الذاكرة هي قدرة الإنسان على تذكّر التجربة الشخصية والاجتماعية
وحفظها وتشخيصها واستحضارها . والذاكرة هي مستودع المعلومات الذي يقوم
بتصنيفها واستحضارها . ويتألّف أساس الذاكرة من الروابط والتداعيات حسب
مدى التعقيد والتشابه والتباين .
وللإنسان ذاكرة قصيرة الأمد ، كثيراً ما تسمى بـ "الذاكرة العاملة"
، وأخرى طويلة الأمد . فهو يتذكّر بيسر ما وقع توّاً من أحداث ووقائع ،
بينما يتذكّر بعسر ما جرى في الماضي البعيد .
وذاكرة الإنسان انتقائية ؛ فنحن نتذكّر الممتع والمستحب ونحرص على
طرد المنغّصات من الذاكرة . وهنالك ذاكرة تعبيرية تخلق تصوّرات بصرية
وسمعية وحركية ، وأخرى انفعالية ترتبط بقدرة الإنسان على استحضار
وتشخيص الأحاسيس والعواطف .
وكثيراً ما نجد ذاكرة الأحاسيس ، أو ما يسمى بـ "ذاكرة القلب" أقوى
من الذاكرة المنطقية .
والمثبت أن الأشكال المهنية لنشاط الإنسان تؤثّر في ذاكرته ، فلدى
الموسيقيين تبلغ مستوى رفيعاً الذاكرة السمعية ، ولدى الفنانين
التشكيليين الذاكرة البصرية ، ولدى الفلاسفة الذاكرة الكلامية المنطقية
، ولدى المؤرخين ذاكرة تسلسل الأحداث ، ولدى ذوّاقي النبيذ وخبراء
العطور ذاكرة التذوق والشم ..الخ .
والذاكرة ثابتة نسبياً ، ولا"تستيقظ" إلاّ بقدر الانتفاع منها ؛ إذ
يحدث لدى الإنسان ما يشبه الارتباط "العكسي" بين صور الذاكرة ، أي ما
هو معلوم وبين "التشخيص" ، أي القدرة على اكتساب الجديد .
ومهمة الذاكرة هي استحضار ما تم تلقيه في الماضي وتتجلى فيه "ثغرات"
الذاكرة وعدم دقتها . وخصائص الذاكرة متناقضة ظاهرياً ؛ فشحتها تُفقر
نشاط الفرد ، وفيضها – أي ما يسمى بالذاكرة المتواصلة – يشكل عقبة أمام
هذا النشاط .
الذكريات بالنسبة للإنسان تقرّب الماضي من الحاضر . والذكرى ، في
رأى الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي وليم جيمس ، هو القدرة على التفكير
بشأن ما عاناه من خوالج في الماضي وما لم نفكر به مباشرة قبيل ذلك .
لذا فالذكريات تستحضر ما عايشناه وتنقلنا لا من الماضي إلى الحاضر فحسب
، بل ومن الحاضر إلى المستقبل أيضاً .
هناك ذكريات عفوية وغير عفوية ، مستحبة وذميمة ، مجتزأة ومنتظمة .
وقد تشكّل الذكريات قيمة معنوية بالنسبة لشخصية الفرد . فعلى سبيل
المثال ، ذكر الأديب العالمي ليف تولستوي «1828 - 1910» في يومياته إنه
يتلذّذ بالذكريات تلذذاً لا يقل ، بل ويزيد أحياناً على تلذذه بالواقع
.
فما هو سرّ قدرة الإنسان الذي تجري حياته هذا الجريان السريع على
معرفة وتذكّر هذا القدر الكبير من المعلومات ؟ ولماذا يكون عالم الفرد
الداخلي في كل جيل تال أغنى وأكثر تنوعاً من قبل ؟
إن مردّ هذا هو أن الإنسان – بفضل طبيعته الاجتماعية – يستوعب من
المهد ويحفظ في ذاكرته ما جنته الأجيال الماضية والحاضرة من أفكار
ومعارف ويطلع على الثقافة التي أنتجتها البشرية .
لقد كتب أحد المؤرخين يوماً أنه لا يعرف كيف سيكون الإنسان بعد ألف
سنة ، ولكن إذا انتزعت منه الخبرة التاريخية التي اكتسبها وورثها ،
فسوف ينسى كل شيء ويفقد مؤهلاته ، فيتوجّب عليه أن يبتدئ كل شيء من
جديد .
ayemh@yahoo.com |