الجاسوسية في أفلام السينما

اعداد:  قسم المتابعة

قضايا الجاسوسية والنشاط التجسسي ما تزال تشغل العديد من الدوائر السياسية في أنحاء مختلفة من العالم نظراً لما يمتاز عملها من إحاطات سرية بما تقوم به من تنفيذ خطط ومكائد بدءاً من التصفية الجسدية للخصوم وانتهاء بعمليات التخريب الفكري والسياسي واستلاب المعنى من الكيانات الحكومية.

 فمن الذي يقف وراء كل ذلك؟! ولماذا؟ وهل هناك أمل بإنهاء أو انتهاء التجسس؟! وكيف؟ أسئلة عديدة ممكن طرحها بهذا الخصوص وكلها تصدع الرؤوس! أما ما تقدمه الأفلام من قصص عن الجاسوسية فغالباً ما يحاول أبطالها إظهار النشاط الجاسوسي وكأنه من المعجزات وأن أفراده من الشجعان الخارقون لكن الحقيقة ليست كذلك!

ولخالق الكون الله سبحانه وتعالى إرشاد للناس أن لا يتجسس بعضهم ضد بعض حتى في الأمور الشخصية الصغيرة البحتة إذ يقول في محكم كتاب قرآنه السماوي في آية صريحة: (ولا تتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً) وإلى آخر الآية وهذا ما يؤكد أن حالة التجسس على الغير هي مسألة تقع خارج حدود الأخلاقيات.

ومن جانبها تحاول السينما وضع رتوش ملونة على العمل الجاسوسي المقيت وكأن شخوصه من الأبطال المجهولين مع أن رسالة الجاسوس الحقيقي في الحياة هي خيانة شعبه ووطنه كما هو معروف ولذا فإن محاولة السينما لإعطاء مفهوم معاكس لحقيقة رسالة الجاسوس السلبية في الحياة أو تجميل الفعل التجسس ضمن مشاهد الشاشة البيضاء الكبيرة ما هي إلا تأكيد على كون الخطى الشرانية هي ليست كذلك وهذا ما لا يقره أي عاقل والأقلام التي تقدم عروض أفلامها عن أعمال الجاسوسية سواء عما مضى من تاريخها القريب المعاصر أو الأبعد من ذلك قليلاً فيه نوع من مشاكسة المسؤولية واعتقاداً من كاتب قصة الفيلم ومخرجه وكأن العقل في إجازة الآن وكأن هذا العقل الذي هو أفضل نعمة أنعمها الله تبارك وتعالى لبني بشره قد أضحى همه الأول والأخير إيجاد مواقع تضامن اجتماعي لأولئك الذين ارتضوا أن ينضوا تحت لواء صف الجاسوسية!

وعروض أفلام التحركات الجاسوسية في الميادين التي تنقلها كاميرات السينما وتحاول أن تجمّل فواجع العمل الجاسوسي على كونه عمل من معجزات أداء الواجب النزيه لمعجزات وبالذات من تلك التي سبق وتكلمت عن فضائحها الصحافة قبل عقود من السنين قبل أن تحول الشاشة السينمائية فيها من الدروس ما لا يمكن اعتبارها قصص قد حدثت ما دام وراءها غاية خبيثة أو أكثر تبغي تلك الأفلام تمريرها حتى لو أضطر القائمون على إنتاج الفيلم إلى مغايرة ما حدث من حقيقة.

والملاحقات في أفلام الجاسوسية سواء التي يقوم بها الجواسيس ضد مناوئيهم أو تقوم بها الحكومات ضدهم لا تؤدي من حيث الناتج الأخير إلى توفر اليقين بأن الصراع مع الجواسيس هو صراع مشروع إذ غالباً ما تظهر مشاهد الأفلام رجحان كفة هؤلاء الجواسيس ضد أعدائهم حتى لو كانوا سلطات مختصة تلاحق الجريمة إينما كانت فبقدرة لا مقتدر يتضامن كل من كاتب القصة وكاتب السيناريو والمخرج لتقديم مشاهد هي في الحقيقة الأخيرة تضغط على العقول كي تتقبل أكذوبة دراية وشجاعة الجواسيس أمام سوء تدبير السلطات الملاحقة لهم ولطالما حدثتنا المشاهد عن وقائع لا يقبلها العقل أن تكون في صالح الأعمال الجاسوسية إذ نرى (كمشاهدين) أن عشرات الأشخاص الضحايا يوقعون صرعى بإطلاقات مسدس جاسوس مع أن المشهد العام المصور من معركة ميدانية تنقلها كاميرا الفيلم لا تظهر لنا كيف بإمكان مسدس الجاسوس أن يطلق عشرات الطلقات مع أن العدد المعبأ في ذاك المسدس لا يتجاوز الستة طلقات كأقصى حد ففي هذا الحال تحرم الكاميرا على المشاهدين أن تكون هناك يد واحدة تضغط على الزناد ضد الجاسوس المعين ويستطيع أن تقتله نرى أن هذا الأخير يتحرك بحركات بهلوانية حتى وكأنه يرى الطلقة المنطلقة من مسدس مناوئ له فيقوم بحركة لتمر الطلقة المصوبة إليه (من جنبه!).

من المؤكد بأن غالبية جمهور المشاهدين لأفلام الجاسوسية وبالذات الغربية منها لا يعرفون كثيراً من (بوزات) الجاسوسية والجواسيس فهم مثلاً لا يعرفون أن أغلب العاملين بمثل هذه المجالات الاستخباراتية يمتازون بـ(غباء مطبق) حتى ليكاد إطلاق القول عليهم بأنهم هم المجرمون الحقيقيون مسألة تنطبق على كل من أرتضى أن يعادي بالباطل شخصاً أو تجمعاً أو حكومةً أو شعباً ما.

أما بحدود إظهار الجواسيس وكأنهم يدافعون عن قضية مقدسة فهي مسألة تدعوا إلى الشفقة على هؤلاء الذين يفكرون بعقول غيرهم ولعل التبعية هنا تمضي كالسيف البتار لرقاب الناس الأبرياء ولأن فضائح أفلام الجاسوسية لم تعد تقنع أحداً فيما تقدمه من عروض إلا أن تقديم العزاء لبعض أجهزة الرقابة ذات الصلة التي تعطي الموافقات لعرض تلك الأفلام في بلدانها يقتضيه أكثر من واجب وطني.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس  29/حزيران /2006 -/جمادي الاخرى/1427