ثغرات في مبادرة المصالحة العراقية قد تخدم المسلحين ونجاحها قد يعنى تغييرا كبيرا في المشهد السياسي

  

خيبت مبادرة المصالحة العراقية المنتظرة منذ فترة طويلة على أمل ان توقف ثلاث سنوات من اراقة الدماء امال البعض بعدما استثنت جميع المسلحين غير أن الثغرات الموجودة في المبادرة تضمن ان يكون العفو فضفاضا.

وصرح المسؤولون عن المبادرة بانها تهدف الى فتح باب الحوار واتفاق سلام محتمل مع المسلحين عدا هؤلاء الذين قتلوا بشكل شخصي أي شخص بدءا من المدنيين العراقيين وحتى الجنود الامريكيين.

غير أنهم أضافوا أن بطء النظام القضائي والصعوبات التي تواجه جمع المعلومات عن حرب عصابات تجعل من الصعب اثبات تورط شخص بعينه في أعمال قتل مما يترك الباب مفتوحا أمام أغلب المسلحين للدخول في حوار.

وبصفة عامة لم يدن سوى قلة من المسلحين بتنفيذ هجمات رغم العنف الجاري بشكل اليومي.

وكشف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي مبادرته المكونة من 24 نقطة أمام البرلمان يوم الاحد وحصل على الفور على دعم من عدنان الدليمي رئيس أكبر الكتل السنية والذي حث جميع العراقيين على العمل على ضمان نجاحها.

وسيتعين على المالكي السير بحذر على حبل مشدود لضمان جذب عدد كاف من المسلحين كي تنجح خطته لكن عليه ايضا الا يغضب حليفته الولايات المتحدة التي فقدت أكثر من 2500 جندي منذ ان غزت العراق عام 2003.

واستبعد المالكي مرارا أي حوار مع تنظيم القاعدة في العراق والموالين للرئيس المخلوع صدام حسين الذين يقودون العمليات المسلحة حاليا.

وفي وقت سابق من الاسبوع الجاري صرح المالكي لعدد من الصحف الامريكية بأن المسلحين الذين قتلوا أمريكيين لن يشملهم العفو بعدما اثارت المبادرة التي صيغت بشكل غامض بعض الجدل في الولايات المتحدة.

وفي لمحة للضغوط التي يواجهها المالكي وصف السناتور الامريكي تشارلز شومر فكرة اصدار عفو عن الاشخاص الذين قتلوا جنودا من قوات احتلال بالعراق بأنها "وضيعة".

وقال المالكي للتلفزيون الرسمي يوم الاربعاء انه يرحب بجماعات أبدت استعدادا لالقاء السلاح والانضمام الى العملية السياسية.

واعرب عن تفاؤله وأكد أن كثيرا من هؤلاء الذين شاركوا في أعمال تحت اسم المقاومة اتصلوا مباشرة بالحكومة.

وقال الدليمي ان المبادرة لن يكتب لها النجاح الا اذا تم التعامل مع المسلحين وأيضا الميليشيات الشيعية التي يحملها السنة مسؤولية هجمات على طائفتهم.

ورأى أن استبعاد المقاتلين المناهضين للولايات المتحدة في وقت لا تزال فيه المبادرة في مهدها يمكن أن يقضي عليها بالكامل.

وقال الدليمي لرويترز ان المبادرة لا تزال في مراحلها الاولى وأن التفاصيل لم تظهر بعد. وأشار الى أنه كانت هناك مبادرات عفو طوال تاريخ العراق عن أشخاص ارتكبوا أكبر الجرائم.

غير أن بعض السنة الذين يقاتل مسلحون من طائفتهم الحكومة التي يقودها الشيعة شككوا في نجاح المبادرة.

وقال حسين الفالوجي وهو سياسي من جبهة التوافق العراقية ان هناك حاجة الى نية حقيقية لتحفيز رد فعل حقيقي من جانب المسلحين.

وقال ان أقوى الجماعات المسلحة أعلنت رفضها لتلك المبادرة من البداية وأن الجماعات المتبقية ما هي الا جماعات وهمية حاضرة فقط في ذهن الحكومة.

ورغم أن العمليات المسلحة أسفرت عن مقتل عدد من العراقيين أكبر من الجنود الاجانب الا أن سياسيين عراقيين مسؤولين عن المبادرة يأملون في أن يسهم التوصل الى اتفاقيات مع بعض الجماعات المسلحة في عزل وكشف العناصر المتطرفة المشاركة بالعمليات المسلحة.

ونفى الفالوجي أيضا تقارير بأن 11 جماعة مسلحة عرضت وقفا فوريا لجميع الهجمات اذا وافقت الولايات المتحدة على سحب قواتها في غضون عامين. ووصف الفالوجي تلك التقارير بأنها مجرد كلام تتناقله وسائل الاعلام.

ويرى محللون سياسيون ان بعض المجموعات المسلحة ، وبالتحديد العراقية منها، ستستجيب لمبادرة المالكي ، وسيبقى القسم الباقي متمسكا بالسلاح ، وإن الأمر سيتطلب زمنا ، وإن وجوها جديدة ستظهر في السياسة العراقية ، وهناك من يرى ضرورة إعادة الانتخابات لرسم صورة جديدة .

و لكن ما هي فرص نجاح هذه المبادرة في ظل الظروف الراهنة؟ و كيف سيتم دمج الموافقين على المشاركة في العملية السياسية ؟ و ما تأثير ذلك على مستقبل الحياة السياسية في العراق في حال نجحت المبادرة ؟

يقول السيد هاشم الحبوبي ، و هو أحد السياسيين و المحللين ، " من المنطقي أن تكون هناك استجابة لهذه المبادرة بعد سد الثغرات الموجودة فيها ، لأن رئيس الوزراء لا يمكن أن يقدم على هذه الخطوة دون دراستها ، و أجزم أنه أطلق مجسات خاصة لقياس مدى الاستجابة قبل إطلاق المبادرة و إيجاد رد فعل ايجابي لها ، حتى و إن لم يكن كبيرا ."

أما السيد طارق حرب ، و هو محلل سياسي و خبير قانوني ، فيقول " بلا شك أنه سيكون هناك رد فعل على هذه المبادرة من بعض الجماعات المسلحة ، و لكن لن يكون كما يتوقع البعض، لدخول هذه المجموعات ، والتي تطلق على نفسها مقاومة ، تأثير كبير في الشارع ، لأن هؤلاء بدون قاعدة و أعدادهم محدودة ."

و يضيف حرب " هناك معلومات تشير الى أن كل تنظيم مسلح عبارة عن مجموعة من الأشخاص ، لا يتجاوز أعدادهم الخمسين أو الستين شخص ، لديهم قدرة مالية و يستطيعون شراء السلاح ، و لكن من دون قاعدة شعبية حقيقية مؤثرة في الشارع . و عندما يتوقف هؤلاء بعد حصولهم على ما يريدون سوف يظهر غيرهم بحجة بقاء الاحتلال و هكذا في حلقة مفرغة "

أما المحلل السياسي السيد نزار السامرائي فيشير الى أن " المبادرة تخص العراقيين فقط ، ولا أحد غيرهم من اللاعبين على الساحة العراقية ، لذا فان مجموعة من المسلحين العراقيين هي التي سوف تستجيب ،و ليس بالضرورة كل الجماعات المسلحة ،لأن هناك من لهم أجندات تختلف عن أجندة الحكومة و لن تلتقي معها بأية حال من الأحوال"

و عن الطريقة التي قد يتم بها دمج الذين يتم ضمهم للعملية السياسية يقول الحبوبي " المشاركة هي المشاركة ، ولا بد من الالتزام بها مهما كان الثمن حتى تكون هناك ثقة متبادلة بين كلا الطرفين و يعم الأمن ، و الدمج يعني المشاركة في القرار السياسي و تولي مناصب تنفيذية وتشريعية ،و بالتالي سوف يقود هذا الى تغييرات في المناصب الحكومية و تنازلات من بعض الأطراف حتى يكون الكل مشترك في اتخاذ القرار ، بل و حتى إعادة الانتخابات للسماح لمجموعات جديدة بدخول مجلس النواب و لو بعد حين ، و هذا بالتأكيد يأتي كخطوة تالية لنجاح المفاوضات ."

طارق حرب يرى "ان من يدخل العملية السياسية يريد مركزا بالسلطة ، و لكنهم لن يحصلوا على مناصب سيادية ، كما قد يتوقع البعض ، بل قد يحصلون على وزارات معينة بعد أن يتنازل عنها الوزراء الحاليون أو وكلاء وزراء أو حتى سفراء . و لكن لن تكون هناك مشاركة في السلطة التشريعية و لا أعتقد أن الانتخابات يمكن إعادتها أو إجراؤها قبل وقتها أي حوالي أربع سنوات من الآن "

أما نزار السامرائي فيرى " المشاركة أفهمها مشاركة سياسية كاملة و هناك فرصة لإعادة الانتخابات ، و لكن بعد إجراء الإحصاء العام للسكان وكذلك إجراء بعض التغييرات على قانون الانتخابات ، و هذا الأمر قد يستغرق أكثر من عام حتى تستطيع الفصائل التي يراد دمجها المشاركة ."

وعن مستقبل الحياة السياسية في العراق في حال نجحت المبادرة أجمع المحللون و الخبراء السياسيون على أن الأمر سوف يوجد معادلة سياسية مغايرة لما هو موجود على الساحة ، وقد تبرز وجوه جديدة يكون لها قصب السبق السياسي ، حيث يقول هاشم الحبو بي " في حال نجاح المبادرة و تحقيق الأمن على المستوى الوطني فان رجل المرحلة القادمة بلا شك سوف يكون المالكي ، و لكن سوف تنقلب الكثير من الأرقام و الحقائق في المشهد السياسي العراقي، و سوف تكون هناك تحالفات بوجه أخر غير الذي نراه على الساحة الآن و تبرز وجوه جديدة غير التي نراها في الوقت الراهن."

و يزيد عليه نزار السامرائي " و سوف نكون أمام معادلة سياسية جديدة لم نرها من قبل ."

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت   1/تموز/2006 -/جمادي الاخرى/1427