هكذا يحلو للعراقيين تسمية هذه الصفحة من صفحات الصراع بينهم وبين
الطاغية بانتفاضة شعبان تيمنا وتبركا بميلاد الامام الثاني عشر الامام
المهدي المنتظر.
وكأن العراقيين على موعد مع تواريخ الولادة والوفيات لأئمة أهل
البيت -عليهم السلام-فمن قبلُ كانت اتنتفاضة رجب و صفر ليبرهن
العراقيون على تفاعلهم مع التواريخ الاسلامية المتعلقة بأهل بيت النبوة
العظام.
ولدلالة التسمية إشارة واضحة على أن الانتفاضة كانت إسلامية أو
الغالب عليها توجهها الاسلامي رغم اشتراك كل فصائل الشعب بها ،حيث أن
الرفض الشعبي للنظام كان شاملا من كل الفئات الشعبية وباختلاف
توجهاتها،وعند أول فرصة هبت الجماهير للتعبير عن ذلك والشروع بالتغيير.
وتعتبر الانتفاضة أحد أهم المفاصل الزمنية التي عبرت بصورة
واضحة عن انفصام العُرى بين النظام السابق والشعب وإنها كانت بداية
النهاية لسقوط أعظم دكتاتورية في التاريخ إختزنت كل تجارب
الدكتاتوريات في التاريخ وزادت عليها.
وتم نقل المشكلة من داخل الوطن الى خارجه حيث بات المهاجرون رسل
معانات للملايين من أبناء الشعب العراقي الجريح داخل السجن الكبير في
العراق الجريح.
ولابد لنا من مناقشة تأخر النصر الحاسم بسقوط الطاغية بعد مرور خمسة
عشر سنة على هذه الانتفاضة المباركة التي كانت بحق إحدى ملاحم العنفوان
لهذا الشعب الذي عبر عن إرادته وعبر عن انتمائه الاصيل عندما حانت له
أول فرصة حقيقية لذلك.
وقد كانت الغصة التي أشعرت الطاغية بفشله بتطويع الشعب العراقي لما
يريد سيما وأن الفئات الشبابية من مواليد الستينات والسعبينات كانوا
شرارة الثورة الشعابنية التي أفشلت أهم شعارته (نكسب الشباب لنضمن
المستقبل )و( انتهى زمن الثورات)و غيرها من الشعارات في هذا المجال.
وقبل عرض الاسباب بصورة موجزة ينبغي لنا أن نثبت أن الجماهير قد
حققت النصر ولكن إدامة عوامل النصر هي التي أخرت النصر النهائي.
كما لابد أن نُحي السواعد التي حملت لواء الثورة ونترحم على الدماء
الزكية التي سالت أثناء الانتفاضة والضحايا التي أعدمها النظام بعد
الانتفاضة في مقابر جماعية شملت معظم أراضي العراق الجريح.
إن الانتفاضة كما كانت غصة ومرارة للنظام فقد كانت مفاجئة بكل ما
لهذه المفردة من معنى على الصعيد الداخلي والخارجي من المتعاطين مع
الشأن العراقي الذي تعاطوا مع الشعب بنظرة استصحابية أدت الى عدم
تفاعلهم بالشكل الذي يؤثر في النتائج بطريقة ايجابية.
والهدف من عرض الاسباب التي أدت الى تأخر النصر هو دراسة هذه
العوامل وعدم الوقوع في نفس الاخطاء لهذه المرحلة والمرحلة القادمة
،كما انها محاولة لتثبيت ما قد يحاول الاخرون طمسه من خلال نسب أعمال
تتعلق بالانتفاضة ومجرياتها الى أشخاص معينين دون أن يكون هنالك توثيق
محايد لتلك الامور.
وان هذه الامور قد تاخذ مجرها بسبب الوضع العراقي الحالي إلا أن ذلك
لن يكون في مصلحة الشعب العراقي في المستقبل ،ولان التزوير يؤدي الى
كوارث حقيقة ولو بعد حين.
علينا أن ندرس الانتفاضة ونتائجها بنظرة ناقدة وموضوعية خدمة
للحقيقة ومستقبل العراق بعيدا عن المصالح الضيقة.
أما العوامل التي اُحاول أن ايجازها فاساقسمها الى عوامل داخلية
وخارجية تاركا قساوة وبشاعة النظام وما قام به لانها اصبحت من البديهات
حفاظا مني على الاختصار دون الاخلال بمطلب هذا الموضوع.
اولا:-العوامل الداخلية:وهي:
1-بالرغم من قيام خمس عشرة محافظة بهذه الثورة المباركة إلا أن
الجماهير لم تكن مهيأة لمعركة طويلة بالرغم من اختزانها لكل هذا الرفض
والمقت للنظام ،ويعزو ذلك الى الاستعداد النفسي والحركي لمثل هذه
الثورات،كما إن أي انحراف في الاهداف المعلنة قد يؤدي الى زعزعة الوضع
كله ولعل الاية الكريمة (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بانفسهم )قد تكون مصداقا لما اريد قوله.
2-ضعف الجانب التنظيمي وانعدام التنسيق بين المحافظات لادامة
المعركة مع النظام وبالرغم من تبني المرجعية أنذاك _السيد الخوئي وابنه
محمد تقي-(رحمهما الله)لقيادة الانتفاضة بطريقة واخرى إلا أن ذلك لم
يساعد على السيطرة بشكل تام على مجمل الامور.
3-ضعف الاتصالات والجانب الاعلامي الذي كان منعدما تماما مما فسح
المجال للاعلام المضاد والاشاعات أن تاخذ مجرها وهي سريعة التأثير في
الجماهير.
4-غياب الاستراتيجية العسكرية والقيادات الميدانية التي تمتلك
الخبرة في حرب العصابات وحرب المدن.
ثانيا العوامل الاقليمية: بعد مرور أكثر من عقد ونصف على تاريخ أهم
صفحة من العلاقة بين الشعب العراقي والنظام من جهة وبين الشعب العراقي
ودول الجوار من جهة اُخرى لابد لنا من وضع الحقائق فيما جرى تاركين
وجهات النظر المختلفة بالعودة الى شهود تلك المرحلة والى الوثائق
المسربة والى تصريحات المسؤولين وبعض قادة المعارضة بعد الانتفاضة.
اولا:-ايران
الجارة الاسلامية التي نظر إليها أغلب العراقيين على أنها العمق
الاستراتيجي لاي تحرك ضد النظام بسبب حرب الثماني سنوات ووجود اغلب
القيادات المعارضة بوجوداتها اضافة الى الارتباط الديني والعقائدي بين
الشعبين،وهكذا كان الاعتقاد السائد بانه عند اطلاق أول رصاصة ستكون
الطلائع الثورية من قوات الجمهورية الاسلامية أو فصائل المعارضة
العراقية على الحدود ولكن الذي حدث هو ان الحكومة الايرانية قد منعت من
كان يود الالتحاق بالجماهير العراقية من قيادات اسلامية ومنعت من تملك
التأثير عليه باي مبادرة في هذا المجال ناهيك عن مجاميع المجاهدين التي
كانت بانتظار الاشارة للدخول للمشاركة في الثورة.
وبذلك فقد المنتفضون الدعم الرئيسي وما كان ينتظره من الجارة
المسلمة.
وبالرغم من التبريرات في هذا المجال دفاعا عن الجمهورية الاسلامية
إلا ان الواقع العملي كان موجها ضد الانتفاضة وقد أدى الى تقويض النصر.
ثانيا الدول العربية: لقد سعت الدوائر الرسمية العربية للدول
العربية المجاورة وخصوصا دول الخليج والاردن بالاضافة الى مصر الى حمل
الدول الغربية من أجل تغيير موقفها من اسقاط النظام باعتبار أن البديل
سيكون اسلاميا(شيعيا) وهذ ما يمثل تهديدا استراتيجيا على المدى القريب
والبعيد للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا باعتبار
ان التغيير الجديد هو في صالح ايران لان الثوار اسلاميون وسيعة مرتبطون
بايران بشكل وباخر مما يقوي ايران في مواجهة العالم الغربي.
وهذا ما جعل دول التحالف تسمح للنظام باستخدام سلاح الجو وتحرك
قواته لضرب الانتفاضة
وعمدت المملكة السعودية الى فتح أراضيها للهاربين من جحيم وقساوة
النظام البربري في عملية إحتواء مبرمجة فتاخر النصر حتى التغيير في
التاسع من نيسان عام 2003.
العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة
لاشك أن الدوائر الرسمية العربية قد أدى الى تبني العالم الغربي هذه
النظرة التي أدت الى الوقوف على الحياد اول الامر ثم السماح للنظام
الصدامي باستخدام قواته الجوية ونقل قطعاته العسكرية بحرية تامة بالرغم
من الحضر المفروض عليه نتيجة هزيمته في عاصفة الصحراء.
وقد جعلت هذه النظرة الشعب العراقي تحت سيف الجلاد خمسة عشرة سنة
اخرى مضافا لحصار في كل المجالات.
ان العرض لهذه العوامل والاسباب قد تساعدنا في فهم خلفيات تحركات
الاخرين تجاه الشعب العراقي كما تساعدنا في الاستفادة من تجارب الشعب
العراقي في صراعه من أجل حريته والوصول الى بر الامان.
alhamashi@hotmail.com |