موقف المالكي من ضغوطات السفير والدعوات لقيام حكومة انقاذ وطني

عبدالامير علي الهماشي

 لاشك أن المالكي يمتلك  من السعة الفكرية والحركية والرؤية الواضحة للوضع العراقي وما يتعلق بحكومته ومسارها اليومي وقدرة تحليلة للتصريحات والمواقف  المتعلقة بالعراق وحكومته إضافة لجرأة وقوة في شخصيته تجعله قادرا على اتخاذ القرارات الصائبة بحكمة وموضوعية....

مازال السفير الامريكي يواصل تصريحاته وطرح رؤاه عن العراق من خلال تصريحاته شبه اليومية للصحافة أو في زيارته الاخيرة للولايات المتحدة ولقائه بالمؤسسات أو المنظمات الامريكية التي لها الثقل في مسار السياسة الامريكية والتي تؤهل الرجال لاستلام المناصب الحيوية في الولايات المتحدة الامريكية.

يحاول السفير الامريكي طرح نفسه على أنه صاحب الحلول السحرية بعد أن تم اختياره من قبل الادارة الامريكية وهو القريب من اصحاب القرار الامريكي بعلاقة متميزة سواءا الدفاع أو الخارجية والبيت الابيض وهذا ما لم يتوفر لسابقيه  ممن استلموا الملف العراقي منذ جون غارنر حتى نغروبونتي مرورا ببريمر الى ان استقر رأي الادارة على اختياره لخلفيته الشرقية ولمميزات شخصية يُعتقد  أنه يمتلكها.

ولابد من القول أن السفير الامريكي قد نجح في الشوط الاول من رؤيته وخطته حيث استطاع ان يؤهل من يريد تأهيله من  الرجال للمشاركة في العملية السياسية ويزيح من أراد إزاحته 

واستطاع  تحجيم نتائج الانتخابات من خلال تقليص الفرز للنتائج او من خلال اعتماد صيغة حكومة الوحدة الوطنية التي الغت النتائج الانتخابية أو حدَََّت منها وتم تقسيم المناصب الحكومية على طريقة لاغالب ولا مغلوب كل القوائم فائزة بالانتخابات وكأننا في دورة ودية يتم فيها توزيع الجوائز على المشاركين بالتساوي بغض النظر عن النتائج.

يحاول السفير الامريكي أن يكون المنقذ للولايات المتحدة الامريكية في العراق أو اللاعب الناجح الذي استطاع أن يطبق سياسة الولايات المتحدة وينجح ستراتيجيتها في المرحلة الراهنة في العراق والشرق الاوسط وانه سيزيل كل العراقييل الني تقف في وجه المشروع الامريكي ولذلك تنصب تصريحاته وتلميحاته في هذا المجال.

فهو يمهل الحكومة ستة أشهر كحد أقصى وفي موقف آخر يشير الى تحسن الوضع في العراق بمرور الزمن.

ويمكننا أن نقرأ تصريحات السفير الامريكي في ضوء الضغط على حكومة المالكي لتنفيذ ما تعهدت به من حل المليشيات وأهمها (جيش المهدي)حيث أصبح هذا الجيش وكأنه العدو الاول للديمقراطية في العراق وهو الذي يعطل سير الحكومة..

وتأتي التسريبات الصحفية بشأن توجيه ضربة الى جيش المهدي ومنظمة بدر بجانب تصريحات القيادة العسكرية الامريكية من أن المليشيا المتطرفة الشيعية تشارك القاعدة في التوتر الطائفي للعراق وهذا ما كان ضمن أجندة ومفاوضات وزير الدفاع الامريكي مع الحكومة العراقية كحالة من الضغط المباشر وغير المباشر للتسريع بحل هذه المليشيا وفي غضون أشهر والا ستكون الحكومة العراقية بموقف لاتُحسد عليه إذا تأزمت الامور عسكريا أي ان هذه التصريحات والتلميحات هي كإنذار أولي قد يسبقه تصعيد عسكري من قبل الولايات المتحدة ضد هذه المليشيات.

وهناك تساؤلات محيرة للشارع العرقي هي:

اولا :هل يتم التغاضي استخباريا عن العمليات التي تستهدف العراقيين ؟

ثانيا:هل يتم تحضير هذه العمليات في مقرات تابعة للامريكان.؟ وماعلاقة فرقة (العقارب) التي أنشأتها_ السي آي أيه _قبل غزو العراق بما يجري وجرى من عمليات اغتيال للعراقيين؟وهل هي ضمن فرق الموت التي أنشأها السفير السابق( نغروبونتي) وأقر عملها في العراق؟

وتتناقل المصادر الصحفية والتقارير الاعلامية تسميات مختلفة لمجموعات تشرف عليها الولايات المتحدة لها مهمات خاصة وهي تحت اشراف وكالة الاستخبارات الامريكية تتهمها بالاغتيالات وعمليات قذرة تقوم بها بحماية القوات الامريكية وهناك تقرير نشرته الواشنطن بوست في 11 ديسمبر عن خطط الولايات المتحدة بتعاملها مع مجموعة الزرقاوي أو غيره حيث قال التقرير:(سوف نعطي _أبو مصعب_الزرقاوي وعصابته الصغيرة من المقاتلين الاجانب الفرصة ليدّعو الانتصار وليعلنوا أنهم هزموا بنجاح قوة عظمى ،وهذا سوف يقوي قبضة القاعدة في الشرق الاوسط وفي كل مكان وسيقود الى عدم إستقرار أكبر في كل مكان من المنطقة) وهو ما يبرر بقاءها واستمرار التوتر في العراق ولاننسى تصريحات الرئيس بوش (العراق ساحة الحرب بين الارهاب والولايات المتحدة) وهذه الاسئلة والتقارير تقلق العراقيين كثيرا وترسم مستقبلا اسودا  للبلد.

والملاحظ ان السفير الامريكي بالرغم من طرح نفسه على أنه الشخصية القادرة على التعامل مع الوضع العراقي   إلا أن المؤشرات اليومية لاتبشر بمستقبل جيد لهذا السفير في علاقته مع الشعب العراقي وكثيرا مايُشار الى انه السبب لكثير من الازمات بين الكتل السياسية من خلال إشارته لهذه الكتلة وتلميحاته للكتلة الاخرى في عملية شد وجذب للفرقاء السياسيين ومازالت هذه طريقته حتى هذه الساعة وما تصريحاته إلا دليلا على مايقوم به والتي وجدت صدى عند الطامحين للقفز  الى الصدارة بأي ثمن كان.

أما فيما يتعلق بدعاة حكومة انقاذ وطني فإن هؤلاء المتربصين ليس همهم الا القفز الى مواقع المسؤولية بعد أن رفضتهم الجماهير العراقية ولكنهم يتصيدون بالماء العكر مستغلين عدم جدية الولايات المتحدة حتى هذه اللحظة باستقرار العراق لعدم اقرار مشروع قانون يحدد بقاء القوات الامريكية الى أمد غير محدود في هذا البلد.

حيث أصبح وجود الولايات المتحدة في العراق خيارا استراتيجيا أمريكيا لايمكن لاللديمقراطيين ولالمن يأتي بعد هذه الادارة أن يتخلى عن هذا الوجود الذي خُطط له على مدى عقود من الزمن.

وتصطدم دعوات حكومة الانقاذ الوطني اولا بالدستور وهي لايمكن لها ان تقفز عليه إلا بتعطيله وهو ما يشبه الانقلاب العسكري الذي لايمكن أن يكون في حسابات الولايات المتحدة في هذه الفترة على الاقل وهي التي تريد تقديم العراق كمثال للديمقراطية في الشرق الاوسط.

وثانيا لايمكن لهذا الامر أن يقوم حيث أن حكومة انقاذ وطني تعني مشاركة جميع القوى السياسية وهي اليوم مشاركة جميعها.

وثالثا: إن اعلان حكومة انقاذ يعني عودة الامور الى ماقبل الحكومة المؤقتة وهو مايمثل انتكاسة حقيقة للادارة الامريكية التي تتفاخر باقامة انتخابات تعتبر نموذجا للشرق الاوسط.

ونفهم من هذه الدعوات ان هناك ولاءا خاصا لاصحاب هذه الدعوات في قوات الجيش والشرطة في وزارتي الدفاع والداخلية تكون أكثر حزما في التعاطي مع الملف الامني إذا ما استلم هؤلاء المناصب الرئاسية في العراق.

و تأتي هذه الدعوات في إطار الحرب السياسية التي تزيد من الضغط على حكومة المالكي من قبل الولايات المتحدة الامريكية حيث أن أصحاب هذه الدعوات هم الاقرب للسفارة الامريكية والمترددين على واشنطن ولندن بصورة دورية اضافة الى بعض العواصم العربية التي تعتبر عرابة لهذه الشخصيات.

واما مبررات هذه الدعوات التي تتخذ من فشل المصالحة الوطنية وازدياد الهجمات الارهابية كمبرر لها.

فإن المصالحة كمشروع مازالت في مراحلها الاولى وان ازدياد هذه الهجمات تقع المسؤولية فيه على جميع القوى السياسية وبدلا من دعوات لحكومة انقاذ وطني لتكن هناك دعوات لدعم وطني للحكومة كاظهار لحسن نية السياسين ولايمكن للمواطن الا أن يفهم من هذه الدعوات الا تحريضا على الحكومة الحالية ،التي مازالت في خطواتها الاولى ،وهي بحاجة الى أشهر أو سنة لكي تنسجم فيما بينها فبالامس كانت الاطراف المشاركة تتصارع تفاوضيا واليوم وجدت نفسها في غير ذلك الوضع ،واسقاط الحكومة يعني اسقاط الجميع وليس رئيس الوزراء وحده ، فهي حكومة تشاركية غير مركزية _ان جاز التعبير _بذلك.

موقف المالكي

كما بدأت مقالي برؤيتي للمالكي الذي يستطيع أن يحلل التصريحات صغيرها وكبيرها بخبرة تمتد الى اكثر من عقدين من الزمن ومنه يمكن فعل مايستطيع فعله ضمن الامكانيات المتوفرة له، وقد تبدو فرصة رئيس الوزراء مواتية في زيارته الى لندن وواشنطن المقبلة للحد من هذه الضغوط التي يحاول السفير وغيره من الخصوم السياسين من خلال ابراز نقاط الضعف في الرؤيا التي يتبناها خليل زلماي زاد وتعامله مع الحكومة الجديدة إضافة الى  تأييده بصورة مطلقة لتحقيق مشروعه الذي باركه الرئيس بوش.

كما يمكن للمالكي نقل الكرة الى ملعب الامريكان والبريطانيين بالمطالبة بالايفاء بالتزامات الدولتين التي تعهدتا بها وآخرها تعهدات ووعود بوش للعراقيين بعد عودته من العراق وكلما أسرع الامريكان بالايفاء بالتعهدات يكون رد الفعل من الحكومةايجابيا في عملية تناسب طردي للمواقف والافعال....

ويبدو ان رئيس الوزراء قد أطلق اُولى بالونات الاختبار بالتحدث عن وضع منظمة (مجاهدي خلق الايرانية) في العراق وتدخلها بالشأن الداخلي للعراق والتي تحضى بوضع الحماية من قبل القوات الامريكية بالرغم من تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل الخارجية الامريكية.

ويمكن للمالكي مطالبة الولايات المتحدة بتسليم المخابرات العراقية وضمها الى حكومته أو حلها وتأسيس مخابرات جديدة تابعة للحكومة العراقية.

وتعتبر ميليشيا مسلحة كغيرها من المليشيات حيث يبلغ قوامها الالاف تضم ضباطامن أجهزة  المخابرات السابقة الذين بقوا في خدمة النظام حتى سقوطه وكذلك بعض الضباط من الذين تركوا العراق قبل سنوات قليلة من سقوط النظام.

وان هذا المطلب مشروع لعدم تداخل الصلاحيات بين الاجهزة العراقية التابعة للعراق والاجهزة التابعة للسفارة.

حيث لايمكن ان تكون حكومة قوية أمنيا من دون جهاز مخابرات يعمل تحت إمرتها، كما يمكن للمالكي الاسراع في تفعيل دور الداخلية والدفاع بقوة يفرضها على الواقع مع تطهير هذه الاجهزة من أصحاب المشاريع الفاسدة والاستمرار في مشروعه مشروع المصالحة الوطنية.

بمثل هذه الامور وغيرها مما يمتلكها رئيس الوزراء يستطيع انتزاع المبادرة والمضي في طريق العراق الجديد بخطوات واضحة وثابتة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 24/تموز /2006 -26  /جمادي الاخرى/1427