مشكلات وتحديات الأقليات الإسلامية فى فرنسـا

قبل وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر2001

دكتور مجدى الداغر*

  " غالة " أو " الفرنجة " أو فرنسا " كلها مسميات لبلد واحد، و هي فرنسا إحدى الدول الأوربية المهمة، يحدها من الشمال الغربي بحر المانش وبحر الشمال، ومن الشمال الشرقي لكسمبرج و ألمانيا و بلجيكا ومن الشرق سويسرا، ومن الجنوب الشرقي ايطاليا و من الجنوب البحر الأبيض المتوسط وأسبانيا، ومن الغرب المحيط الاطلسى، ويبلغ عدد سكانها حوالي (75) مليون نسمة، يمثل المسلمون منهم (10) ملايين مسلم أي ما يعادل (7%) و(90 %) مسيحيون كاثوليك و (1 %) بروتستانت.

 وتشير بعض الدراسات التاريخية أن المسلمين لو تحقق لهم النصر في معركة بلاط الشهداء (732 هـ) والتى قادها عبد الرحمن الغافقى لانتشر الإسلام في ربوع فرنسا كلها، وانطلق منها إلى سائر أوربا وبجانبه اللغة العربية.

وعلى الرغم من وجود صعوبة في حصر تعداد الأقليات الإسلامية في فرنسا، إلا أن الثابت وفق البيانات الرسمية أن الإسلام هو الدين الثاني بفرنسا بعد الكاثوليكية،  ويزيد على والعشرة ملايين مسلم كما أشرنا سابقا، ويمثل دول المغرب العربي منهم حوالي (50 %) الـ (50 %) الباقية من دول إسلامية عربية وغير عربية ومن جنسيات مختلفة وترتيبا، الجزائر،المغرب، تونس، السنغال، مالي، زائير، الكاميرون، ساحل العاج، مدغشقر، موريتانيا، مصر، ومن أوربا البرتغال، تركيا، ايطاليا، أسبانيا، ومن منطقة الشرق الأوسط تأتى لبنان كأعلى نسبة تواجد بفرنسا يليها سوريا، وإسرائيل، وعلى مستوى قارة أسيا تأتى باكستان فى الترتيب الأول لعدد المهاجرين لفرنسا والأقلية المسلمة فى فرنسا هي بلغة الخطابات السائدة في فرنسا بل وفى أوربا حاليا، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بالولايات المتحدة 2001 – تمثل مشكلة - فإذا كان الخطاب الرسمي يواجهها بما يمكن أن نطلق عليه " استراتيجية التحاشي " لأسباب كثيرة منها علاقة فرنسا بالعالم العربي والاسلامى، ومصالحها الاقتصادية المتزايدة في هذه الدول، وقبل ذلك ما يمثله المسلمون الأن بفرنسا من قوة عددية، واقتصادية في معظم المهن والمصالح الإدارية فـ (47 %) من الأيدى العاملة بفرنسا من المسلمين، و العرب وهذا ما يؤكد حقيقة أن فرنسا تدين للمسلمين بالفضل في نهضتها الاقتصادية و التنموية الحالية.

وإذا كان هذا هو حال خطاب الدولة الفرنسية تجاة التواجد الإسلامى فى فرنسا، فإن خطاب الجبهة الوطنية للدين (ليبوان –lepon) فيحمل الكثير من مشاعر العداء تجاة العرب والمسلمين هناك، فهو يحملها مسئولية الانشطارات والأزمات والتوترات، وحالات القلق التي لم يكن يعرفها المجتمع الفرنسى قبل حلول الإسلام على فرنسا ويتهم (ليبون) المسلمين بفرنسا بأنهم " يأكلون خبز الفرنسيين " ويطالب بطردهم من فرنسا حفاظا على الكيان العام للدولة من الانقسام و التفسخ.

 والدستور الفرنسى الصادر عام (1791) أكد على حرية التدين، بينما جاء دستور (1905) ليفصل الدين عن الدولة والذي تم تعديله بدستور (1958) الذي يؤكد علمانية فرنسا وأنها لا تعترف بأى دين ولا تموله ، أما فئات المسلمين في فرنسا فهم جاءوا إلى أوربا في شكل تجمعات تحمل كل فئة مشاعر خاصة تجاه الغرب أهمها:

•       الفئة الأولى: وتضم المهاجرين، وهؤلاء حصلوا على الجنسية، ويصل عدد المسلمين منهم حوالي (4) ملايين مسلم.

•       الفئة الثانية: المهاجرون الذين يتمتعون بإقامة شرعية من المسلمين ويزيد عددهم عن مليوني و نصف المليون مسلم.

•       الفئة الثالثة: وتشمل فئة المقيمون في الظل، ولا يملكون بطاقات إقامة دائمة وعددهم غير معروف، وان كانت بعض المصادر تؤكد أن عددهم يصل المليون مسلم.

•       الفئة الرابعة: وتضم هذه الفئة رجال الأعمال وطلاب العلم، والمهاجرون هجرة غير دائمة واللاجئون السياسيون، وتصل نسبة المسلمين بينهم إلى مليون مسلم.

•       الفئة الخامسة: وتشمل المسلمين من أبناء فرنسا، الذين أعلنوا اعتناقهم للإسلام وأصبح لديهم أبناء مسلمين، وتشير البيانات الرسمية أن تعدادهم حوالي ثلاثة ملايين مسلم

ومع هذا التزايد الملحوظ في تعداد المسلمين في فرنسا، سواء الذين يهاجرون إليها، أو من بين أبنائها الذين دخلوا الإسلام، إلا أن فرنسا و منذ سنوات قليلة ماضية كانت تترد في الاعتراف بالإسلام كديانة محلية، ذات حق في الإقامة، وترفض سياسة احتفاظ المهاجرين بثقافتهم و لغتهم الخاصة، وتمنع بناء المدارس أو المعاهد الدينية، وعادة مع ترتبط موافقتها بشروط تعجيزيه يصعب على المسلمين تنفيذ بعض بنودها.

وهذا ما يؤكد حقيقة العداء التاريخي بين الإسلام والغرب، والذي كانت فرنسا أحد محاوره الأساسية، فمعظم الحملات الصليبية التي شنتها أوربا على العالم الاسلامى كانت تأتى فرنسا فى المقدمة، وكانت هي صاحبة الفكرة والتخطيط حتى أسر ملكها لويس التاسع بدار ابن لقمان بمدينة المنصورة في مصر، ومن هنا فالسلطة في فرنسا تحاول أن تجد نوعا من التوازن بين موروثها العدائى القديم للإسلام، وبين المسلمين الذين يقيمون على أرضها، ويشتركون معهم في النسيج القومي والكيان المكتمل لفرنسا، وأصبحوا حقيقة لا يمكن تجاهلها.

وتسعى فرنسا إلى الحفاظ على التزايد العددى للكنيسة الكاثوليكية التي تعانى من الإنحسار المتزايد في الأتباع على الإسلام، بل والطوائف المسيحية الأخرى من أرثوذكس، وبروتستانت، وأن ارتفاع نسبة الأقليات الأخرى، وبخاصة الأقليات الإسلامية، فإن النتائج بلا شك ستكون خطيرة في الحياة السياسية الفرنسية وبصفة خاصة في ظل وجود هذا الوعي العنصري – والتعصب الديني - الذي بدا واضحاً بمجرد حدوث التفجيرات الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر 2001.

المسلمون الأكثر نشاطا فى فرنسا:

والجالية الإسلامية في فرنسا من كبرى الجاليات في أوربا من حيث الحجم، حيث تتجاوز على مستوى الأيدى العاملة بفرنسا حوالي خمسة ملايين عامل مسلم، يعملون في مختلف القطاعات الإنتاجية والاستثمارية ، وعددياً فإن عائلات المهاجرين متعددة الأفراد، وهي بذلك عامل أساسى في تنشيط حركة الاستهلاك والرواج الاقتصادي، وتكفى الإشارة هنا إلى مناسبة عيد الأضحى المبارك، وعدد رؤوس الماشية (الخراف) التي يتم ذبحها كل عام.

 وحسب تقرير المجموعة الأوربية فى بروكسل عن عام 2001 أن المهاجرين يساهمون بـ (15.7 %) من الناتج المحلى الاجمالى بفرنسا، لذلك عندما سئل زعيم الجبهة الوطنية والمرشح للرئاسة فى فرنسا (ليبوان) عن كيفية معالجته لهذه المعادلة في برنامجة الذي أعلن عنه في الترشيحات الرئاسية لفرنسا 2002 (وهو طرد المهاجرين) قال: أن العرب والمسلمين لا يساهمون بشئ في الاقتصاد الفرنسي، بل يمثلون عبئا على الاقتصاد القومي الفرنسي، حيث يميلون إلى توفير مرتباتهم وثرواتهم في مصارف وبنوك خاصة، تمهيدا للعودة بها إلى بلدانهم الأصلية.

   ورغم حملات العداء التى لا يكف عن شنها (ليبوان والحزب الذى ينتمى إليه) والسعي نحو إصدار قرارا بطرد كل المسلمين والعرب من فرنسا، إلا أنه وبلا شك الأن أصبح القرار في غاية الصعوبة، فحوالى (10) ملايين مسلم في فرنسا أصبحوا يشكلون اليوم قوة لا يستهان بها، وتستطيع أن تقف في وجة أية قرارات في غير صالحها.

كما أن إمام مسجد باريس أصبح اليوم يتمتع بإحترام ديني كبير، وأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك ينظم لقاءات معه على فترات ليست بعيدة، واستشارته في بعض الأمور التى تخص المسلمين، مما يؤكد حقيقة الدور الذي أصبح يمثله الدين الاسلامى في المجتمع الفرنسي.

ولعل ذلك يرجع إلى أسباب منها كون العرب والمسلمين هم الجالية الأكبر بين الجاليات المهاجرة، بحيث يرتبط كل رد فعل ضد المهاجرين بالعرب و ينعكس عليهم بالدرجة الأولى، والثانية لطبيعة هذه الجاليات المكونة أساساٌ من أغلبية كبيرة من العمال المهاجرين الذين يتمتعون بكفاءات مهنية عالية، والثالثة للروح العدائية التى طبعت بقوة منذ عقود وقرون مضت، والعلاقات القائمة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، بل وتشديد إجراءات تجديد أقامة المهاجرين، وتقنين عمليات الطرد الجماعي والادارى من دون العودة المسبقة إلى القضاء، وتشديد العقوبات على المخالفين وإلغاء التجنس التلقائي للجيل الثاني أو الثالث المولود على الأرض الفرنسية.

           ويقوم مسجد باريس إزاء هذة الممارسات بدور الوسيط مع الإدارة الفرنسية لإيجاد حلول سريعة لهذه المشكلات ويمارس المسجد هذا الدور منذ أن تم انشائة عام 1926، من ميزانية الدولة الفرنسية مكافأة للقوات الإسلامية التي شاركت في الحرب مع فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى وافتتح المسجد الرئيس الفرنسي أنذاك " دومارغ " والرئيس المغربى " مولاي يوسف " وتضم فرنسا حالياٌ (3500) مسجداٌ، يوجد بالعاصمة الفرنسية وحدها (330) مسجداٌ ومركزاٌ إسلامياً.

الجمعيات والمنظمات الإسلامية بفرنسا:

في ضاحية كورنيف الواقعة شمال فرنسا يوجد مركز عملاق هو " إتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا " والمسجد التابع له وفي المسجد لا يمر أسبوعاً إلا ويأتيه أفراد من جنسيات مختلفة لإشهار إسلامهم، وذلك بفضل الدور الذي تلعبة الجمعيات والمنظمات الإسلامية هناك.

ويزيد عدد الجمعيات العربية الإسلامية في فرنسا عن ثلاثة ألاف جمعية ومنظمة مسجلة في الجريدة الرسمية الفرنسية، وتحمل صفة إسلامية في تسميتها، أما مجال نشاط هذه الجمعيات فهو منوع ومختلف فمنها ما ينشط المستوى المحلى ومنها ما ينشط على المستوى القومي ومنها نوع ثالث تغطى أنشطته مناطق الحضور الإسلامي كلها، وهذه الجمعيات تدخل في إطار بعض التكتلات الإسلامية الكبرى مثل (الفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا، وجماعة التبليغ والدعوة، وإتحاد المنظمات الإسلامية، وفيدرالية الجمعيات الإسلامية الإفريقية، والإتحاد الإسلامي الفرنسي الذي يضم الجمعيات التركية) كما تضم هذه الجمعيات مثقفين وطلبه وناشطين سياسيين ينتمون إلى أقطار عربية وإسلامية عديدة، أو ربما ينتمون لدولة واحدة،(والسمة الغالبة على هذه الجمعيات والمنظمات الإسلامية أنها غير مستقرة، فبعضها يظهر لفترة زمنية معينة ثم يختفي، دون أن يشعر باختفائه أحد، وربما تم إشهار منظمات وجمعيات إسلامية في فرنسا، وألغيت وأيضاٌ لم يشعر بها أحد.

إلا أن الثابت تاريخياً أن هذه الجمعيات يسود بينها التشرذم والخلاف ولكل منظمة ترى الإسلام من وجهه نظرها هي، والتي قد تأخذ ميلاٌ تجاه الدولة القومية التي ينتمي إليها أعضائها، ويزيد ذلك من ضعفهم، ويطرح بحدة مشكلة تمثيل المسلمين في فرنسا، ومن هي المنظمة أو الجمعية الجديرة بأن تتولى هي إدارة شئون المسلمين في فرنسا أمام الجهات الرسمية الفرنسية ؟

ومن هنا يمكن القول أن مسلمي فرنسا يلتقون مع بقية مسلمي أوربا والغرب في التطور في الاهتمامات والبحث عن حلول فقهية من منظور اسلامى للإشكاليات الاقتصادية التي تعترضهم في الغرب مثل الأسهم والاستثمار والتعامل مع البنوك، ويشترك بعض رموز العمل الاسلامى بفرنسا التفكير فى هذه القضايا ببعديها التأصيلى الفقهي، والتطبيقي العملي، وذلك عن طريق مؤسسات معروفة مثل المجلس الأوربى للبحوث والإفتاء، ومركز البحوث والدراسات التابع للكلية الأوربية للعلوم الإنسانية في باريس، و يشرف عليه الدكتور عبد المجيد النجار أحد علماء الأزهر الشريف.

ولعل الوجود الاسلامى في فرنسا يعتمد على استمراره من خلال بعض الهيئات الأهلية التى تحمل الصفة الرسمية الى حد ما، منها المعهد الاسلامى لمسجد باريس، حيث يعد مسجد باريس الكبير نقطة ثقل رئيسية كبرى من الناحية الدينية والسياسية والاجتماعية، كما أشرنا سابقاٌ ، فهو لا يمثل مركز عباده فحسب، لكنه يعمل أيضاٌ على تنظيم شئون المسلمين باعتباره الممثل للجالية الإسلامية لدى السلطات الفرنسية الرسمية، ولدى الجاليات الدينية الأخرى، وهذا المسجد كان مكافأة فرنسية للمسلمين الأتراك والعرب، كذلك فان المترددين علية لأداء الشعائر الإسلامية معظمهم من العرب، ولغة الصلاة وخطبه الجمعة باللغة العربية، حتى إدارة المسجد من بعض العلماء الذين تلقوا العلوم الشرعية في كبريات الجامعات الإسلامية، في مصر و السعودية، و الهند، وباكستان.....

وقد ازدادت أهمية هذا المسجد عندما زاره الرئيس الفرنسي جاك شيراك أثناء حملته الانتخابية ودعوة إمام المسجد للتشاور مع المسؤولين الفرنسيين في قصر الإليزية حول ما يخص المسلمين فى فرنسا، وجعلت منه المحاور الشرعي الوحيد عن الجالية العربية والإسلامية في فرنسا، يأتي في الترتيب الثالث معهد العالم العربي بباريس الذي بدأ نشاطاته منذ عام 1990،  و يعد مركزاٌ ثقافياٌ عربياٌ للفنانين والمبدعين العرب، وينظم الندوات والمهرجانات واللقاءات الفكرية والأدبية ويتبنى مناقشات حوار الحضارات بين المثقفين العرب والمثقفين الفرنسيين.

التحديات التي تواجة الأقليات الإسلامية بفرنسا

يعانى المسلمون في فرنسا من أزمة تنظيمية يرثى لها، فلا يوجد تنظيم عام كما في شرق البحر الأبيض المتوسط، وليس للمسلمين مدارس، وأن كان لهم بعض الأماكن التي يؤدون فيها الصلاة والبعض الأخر مغلق لإتهام بعض أفراد إدارته بإنتمائهم لتنظيم القاعدة، وأسامة بن لادن، كما أن أداء الصلوات والأنشطة التي يقوم بها المسلمون الأن فى فرنسا تتم بمراقبه صارمة من السلطات الفرنسية، وظهر العداء والتعصب العنصري ضد المسلمين من خلال إعتداء بعض المتعصبين الكاثوليك على المسلمين في أماكن عملهم، وطردهم من الوظائف التي كانوا يعملون بها، وتسريح المئات من العمال المسلمين، وبدأت حملات الاضطهاد تتصاعد يوما بعد الأخر داخل المصانع الفرنسية عن الفترة السابقة لأحداث 11 سبتمبر 2001، وكذلك التضييق على المسلمات في تحركهن وهن بالزى الإسلامي، وإجبار طلاب المدارس على مقررات دراسية معينة، تحمل في معظمها الطابع العدائى الذي يكنه الغرب للإسلام والمسلمين، أما عن التحديات التي تواجه مسلمي فرنسا فهى عديدة أبرزها:-

1- العمل على تنصير أبناء المسلمين:

كانت فرنسا ولا تزال هي راعية المذهب الكاثوليكي في أوربا، فهي الدولة التي دفعت أوربا للحملات الصليبية على العالم الاسلامى، كما أنها الدولة التي سعت من خلال مستعمراتها في إفريقيا وأسيا إلى تنصير التجمعات الإسلامية، ووقف النفوذ الإسلامى فى البلدان التى خضعت لها.

 من هنا فان معظم حملات التنصير النشطة على المستوى الافريقى، إما فرنسية، أو أمريكية، والبعض الأخر منه يتبع الكنيسة الأنجيلكانية البريطانية، لذلك فإن فرنسا تحظى بتأييد ومباركة ودعوات من بابا الفاتيكان على الدور الذي تقوم به لصالح الكاثوليكية في العالم.

       وتاريخياً ومنذ العصور الوسطي والكنيسة تسيطر على الدولة في أوربا، وقد لا ترغب فرنسا الخروج من هذه البوتقة، وكانت من الدول التي حاربت حركة الإصلاح الكنسي التي قام بها مارتن لوثر، وكالفن حتى قامت الثورة الفرنسية، وتم تحطيم سجن الباستيل، ورغم ذلك بقيت فرنسا كاثوليكية، تدين بالولاء الكامل لها، وترى أن هذا ما يميز فرنسا عن دول أوربا، حيث يدين (90%) من سكانها بالكاثوليكية وبالتالي لم يكن مستغرباً أن تكون فرنسا على قائمة الدول التي تسعى لتنصير المسلمين خارج وداخل أراضيها، وكانت أبرز جمعيات التنصير فى العالم في فرنسا على مدار تاريخها وهى جمعية " كوفردى نتردام دى سالارات " وهي جمعية ظهرت مع ظهور التجمعات الإسلامية في فرنسا، وتم الإعلان عنها عام (1957) وتهدف إلى تنصير أبناء المسلمين في المدارس ودور الحضانة، وعبر تقديم الهدايا والمساعدات الإنسانية باسم يسوع المسيح.

وترصد الفاتيكان والحكومة الفرنسية مبالغ ضخمة لهذه الجمعية نظراٌ للهدف التبشيرى والحيوى الذي تقوم عليه من ناحية، والدور الذي لعبته في تنصير عدد كبير من أبناء المسلمين أثناء حرب البوسنة والهرسك وكوسوفا من ناحية أخرى، هذا بجانب مئات الجمعيات والمنظمات التي لا تسعى إلا لتنصير المسلمين داخل فرنسا وليس لها علاقة بالتنصير الدولي في إفريقيا، أو دول أسيا الوسطي.

2- تشجيع التيارات المعادية للإسلام:

مع أن الكثيرين من المنصرين يؤكدون على نجاح الحملات التنصيرية للمسلمين فى فرنسا، إلا أنه وعلى المستوى العام يعد نجاحا محدودا ، مقابل العدد الضخم الذى يعلن إسلامه بفرنسا سنوياٌ، حيث اعتنق الإسلام ما يقرب من (10) آلاف كاثوليكي فى أقل من عاميين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لذلك اعتمدت الحملات التنصيرية على تشجيع بعض التيارات الهدامة التي تسعى لتشوية صورة الإسلام في الغرب كالبهائية والقاديانية، والصهيونية من خلال توفير كافة الإمكانيات التى يحتاجون إليها، والدعم المادي اللازم لإيجاد التنازع والشقاق بين الطوائف والحركات والفرق والتيارات الإسلامية فى الشرق والغرب معا.

3- التمييز العنصري ضد المسلمين:

الثابت أن الثقافة الإسلامية ليست في مجملها ضد أو معادية للغرب، ولا لثقافة فرنسا كدولة راعية للكاثوليكية فى عالم اليوم ، وإنما لكل ثقافة خصوصيتها وسماتها المميزة، وبالتالي كان من الصعوبة مزج الثقافة الإسلامية بالثقافة الفرنسية في إطار علماني واحد، لإختلاف الخصائص والسمات ومنطلقات وأهداف كل ثقافة منهما.

       لذلك ثارت فرنسا عندما فوجئت بتزايد الزى الإسلامى على أرضها وفى العديد من المدارس الفرنسية الحكومية، وأن عدد الطالبات المحتجبات في مدرسة واحدة تعدى الـ (2500) طالبة من بين (9) ألاف طالبة غير محتجبة من مذاهب ومعتقدات أخرى ، وانتقل ذلك إلى الشوارع والحدائق، والمنتديات والنوادى مما أصبح يشكل ظاهرة واضحة للعيان.

كما أن اللحى (وهى ترك المسلم لحيته دون حلقها) كانت ظاهرة عادية قبل أحداث 11 سبتمبر 2001، ولكن بعد الأحداث لم تعد ظاهرة عادية، وتم القبض على كل ملتحي واخضاعة للتحقيقات لمعرفة صلتة بتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن، بل يتعرض بعضهم للاعتداء من جانب بعض العناصر المتعصبة، وحرمان المسلمين من معظم حقوقهم التي كانوا يحصلون عليها قبل أحداث سبتمبر، الأمر الذي دفع المنظمات الإسلامية لأن تنظم مظاهرة ضخمة شارك فيها أكثر من مائتي ألف مسلم يطالبون فيها الإدارة الفرنسية بتخفيف الضغط وحملات الاضطهاد عن مسلمى فرنسا، حتى لا يظهر بفرنسا من هم أعنف من تنظيم القاعدة وأرحج عقلاُ من أسامة بن لادن،

ويبدو أن هذه المظاهرات كان لها نتائجها الايجابية الملموسة حيث خففت الشرطة الفرنسية من حدة العنف ضد المسلمين، نظراٌ للنفوذ الاسلامى المتنامى على المستوى السياسي والاجتماعي بفرنسا.

فالمسلمون بفرنسا لهم تأثيرهم الملحوظ على قصر الإليزية، ولهم أوراق ضغط كثيرة لإخضاع الحكومة الفرنسية لمتطلباتهم كالإضراب عن الطعام، والاعتصام، والإمتناع عن العمل في المصانع الإنتاجية، والمظاهرات، وعقد الندوات، والمؤتمرات واللقاءات مع المسئولين الفرنسيين، وهم يطالبون الأن وبعد 11 سبتمبر 2001 بأن يكون هناك حزباٌ إسلاميا لرعاية مصالح المسلمين بفرنسا على غرار ما حدث في بريطانيا، وتكوين هيئة لرقابة الشئون الإسلامية، ومساواتهم مع الأديان الأخرى في الحقوق والوجبات.

  ومن هنا يمكن القول أن فرنسا كانت أفضل كثيراٌ في إحتواء موجه العداء التي ظهرت عبر وسائل الإعلام بعد أحداث سبتمبر2001، واستطاعت أن تأخذ طابع اللين والمرونة لكسب التأييد العربي في سعيها للعب دور سياسي على المستوى الدولي _ مناهض للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

*مدرس الإعلام والصحافة–  جامعة المنصورة

رئيس تحرير جريدة العرب اليوم

والخبير فى شئون الأقليات الإسلامية

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد  24/ايلول /2006 -22/شعبان30/1427