الإنسان
والمال والوقت من أهم الموارد التي يجب أن تستثمرها المؤسسة بشكل فاعل
و مؤثر لضمان التقدم نحو الأمام وإنجازمهامها وتحقيق أهدافها المخطط
لها.
هناك آليات متعددة متاحة لتفعيل ذلك الإستثمار أمام المدير في
الإدارة العليا أو الوسطى أوالدنيا واحدى هذه الآليات هو التفويض الذي
لا يضمن ذلك فحسب بل يساهم في تخفيف الأعباء على المدير وتدريب
المرؤوسين وتأهيلهم للترفيع والترقية وخلق البدائل والمعاونين الأكفاء
ناهيك عن التأثير الإيجابي في نفسية المرؤوسين و الموظفين العاملين في
المؤسسة.
لكن رغم كل تلك الإيجابيات هناك من المدراء من ينظر إلى مسألة
التفويض كمسألة كمالية وجانبية لا تأتي في أولوياته الوظيفية هذا في
الوقت الذي أصبح التفويض من صلب وظائف ومسئوليات المدير بعد أن كان
ينظر إليها كقضية كمالية أو جانبية. بعض المدراء يشكك في نتائج
التفويض لانه يطمح في الإنجاز المثالي الكامل ومنذ البداية من الموظف
الذي يفوض اليه مهمة او مسؤولية ما ناسيا او متناسيا أيامه الأولى
فيشغل نفسه بالتنفيذ أكثر من الإدارة بدلاً من إحالة قسم من وظائفه إلى
الأخرين والتفرغ للإدارة ولما هو أهم من القضايا والأمور المحورية
الحساسة للمؤسسة. و ذلك في الوقت الذي يوجد في المؤسسة من الموظفين
والمرؤوسين ( وعددهم ليس بقليل) يتطلعون للقيام بأعمال أكبر ولديهم
الرغبة في تحمل مستوى أعلى من المسؤوليات حيث يمكن إستغلال هذه الطاقة
من خلال تفويض الأمور إليهم بصورة تدريجية تلبي رغباتهم وتستجيب
لطموحاتهم وتؤهلهم للتقدم وتسعف المؤسسة بكوادر جديدة وتفرغ المدير لما
هو أهم وتخفف الضغوط عليه .
ما هو التفويض؟
إيكال مهمة او وظيفة معينة اومسؤولية محددة الى فرد اومجموعة من
مرؤوسيك مع منح الصلاحيات والأمكانات المطلوبة الواضحة للقيام بإنجاز
تلك المسؤولية اوالوظيفة اوالمهمة عوضا عنك . نعم من المهم جداً أن
يعلم المدراء أن عملية التفويض لن تنجح إلا إذا قامت على أسس صحيحة
منها المرحلية في التفويض والإختبار والصبر والإصطبار على الأخطاء
والأهم من ذلك أن يكون التفويض مع ما يتطلبه من صلاحيات وإمكانات
ورقابة غير محسوسة وما نحو ذلك لتحاشي التراجع و الشعور بالفشل
المتبادل بين المدير والمرؤوس.
من ثوابت التفـويض :
1- هناك أمراو توجيه إداري يصدره المدير لإيكال تنفيذ نشاط جزئي
محدد الى معاون اوموظف في المؤسسة ومانقصده في المقال لا يتمحور حول
ذلك ، وعلى المدير أن يميز بين التفويض والأمر الإداري ، ولا يعكس
نتائج الثاني على الأول فالتفويض لا يكون الا مع منح بعض الصلاحيات إلى
المرؤوس و هذه الصلاحيات هي التي تمكن المرؤوس من إعمال رؤيتة التي قد
تختلف مع رؤوية المدير لكن تقع في إطار قوانين وضوابط المؤسسة.
2- يجب ان يقبل المدير بأن هناك أعمال يجب أن لا يقوم بالتنفيذ
المباشرلها لأن هناك من المرؤوسين من هو قادر على ان ينفذها بطريقة
أفضل من المدير بسبب الإختصاص اوالمعلومات أوالخبرة التي يتمتع بها في
ذلك المجال .
3- هناك أعمال و وظائف ليس من الضرورري أن يقوم المدير بتفيذها
مباشرة لأن ذلك يعني تضييعا لوقت المدير وإنشغالا بالمهم وتضييعا للأهم
.
4- هناك أعمال لا تشكل أهمية أوحافز لدى المدير وتعتبر من الأعمال
المملة اليومية العاديه الضاغطة بالنسبة له لكن نفس تلك الأعمال قد
تشكل عوامل التحفييز بالنسبة للكثير من المرؤوسين والموظفين الذين
يجدون في أنفسهم القدرة على إستيعاب مسؤوليات ووظائف أكبر.
طبعا عملية التفويض تختلف في جزئياتها تختلف من مؤسسة إلى أخرى لكن
هناك إطار عام للقيام بالتفويض وهناك مراحل عامة يجب إجتيازها لتفعيل
التفويض وإنجاحه منها وبإيجاز:
1- أول ما يجب أن يقوم به المدير هو تصنيف الوظائف و الأعمال التي
عليه القيام بها وإنجازها حسب الأولويات .
2- البدء من آخر قائمة التصنيف للوظائف وإنتقاء الوظائف التي يمكن
تفويضها من هذه القائمة .
3- رسم الحدود التي يجب أن تكون إختيارات المرؤوس في إتخاذ القرار
بتلك الحدود أو ما يسمى بهامش حرية إتخاذ القرار . لتحقيق ذلك على
المدير تجزئة الوظيفة إلى قسمين؛ الجانب المعين والمحدد والذي يمكن
تحديده مسبقاً والجانب الإحتمالي للوظيفة والتي تتلعق الخيارات
المختلفة المتاحة للمرؤوس في حالة معينة و التي سيراجع فيها المرؤوس
رؤيته الشخصية لإتخاذ القرار في قضية معينة. بعد ذلك يجب أن يكون هناك
تحمل إختلاف الرؤية وان يقبل في إختلاف النتائج في إطار محدد ومعقول
وعلى أساس الإجتهاد الشخصي والتباين في الرؤية لدى المرؤوس.
4- هذا عن الطرف الأول في مشروع التفويض لكن و ماذا عن الطرف
الثاني؟ الطرف الثاني و كما هو واضح المرؤوس . إن الدقة و البحث في
إنتقاء المرؤوسين المناسبين لن تقل أهمية عن المراحل السابقة. هناك عدة
نقاط يجب أن يأخذها المدير بعين الإعتبار:
أأ- البحث في المؤسسة عن الذين هم على إستعداد عملي ونفسي لقبول
التفويض و تسلم قسم من الصلاحيات.
ب- إعطاء التعليمات الخاصة المتعلقة بالوظيفة والعمل التي سيتحول
إليهم وما يجب عليهم القيام به من ناحيتين:
الأولى التعليمات التي تتعلق بالمجال التنفيذي للعمل والثانية تلك
التي تتعلق بكيفية إستخدام الصلاحيات المخولة إليهم بحيث لا يكون
المرؤوس بحاجة إلى مراجعة دائمة للرئيس وإستشارته في أي صغيرة و كبيرة.
ج- إن تفويض الصلاحيات يجب ان يتم على أساس التخطيط الطويل الأمد
حيث يجب أن يتم التفويض إلى أفراد و موظفين مرشحين للعمل و التعاون
الطويل الأمد و المستقر مع المؤسسة و المنظمة .
5- إعداد النظام الرقابي المناسب و الفاعل حيث يتمكن المدير
بالإطلاع من نتائج الأعمال المخولة و المفوضة بأسرع و أدق صورة ممكنة و
يمكّن المدير للتصدي لأي إستغلال من قبل المرؤوس للصلاحيات المخولة
إياه.هذا النظام الرقابي يجب ان يمكن المدير من إستكشاف نقاط الضعف لدى
المرؤوس أو عدم قدرته على الأداء الجيد في وظيفته أو سوء التصرف أو
إستغلاله للصلاحيات المخولة.
6- لكن و بعد كل ذلك يجب أن تقوم المؤسسة و إدارتها العليا بإذكاء
عملية التفويض و على مختلف السطوح كي تشمل كافة المستويات الإدارية في
المؤسسة (العليا مروراً الإدارة الوسطى و وصولاً إلى الإدارة العليا) و
ذلك من خلال آليات مختلفة للتحفيز. من احد هذه الآليات هي ان تربط
المؤسسة عملية الترفيع والترقية في الرتب الإدارية بمسألة التفويض .
بحيث يتم ترفيع الأفراد من خلال ما يسمى بالتفويض المزدوج أو المضاعف.
بعبارة أخرى يتم ترفيع كل مرؤوس أو موظف حسب حجم الصلاحيات التي يقوم
مديره بتحويلها إليه والصلاحيات التي يخولها نفس الموظف أو المرؤوس
بصفته المدير لمرؤوس آخر لمرؤوسه و ذلك تمهيداً لخلق بديل لنفسه . و
بعد أن قام كل من المدراء على إكمال المهمتين المذكورتين بشكل مواز
ومتوازن سيتم الترفيع. هذه الطريقة تعتبر من اهم الحوافز للمديرين و في
مختلف السطوح للقيام بتفويض الصلاحيات و الإختيارات.
7- هناك عوامل تعيق عملية التفويض خارجة عن ارادة المدير لكن عليه
إستكشاف مواطن هذه المعوقات و التخلص منها:
8- الضيق الذاتي لصلاحيات المدير حيث لا توجد لديه صلاحيات واسعة كي
يقوم بتفويضها.
9- الكفاءة واللياقة التي تفوق التوقعات يمكن ان تكون بمثابة مخدر
للشركة حيث أن الشركة وحتى المدير لن يشعر بأن هناك حاجة إلى تربية
بديل لنفسه وفسح الجال امام ذلك البديل للظهورعن طريقة التتفويض
التدريجي وهذه من التحديات الأساسية للمؤسسة على المدى البعيد أو حتى
المتوسط نظراً لإستهلاك الطاقة البشرية.
10- من العوامل الأخرى التي تعيق عملية التفويض في المؤسسة أو
المنظمة هي وجود حالة عدم الأمان الوظيفي أو عدم الضمان الوظيفي مما
يشكل هاجساً مهماً امام المديرين لإعطاء مزيد من الإختياروالتفويض
للمرؤوسين لأن ظهور هؤلاء المرؤسين سيهدد المستقبل الوظيفي للمدير
ولذلك ينظر المدير احيانا إلى عملية التفويض كمرحلة من مراحل إستبداله
أو حتى التخلص منه!
يجب النظر الى عملية التفويض كمشروع إستثمار طويل الأمد وكما هو
الحال في مثل هذه المشاريع لن تعطي ثمارها إلى مع الجهد الحثيث
والمثابرة و والدقة والصبر كي تتوج في النهاية بالنجاح والإثمار. فلا
تتخوف من التفويض كثيرا ولا تفكر اكثر مما يجب ومما هو معقول ومطلوب في
مخاطر التفويض فتشل وتصاب مؤسستك وكوادرها بالشلل ففي المروي عن الإمام
علي بن أبي طالب (عليه السلام ) : (( منْ كثـر فكره في العواقب لم يشجع
))
معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات –
واشنطن
http://www.siironline.org |