدينة طيلة ثلاثة ايام، في هذا البرنامج تحدث شاهد عيان عن نزول الزمر الإرهابية في ساحة مظفر إثناء الانفجار الذي وقع فيها، وقد تمكنوا من إيقاف شاحنة تحمل جريحا والإجهاز عليه، فيما اصدر احدهم امره الى الآخرين بعد نزولهم من احدى المباني المجاورة وهم ملثمون، في قطع طريق سيارات الإسعاف الى المستشفى المذكور،فيما يؤكد وكيل وزير الصحة هذه الحوادث حين تعرضت الوزارة الى هجوم من ثلاث جهات على مبنى الوزارة تحت أنظار قوات الحرس الوطني التي لم تتدخل بهذا الأمر،كما اكد تعرض سيارة إسعاف تحمل جريحا الى الاعتداء على السائق والإجهاز على الجريح!!

القصف الارهابي لم يتوقف على هذه المدينة بالرغم من اجتماعات لجنة الامن الوطني المكثفة والتي تدعو الى التفاؤل، لاسيما تصريحات ممثلي الفريق المعارض وعدم اتفاقهم مع الدعي الضاري الذي اتخذ من مصر منبرا له للمطالبة بما يعد مستحيلا، كما انها تؤكد على الوحدة الوطنية ونبذ كل أسباب الفتنة بعد ان أصبح أمر مسببي إثارتها لا يحتاج لدليل او برهان.

ولعل وصف واقع هذه المدينة على السن أبنائها يختلف تماما عن الذي سمع بها وأطلق لذهنه العنان في لصق الصور المتناثرة وتصويرها كما يعتقد، وقد أتيحت الفرصة لبعض أبنائها للظهور العلني في البرنامج المذكور وطرح كل ما يقض مضاجعهم او يميت الامل في قلوبهم، فتأريخ مدينة الصدر يشي بأنها بنيت على أعقاب موجة الاضطهاد الإقطاعي والتهميش الذي عاشه أبنائها طبقيا او مذهبيا، لتبنى طابوقة بالدم وطابوقة بالطين فتضم في بيوتاتها بدل العائلة الصغيرة اكثر من خمس وكل بيت تزدحم فيه الانفاس حتى وهي ترنو الى مستقبل لابد ان يحل عليها بعد الخلاص من اعتى طاغية استطاع إبادة اجيال من ابنائها، ليكون سقوطه باب الخلاص الذي اغلق بسبب فشل قوات الاحتلال في اسبدال صفحات القوة العسكرية التي نجحت تماما في قهره ولكنها فشلت تماما في تكييف ذلك للسلم والاعمار.

البحث عن بدائل لبسط الامن لاكثر من مليوني ونصف نسمة في هذه المدينة يعني حل لمشكلة الامن في بغداد، اذ انها تشكل اخطر مفصل في العاصمة، وثمة أحداث وقعت فيها او بسببها تدل على أهمية تكريس كافة الطاقات المحلية او الأجنبية في التوصل الى اكثر الاسباب جدية لحل معضلة الأمن، من ذلك معالجة المشكلة المعاشية المتفاقمة بعد ان حرم أبنائها من الوظائف التي لا تكاد تشكل الخمسين بالمائة من مصادر دخلها، ليفترش معظم شبابها أرصفة او مساطر العمل او الذهاب الى مكامن الارهاب للعمل دون شعور بطبيعة الغدر وما يمكن ان يكونوا طعما لقوى الارهاب، وتضل محرومة من ابسط مميزات الحياة التي كان ينبغي ان تمنح لهم اثر فوز قائمتهم الانتخابية.

فاذا كان امر منع التجول قد نجح في تقليص مساحات الحركة من اجل الحيلولة دون اشتعال نار ردود الافعال المترتبة، فانه لم ينجح في الوقوف بوجه القذائف التي تطلقها الجماعات الصدامية والتكفيرية او في ايقاف الهجمات على مناطق اخرى في بغداد، مما يقتضي البحث الجاد عن حلول صحيحة لمعالجة كل ازمة تشتعل، وأهم ما في ذلك على صعيد المدن المختلفة هو تشكيل و تطوير اللجان الشعبية وهي ذات مغزى امني واجتماعي وخدمي، على ان تمنح الصفة القانونية كحال أي تجربة في العالم من هذا القبيل، فقد عرفت الدول فرق او لجان التعبئة او الجيش الشعبي او فرق الطوارئ، وكلها تجارب ملموسة لدى القوى السياسية ولدى المواطن العراقي بالذات، ولعل طرح السيد عبد العزيز الحكيم لهذه التجربة على أنها تعمل تحت سياقات قانونية وتحت رعاية وإشراف الوزارات المختلفة، يمكن ان يكون محل معالجة مجدية للأمن ولخدمة المواطن، اذ قد يذهب الذهن بعيدا فيما لو منحت هذه اللجان نظاما اداريا وفرضت للعاملين فيها تخصيصات مالية مقابل عملها الثانوي في ساحات وميادين ومجالات انتشارها، لتكوم فيما بعد عينا امينة على كل ما يجري في الشارع بعد ان تزود ببعض التكنولوجيا الخاصة بالاتصالات وبالتنسيق الحيوي مع السيطرات العسكرية او الامنية.

المشاركون في برنامج قناة العراقية طرحوا مقترحا ليس باقل من حق اهالي هذه المدينة وهو ان عدد القوات الامنية المخصص لحماية مدينة الصدر هو 1200 من اصل 7500 فلماذا لا يفتح باب التطوع لابناء المدينة حصريا لملئ هذا النقص، وبصفة رجال شرطة، وبذلك نتخلص من البطالة التي ضربت اطنابها في محيطها، كما ويمكن استبعاد تهمة ميليشيات التي يحلوا لحاضني الارهاب من تكرارها !!

ويبقى السبب الاكثر تعقيدا لعدم استتباب الامن في العراق هو تعامل القوات المتعددة الجنسيات مع الملف الامني واخطائها الجسيمة المقصودة او الغير مقصودة التي مل تكرارها المواطن العراقي فوجد في المطالبة برحيلها يعني استتباب الامن لامحالة، وهو عنصر نجاح للحكومة العراقية التي تجد نفسها محرجة اما مطالب ابناء العراق ما داموا قد وضعوا ثقتهم بها.

انعقاد جلسات مجلس الامن الوطني غير مجدية ما لم تطالب الحكومة باصدار قرار لمجلس الامن الدولي لتقييم عمل القوات المتعددة الجنسيات في العراق وتقدير مدة بقائها او منح صلاحيات جديدة للحكومة العراقية بشأن الملف الامني...  

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس  30  /تشرين الثاني  /2006 - 8 /ذي القعدة /1427