كنا في نهاية الشهر الماضي شهر الأمة الإسلامية شهر الاستغفار شهر
رجب الأصب، شهر الرحمة، مع الغمام موسى الكاظم عليه السلام في ذكرى
وفاته، ونبقى مع الزمن الإسلامي ككل في معانيه المتصلة بالإنسان المسلم
في حركته في داخل ذاته وفي انطلاقاته داخل مجتمعه وفي كل تطلعاته في
الحياة كلها، ذلك الزمن الإسلامي الذي يوحي بالطهر والصفاء والنقاء
كمصاديق للأمانة وللحق وللإخلاص، ليس الزمن شهورا وأسابيع وأيام وساعات
ودقائق وثوان ، نتجمد ونتخلف معها ونخلد إليها بحيث نشعر على أعتاب
الزمن أننا نعيش التقليد من أعمارنا ولكن الزمن الإسلامي هو ذلك النور
والإشراقة والضياء والانفتاح والتقدم والرحابة والأصالة الإسلامية
بأرقى وأسمى تعابيرها القدسية والعرفانية ...
نحن هذه الأيام ضيوفا لمولد الشهيد، الذي اسمه قد يوحي بالحزن، لكن
وأنت تقترب من ذكراه تشعر بأن حياتك تتروح بروح الفرح الكبير، حتى وأنت
تعيش في أعماق الحزن، لان خط الحزن عليه هو خط القضية وخط الرسالة التي
عند وعيك إياها تتحول المأساة إلى فرح مميز وكبير ، لأن روح الحسين
عليه السلام تنفتح على روحك لتعلمك الإسلام الأصيل في حركة الأمة
وامتداد الرسالة ومحض الإخلاص والعبودية لله تبارك وتعالى ، فيصبح
الحزن لديك يختزن الفرح الحقيقي والتطلع الصادق إلى المعالي الروحية
والرضوان حيث الله يتقبل ابتهالاتك ويجيب روحانيتك بلطفه الذي يتجلى في
رحيميته بك ومنها تقريبك إليه عزوجل من خلال الأخلاق الفاضلة والآلاء
العظيمة والمواقف الجليلة...فتبصر الخلق والنعم والمسؤولية والمصير
ببصيرة نافذة واعية عارفة بكنه الحياة كلها وتنفتح على الحقيقة كلها
بعبادة الشكر لله والتحرر من أغلال النفس والشيطان والدنيا وغرورها
...وهكذا نحل في رحاب مولد الإمام الحسين زين السموات لنتزين بعقله
وروحه ورسالته وحركته وروحانيته وانفتاحه على الله وعباد الله من خلال
لطف الله بنا أن عرفنا على آله وورثة رسوله(1)
في اليوم الثالث من شهر شعبان الكريم نطل على كون فسيح ورحيب يمتد
بنا إلى رسول الله وأهل بيته الأطهار عليهم الصلاة والسلام أجمعين في
تاريخ الإسلام ويعرج بنا إلى بداية الخلق (خلق آدم عليه السلام) ليختزل
الإسلام كله(2) وينفذ بنا إلى كلمات طيبة سقاها الدم الزكي النقي
الطاهر، فجعلها تخلق في كل جيل إسلاما قويا يواجه الاستكبار كله عبر
الزمن الإسلامي كله...في ذكرى مولد الغمام الشهيد عليه السلام يشرق
الزمن بشروق السموات التي تتزين بالحسين بن علي وفاطمة عليهم السلام
...لذلك هذا اليوم ليس يوما عاديا نقلد فيه سابقه، إنه يوم يولد فينا
معنى الحرية والعزة والكرامة إسلاميا ويمثل كل امتدادات الحرية في
العقل والقلب والحياة، لأنك قبل الدنومن شخصية الحسين عليه السلام عليك
أن تفهم الطيف الرسالي كله وقضيته التي انطلقت من معين النبوة وبعدها
من امتداد الإمامة، حيث عمق الحسين عليه السلام هوعقل يحمل علم النبي
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وعلم علي عليه السلام وعلم فاطمة
الزهراء عليها السلام وعلم الحسن عليه السلام وقلبه عليه السلام ينبض
بالحب العظيم لله ولرسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ولأمير
المؤمنين عليه السلام وللصديقة الطاهرة عليها السلام ولصنوه المجتبى
عليه السلام وللأخت العقيلة عليها السلام وللإسلام كله والمسلمين
الصادقين ...وهوروح يبعث الخير كله...
هذه هي ذكرى مولد الغمام الحسين عليه السلام كيف أعيشها ؟سؤال سهل
ممتنع التعبير عنه بالكلم أوالقلم ، المهم أنك تعقله وتفهمه وتفتشه
لتجيب عنه لان مأساة الحسين عليه السلام كما عرفتها هي منذ ولادته إلى
شهادته، هي مأساة ليست ككل مآسي البشر العاديين كونها مأساة تختزن
الفرح الرسالي والفرح الروحي ، لأنها مأساة ترعرعت في بيت الرسالة
الإسلامية فكانت تتغذى بالوحي والطهر والصفاء والأمانة والعبودية الحقة
لله تعالى ، لذلك عصي على من خان أمانة الوحي وتولى عن الطهر ورفض
الصفاء وأشرك في العبودية لله أن يفقهها(المأساة الحسينية)...
سنبقى نبكي الحسين عليه السلام بدموع المواقف الرسالية حتى نكون
أهلا لأن نستشعر الفرح الرسالي بالحسين عليه السلام في كل مأساته، حتى
لا نعيش الفرح دون الرسالة، لان الرسالة تستدعي حزنا يختزن الفرح ،
بينما أغلبنا يحب الفرح لوحده وبدون تضحيات وهذا فرح بلا معنى يقتل
فينا المسؤولية التي هي معنى الإنسانية...
تعالوا أيها المسلمون نفرح ونحتفل بالحسين عليه السلام في ذكرى
ولادته كل من موقعه وحسب ظروفه ومن خلال وفائه وثبات ولايته على أصلها
وامتداد حركتها في خط المسؤولية الرسالية ، سوف نشعر بلقاء روحاني لطيف
ليس للمادة بكل أبعادها فيه حضور ومجال لها للتضييق عليه ، لان التزام
ولاية الحسين عليه السلام وقضيته هومصداق أصالة الروح الإسلامية
فينا...وإني أتصور أننا بهذا الإحياء لذكى مولد الغمام الحسين عليه
السلام سوف نقترب كثيرا من الخروج الحسيني المهدوي لطلب الإصلاح في
امة النبي الأكرم (ص).
هكذا أحبتي: نجدد ركوب سفينة النجاة من خلال وعينا الكبير والعميق
لمعنى الميلاد والشهادة في رحاب أهل البيت عليهم السلام وخصوصا مولد
الإمام الحسين عليه السلام في عظمته وإشراقته الرسالية في أبعادها
الإسلامية كلها ...لان المولد نور يسطع، يبقى يشع إذا بلغ الشهادة...
وقبل أن تصرع العقول في لبنان والعراق وفلسطين وكل الوطن العربي والأمة
الإسلامية، تحت بروق المطامع ...نقول لقد احتفلت المقاومة الإسلامية في
لبنان حقا وعدلا بمولد الإمام الحسين سيد الشهداء عليه السلام وجنت
ثمار فرح المولد بحركية التضحية والعطاء والشهادة ، فلم تعط بيدها
إعطاء الذليل ولم تقر إقرار العبيد ...
ويبقى الحسين عليه السلام الإمام الكبير كما أهل البيت عليهم السلام
الأئمة الكبار في الإسلام كله ونحن نتطلع لأن نكون المسلمين الكبار بهم
ومعهم وفي رحابهم الطاهر الكبير.
الهوامش:
(1)في الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام:"نحن آل الله وورثة
رسوله" البحار 44 ص184 ح11
(2) كتاب أهل البيت في القرآن للمرجع الكبير آية الله العظمى السيد
صادق الحسيني الشيرازي(دام ظله الوارف) ص14 حديث عن خلق آدم عليه
السلام.
تم بعون الله تعالى ليلة 02 شعبان 1427ه
(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري
islamo04@hotmail.com |