العنف عبر وسائل الإعلام

خالد خبريش 

   مناقشة موضوع العنف عبر وسائل الإعلام بدأت في أواخر الخمسينات من القرن المنصرم بجلسات عقدها الكونجرس الأمريكي لمحاولة معرفة مدى تأثير العنف المعروض عبر المرئية والخيالة على المتلقين. وفي الستينيات من القرن المنصرم نبهت لجنة إيزنهاور إلى أن العنف الإعلامي عامل مُسَاهم يساعد إلى حد كبير على نمو ثقافة العنف بين شرائح المجتمع، وفي سنة 1972 صدر تقرير عن وزير الصحة الأمريكي يُظهرُ قلقاً حول تأثير عنف التلفزيون على الأطفال وتغيير أنماط سلوكهم.

وفي الثمانينيات أصدر المعهد الوطني الأمريكي تقريره الذي خلص إلى نفس نتائج تقرير وزير الصحة الصادر في 1972، أما التقارير اللاحقة في التسعينيات الصادرة عن الجمعية النفسية الأمريكية والجمعية الطبية الأمريكية والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال؛ خلصت لنفس النتائج السابقة و نبهت بشكل عام إلى أن العنف عامل يساعد على نمو ثقافة العنف في المجتمعات، وخلال هذه الفترة الزمنية والتي دُرست فيها ظاهرة العنف الإعلامي في أمريكا وحدها - يمكن تلخيص ثلاثة تأثيرات رئيسية يتأثر بها المتلقي كنتيجة للعنف الإعلامي هي : العدوان وعدم الإحساس والخوف(1).

واللافت للأنظار أن موضوع العنف المعروض عبر نشرات الأخبار لم يخضع للدراسة بشكل كافٍ، ويمكن القول إن أول اهتمام بموضوع العنف في نشرات الأخبار كان في كتاب(2) تضمن تقريرا جرى إعداده بطلب من وزير الثقافة الفرنسي جان جاك اياغون وساهم فيه عدد مهم من الاختصاصيين في ميدان الإعلام المرئي من  علماء نفس واجتماع ومحاميين وغيرهم في هذا الجانب.

وكانت الملاحظة الأولى التي تم التأكيد عليها والانطلاق منها في التقرير تتمثل في الاعتراف بتعاظم ظاهرة العنف في مختلف قطاعات المجتمع الفرنسي.. وفي مواجهة مثل هذا الواقع أكد وزير الثقافة الفرنسي في رسالته للجنة المكلفة بإعداد هذا التقرير الذي يتمحور حول العنف في المرئية أكد أن النضال ضد جميع أشكال العنف ورفض كل أشكال التمييز والبغض، أمور في صلب ميثاقنا الاجتماعي، لذلك ينبغي علينا جميعاً- وفي ظل ثقافة تهيمن عليها الصورة- إعادة النظر فيما يتم تقديمه بصورة شبه متواصلة من مشاهد عنيفة أو عدوانية لها تأثيرها على عقل المتلقين الأكثر شباباً.

 وبدأ واضعو هذا التقرير بطرح بعض التساؤلات الجوهرية حول الآثار الاجتماعية والنفسية و السياسية لتعاظم جرعة العنف في البرامج المرئية بما في ذلك نشرات الأخبار. وهذه أول إشارة مباشرة لأهمية دراسة موضوع العنف في نشرات الأخبار. وانطلاقا من هذه الإشارة حضي موضوع العنف الإخباري باهتمام كبير من قبل العديد من الخبراء والصحفيين والمسئولين الإعلاميين  في بعض وسائل الإعلام العالمية المشاركين في القمة العالمية لمجتمع المعلومات الذين أكدوا على أهمية التمييز بين مصطلحين هما: ( العنف الترفيهي والعنف الإخباري)(3)، وأكدوا أيضاً على أن مفهوم العنف الإخباري لم يخضع للدراسة بشكل علمي.

والعرب ليسوا الوحيدين عرضةً لهذا النوع من العنف، بل ربما هم الأكثر تعرضاَ له بشكل مباشر، ففي الغالب تنقل الفضائيات العربية صور هذا العنف من إحدى الدول العربية، وهذه الصور ذات صلة بالقضايا العربية. ونأخذ في الاعتبار أن .. ما يعرفه الشباب .. عن السياسة يصل أغلبه إليهم عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية، ففي استطاعة الإعلام أن يوصل المعرفة والمثل العليا والقيم الخاصة بتشكيل الإرادة إلى الشباب، ويسهل عليهم بذلك المشاركة في العملية السياسية والتأثير على اتجاهها، والمشكلة هنا ليست المدخل إلى المعرفة وإنما تصنيف وتفسير الكم الهائل من المعلومات الموجودة وتحويلها إلى منظومة من الأفكار الواقعية ذات معنى...(1). ومن هنا أحس بوجود مشكلة تتمحور حول مدى تأثير التعرض للعنف الإخباري على المشاهد العربي وخاصة في ظل انتشار القنوات الفضائية بشكل مطرد مع نهاية العقد الأخير من القرن العشرين حسبما أشارت إليه بعض المراجع والدراسات الاستطلاعية التي أُجريت حول هذا الموضوع.

وبالنظر للدول العربية نجدها كغيرها من دول العالم الأخرى حرصت على إنشاء إذاعات مرئية نظراً لما تمثله من أهمية كبيرة على صعيد إثبات السيادة والشخصية الوطنية للدولة، وإيمانا منها بالدور الهام الذي تقوم به من خلال التأثير الكبير على الجماهير(2)، حيث اهتمت بمواكبة التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال، وسارعت إلى استئجار قنوات في الأقمار الاصطناعية التي تستخدم نظام البث المباشر، أو امتلاك هذه الأقمار، لتبث عليها برامجها المرئية(3).

 والفضائيات العربية تعتبر المصدر الرئيس للأخبار لدى الشاهد العربي، حيث أظهرت إحصائية في هذا الجانب أن نسبة 73% من المشاهدين العرب يعتمدون على الفضائيات كمصدر للأخبار(4)، وهذه النسبة كبيرة إذا ما قُورنت بمصادر الأخبار الأخرى كالصحف والمجلات والإذاعة المسموعة.

 والصورة تعد من بين أهم مكونات أغلب الرسائل الإعلامية الأساسية المرسلة عبر الفضائيات- باستثناء المسموعة- التي تعطي مصداقية للخبر وتجعله أكثر جاذبية وإثارة، ويعزز القائم بالاتصال هذه الصور بالبيانات والإحصائيات المفسرة والشارحة لموضوع الرسالة. ولاحظ الباحث أن أكثر الصور الإخبارية المنقولة عبر القنوات الفضائية العربية وخاصة الإخبارية منها والتي تنقل الأخبار وتقدم  التقارير والبرامج الإخبارية عربياً وعالميا تركز على نقل الأخبار العربية_ كونها ذات صلة وثيقة بالمتلقي العربي بالدرجة الأولى.

فعلى سبيل المثال تابع مشاهدو القنوات الفضائية على ‏ الهواء مباشرة عددا من الحروب، والتي جعلت لنشرة الأخبار أهميتها الخاصة واستطاعت اجتذاب ‏أعداد جديدة من غير المهتمين بالسياسة والذين يفضلون متابعة مباريات كرة القدم ‏أو برامج الترفيه. ولكن التشويق كان أكبر عندما تابع العالم عبر البث المباشر هجومات 11 سبتمبر، حيث وصلت نشرة الأخبار إلى قمة الإثارة كبرنامج يجمع بين كل عوامل ‏التشويق والإبهار بالشكل الذي فاق خيال السينما الأمريكية، فشاهد العالم اختفاء برجي التجارة العالمي على النحو الذي يشبه الخدع السينمائية؛ ولم يتصور أحد أن ضرب مبنى البنتاجون يمكن أن يحدث في الواقع، فالمشاهدون ظنوا في البداية أنها مجرد مشاهد سينمائية على قدر كبير من التقنية والحرفية. و‏بنفس الطريقة تابع الناس عبر نشرات الأخبار ضرب أفغانستان ومشاهد احتلال العراق وصور سجن بو غريب وتفجيرات شرم الشيخ والرياض ولندن وغيرها واغتيال الشيخ ياسين وكذلك رفيق الحريري، وعشرات الأحداث ‏الأخرى مثل الكوارث الطبيعية وثورات البراكين والهزات الأرضية والفيضانات كـ تسونامي مثلاَ ؛ الأمر الذي حول نشرة الأخبار في رأى بعض المتخصصين إلى برنامج منوعات مليء ‏بالإثارة، ففي هذه اللحظة خرجت نشرة الأخبار من كونها برنامجا يهتم به أناس قليلون لديهم اهتمامات بالسياسة؛ إلى برنامج جماهيري واسع الانتشار يرى فيه الناس متعة ‏أكبر من مباريات كرة القدم والأفلام السينمائية، ويمكن إرجاع هذا التطور في نشرة ‏الأخبار إلى التقدم التكنولوجي الهائل في مجال الاتصالات والذي جعل العالم بالفعل قرية صغيرة يستطيع قاطنـوها متابعة الأحداث التي تجرى فيها بقدر هائل من الإثارة ‏عـبر النقل الفوري المـباشر (1).

وبالنظر إلى الأخبار التي تبثها الفضائيات العربية نجدها تنقل صور معاناة الشعوب في كل الأصقاع ومنها معاناة الشعب العربي في العديد من الأقطار العربية كفلسطين والعراق والسودان وغيرها، هذه الصور تنقل هذه المعاناة المتمثلة في صور العنف المُمَارس على المواطن عبر الأخبار في الوقت الذي نعاصر فيه ازدهار المحطات الفضائية في الوطن العربي حاليا، التي تعبر الحدود وتقدم برامج موجهة إلى العرب ينتجها العرب، هذه المحطات مهمة لجمهورها بالدرجة الأولى لأنها ترسل قريبة من المكان والزمان، بروح نقدية ومن منظور عربي، وأداء مهني على مستوى من الجودة وبحجم لم يستطع العديد من المحطات الوطنية أن يقدمه. ويشمل النقد والتقارير والبرامج الإخبارية ووقائع السياسة الخارجية، كما يتعرض للوضع الداخلي في الدول العربية وتطوراته...(2) وبالنظر إلى حجم الصور الإخبارية المرسلة عبر نشرات الأخبار بالقنوات الفضائية العربية  نجده كبيرا؛ حيث يمكن إرجاع ذلك لسبب رئيسي وهو التنافس القائم بين القنوات الفضائية على محاولة اجتذاب اكبر عدد ممكن من المشاهدين لدوافع مادية ذات علاقة بالمعلنين ولدوافع سياسية أخرى.

وباعتبار أن هذه القنوات إخبارية أولاً وعربية ثانيا؛ فإنها تركز على نقل صور إخبارية لواقع التحديات التي تواجه الأمة العربية من خلال عرضها لما يرتكب في حق العرب بالعديد من الساحات، من هنا خطرت في ذهن الباحث مجموعة من التساؤلات تبحث على أجوبة هي: (هل هناك أي تأثيرات سواء أكانت سلبية أم ايجابية نتيجة التعرض للعنف الإخباري المذاع عبر نشرات الأخبار في القنوات الفضائية العربية ؟ وهل بات المشاهد العربي يتعود على مشاهدة هذه الصور ولم تعد تثير فيه الأحاسيس القومية نتيجة عرض وتكرار عرض هذه الصور؟ أم أنها تحفز فيه مشاعره القومية وتدفعه للمقاومة والدفاع عن قضاياه القومية والتعاضد مع إخوانه العرب في قضاياهم الداخلية والخارجية؟ ). فالقناة الفضائية لم تعد مورد أخبار أو أداة للترفيه، وإنما تساهم مساهمة فعالة في صياغة وإعادة تشكيل الآراء والقيم، وبإمكانها أن ترفع من حساسية مختلف فئات الشعب لموضوعات معينة. ويتفاعل دور وسائل الإعلام المؤثر على حالة المجتمع تفاعلا وثيقا مع تيارات العصر، فوسائل الإعلام تقوم بتقوية وتدعيم التوجهات السياسية أو إضعافها. كما في إمكانها أيضا أن تساهم في إضعاف تسييس الجمهور والترويج لأجواء من اللامبالاة السياسية. (1). ومن هنا يمكن القول إن الإعلام المرئي - من خلال القنوات الفضائية وأيضاً (الإنترنت) - أصبح القوة المؤثرة في سلوك الشباب ونمط تفكيرهم وتوجهاتهم، فهذه القوة أصبحت تنافس دور الأسرة والمؤسسة التعليمية في عمليات التربية والتنشئة الاجتماعية، كما أن نتائج التيار الإعلامي غير الهادف يشكل ظاهرة خطيرة بدأت تظهر على عدة مستويات منها عدم الاستقرار في العلاقات الاجتماعية على مستوى الأفراد و الجماعات ومؤسسات المجتمع مما يؤدي إلى الاضطراب الاجتماعي، والشباب في أي مجتمع هم الشريحة التي تشكل إرهاصات المستقبل ولهذا يجب الاهتمام بهم؛ لاستثمارهم في تأسيس وبناء قاعدة البناء المستقبلي للمجتمعات ولاسيما المجتمعات النامية(2)، فوسائل الإعلام أصبحت تؤثر على الحياة اليومية للشباب بشكل لم يسبق له مثيل كما تصاحبهم في كل خطوة يخطونها، والتعامل مع وسائل الإعلام والتقنيات الخاصة بها أصبح اليوم أكثر بديهية للشباب مقارنة بجيل الآباء والأجداد، فلقد تطورت المرئية و(الإنترنت) لتصبحا الوسيلتين الرائدتين اللتين يستمد منهما الشباب توجهات سياسية أساسية (3) .

ومن الملاحظ أن القنوات الفضائية العربية تركز على عرض الأخبار ذات طابع العنف. وان عرض وتكرار عرض صور العنف قد يُولد لدى المشاهد العربي شعوراً باللامبالاة تجاه قضاياه العربية نتاجاً لتعود عقل (عين) المشاهد العربي على مشاهدة صور العنف، وقد لا تحرك بداخله مشاعر الغضب تجاه ما يحدث من ظلم وقهر ولا تدفعه إلى التآزر والتعاضد مع إخوته العرب، أو تحفز وتقوي الشعور والانتماء القومي وتدفع لِلمِّ الشمل وتوحيد الجهود والتآخي والتعاضد، أو تحدث  النقطتين  السابقتين بنسب متفاوتة في آن واحد لدى فئتين من المتلقين، وقد (لا تؤدي إلى أي تأثير). 

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 6/تموز /2006 -/جمادي الاخرى/1427