التمزق والحرب الأهلية في العراق سوف يحرق كل المنطقة والسبب هو نظام عربي طائفي قمعي

  

في الوقت الذي يشير فيه القادة الامريكيون الى ان الحرب الاهلية اصبحت شيئا محتملا في العراق، يقول العديد من الخبراء والمحللين السياسيين بل والناس العاديين في بغداد وفي الشرق الاوسط ان مثل هذه الحرب قائمة فعلا الآن.

ويقول إيلين نيكمير في صحيفة الـ واشنطن بوست: ان اكثر ما يخشاه البعض هو ان تمتد لتشمل بلدان اخرى محيطة بالعراق بعد تدمير الدولة الهزيلة فيه، اذ سواء انسحبت القوات الامريكية منه قريبا او في وقت لاحق ستترك وراءها بلدا لا يشكل تهديدا للمصالح الامريكية فحسب بل وايضا للسلام الاقليمي في المنطقة.

يقول جوست هيلترمان مدير مشروع الشرق الاوسط في مجموعة الازمات الدولية:

اننا هنا لانتحدث فقط حول حرب اهلية على نطاق واسع بل عن دولة فاشلة تنهمك المجموعات المتنوعة فيها في قتال شرس قد يمتد ويتحول الى صراع اقليمي في المنطقة كلها.

ويقول نواف عبيد من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية ومستشار الحكومة السعودية: تبين كل المؤشرات ان هناك حربا اهلية وحالة تفتيت للدولة الآن.

ومن الواضح ان اكثر ما يرعب الدول المحيطة بالعراق وهي تحاول تلمس طريقها لايجاد حل لمشاكله هو انقسامه الى مناطق منفصلة للسنة والشيعة والأكراد ثم انسحاب القوات الامريكية منه.

حول هذا قال السفير السعودي في واشنطن الامير تركي الفيصل اذا كنت تعتقد ان بمقدورك تقسيم العراق الى ثلاثة اجزاء فان هذا لن يؤدي الا الى عملية تطهير عرقي وقتال طائفي على نطاق واسع وبما ان امريكا دخلت العراق دون دعوة فعليها الا تغادره دون دعوة ايضا.

وفي دمشق قال الرئيس السوري بشار الاسد خلال لقاء مع مجلة ديرشبيغل» الالمانية: عندما يندلع صراع ديني عرقي في بلد ما يصبح من السهل امتداده الى آخر.

الامر يتماثل مع ما حدث في نهاية ايام الاتحاد السوفيتي باستثناء ان الحال اسوأ الان.

كما حذر مسؤول وثيق الصلة بالحكومة السورية بان بلدانا اخرى سوف تتدخل في العراق اذا ما انحدر الى حرب اهلية شاملة وان اول هذه البلدان ايران ثم تركيا، المملكة العربية السعودية وسورية.

ويذكر ان السفير الامريكي بالعراق زلماي خليل زاد كان قد اعتبر سورية، وايران والقاعدة في العراق التي تساند المجموعات السنية العربية المسلحة، من أول العوامل التي تؤثر في الاستقرار فيه ومع هذا، لم تجر الولايات المتحدة أية محادثات جوهرية مع سورية بشأن العراق منذ عام 2004، ولا مع إيران منذ عام .2003

وفي هذا السياق، يقول هيلترمان: لما كان لسورية وإيران قوات مخربة في العراق، يمكن ان يؤدي تحييدهما الى تخفيف الكثير من الضغوط داخله إلا ان الولايات المتحدة تتردد في التعامل معهما لخشيتها مما قد يترتب على ذلك من مطالب لاحقة.

اذ تسعى سورية لاسترداد مرتفعات الجولان، وتريد إيران التوصل لتسوية مع واشنطن حول برنامجها النووي، وما من شك في ان دمشق وطهران ستثيران مثل هذه المسائل عند التفاوض مع الامريكيين حول مساعدتهما لواشنطن في العراق ويبدو ان هذا البلد فقد ما نسبته %5 من سكانه البالغ عددهم 27 مليوناً ما بين قتيل وجريح ومرحل منذ الغزو الامريكي الذي استهدفه في عام 2003، وفقا لما يقوله أنتوني كوردسمان من مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية والذي يضيف: إنها حرب اهلية. فمنذ منتصف الصيف كثفت مختلف المجموعات الدينية والعرقية من سنية وشيعية حملات التطهير العرقي التي تدفع آلاف المواطنين السنة والشيعة في بغداد للنزوح الى مناطق آمنة اخرى تسكنها طوائفهم.

وهناك عدد من البلدات شمال وجنوب بغداد تواجه صراعا طائفيا مريراً بين سكانها، ومنها مدينة بلد التى لا يزال يحاصرها مسلحون سنة من البلدات المجاورة لها بعد المذابح الطائفية التي شهدتها الشهر الماضي.

بل وحتى خارج المنطقة الوسطى من البلاد تقاتل الفصائل الشيعية بعضها في الجنوب وتشتبك العشائر السنية مع بعضها هي الاخرى في الغرب، ومع انهيار النظام والقانون كان لابد ان تظهر عصابات اجرامية يعمل قادتها كأمراء حرب في بعض من مناطق العراق.

كما سعى 1.6 مليون عراقي للجوء الى الدول المجاورة منذ بدء الحرب، وهناك ما لا يقل عن 231 الف إنسان تشتتوا داخل العراق منذ شهر فبراير الماضي عندما انفجر صراع طائفي عنيف بين السنة والشيعة بسبب نسف مرقد شيعي مقدس في مدينة سامراء.

انها حرب اهلية حقيقية لا ترحم تدمر كل شيء ولا تعرف التسامح.

تقول امرأة سنية وهي تبكي في شقتها الفارغة من الاثاث: كنا نعيش نحن السنة والشيعة مثل اسرة واحدة في الماضي. كان كل طرف يتزوج من الطرف الآخر، وكان الانتماء الديني لا يقف حائلاً بين تكوين علاقات صداقة تجمع بين الجانبين. لكن كل هذا انتهى الآن مثل بالون انفجر فجأة.

وتقول وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس انه لا مستقبل للعراقيين اذا استسلموا للتوترات العرقية التي تمزق مجتمعهم.

وقالت رايس في كلمة على هامش قمة منتدي التعاون الاقتصادي لدول اسيا والمحيط الهادي "امامهم مستقبل واحد (فقط) وهو مستقبلهم سويا. لن يكون لهم مستقبل اذا حاولوا الانقسام."

واعترفت رايس باراقة الدم ولكنها أعربت عن اعتقادها بان العراقيين في سبيلهم لمستقبل افضل ورفضت ما قيل عن ان الولايات المتحدة سقطت في "مستنقع".

وقال رايس "لا اقصد التهوين من المصاعب التي تواجهنا في العراق ويواجهها العراقيون في العراق."

وكما فعلت منذ شهور حثت رايس "الحكومة العراقية على اخذ قرارات صعبة وان يتصدي المجتمع باسره للخلافات."

واضافت "اذا ما فعلوا ذلك واذا ساندناهم وحافظنا على التزامنا تجاههم واذا ادركوا ان الرهان في العراق هو (في الواقع) رهان على شرق اوسط مختلف يمكن ان يشكل مركزا لعالم ينعم بسلام أكبر .. فان امامهم فرصة وامامنا فرصة (نحن ايضا)."

وقالت عن العراقيين "نحن نتحدث عن شعب يكافح. نحن نؤمن بمستقبل افضل."

ويكتب تشارلز كروثمر في الـ واشنطن بوست قائلا: يبدو العراقيون غير قادرين على المحافظة على الجمهورية التي قدمتها لهم امريكا، لماذا؟ اعتقد اننا ارتكبنا بضعة اخطاء خطيرة، فنحن لم نقض على اللصوص، ولم ننصب حكومة المنفى العراقية بشكل صحيح، ولم نقض على مقتدى الصدر وجيشه حينما كان في بدايته عام 2004، لكن على الرغم من كل هذا تكمن المشكلة الحقيقية في العراقيين وثقافتهم السياسية.

لقد كانت اهدافنا في العراق واضحة تمثلت بإطاحة صدام، واستبدال حكومة ديموقراطية قادرة على الاستمرار بنظامه الديكتاتوري.

الهدف الاول كان سهل التحقيق نسبيا، لكن حكومة العراق الديموقراطية كانت ضعيفة ممزقة بل هي ليست الا مجموعة من الوزارات الموزعة على الاحزاب، الميليشيات والشخصيات القوية في العراق.

اذا، المشكلة لا تكمن، كما نحاول دائما، في عدد الجنود الامريكيين او عدد الجنود العراقيين بل في ولاء هؤلاء الجنود، فبينما يعمل بعضهم من اجل شيء مجرد يدعى »العراق« يعمل بعضهم الآخر، وهم الاكثرية، من اجل الاحزاب السياسية، الطوائف الدينية او قادة الميليشيات.

هل العرب غير قادرين فعلا على اقامة الديموقراطية كما يوصي »العراقيون«؟ صحيح ان هناك اسبابا سياسية، تاريخية بل دينية تجعل العرب اقل استعداد ـ النقل ـ من سكان بلدان شرق آسيا وامريكا اللاتينية الذين تمكنوا من الالتحاق بركب الديموقراطية بنجاح على مدى العقود القليلة الماضية، الا ان مشكلة العراق تكمن في ثقافته السياسية التي تعرضت للاغتصاب والتدمير على مدى 30 سنة في ظل نظام صدام الشمولي، ولم يكن امام المواطن العراقي خلال تلك الفترة سوى ان يربط نفسه بالمسجد، بالعشيرة او بميليشيا ما.

لذا، لا يزال الضمير الوطني العراقي في هذه المرحلة الاولى من التطور الديموقراطية ضعيفا جدا، كما لم تنضج بعد ثقافة التسوية الوسط اللازمة لتشكيل حكومة فاعلة تتمتع بقاعدة واسعة من التأييد.

في الشهر الماضي ألقى الجنود الامريكيون القبض على احد قادة فرق الموت التي تعمل تحت حماية جيش المهدي في بغداد.

ثم جرى اطلاق سراحه بأمر من رئيس الحكومة نوري المالكي، وقبل نحو اسبوعين رفع الجنود ايضا بطلب من المالكي حصارهم الذي كانوا يفرضونه حول مدينة الصدر بحثا عن قائد آخر من تلك الفرق وعن جندي امريكي مفقود.

من الواضح ان هذه ليست طريقة صحيحة لادارة الحرب، وحكومة المالكي الفاشلة مدينة بالفضل في وجودها لتآلف من حزبين دينيين شيعيين مسلحين لهما طموحات متناقضة ولا تنفق في النهاية مع قيام نظام ديموقراطي حديث ومستقر.

ويضيف كروثمر: لقد حاولنا زرع الديموقراطية في قلب الشرق الاوسط كترياق مناهض للتطرف والارهاب، وفي بلد ينتمي ثلثا سكانه تقريبا لطائفة الشيعة مما ادى في النهاية الى هيمنتها لا محالة. لكن، لحسن الحظ، لا يتمتع الشيعة الحاكمون بالكثير من التلاحم الداخلي، فقبل نحو شهرين اشتبك افراد حزبين شيعيين رئيسيين مشاركين في الحكومة في قتال عنيف ضد بعضهما بعضا في العمارة.

ان مثل هذا التطور يبعث على الامل، اذ على الولايات المتحدة الآن العمل ـ بعد ان برهنت الحكومة الشيعية على فشلها ـ من اجل اقامة تآلف جديد يستند الى قاعدة واسعة من التحالفات الطائفية وضم شيعة اكثر حداثة، اكرادا وسنة ممن يقبلون العرض السخي المقدم لهم لأخذ مكانهم حول الطاولة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 19  /تشرين الثاني  /2006 -27 /شوال /1427