بعد ان تيقنا يقينا لا يتزعزع بان القانون الدولي ومجمل قواعده التي
تنظم شؤون النزاعات والصراعات والحروب بين الدول والاطراف المتحاربة قد
اعلنت وفاته في فلسطين ( حيث الحرب الاحتلالية المستعرة ) والتي لم
يخمد اوارها منذ ما يناهز الخمسين عاما، وبصورة تبعث على الياس
والاحباط والدمار النفسي الذي يطوقنا من كل جانب، وطبعا فان ما ينطبق
على فلسطين وصراعها مع الاحتلال من اجل الحرية فانه ينطبق على كافة
اطراف الصراع العربي الاسرائيلي.
طبعا فاننا نتحدث عن قانون دولي دك المجتمع الدولي عنقه وداسه كلما
كان يتعلق الامر بالعرب وحروبهم ضد التوسع الاسرائيلي بدءا من الحرب
العربية الاولى عام 48، وانتهاءا بالحرب اللبنانية الاسرائيلية
المفتوحة التي تفطَّن العالم جميعه تقريبا بان هناك قرارا دوليا صادرا
عن مجلس الامن وعلى اللبنانيين ان يطبقوه، اي بالمحصلة على العرب ان
يعملوا على تنفيذه او الضغط على لبنان وسياسييه واحزابه بموالاته
ومعارضته ان يطبقوه وان كلفهم ذلك اهانتهم وسفك كرامتهم، والتعدي على
سيادتهم، وهنا اقصد القرار الدولي الاخير رقم 1559 ( او الشق الاخير
منه )، والمتعلق بنزع سلاح حزب الله اللبناني الذي لا زال معروفا لدى
عدد كبيرمن اللبنانيين باسم المقاومة الاسلامية، والاهم من ذلك، ان
اسرائيل بكل ما تملك من قوة تدمير عسكرية تصب الان جام غضبها وحممها
وحقدها غير المسبوق على لبنان وابنائه وبناه التحتية وقواه الاجتماعية
وكافة ما يمكن ان ينتمي الى مقدراته الانسانية، رافضة التوقف عن ذلك
الا بشروط معينة يتصدرها تطبيق القرار رقم 1559.
وهنا تكمن المهزلة الحقيقية التي فرضها المجتمع الدولي على نفسه،
ففي الوقت الذي لم تلتزم اسرائيل فيه عبر تاريخها الاحتلالي الطويل باي
قرار دولي حتى من تللك القرارات التي تحمل طابعا انسانيا بحتا، عوضا عن
القرارات السياسية المحقة وذيولها والتي كانت تصدر في اعقاب كل عدوان
اسرائيلي جديد، ومن ضمنها طبعا ما تعلق بالاحتلال الاسرائيلي للبنان
الذي امتد لحوالي اثنين وعشرين عاما، فان اسرائيل الان تأخذ على عاتقها
وبصمت او بدعم من المجتمع الدولي تطبيق القرار الدولي الخاص بالقوة
العسكرية الضاغطة على المدنيين، ان افترضنا اصلا ان القرار الدولي محق
منذ البداية، مع السؤال الذي يطرح باستمرار، لماذا لا تبادر الدول
الكبرى والامينة على القانون الدولي منذ الخمسين عاما بالزام اسرائيل
بتنفيذ القرارات الصادرة بحقها؟ حتى يصبح لدى اللبنانيين الدافع الكامل
والمحفز الكبير لاجبار حزب صغير كحزب الله على تنفيذ التزاماته الدولية
من القرار 1559، ولماذا ايضا لا تتنادى منظمات الامم المتحدة الى تاكيد
الزامية الدول المتحاربة في تطبيق قواعد القانون الدولي الانساني على
المناطق التي تشملها العمليات الحربية؟؟، هذا طبعا مع عدم تسليمي بان
هناك اطرافا متحاربة، حيث اننا امام عدوان استفزازي لا يضرب الا كل ما
هو محرم وممنوع في القانون الدولي، فلو قلنا ان القانون الدولي يحرم
ضرب المدنيين، تحت طائلة تجريم القائمين بذلك واعتبار الاعمال الحربية
الماسة بالمدنيين كجرائم حرب، فان اسرائيل ضربت المدنيين (المدنيين
فقط)، ولعل الصور التي تبثها شاشات التلفزة بشكل لحظي على مدار الساعة
تبين الوحشية والاجرامية التي يتعرض لها المدنيون في لبنان، واذا قلنا
ان القانون الدولي قد حرم تهجير السكان من بيوتهم فان اسرائيل تفعل ذلك
بكل صلف وبكل تحد، هادرة بذلك دم القانون الدولي، بل ومصرَّة على تهجير
السكان وقتلهم في طريق نزوحهم، مانعة بذلك بقاءهم في بيوتهم أو نزوحهم
عنها الا الى القبور.
وان قلنا ان ذات القانون يحرم تدمير البنى التحتية التي تخص
المدنيين، فليقولوا لنا ماذا بقي في لبنان لم يدمر حتى الان من جسور
ومبان سكنية وطرقات ومحطات كهرباء ومياه، وغيرها من المنشات الاساسية
التي لا تصلح حياة السكان الا بها؟؟، فلو قلنا ان ما فعله الاسرائيليون
بعيد عن عيون الكاميرات وبالتالي بعيد عن العيون الدولية فاننا نصبح
امام بعض التبريرات، اما ان تخرج علينا بعض الدول وعلى راسها الولايات
المتحدة الامريكية لتقول: من واجب اسرائيل الدفاع عن نفسها، فان هذا
بحد ذاته قتل للقانون الدولي الذي لا يمكن رعايته والحرص على تطبيقه
الا اذا كان ضد فريق عربي، مفروض عليه ان يطبقه بحذافيره وبلا ابطاء.
الا يعلمون ان كل ما يجري الان يفاقم من كراهية الشعوب لهم
ولسياساتهم، ويفاقم في النفوس العربية كراهية ما يعرف بالمجتمع الدولي؟
الا يشعرون ان اصرارهم على دعم اسرائيل بشكل غير محق وهي الدولة
المحتلة والمتفوقة عسكريا سيدفع بالشعوب العربية الى مزيد من التطرف في
محاكاة الدول الداعمة لاسرائيل، ونفي الديمقراطية وحقوق الانسان من
القاموس العربي كما اشار رئيس الوزراء التركي.
لا شك ان اسرائيل ومن ورائها "حماة القانون الدولي"!! قد قرروا هذه
المرة ان يطلقوا الرصاصة الاخيرة، او يدقوا المسمار الاخير في نعش
القانون الدولي بكافة فروعه وقواعده المنتهكة من قبل اسرائيل فقط، طبعا
هذا بعد ان حرصوا دائما على صناعة هذا النعش ودأبوا على تجهيز الرصاصة
الاخيرة لاصابة القانون الدولي وهيبته في مقتل من خلال ما مارسوه ازاء
القضية الفلسطينية التي سحقوا معظم معالمها باسم القانون الدولي الذي
يدخل في الغيبوبة كلما كان الامر يتعلق بخرق اسرائيلي، او مجزرة جديدة
لا يتحمل مسؤوليتها في الغالب الا العرب، او يشترك الضحايا العرب،
والاسرائيليون المعتدون بالمسؤولية على استحياء، مع افضلية دائمة
للمعتدي.
تتكرر هذه الصورة بكل جلاء وبدون اي اجتهادات او تحليلات مع ما يحصل
في لبنان هذه الايام، فآلة الحرب الاسرائيلية تمزق اجساد الاطفال،
وتنتهك سيادة الدولة، وتقتل الامل في لبنانٍ ٍفتي ذو مستقبل واعد،
وتأتي اسرائيل لتضع شروط سحب السلاح من الاطراف المدافعة، وهنا اذكر،
وسواء اعجب هذا القول البعض ام اغضبهم، ان حزب الله يعتبر في نظر معظم
اللبنانيين، وفي نظر معظم العرب حزبا مقاوما ومدافعا عن ارضه وابناء
بلده، في ظل عدوان غاشم لا يرحم، حتى لو اراد الكثيرون اخفاء هذه
الحقيقة، وبالتالي فانه من الواضح انه يتمتع بشرعية شعبية قوية جدا،
وبشرعية دولية مبدأية وان تهتكت استارها، او كما قلت سابقا بشرعية ماتت
الروح فيها، ولا مكان لها الا في قاموس اذلال الضعفاء.
اقول ذلك، والقول هنا حق وواجب، على كل الذين يعتقدون بان لعبة
القانون الدولي تحولت الى حيلة خداعية لا تنطلي الا على البلهاء ولا
تفرض الا على الضعفاء، بان الضعيف لا يمكن ان يبقى ضعيفا، ولا يمكن ان
تعاد الروح الى القانون الدولي وملحقاته الا اذا طبق بعدل وتوازن على
كافة اطراف الصراع، لا فرق في ذلك بين قوي وضعيف، وبين اسرائيل وغيرها
من الاطراف.
باعتقادي ان اصرار الدول الكبرى، وخصوصا تلك التي تمتلك المقاعد
الدائمة في مجلس الامن الدولي، على وزن القانون الدولي بمكيالين سيعجل
من الاعلان عن وفاة هذا القانون، مع التذكير بان وجود بعض الدول
الداعية والمطالبة بتطبيق هذا القانون على بعض مناطق الصراع في العالم
سينتهي في مستقبل قريب، قريب جدا، ذلك ان الايمان بوفاة هذا القانون
حوَّل الكثيرين حول هذا العالم لانتظار الاعلان عن استخراج شهادة
الوفاة التي تؤكد وبشكل قاطع خروج الروح من الجسد الذي لا زال يدَّعى
حتى الان بانه على قيد الحياة.
توفي القانون الدولي في لبنان، في وقت توفي فيه اطفال لبنان ومن
قبلهم اطفال فلسطين باسم هذا القانون، ومات الامل في عدالة هذا القانون
في ذلك اليوم الذي فقد فيه الكثيرون من الضعفاء طعم العدالة والثقة
فيه. بالمناسبة فان العرب باتوا يدركون، على الاقل على مستوى مثقفيهم
ومؤسساتهم الشعبية بان الهزائم العربية والانتصارات الاسرائيلية كانت
دائما موسومة بقرارات من القانون الدولي الذي طالما دأب العرب على
الالتزام به بكل حذافيره، وطالما دأب الاسرائيليون أيضا بتجاهله بكل
حذافيره، يعني كانت كل القرارات الدولية بوقف اطلاق النار بين اسرائيل
والدول العربية عبارة عن قرارات داعمة للموقف الاسرائيلي في التقاط
انفاسه واعادة ترتيب صفوفه ورفع قدراته العسكرية، مع التذكير ان الخرق
والتجاهل الكامل والمتواصل لم يكن الا من جانب اسرائيل، مع الاشارة الى
ان الاطراف العربية هي التي تطالب دائما بتطبيق هذا القانون وبالاصرار
على تطبيقه، في ظل نكران اسرائيلي له بكامل تفصيلاته، باستثناء بعض
القرارات التي تتعلق بهضم الحقوق العربية وتقوية مصالح اسرائيل
الاستراتيجية كما يحصل في القرار الدولي رقم 1559، والذي تضعه اسرائيل
شرطا لوقف اطلاق النار في عدوانها الواسع على شعب لبنان.
اعتقد انه سيكون هناك موقف قوي من حزب الله هذه المرة في القفز عن
تطبيق هذا القرار، اسوة بالقفزات الاسرائيلية عن تطبيق القرارات
السابقة. هذا ما سيؤكد على قيام طرف عربي ( حزب الله ) بالاعلان من
جانبه ايضا عن وفاة القانون الدولي بعدم رضوخه لتطبيق القرار المذكور،
وبالتالي فاننا نصبح امام اعلان وفاة مشتركة للقانون الدولي مدفوعا
بالاعلان الاسرائيلي السابق والمتكرر لذلك. ولا ندري ان كان سيدخل طرف
جديد للمشاركة في اعلان الوفاة ولو بعد حين. |