بن لادن يدق المسمار الاخير في نعش القاعدة

أو هزيمة بن لادن

صلاح التكمه جي

(الجبهة العالمية لمحاربة اليهود والنصارى) بهذا العنوان الكبير أنطلقت القاعدة بزعامة اميرها بن لادن في محاربة نظام القطب العالمي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، نزلت القاعدة الى ساحة المعركة وقادتها الميدانيين يتحكمون بخيوط مفاتيحها الرئيسية و المهمة، تمكنت القاعدة بأمارة بن لادن في توجيه ضربات قوية لخصمها العتيد الامريكي وذلك بفضل أمتلاكها في بادئ الامر لثلاث عوامل رئيسة جعل نصرها مؤذيا لغريمها بمعنى الكلمة، والتي هي:

1-    المفتاح الاول: (سيطرة بن لادن على استراتيجية وعقيدة الحرب) وذلك حين  تمكن من تجنيد شريحة كبيرة من المسلمين عندما جعل أستراتيجيته في محاربة غريمه في حربه والمتجسدة كما يحلو له في تسميته (بالعالم الصليبي )، او (العالم الغربي) أو كما هو أطلق عليه عنوانه الكبير (في محاربة الكفر والمشركين وتطهير أرض المسلمين منهم ). وبتلك الاستراتيجية تمكن من توجيه غضب المسلمين الى هدف خارجي لا يوجد عليه جدل واسع  فكري ومذهبي بين اقرانه من حملة الفكر المتطرف وبذلك اصبحت الساحة الاسلامية بعضها موالية له بشكل أعمى وجزء اخر ساكت عنه مادام شره لا يمسه بل يمس هدفا خارجيا بعيد عنه.

2- المفتاح  الثاني: (المناورة): تمكن بن لادن من فرض سيطرته في بادئ الامر على مساحة  واسعة من ساحة المعركة العالمية والتي يشكل العالم الاسلامي جزءا كبيرا منها،وبفضل المفتاح الاول تحرك بيسر من دون اعداء داخليين وطابور خامس يشلون قدرة المناورة لديه، وبالفعل أستطاع من توجيه ضربات عديدة في اماكن مختلفة سواء في افريقيا او اسيا وتوج قدرته على مناروة بضرب قلب القطب العالمي في منهاتن (نيويورك).

3- المفتاح الثالث (عنصر المباغتة): تمكن بن لادن بهذا المفتاح ان يوجه ضربات مختلفة، بالزمان الذي هو يحدده وبالوقت الذي يشخصه قادة القاعدة الميدانيين،بامتلاك بن لادن لهذا المفتاح توج نصره بشكل كامل وجعل من غريمه الامريكي مشلولا في بادئ الامر رغم أمتلاكه لأقوى مخابرات عالمية بفضل ماتمتلكه من خبرات وتقنيات كونية وارضية.

بتلك المفاتيح الثلاثة استطاع بن لادن ومساعديه من الظواهري وغيره من توجيه ضربات مؤذية للأدارة الامريكية وذلك بفترات متفاوته ومناطق مختلفة ومن خلال قنابل بشرية محشوة بالتعصب والتطرف العقائدي باسم( محاربة النظام العالمي الكافر) وبالفعل تمكنت القنابل البشرية الانتحارية من القيام بصولات عديدة شلت القدرة الامريكية الضخمة وتوجت أنتصارتها في (غزوة منهاتن) عندما وجهت ضربة محكمة لقلب النظام العالمي، جعلت من غريمه الامريكي فاقدا لتوازنه متأرجحا في بادئ الامر ولكن لم تكن القاضية لتخرجه من حلبة الصراع بشكل نهائي.

عملية 11 سبتمبر كانت ضربة بالصميم من رجال بن لادن على رأس الادارة الامريكية مما جعلها في ذهول من أعلى رأس في البيت الابيض الى اصغر فرد في المجتمع الامريكي، كان مشهدا لا يصدق، قسم الانسانية الى شطرين لا ثالث لهما فاما أن تكون بعد تلك الضربة في محور الخير الذي تقوده الولايات المتحدة او الى محور الشر الذي يتزعمه بن لادن ورموز القاعدة، ليس بين هذين المحورين،خطا للأعراف يتمكنون فيه من الوقوف على التل كمتفرجين دون ان تمسهم شرارة حرب اشعلتها نار الحقد والكراهية المتأججة في نفوس وعقول قادة وانصار القاعدة.

لم يدم الامر طويلا حتى أنتفض النسر الامريكي من قمقمه ليقتنص غريمه القابع في جحور تور بورا، أنتفض المارد الامريكي من سباته ليطارد بن لادن ويجرده من مفاتيح النصر الثلاثة (العقيدة واستراتيجية الحرب، والمناورة، والمباغتة) التي غلبه بها.

أبتدأ رجال المارينز برأس هرم القاعدة (بن لادن) بتجريده من موطئ القدم (أفغانستان) الذي كان يخطط ويوجه منها خلاياه النائمة من على بعد، بحرية وطمأنينة، وبين ليلة وضحاها تحول بن لادن من مطارد للاخرين الى طريد لا ديار له وضاقت عليه الارض بما رحبت، حتى كهوف وجحور تورا بور حيث لفظته هو وأميرها (الملا عمر) الى العراء وتحولوا الى صيد سهل تقتنصهم الطائرات والصواريخ الموجهه، وخسر بن لادن أول مفتاح له، فبعد أن كان هو الذي يختار ويقرر ويناور في أي بقعة ومكان يريدهما، ينازل بها غريمه الامريكي، أنقلبت المعادلة وأصبحت زمام المبادرة في المناورة بيد رجال البنتاغون وسي سي اي في أختيار المكان والبقعة المناسبة والتي بها يقررون باي شكل يتم استدراج الخلايا النائمة للقاعدة ليفجروا اجسادهم الانتحارية بها.

ومن ثم أنتقل رجال المارينز في استثمار نصرهم الاول بتجريد غريمهم من المفتاح الاخر الا وهو عنصر المباغتة الذي كان يباغتهم به بين الحين والاخر، وكان لهم كما ارادوا، فمثلما أستطاع رجال القاعدة من جعل11 سبتمبر زلزالا يهز نظام العولمة برمته، تمكن كذلك رجال البنتاغون في يوم 9 أبريل من جعله موعدا لفتح ابواب الجحيم يقذفون بها اشباح القاعدة الانتحارية.

كان نصرا كبيرا لبوش اعاد به هيبة المارد الامريكي الى وضعه الطبيعي، وكانت صفعة قوية لأبن لادن ورجاله بحرمانهم عنصري المناورة والمباغتة لكن لا زال بن لادن يمتلك عنصر عقيدة وأستراتيجية الحرب (محاربة اليهود والنصارى أو الكفر العالمي) والتي بنى عليها  استراتيجية  حربه ضد نظام العولمة، وكان يعتقد أن هذا لا يمكن لاي شخص أن يجرده منها و بأي حال من الاحوال لانه عنصر داخلي وليس خارجي حتى يتمكن غريمه بالسيطرة وتوجيه بالوجهة التي يرغب بها، كما فعلوا بعنصري المناورة والمباغتة ولكن ليس كل ما يشتهي المرء يدركه، فالمخطط الامريكي أستقرأ عدوه بعناية وتمحص عقيدة وفكر بن لادن ورجاله بتمعن، وكان لرجال البيت الابيض كما ارادوا فقد وضعوا أيديهم على الجرح القاتل وامسكوا بنقطة الضعف الكامنة في نوازع بن لادن ورجاله والتي سيكون بأمكانهم تغيير استراتييجية الحرب التي استطاع بها بن لادن أن يوجه اشباحه الانتحارية ويرسلهم الى مراكز العولمة الحساسة ليفجرون اجسادهم و يكلفون النظام العالمي خسائر لا تقدر بثمن.

نقطة ضعف لطالما حركت نوازع الحقد والكراهية في نفوس القاعدة ومفكريها الا وهي تعصبهم الطائفي  الاعمى وتكفيرهم للقريب والبعيد من أمة الاسلام.ولم يكن على المخطط الامريكي الاستراتيجي بعسير من أيجاد المكان المناسب في تفجير عقيدة رجال القاعدة بالقنبلة الطائفية، وتوجيههم بالوجهة التي يرغب بها رجال محاربة الارهاب في امريكا ومن ثم وضع استراتيجية جديدة لحرب بن لادن وهم يتحكمون بها وليس غريمهم.

ابتلع الطعم أنصار بن لادن ورجاله الاغبياء كالزرقاوي (كما وصفه فهمي هويدي في تأبينيه له)، وبالقنبلة الطائفية تمكن الاستراتيجي الامريكي من أستدراج خلايا القاعدة الانتحارية وتفجير اجسادها في الحواري والاحياء الفقيرة في مدن وقرى العراق بعد أن كانت تفجر أجسادها في ناطحات نيويوريك وبوارج أساطيل العم سام، وكانت جريمة الشعب العراقي الوحيدة أنها تدفقت كالسيل العارم وبسرعة لتنفس الحرية بعد ان حبستها عنهم سدود صدام الديكتاتوريه لعهود طويلة، وساهم الاعلام الاصفر العربي بتحويل عرس الحرية الجميل في العراق الى كابوس وجبروت ستتحطم على ابوابه امال رجال الفكر المتحجر وذلك بتبخر حلم تحقيق عودة الخلافة الاسلامية على يد أميرها المفضل بن لادن.

القنبلة الطائفية هي السلاح النووي الذي دمر به بوش عقول وأدمغة أنصار بن لادن من الزرقاويين واشباحه، وبالفعل تحولت عقيدة استراتيجية حربهم من محاربة اليهود والنصارى وطردهم من فلسطين ودول اخرى الى شعارات تكفير وأنتقام وتحذير واستئصال يتوعد بها الزرقاوي في خطاباته لكل من يتجرأ في أستننشاق طعم الحرية في العراق الجديد. واصبحت الاشباح الانتحارية همها الوحيد في كيفية تحويل الاعراس الانتخابية في العراق الى مسيرات لّلطم والنحيب، بعد أن كان همهم الوحيد تطهير أرض المسلمين من المشركين والكفرة.

وأصبح شعارات الزرقاوي التكفيرية والرافضة لعشق الحرية هي العقيدة البديلة والاستراتيجية الجديدة للأشباح الانتحارية  في حرب القاعدة بالعراق، وبذلك سحب اخر مفتاح كان يراهن عليه بن لادن في أنتصاره على غريمه بوش، ولكن مع هذا حاول بن لادن وأنصاره المقربين ان يتحاشوا جهد أمكانهم شظايا ومضاعفات القنبلة الطائفية التي أججها بغباء وحقد أعمى  فارسه المرتجل الزرقاوي، وحاول بن لادن طيلة فترة حرب الزرقاوي الطائفية في العراق أن يحافظ على جأشه ويسيطر على خطاباته ليوحي للاخرين ان مفتاح عقيدة الحرب لازال بيده ولكن هذا لم يدم طويلا فسرعان ما تحطم هذا الجاش وتلاشى كتمانه حين وجه بوش صواريخ طائراته الى صميم وقلب بن لادن في العراق وذلك بأستهداف اسده المغوار ابا مصعب الزرقاوي.

حينها فقد صوابه الرجل وأنهارت أعصاب مقربيه من الظواهري وغيرهم وسرعان ماانفك هذا الكتمان في بيانات متلاحقة وبسرعة غير متوقعة لابن لادن والظواهري، خطابات تحمل أرث فارسهم الزرقاوي وكان الخطاب الاخير لابن لادن هو نسخة مستنسخة من شعارات الزرقاوي التكفيرية والتي تحكم بالردة لكل من يشارك في العملية السياسية في العراق بغض النظر عن مذهبه وعشيرته وقوميته، لا بل زاد على الزرقاوي بتوجيه أنيابه حتى على زعماءالدول الاخرى من اليمن والاردن ومصر وغيرها.

بخطاب بن لادن الاخير أنفرجت سرائر بوش وعادة البسمة الى وجهه وأحس بنشوة نصر كبير لا يزلزها استطلاعات رأي أو صريخ غرمائه من الحزب الديمقراطي.

 نعم بوش لم يهزم بن لادن بجبروت ماكنته العسكرية وماتمتلكه من أسلحة دمار شامل وتقنية محكمة تصيب أهدافها بدقة وعناية، بل أنتصر بسلاح الكراهية والتعصب الطائفي الاعمى الكامن في نفوس وعقول رجال بن لادن.

نعم بوش لم ينتصر بما يمتلكه من قدرات أقتصادية ضخمة الموارد وسيطرة محكمة على مؤسسات العولمة انما أنتصر حين قطع شعرة معاوية بين بن لادن وبين اضداده في الجانب الاخر من البيت الاسلامي.

أن الانجاز الذي حققه رجال بوش بتغيير استراتيجية عقيدة  حرب بن لادن وجعل خطاباته تحذير ووعيد وأنتقام لابناء جلدته بسبب عشقهم للحرية وتذوقهم طعم حلاوة صندوق الاقتراع والتعددية الفكرية، بلا شك سيكون هذا الانجاز نصر للعالم المتمدن و سيكون مدينا لبوش  ورجاله عندما خلصهم من شر عقيدة حرب بن لادن وتحول هذا الشر الى أعناق الابرياء في العراق يذبح اوداجهم ويقطع أوصالهم.

نعم أنتصر بوش على بن لادن حين جرده من مفاتيح حربه الاساسية، المناورة والمباغتة وتوج انتصاره على بن لادن حين فجر حقده وتعصبه الاعمى في خطابه الاخير الذي به، اخرج بن لادن المسمار الاخير ليدق به نعش القاعدة ليدفنها بيده وليس بيد غيره في مزبلة التاريخ.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين17/تموز /2006 -19  /جمادي الاخرى/1427