الملف الامني وملفات ساخنة اخرى

المحامي طالب الوحيلي

 يرتهن الملف الامني العراقي بعدة عوامل تتلاقح فيما بينها لتؤسس لمناخ طبيعي تعتمل فيه كافة شروط الحياة الطبيعية اهمها احساس الفرد بالنظام القانوني السائد والقدرة على ترجمته الى مثل عليا تحكم المجتمع عبر سلطة قضائية مستقلة لاتحدها أي سلطة سياسية كانت او عرفية ،فلا مناص من خضوع الجميع لهذا النمط المتحضر من العلاقات الانسانية التي تنمو بشكلها الواقعي تحت منظومة الدولة الحاكمة ،لاسيما اذا كانت تعتمد على مباديء الديمقراطية في تعاطيها مع  المتغيرات الموضوعية والذاتية ،وفي تبنيها للخيارات الشعبية او الجماهيرية في التمثيل السلطوي عبر فعالية الانتخابات العامة التي اكدت حقيقة الوعي الجمعي للمواطن العراقي في تقرير مصيره بعد اجيال من النكبات والانتكاسات التي أحدثتها عهود الظلم السياسي والعرقي والطائفي ،ليقف هذا المواطن بكافة مستوياته الثقافية والطبقية أمام مفترق طرق ،بين الإحساس بالتحرر من وصاية الايديلوجيات الطارئة والتي لم تصل يوما الى مرحلة الكمال ،او الشعور بالقيمة الفعلية لصموده وتضحياته وحرمانه الأزلي فيكون المصدر الواعي لكافة السلطات ،وتحت هذا الشعور يقف أمام الكوارث الأمنية التي تحيطه يوميا وفي كل مكان يتوجه اليه ،وهو يوازن بين تاريخه المضرج بالدماء وبين وثباته الشديدة البأس ضد الطاغية صدام وفي الممارسات الانتخابية وفي مراكز الفعل العقائدي او ردوده المتنوعة ،فهو اكبر بكثير من تصورات البعض الخاطئة جدا من كونه ذلك الكادح الذي نفض غبار العمل عن ثيابه وتوجه الى تلك الصبغة البنفسجية باصما بها على اكبر سند ملكية لاتسعه دائرة (طابو) او تسجيل عقاري لم يجد له طيلة حياته ما يمكنه من تملك أشبار من ارض العراق سوى المقابر التي تؤيه بعد مقتله بفعل حروب الطغاة او مجازرهم او بسبب موته غيلة من الفقر او المرض او الحرمان،وهو اكثر من ان تحتويه خطابات ضئيلة تجاوزها منذ سنين ،انه الان يشعر بمعنى الثروة الوطنية التي لابد ان يناله قسط منها ،وبالارض التي ولد فيها واستوطنها آباؤه وأجداده حتى نوح (ع) فلا لاحد من الطغاة اقتنلاع جذوره التي غرست فيها.

الملف الامني إذا ابسط استحقاق لهذا الكائن الأسطوري بعد ان انهارت قوة السلطة الطائفية ،وسقطت أسباب تجبر الزمر التابعة لتلك الثقافة الشمولية التي لم تتمكن يوما من إذابة العقائد الراسخة في جوهر التاريخ الإسلامي او الإنساني ،واستحقاقه هذا يتجاوز مطلب الحماية الى استقصاء الأسباب التي أريقت على وفقها الدماء والجناة الحقيقيين الذين لم يطالهم القصاص العادل ،بدل ان يتعمدوا الخوض بالحقوق المشروعة لهذا المواطن ،ويستثمرون المزايدات الغريبة والمعادلات الزائفة في فرض أمر واقع ،فتراهم يجاهرون بإشعال فتيل الأزمات كلما سنحت فرصة لاستكمال المستحقات الدستورية ،ومنها القوانين التي لابد من تشريعها لانجاز المميزات الخلاقة في الدستور العراقي الدائم ،ومنها موضوعة العلم العراقي وشعار الجمهورية ،معتبرين المساس بعلم صدام من المحرمات ،في الوقت الذي لم يعيروه ادنى احترام مادام قد رفع فوق سواري الحكومات العراقية ومجالسها منذ سقوط الصنم ولحد الآن ،فاذا كان هذا العلم يمثل لديهم السيادة الوطنية  للعراق فلماذا يعلنون تمردهم عليه اذا ؟!

اما مسألة الفيدرالية وإصرارهم على الوقوف ضدها محاولين تصنيفها الى مشروع يهدد وحدة البلاد ،فهم أكثر الناس سببا لهذا الخطر بعد ان اقتطعوا عدة أقاليم في بعض المحافظات وفي بغداد ،وحاولوا حسر السيادة العراقية الوطنية لكي تخضع الى سلطة الظلاميين المستوردة من عقيدة التكفير وتجربة الطالبان ،ولو كان هاجسهم وحدة العراق لما أباحوا الدم العراقي والقتل على الهوية ولم تصدر من اكثر مؤسساتهم الدينية تأثيرا أي فتوى تحرم ذلك ،ولكانوا اول الساعين للمصالحة الوطنية التي شرعت أبوابها للجميع عدا من تلطخت أيديهم وثيابهم ووجوههم بدماء الأبرياء في الماضي او الحاضر ،فنحن من يمنح حق المصالحة وندعو لها دون أي إجبار او خضوع للغة التهديد والوعيد ،عملا بدعاوى المرجعية الدينية العليا وبرغبات شيوخ العشائر العراقية التي لم تلن او تخضع للعتاة والمارقين على أصولها وقيمها ومثلها وصفاتها الحميدة ،وتلك عقيدة تربى عليها جميع أبناء عشائر العراق من شماله الى جنوبه ،اللهم الا من لفضته الحمية العراقية الأصيلة ،فانداح سادرا في غيه يتخذ من فتاوى الشيطان منهجا للقتل والانحطاط ،وعشائرنا ادرى بحكم هؤلاء.

الملف الأمني اليوم اكثر طواعية للتطور اليوم بعد ان تمكن من إحداث طفرات نوعية حسمت الكثير من نقاط التماس مع الإرهاب لصالحها ،وقد أقرت القوات المتعددة الجنسيات بمصداقية القائمين عليه وقدرتهم على حماية التجربة الديمقراطية بأمانة ،مما حدى بقيادتها وفي توجه سليم الى تسليم قيادة العمليات الى السيد رئيس الوزراء العراقي بصفته القائد العام للقوات المسلحة وبذلك فك الازدواج الغريب الحاصل بين القيادتين وهو أمر يؤدي الى جدولة كاملة لانسحاب تلك القوات من العراق او من المدن المهمة في المحافظات ،فيما يعني القدرة التعبوية الجديدة لتحرك القطعات العراقية والقطعات الاجنبية العاملة معها على وفق تنسيق موحد يخرج من غرفة عمليات قادرة على تلبية المطلب الرئيس للمواطن العراقي الذي هو مدار هذا المقال.. 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 18/ايلول /2006 -20/شعبان24/1427