هل تتحول ازمة النقاب في بريطانيا الى صراع ديني وعنصري؟

 

 

دعا الوزير البريطاني المسؤول عن الاعراق والاديان يوم الاحد الى اقالة مدرسة أوقفت عن العمل لارتدائها النقاب مدليا بدلوه في جدل يدور حاليا بخصوص الاندماج في المجتمع.

وذكر فيل وولاس وزير الحكم المحلي وتلاحم المجتمع لصحيفة صنداي ميرور أن قرار عائشة عزمي البالغة من العمر 24 عاما ارتداء النقاب أثناء التدريس جعل اداءها لواجبتها أمرا مستحيلا.

وقال "تنبغي اقالتها. لقد وضعت نفسها في موقف لا تستطيع فيه أن تؤدي عملها."

وبرز موضوع ارتداء النساء المسلمات للنقاب الى دائرة الضوء في وقت سابق هذا الشهر عندما قال وزير الخارجية السابق جاك سترو ان المسلمات اللاتي يرتدين النقاب يجعلن العلاقات داخل المجتمع أكثر صعوبة.

وذكر أنه يفضل ألا ترتدي المسلمات النقاب لأنهن بذلك يعلن "تصريحا واضحا بالانفصال والاختلاف".

وحذرت الحكومة من تزايد العزلة والاصولية بين المسلمين البالغ عددهم 1.8 مليون في بريطانيا وهي تسعى لزيادة الاندماج في أعقاب تفجيرات انتحارية نفذها اسلاميون بريطانيون العام الماضي في لندن وقتل فيها 52 شخصا.

ولم يكن وولاس الوزير الوحيد في الحكومة البريطانية الذي تحدث عن مسائل تتعلق بالدين يوم الاحد حيث ندد بيتر هين وزير الدولة لشؤون أيرلندا الشمالية بقرار شركة الخطوط الجوية البريطانية (بريتيش ايروايز) اعادة احدى الموظفات الى منزلها عندما وضعت صليبا في رقبتها.

وقال هين لهيئة الاذاعة البريطانية "أعتقد بصراحة أن الامر الذي أصدرته اليها بريتيش ايروايز بعدم ارتداء صليبها يفتقر الى المنطق."

وكانت نادية عويضة الموظفة في شركة الخطوط الجوية البريطانية قد رفضت تغطية صليب تضعه في رقبتها بوشاح الامر الذي قالت الشركة انه يخالف سياستها التي تحظر ابداء أي مصاغ أو رموز دينية معلقة في الرقبة.

وتنظر محكمة عمالية حاليا موضوع عائشة عزمي وينتظر أن تصدر قرارها خلال أيام.

وقالت عائشة لهيئة الاذاعة البريطانية يوم السبت ان النقاب لم يمثل مشكلة قط للتلاميذ بمدرسة هدفيلد تشيرش أوف انجلند الابتدائية في ديوزبيري بشمال انجلترا.

وذكرت أن التلاميذ "لم يشتكوا" قط وأنه لم يكن هناك أي حديث عن مواجهة التلاميذ مشكلة في فهمها من خلال النقاب.

وأضافت أنها رغم عدم ارتدائها النقاب خلال مقابلة أجريت معها قبل التحاقها بالعمل وحضرها رجل الا أن دينها يمنعها من الظهور بغير نقاب أمام زملائها الرجال أثناء التدريس.

وذكر وولاس أن موقف عائشة عزمي يصل الى حد التفرقة بين الجنسين.

وقال "تقول باصرارها على ارتداء النقاب في وجود الرجال انها ستعمل مع النساء لا مع الرجال. هذه تفرقة بين الجنسين. لا يمكن أن يوافق أي ناظر مدرسة على ذلك."

بدوره انتقد مجلس مسلمي بريطانيا وزير العلاقات العرقية بالبلاد، فيل وولاس، لمطالبته بفصل مساعدة مدرسة مسلمة عن العمل لارتدائها النقاب في مدرسة ابتدائية.

فقد قال المجلس إن الوزير "تدخل بشكل أرعن" على خلفية قوله إن عائشة عزمي، 23 عاما، "وضعت نفسها في موقف يحول دون إمكان قيامها بوظيفتها".

وقال المجلس إن وولاس ما كان يجب أن يتدخل.

ومن ناحية أخرى قال النائب العمالي عن دائرة ديوسبري، شاهد مالك، إن كم الأنباء المتعلقة بالمسلمين، لها تأثير سلبي.

وتضم المدرسة 529 تلميذا تتراوح أعمارهم بين السابعة والحادية عشرة،وتقبل الكثير من التلاميذ من خلفيات عرقية مختلفة حيث اللغة الإنجليزية ليست اللغة الأولى.

وتعرض وولاس لانتقادات شرسة، فقد قال عناية بنجلاوالا، من مجلس مسلمي بريطانيا "هذا تدخل أرعن بشكل غير طبيعي".

وقال اللورد أحمد عضو مجلس اللوردات من العمال "الأمر غير مسبوق - بل غير عادي - أن يدعو وزير لإقالة مساعدة مدرسية".

كما انتقد طريقة تعامل الحكومة البريطانية مع المسلمين.

وقال لبي بي سي "ثمة تشويه مستمر للمسلمين"

وأضاف أن السياسيين والصحفيين ينضمون إلى الركب "لأنه من قبيل الموضة هذه الأيام مهاجمة المسلمين".

وقالت الجمعية الإسلامية البريطانية إنه من الخطأ أن يخوض وزير في قضية حساسة لتحقيق مكاسب سياسية.

غير أن متحدثا باسم وزارة الجاليات والحكم المحلي قال "من الأفضل بمراحل مناقشة القضايا عن إخفائها وتجاهل وجودها حينما يمس الأمر تعليم الأطفال".

وقال شاهد مالك، النائب عن ديوسبري، إنه يعتقد أن وولاس كان مصيبا في تدخله، ولكنه أضاف "المسلمون وغير المسلمون سأموا وملوا من كثرة الأنباء المتعلقة بالمسلمين في الإعلام".

ومن ناحية أخرى، علمت بي بي سي أن كافة المدارس الدينية الجديدة يمكن أن يفرض عليها تخصيص 25% على الأقل من أماكنها الدراسية لطلاب خارج الدين المخصص لتلك المدرسة.

ويقول منتقدو المدارس الدينية إنها تشجع على الانفصال أكثر بين الجاليات.

ومن جانبها كنيسة إنجلترا أنها ستخصص ربع أماكن مدارسها الجديدة لغير المعتنقين للمسيحية الأنجليكانية.

ومن المتوقع إذ طبق هذا الاقتراح أن يكون بين المتأثرين به المدارس الجديدة للمسلمين والكاثوليك.

هذا وكانت مدرسة في منطقة وست يوركشاير أوقفت عائشة عزمي عن عملها بعد أن رفضت نزع نقابها خلال التدريس.

وقد طُلب من عائشة عزمي العاملة كمساعدة لتعليم لغتين أن تنزع النقاب عن وجهها كي يتمكن التلامذة من فهمها خلال دروس باللغة الانكليزية.

وقالت مدرسة هدفيلد جونيور سكول التابعة لكنيسة انكلترا لتدريس الأطفال في المرحلة الابتدائية إنه بامكان عزمي ارتداء النقاب خارج الصف.

لكنها رفضت وتم تعليق عملها بانتظار نتيجة محكمة ادارية.

وقد استمعت المحكمة لتفاصيل القضية في شهر سبتمبر / أيلول الماضي، ومن المقرر أن تعلن قرارها خلال الأسبوعين القادمين.

ودعم النائب عن منطقة ديوزبوري شهيد مالك قرار المدرسة، معتبرا أن الأولوية الأولى في المدارس يجب أن تكون لـ"تعليم أولادنا."

وأضاف: "أدعم قرار السلطة التعليمية والمدرسة في طلب المساعدة أن تنزع نقابها خلال تعليم أطفال في المدرسة الابتدائية."

واردف قائلا: "أعتقد أن السلطات التعليمية ذهبت إلى أقصى الحدود كي تراعي الأمور، وقد تصرفت بمنتهى العقلانية في القرار الذي توصلت إليه."

كما رأى أن "لا ضرورة دينية على الاطلاق للنساء المسلمات أن تغطي أنفسهن أمام أطفال في المدرسة الابتدائية."

لكن المساعدة عائشة عزمي البالغة من العمر 24 عاما قالت إن التلاميذ لم يشتكوا يوما، وأضافت أنها على استعداد لخلع النقاب في الصف أمام الأطفال، ولكن ليس أمام أي من زملائها الذكور.

وتم تعليق عمل عزمي إلى أن تصدر محكمة إدارية حكمها في المسألة خلال الأسبوعين القادمين.

وقد أكدت لجنة "كيركليس" أن طلب خلع النقاب لم يكن متعلقا بالدين بل مجرد مسألة عملية حول التواصل مع التلاميذ.

لكن عزمي قالت لبي بي سي: "لم يتسبب (النقاب) بأي مشكلة بيني وبين الأولاد. لم يشتكوا يوما وكانت علاقتنا رائعة."

وناقضت عزمي رواية المدرسة حول ما حدث، مصرة على أنها كانت على استعداد لخلع النقاب أمام الأطفال لكن ليس أمام الزملاء من الذكور.

وقالت إن المدرسة طلبت منها خلع النقاب خلال اليوم الدراسي كاملا.

واعتبرت أن "النقاب مهم جدا لجميع النساء المسلمات اللواتي تخترن ارتداءه. ديننا يجبرنا على ارتدائه لأنه موجود في القرآن."

يذكر أن المدرسة هي للأطفال بين السابعة والـ11 من العمر، وهم من مختلف الجماعات الإثنية والانكليزية ليست بالضرورة لغتهم الأم.

من جهته قال وزير الداخلية البريطاني بحكومة الظل ديفيد ديفيز إن النزاع حول النقاب داخل بريطانيا يوضح خطورة سقوط البلاد فيما وصفه بنظام "أبارتيد اختياري"، مستعيرا تعبير الفصل العنصري الذي كان مطبقا في جنوب أفريقيا في الماضي.

فقد كتب ديفيز، المنتمي إلى حزب المحافظين الرئيسي بالمعارضة، لصحيفة صنداي تليجراف ذات التوجه اليميني، مقالا طرح فيه تساؤلا عما إذا كان هناك "سلسلة من المجتمعات المغلقة" داخل بريطانيا.

وقال ديفيز أن الشعور بات يتزايد بأن الجالية الإسلامية "تشعر بحساسية بشكل مفرط تجاه النقد" وأنها "غير مستعدة للانخراط في نقاش حقيقي".

وكان الجدل الأخير قد بدأ بحديث وزير شؤون مجلس العموم جاك سترو الأسبوع الماضي عن أن هذا النوع من الحجاب يخلق "حالة من الانفصال".

وتوالت ردود الفعل والتصريحات تباعا على تلك الخلفية.

وقال ديفيز، إن الانقسامات الدينية تهدد بـ"تقويض" القيم الأساسية من قبيل حرية التعبير.

وقال إنه ثمة شعور بأن بعض الزعماء المسلمين يريدون أن يكونوا بمنأى عن "النقد أو الجدل أو السخرية أو التشبيه أو أي شكل من أشكال التحديات الأخرى التي تطرأ في مجتمع يجعل من حرية التعبير قيمته الأسمى".

واتهم ديفيز الحكومة بأن تعاطيها مع مشكلة الاندماج يعكس "تخبطا ويحدث تخبطا ويأتي بنتائج سلبية".

وأعرب ديفيز عن تعاطفه مع تصريح سترو، وهو عمالي، بأنه طلب من النساء خلع الحجاب عن وجوههن حينما يتوجهن إلى مكتبه الاستشاري بدائرته الانتخابية.

غير أن ديفيز أصر على أن المشكلة أعمق من ذلك.

فقد قال "إن ما تناوله جاك (سترو) إنما هو القضية الأصلية التي فحوها هو ما إذا كنا في بريطانيا نترك المجال لنشوء مجتمع منقسم".

وأضاف أن المسألة هي "ما إذا كنا نخلق سلسلة من المجتمعات المغلقة داخل طيات مجتمعنا المفتوح".

وأضاف القول "وما إذا كنا، ومن حيث لا ندري، نشجع على نوع من الأبارتيد الاختياري".

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 17/تشرين الاول  /2006 -23/رمضان /1427