الشعر كتعبير ادبي في منظور الشاعر الشهيد السيد حسن الشيرازي

 منتصر محمد

 

في عمله الادبي النقدي المتميز والموسوم بـ (العمل الأدبي) يقدم لنا المفكر الاسلامي والشاعر الشهيد الامام السيد حسن الشيرازي عصارة أفكاره التي تتعلق برؤيته الثاقبة والمتفردة لتشكيل العمل الابداعي والعناصر الفنية والفكرية والروحية التي تدخل في صميم تشكيل هذا العمل.

وقد آثرنا اختيار رؤية الشاعر لأهم أدات من ادوات تكوين العمل الادبي من بين كم مفاهيمي كبير يحفل به هذا الكتاب ألا وهو (الشعر)، وهذا الاختيار استند اولا الى كون السيد حسن الشيرازي خلّف لنا ارثا شعريا متميزا في قوته وجزالته وتدفقه الشعوري الكبير الذي يرتكز على صدق فني تميزت به عموم القصائد التي كتبها الشاعر، وثانيا يقدم لنا المؤلف في كتابه هذا رؤية نقدية تكاد تنحصر في شخصه أي في تفسيره الخاص للاعمال الادبية ومنها العمل الشعري، اذ يرى الشاعر السيد حسن الشيرازي ان (الشعر) يعدّ من أقوى فنون العمل الادبي وأقدمها ايضا.

ولأن الشعر هو اول الفنون التعبيرية التي انجبتها البشرية، كما يظن الشاعر السيد حسن الشيرازي ومعه كثيرون، قبل ان تتهيأ مدارك الانسان لصياغة النثر الفني، لذلك فضلنا البحث في هذا الجانب الذي اورده شاعرنا في كتابه القيم (العمل الادبي)، ومع اننا نتفق على ان الشعر يخضع للوزن والقافية (باستثناء قصيدة النثر والشعر الحر) ويتساوى في هذا الامر الشعر العربي والاوربي الذي يخضع بدوره للايقاع والقافية، مع ذلك هنالك (المميزات الشعورية) ومن أهم عناصرها (الروح الشعرية) التي لو اختلجت في النثر لأحالته شعرا كما يقول شاعرنا السيد حسن الشيرازي.

ثم يتساءل شاعرنا ويقول (ما هي الروح الشعرية)؟

ان هذا التساؤل يقود الى سلسلة من التساؤلات حول الحالة الشعورية التي تتلبس الكائن الانساني من حين الى آخر وتحت مؤثرات شتى، لذلك يؤكد مؤلف كتاب موضعنا هذا، ان الانسان ينطوي على طاقة شعورية كبيرة تمكن في اعماقه وهي قابلة للاستثارة تحت مؤثرات فعلية او مرئية او فكرية او غيرها كرد فعل قد يختلف من انسان الى آخر، لكن الفرد الذي يتحصّل على طاقة شعورية أكبر من غيره هو المرشح الاقرب الى خلق المنجز الشعري من غيره، اذ يقول الشاعر الشهيد في هذا الصدد، ان الطاقة الشعورية عبء كبير على الانسان وعندما يتعرض لها تحت شتى الاسباب فانه حتما سيبحث عن سبل ووسائل للتخلص منها، وما الشعر او كتابته سوى احد هذه الوسائل التي يلجأ اليها الانسان لكي يتخلص من الطاقة الشعورية التي تلبست روحه وداهمت كيانه،

 ويؤكد السيد حسن الشيرازي في كتابه هذا وفي هذا الموضوع تحديدا، ان الطاقة الشعورية المتوهجة هي بمثابة( الروح الشعرية) التي كلما كانت أقرب الى التلهّب والاشراق، يأتي الشعر أقوى وأكثر جودة.

ويورد شاعرنا مثالا حول كلامه سالف الذكر فيقول:

(ألم تر ان الانسان اذا استشاط غضبا، لا يجد في الألفاظ قدرة التعبير عن انفعاله، فيستعين بالحركات الجسدية لاستكمال التعبير، فيرفع صوته، ويقبض اساريره، ويحرك يديه، ويتحرك ويرتعش). ثم يؤكد ان الانسان اذا فاضت (التجربة الشعورية) في نفسه فانه يتوسل بكافة العناصر المعبرة للتخلص منها.

ويعرّج شاعرنا على بعض الامثلة الشعرية لعدد من الشعراء المعروفين بابداعهم الشعري ليميز لنا بين الشاعر الذي تدفعه طاقته الشعرية الى التألق والنجاح من خلال سعة الافق وانفتاح الخيال والآفاق امام تجربته في كتابة الشعر وبين شاعر تتمحور تجربته حول ذاته، أي تنغلق في حدود شخصه وتسد أمامه آفاق التوسع والانطلاق في رحبة الخيال الخلاّق.

واحيانا يقارن لنا بين تجربة الشاعر نفسه حيث ينجح في كتابة عمل شعري ويفشل في كتابة عمل آخر والسبب كما يرى شاعرنا هو الطاقة الشعورية التي ينجح او يفشل في توظيفها لصالح تجربته في الكتابة.

ويورد لنا الشاعر المؤلف لكتاب العمل الادبي مثلا عن طاغور الذي يقول في احدى قصائده:

(لماذا انطفأ المصباح؟ )

(لقد سترته بعباءتي، لأحميه من الريح، لهذا انطفأ المصباح)

(لماذا ذبلت الزهرة؟)

(لقد ضممتها الى صدري، في لهفة المحب، لهذا ذبلت الزهرة)

(لماذا جف الجدول؟)

(لقد بنيت خزانا عبر الجدول، لأستفيد منه وحدي، لهذا جف الجدول).

 

في هذه الصور الشعرية هناك مشاهد جزئية ما يقول الشاعر الشهيد الشيرازي، ولكن ما هو الشعور العام الذي يغمرنا، انه الشعور بالسماحة المطلقة.

وهكذا استطاع طاغور ان يوظف انفعالاته وطاقته الشعورية الى منجز شعري متميز.

بهذه الرؤية المتميزة يعالج الشاعر الشهيد السيد حسن الشيرازي الطاقة الشعورية ويفسر ويؤشر في الوقت نفسه دور هذه الطاقة في النجاح والتميز بتحويل هذه الطاقة الى نص شعري متميز، وهكذا نصل معا من خلال ما تقدم من الكلام الى رؤية لا يشوبها الغموض بل يقودها الوضوح التام في تأشير اهدافها المتمثلة بتفسير الشاعر في كتابه الادبي هذا لحالات شعورية تقف وراء المنجز الشعري الانساني برمته.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 20/تموز /2006 -22  /جمادي الاخرى/1427