الطغيان السياسي وجذور الاستبداد

وتطلب لغة الحوار في المفهوم المؤسساتي الانساني

المهندس ياسر جاسم قاسم

 يقول جون لوك (( ليس للطغيان صورة واحدة .. فمتى استغلت السلطة لإرهاق الشعب وإفقاره تحولت الى طغيان أياً كانت صورته))،  فالطغيان هو صورة يتقمصها الطغاة ويستمدوها  من ورود الاستبداد في المجتمعات وبالتالي يكون للاستبداد الدور الأكبر لممارسة الطغاة طغيانهم على المجتمعات حيث يوفر البيئة الكاملة للطغاة لطغيانهم و في ذلك يقول افلاطون في (الجمهورية الفاضلة)، (من يقتل الناس ظلماً وعدواناً ويلغ بلسان وفم دنسين بدماء أهله ويشردهم ويقتلهم فمن المحتم أن ينتهي به الأمر الى أن يصبح طاغية ويتحول الى ذئب)).

 ومن هنا ينطلق أفلاطون من تجربته المباشرة مع الطغاة وذلك لأن شخصية ديونسيوس كانت شهيرة وبارزة في عالم أفلاطون من ناحية ولاية هذه الشخصية ومن ناحية أخرى هي التي أثرت في تكوين آراء الفلاسفة عن الطغيان خلال القرن الرابع قبل الميلاد:

ومن هنا لم يكن أفلاطون صاحب أول نظرية فلسفية حول الطغيان السياسي فحسب بل كان كذلك أول فيلسوف يلتقي بالطاغية وجهاً لوجه ويخبره بنفسه خبرة عملية قبل أن يضع فيه نظريته الفلسفية كما أنه خبر عن طغيان العامة أو ما يسميه هو بالنظام الديمقراطي ونسميه نحن الآن بالفوضوية أو الديماجوجية وليس الديمقراطية الحقة فالديمقراطية اليونانية التي عاصرها أفلاطون هي التي حكمت على استاذه سقراط بالموت عام 399 ق.م فهو من هذه الزاوية أيضاً يتحدث عن نوعين من الطغيان السياسي خبرهما بنفسه ولهذا فإننا نستطيع أن نتحدث عن خبرته عنهما ....

ويقول ديورانت عن هذا الطاغية (( إنه كان رجلاً واسع الثقافة وكان شاعراً والسؤال لماذا أرسل هذا الطاغية على الفيلسوف أفلاطون والإجابة على الأرجح أن الطغاة كانوا على مدار التاريخ يفاخرون بوجود الفلاسفة والعلماء والشعراء والادباء في بلاطهم ذلك لأن الطغاة يعرفون بصفة عامة أنهم لن ينالوا الشهرة إلا على يد هؤلاء. إن أسوء النظم جميعاً وأشدها فساداً ألا وهو الطغيان فكيف صنف أفلاطون هذه النظم؟ يرى أفلاطون إن النظم السياسية كلها يمكن أن تختصر في خمسة أشكال أساسية هي على النحو التالي:-

1- النظام الارستقراطي : Aristocracy   وهو أفضل أنواع الحكم لدى أفلاطون وهو حكم القلة الفاضلة ويتجة نحو الخير مباشرة ومن ثم فهو نظام الحكم الصادق.

2- الحكم التيموقراطي  Tymocracy :-,   وهو الحكم الذي يسوده طابع الطموح من محبي الشرف أو الطامحين الى المجد الذين تكون وجهتهم السمو والتفوق والغلبة..

3- الحكم الاوليجاري: Oligarchy :- وهو حكومة القلة الغنية حيث يكون للثروة مكانة رفيعة.

4- الديموقراطية: Democracy  التي هي حكم الشعب حيث تقدر الحرية تقديراً عالياً .

5- حكومة الطغيان : Tyranny: وهي حكومة الفرد الظالم أو الحكم الجائر  حيث يسود الظلم الكامل بغير خجل أو حياء وهذا الترتيب الذي نذكره لدى أفلاطون إنما هو ترتيب تاريخي وما نزال نعيش كيفياته في الواقع المعاصر وبين أنظمة الحكم المتماثلة أهتم أفلاطون بدراسة هذه النظم التي سادت عصره ووجدها تنهار الواحدة بعد الأخرى فحاول أن يضع نظاماً لتعاقبها كيف ينتقل الواحد منها الى الآخر ويذكر في هذا المجال إنه حتى الديمقراطية تدمر نفسها بنفسها عندما تصل الى حدها الأقصى فتنقلب الى فوضى وبدلاً من أن يحكم الشعب نفسه بنفسه نرى حكم الجماهير أو الغوغاء الذي هو بحرهائج يتعذر على سفينة الدولة السيرفية فيما يرى أفلاطون ضمن فلسفته في أنظمة الحكم في أن التطرف في الحرية يولد أفظع أنواع الطغيان ويظهر وسط هذه الفوضى من يؤيده الناس قائداً عليهم ونصيراً لهم ويضفي عليه الشعب قوة متزايدة وسلطاناً هائلاً وفي كل مرة يظهر فيها طاغية يكون هناك سبب أساسي لظهوره وأن حالات الفوضى هي المتسبب الرئيس لظهور حالات الطغيان في البلاد .. الذي يولد بدوره الطغيان السادي؟

 ألا يمكن أن تكون هناك حكومة مركزية ديمقراطية والجواب نعم يمكن ذلك ولكن بعد أن تحاط هذه الحكومة ببرلمان يحدد صلاحياتها و بنظام انتخابي لا يحتكر السلطة على شخص حاكم وبحركة ديمقراطية حقة في البلاد إن صورة الاستبداد السياسي التي ناقشناها بداية المقال وعلاقتها بالحاضر الحي علاقة مهمة جداً ولها مدياتها التاريخية وأكبر دليل على  ذلك هو أن الطغيان الشرقي المتفشي في المجتمعات العربية والمتمثل بسيادة شخص الحاكم في البلاد لهو أكبر دليل على ما نقول ومصادرته الحريات كافة وإن من يعارضه سيلقى به في التهلكة ويقتله بابشع الطرق إذن الحرية هي المطلب الاساسي والكبير للتخلص من مفاهيم الاستبداد ومن صور الحكم الطغيانية ولكن هل الحرية شيء لا حدود له؟

 ونحن هنا لسنا بصدد أن نضع رموزاً للحريات وطرق وجودها داخل المجتمع ولكن أن مبادئ الحرية الحقة إذا أردنا لها أن تنشأ داخل المجتمع علينا أن نحددها ضمن ضوابط وقوانين صارمة تحد من التجاوزات عليها وقد رأينا في بداية البحث عند التكلم حول مفاهيم الطاغية لدى أفلاطون أن الحريات التي كان يتحكم بها الطغاة في مصائر الشعوب هي التي ولدت الفوضوية الطاغية لدى الحكام والعكس صحيح أي أن استخدام الحريات المفرطة من قبل الشعوب وعدم تحديدها بالقوانين الصارمة يجعل الامة ترزح تحت حكم الطغاة بحجة ضبط القانون وتنظيمه بصورة مطلقة مما يؤدي الى تفشي الطغيان في الأمة... 

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت  29/تموز /2006 -3  /رجب/1427