الديمقراطية العـراقية: أيـنْ الخـطأ؟

د. أحلام فـؤاد السـيـد*

الديمقراطية نظام يحترم الخصوصيات فهو ملائم لجميع الدول والتوق الى الديمقراطية عام فهي جزء من الإنسان قبل ان تكون جزءاً من الغرب او الشرق اوالشمال اوالجنوب.

لكنها ليست حتمية اويمكن إحرازها بسهولة وهي كالسباحة لايمكن تعلمها في اليابسة وحتى لو كانت ومن جميع الجهات ذات منشأ محلي تماماً تنظيراً وتوقيتا وتأسيساً وإستمراراً بل لابد من الإخلاص والتضحية والنضال الطويل لها والإلتزام بها والصبروالإصطبار عليها.

لمــاذا؟

لأن الديمقراطية لا تتلحض في الإنتخابات فقط اوالنظام السياسي الديمقراطي فقط كما يتصورالبعض او يروق للبعض الأخر أن يصور ذلك، بل هي فكره يمكن ان تمهد للقوة الشاملة فالخلاص من الضعـف بانواعه وهذا مخيف للبعض لأكثر من سبب وسبب، نعم الديمقراطية فكرة موحدة تستمد القوة التي تمنحها للدولة التي تعتنقها للتطبيق من القوة الشاملة للقيم التي تمثلها مثل إحترام الانسانية والصدق والعدالة والحرية والسلام.

لقد نسى بعض الغربيين من الإعلاميين والسياسيين المطبلين لإغلاق ملف الديمقراطية العراقية:

كيف نشأت ديمقراطياتهم؟

وكيف تعززت؟

وكم استغرق ذلك؟

وماهو حجم الأموال التي صرفت والدماء التي سالت قبل وخلال تأسيس تلك الديمقراطيات؟

ومن ْ قام بتسديد تلك الفواتير؟

لابد لهم، ولنا ايضاً ان نتذكر الثمن الذي دفعه الأميركيون في حربهم الأهلية مثلاً  للإنتقال الى الديمقراطية او لتطويرها وإستمراريتها، وأن يتذكروا ونتذكر الهشاشة الكبيرة التي كانت عليها ديمقراطيتهم عند الولادة، وإن نتفهم ويتفهموا ويتواضعوا ايضا للخلل المتبقي الذي يكتنفها وينتظر الحلّ وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، فالكل يعرف الجدل والنقاش الذي مازال يدور حول ضرورة تطوير نظام الإنتخابات الأميركية مثلا، اما الخلل على الصعيد الخارجي فمنه عدم الإلتزام بالمبادئ ومنها الديمقراطية في السياسة الدولية والمؤسسات الدولية بموازة الدفاع عن المصالح القومية، وهذا الخلل واضح في معارضة أكثر الدول الأوروبية للمشروع الديمقراطي في العراق، وفي صيحات أمثال هنري كيسنجر المشبع بالمناورات والمراوغات الكلاوسفتسية والبسماركية والمترنيخية التي فشل في تطبيقها وفي أكثر من خطة أيام تعامله مع الملف الفيتنامي حيث فشل في الفيتنمة فعمد الى توسيع نطاق الحرب بضرب كمبوديا المجاورة لفيتنام بذريعة ملاحقة المتسللين من كمبوديا الى فيتنام لتتحول حرب كمبوديا نفسها الى كارثة انسانية واستراتيجية كبرى حتى انقلب وبعد أعوام  قليلة الإعلام الاميركي والشعب الاميركي على تأييده لحرب فيتنام وكان ما كان مماهو معروف.

أمثال هذه الصيحات الأخيرة المتصاعدة في الولايات المتحدة الأميركية التي توصم الدفاع عن ديمقراطية العراق بالدفاع عن المبادئ المجردة والمثالية والسياسة غيرالواقعية وتحث على خلق تحالفات طائفية مقيتة لتجيش السنة ضد أخوانهم الشيعة وتجيش السنة ضد اخوانهم الشيعة لجرّ المنطقة برمتها الى حروب دموية طاحنة ونفق مظلم لا أخر له لا تدمر المنطقة بل تدمر الولايات المتحدة الأميركية وتجرها الى عزلة طويلة وغير مسبوقة في الساحة الدولية.

حل الأزمة في العراق يجب أن يكون ملتزما بالمسؤولية الأخلاقية العالمية التي تفرضها الديمقراطية التي لا يمكن إلا أن تكون كوزموبيالية التوجه تهتم بالديمقراطية خارج حدودها بصدق وجد وواقعية وعقلانية وحكمة دون تسييس وميكافيلية وبالتعاون الدولي والأقليمي لانه بالديمقراطية ايضا يمكن ضمان المصالح القومية وبموازاة  تعزيز الصدق والعدالة والحرية والسلام وإحترام الإنسانية في الدول وبالتالي في العالم الذي تحول الى قرية صغيرة سكانها اقرب ما يكونوا الى ركاب سفينة واحدة.

هناك اخطاء محلية وأخرى إقليمية وأخرى دولية في إنتقال العـراق الى الديمقراطية لكن الخطأ الكبير الذي لا يغتفر يتمثل في الإنتقال الدراماتيكي السريع من خطأ الى أخر على الرغم من تعدد مجالس الحكماء لحل الأزمة العـراقية فهناك مجلس حكماء عراقي وأخر عربي وأخر أميركي و... الخ ومع ذلك يقترح البعض عودة حزب البعث العراقي بهدوء وبطىء او تقسيم العراق عبر حمام دم او عبر صفقات سوداء او البحث عن دكتاتور جديد او جعل العراق تحت وصاية الامم المتحدة او توسيع دائرة الفوضى الخلاقة في المنطقة او التحالف ومع بعض مصدري الإرهاب تحت مظله الإعتدال او... الخ وما نحو ذلك من هذه الاقاويل والتسريبات والشائعات المبالغ فيها احيانا والتي ترسخ في الاذهان بان الشيء الوحيد الذي تحرر واصبح ديمقراطياً هوالعنف نفسه إعدادا للإنقلاب على الديمقراطية التي هي من حق العراقيين ويستحقها جميع العراقيين ولا طريق لهم غيرها للخلاص والتحرر من الضعف لان الديمقراطية قوة شاملة للنظام الديمقراطي دولة وشعبا ومجتمعا وفردا وعلى الصعيد المحلي والإقليمي والدولي والعالمي.

الديمقراطية العـراقية في خطر لا يستثني احدا او دولة او طائفة وهذا يملي  فيما يملي ستراتيجية كاملة وبرنامج متكامل لإنقاذها من المأزق ومن ثم النضال السلمي الطويل لإنجاحها ويتصدر ذلك البرنامج:

- توفير ضمانات ديمقراطية عملية ترفع مخاوف جميع مكونات الشعب العراقي من المشروع الديمقراطي العراقي.

- توفير ضمانات ترفع المخاوف الإسلامية والعربية والاقليمية والدولية من المشروع الديمقراطي العراقي.

- تعزيز التعاون الدولي الموسع والقائم على المصالح المشتركة المتبادلة والشرعية الدولية فالإنفراد بالملف العراقي غير متاح مع ميزان القوى القائم والأخطاء العراقية وغير العراقية المتراكمة.

- التخفيف من حدة الإحتقان والتخندق الطائفي المتصاعد في العالم والذي ينذر بتصدير ما يسمى بالحرب الأهلية في العراق والحريق الكبير وخطر التقسيم الى كل دول المنطقة وكما حدث للإرهاب من تصدير الى الأردن والسعودية وغيرهما، وهذه مسؤولية مشتركة للعلماء والحكام والإعلاميين معا، فهم الذين يقومون بتشكيل أولويات الناس وأجندتهم تجاه القضايا، ولقد قام الكثيرمن الفئات الثلاث بالتركيز على تعميق الشرخ وتصعيد الإحتقان وكل لأسباب ودوافع مختلفة وخاصة وحدتها أخطاء الدمقرطة من جهة وأخطاء الحرب على الإرهاب من جهة ثانية وأخطاء تطبيقات الديمقراطية في العراق.

هل يعقل أن لا يتحد الكثيرون في هذا العالم لمقارعة الديمقراطية العراقية مع ما يسوق من خلط رهيب بين الديمقراطية العراقية:

وبين الفوضى الخلاقة التي سلبت الشعب العراقي الأمن والإستقرار والخدمات و... الـخ

اوبينها وبين الفوضى الديناميكية الخلاقة التي تنذر بالحريق الكبير والدمار والخراب للشعوب.

اوبينها وبين مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي يطالب بجميع الرؤوس

اوبينها وبين الحرب العالمية على الارهاب ولاسيما بعد وصفها بالحرب ضد الفاشية الإسلامية !

فكل ذلك ساهم في خلق معارضين جدد للديمقراطية العراقية محليا وإقليميا ودوليا وخسارة أصدقاء أخرين وعكس ما كان ينبغي تماما أي توحيد الموالين وتكثيرهم والعمل على تحييد معارضيها.

ولا ملازمة بين ذلك وإلغاء مشروع الدمقرطة العالمي الذي يجب أن يصار الى خصخته، اي خصخصة الدمقرطة وهذا ما سوف نتطرق اليه في مقال قادم بإذن الله الرؤوف الرحيم.

*معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

http://www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية- 7 الثلاثا /تشرين الثاني  /2006 -15 /شوال /1427