من امثالنا وهي تضرب ولا تقاس كما يُقال ان (فاقد الشيء لا
يعطيه) هذا المثل قادني الى سنوات الطفولة حين ذم أبي احد المعلمين
الذين درّسوني في الابتدائية وقال (معلكم هذا هو نفسه بحاجة الى تعليم)
ولأن الأب هو الصورة المثالية لإبنه الصغير فقد رسخت في ذهني وخيالي
ملاحظة أبي وكرهت درس التأريخ الذي كان المعلم يدرسنا إياه، وبعد
اربعين عاما على قول ابي مازلت اشعر ان المعلم غير جيد ولا يستحق ان
يكون معلما يعلم الاجيال اللاّحقة ومازلت ايضا اكره مادة التأريخ التي
اصبحت عقبتي الوحيدة في كل سنواتي الدراسية وتعدد مراحلها، ولسني بصدد
قول ابي، صحيحا كان أم خاطئا، ولكن ظل شعوري بعدم كفاءة معلم التأريخ
ملازما لي حتى اللحظة وظل مقتي للتأريخ قائما حتى اللحظة ايضا.
من كلامي هذا اريد أن أعبر الى الولايات
المتحدة !!.
يقول نعوم تشو مسكي في كتابه الجديد الذي حمل عنوان الهيمنة ام
البقاء: (ان الخوف من الولايات المتحدة قد بلغ ذرى عالية جدا في جميع
انحاء العالم مقرونا بارتياب شديد بقيادتها السياسية ونبذها لأبسط حقوق
الانسان وازدرائها للديمقراطية بشكل لم يسبق له مثيل) ونعومي كاتب
امريكي شهير ومفكر وعالم لغوي متمرس وغالبا ما يضع النقاط فوق الحروف
من غير محاباة او خوف، والخوف كما يقول العلماء السياسيون وغيرهم هو
العدو اللدود للديمقراطية وهو الدافع المهم للكذب والمحاباة والمجاملات
الزائفة، والقيادة الامريكية الحالية تريد أن (تؤمرك) العالم باستخدام
العدو اللدود للديمقراطية وهو (الخوف) كما قرأنا ذلك في كلمات نعومي
تشومسكي وكما تقول الوقائع ايضا، فهل هناك ديمقراطية حقيقية تريد
امريكا ان تعممها على العالم ؟!، واذا كنا نتفق على ان أمركة العالم
يشكل جوهر الاجندة الامريكية المعلنة والمضمرة في الراهن والمستقبل،
فاننا سنفهم ونقرّ ان اخافة الشعوب وسيلتها لذلك، وطالما ان الخوف
والديمقراطية عدوان لدودان فإننا سنشك بنجاح الولايات المتحدة بتحقيق
ما تصبو اليه، وسوف يطفوا الى السطح مثلنا المذكور في البداية، اذ من
الامانة القول هنا إن معلم التأريخ لم يشكل عقدة مستعصية لي وحدي بل
كان طلاب الصف جميعا يخافونه ويمقتونه في وقت واحد لأنه كان يريد أن
يعلمنا درس التأريخ بالقوة وحدها من دون ان يحمل المؤهلات الاخرى
المساعدة والمناسبة كالاقناع والتعامل الانساني وما شابة.
وها هي امريكا تريد ان تعطينا درسا في الديمقراطية (بالقوة ايضا)
ولا تريد أن تقتنع بأن الاقناع والتعامل الانساني هما السبيل الأوحد
لعدم كرهنا للتأريخ ولمعلمه في وقت واحد !!. |