الذي يجري في العراق يستدعي وقفة للتأمل تستحضر الضمير
الإنساني المغيب تسبقها وقفة أطول للحداد حزنا على ما يجري في هذا
البلد المسلم على يد تلك القطعان التي استمرأت جرائم القتل الجماعي و
جرائم الحرب والجرائم الموجهة ضد الإنسانية كما وصفتها منظمة مراقبة
حقوق الإنسان الدولية Human wrights watch. في تقريرها الصادر في
أكتوبر 2005.
هذا التقرير وغيره من التقارير التي تحكي عما يجري في العراق بصورة
محايدة وموثقة بعيدا عن المماحكات الطائفية التي يحاول البعض من خلالها
التستر على هذا النوع من الفضائح والأعمال البربرية التي تزكم رائحتها
الأنوف بينما هم يقيمون المهرجانات الخطابية احتفاء بالتقارير التي
تصدرها نفس هذه المنظمات عن تجاوزات الولايات المتحدة الأمريكية في سجن
أبي غريب وفضيحة نقل السجناء عبر المطارات الأوربية.
جرائم حرب أم جرائم ضد الإنسانية؟؟
إنها جرائم ضد الإنسانية وليست جرائم حرب كما يقول التقرير الذي
اختار واضعوه البدء بواقعة تفجير انتحاريي لصهريج محمل بالغاز أمام
(حسينية) المسيب يوم 16 يوليو 2005 تلك المدينة الشيعية الواقعة جنوب
بغداد وعلى الفور اشتعلت كتلة ضخمة من اللهب لتلتهم البشر والمحلات
التجارية.
توفي على الفور أكثر من تسعين شخصا كلهم من الشيعة من بينهم عدد من
النساء والأطفال ناهيك عن الحروق البليغة التي أصابت مئات الأشخاص.
ويخلص التقرير إلى أن هذه الحادثة هي مجرد نموذج لعديد الحالات
المشابهة من الأعمال البربرية الموجهة ضد مدنيين أبرياء ناهيك عن أعمال
الخطف والإعدام والتعذيب التي تقوم بها تلك المجموعات المستهدفة.
ويوضح التقرير أن قانون الحرب يمنع شن أي هجمات مباشرة ضد المدنيين
ويحظر تلك التي لا تفرق بين المدنيين والعسكريين وتلك التي تلحق خسائر
فادحة بالمدنيين حيث يفوق حجم الخسائر المدنية ما يلحق بالعسكريين من
خسائر.
ويصبح هذا النوع من الهجمات جريمة حرب أكثر وضوحا عندما تهدف هذه
الهجمات إلى بث الذعر بين المدنيين أو تلك التي تهدف إلى إلحاق خسائر
فادحة بهم.
ضحايا الجرائم ضد الإنسانية:
يضع التقرير ضحايا تلك الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها تلك
الجماعات البربرية ضمن تسع مجموعات هم (الشيعة والأكراد والمسيحيين
والسياسيين العراقيين والدبلوماسيين الأجانب والعاملين المدنيين في
أجهزة الأمن والصحافيين والتابعين لهيئات الإغاثة الإنسانية الدولية
والمثقفين والعاملين الأجانب وأخيرا الهجمات المتكررة على النساء
العراقيات).
أما عن أعداد القتلى فيرصد التقرير الصعوبة البالغة والظروف التي
تعوق إمكانية حصر أعداد القتلى بصورة صحيحة ودقيقة إلا أنه يسجل على
سبيل المثال سقوط مئات القتلى في الهجمات التي تعرض لها الشيعة عندما
قامت تلك المجموعات باستهداف الأماكن والمناسبات الشيعية في النجف
وكربلاء كما لاحظ سقوط عشرات القتلى في الهجمات التي استهدفت الأكراد
كما سجل التقرير لجوء آلاف المسيحيين لترك مناطقهم والتوجه إما إلى
الشمال الكردي الأكثر أمنا أو اللجوء إلى الهجرة خارج العراق.
من يقوم بهذه الأعمال؟؟
يلقي التقرير بالمسئولية عن هذه الأعمال الإجرامية على ما يسمى
بمجموعات التمرد التي تتكون في أغلبها من (السنة العرب).
الاعتداء على المسيحيين العراقيين
يذكر التقرير أن عشرات الآلاف من المسيحيين قد اضطروا إلى الفرار من
مساكنهم إما إلى الشمال الكردي الأكثر أمنا واستقرارا أو إلى سوريا
والأردن خوفا على حياتهم من التهديدات المتواصلة الموجهة ضدهم وحوادث
الخطف التي وقعت لهم بالفعل ناهيك عن حالات القتل كما تعرضت خمس كنائس
عراقية لعدة اعتداءات بسيارات مفخخة يوم الأحد 1 أغسطس عام 2004 أربع
منها في بغداد والخامسة في الموصل.
الاعتداء على الشيعة.
تحدث التقرير عن العمليات الإرهابية التي استهدفت الشيعة ومن بينها
حادث تفجير السيد محمد باقر الحكيم يوم الجمعة 29 أغسطس عام 2003 نتيجة
انفجار سيارتين مفخختين تحويان 1550 رطلا من المتفجرات مما أودى بحياة
أكثر من 85 شخصا وإصابة العشرات في هذا العمل الإرهابي.
كما يتحدث التقرير عن استهداف جنازة أستاذ جامعي شيعي بتفجير
انتحاري أدى إلى مقتل قرابة الخمسين شخصا في قاعة العزاء الملحقة بمسجد
الصدرين بالموصل.
كما تحدث التقرير أيضا عن استهداف رجال الدين الشيعة مثل السيد قاسم
الغروي والسيد موفق الحسيني ومحمد طاهر العلاق.
وقد استمرت الهجمات على الأحياء الشيعية بلا انقطاع (وفق نص
التقرير) ضاربة الأسواق والمطاعم وفي كل هذه الحالات فالضحايا هم من
المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال والأرقام دوما بالعشرات.
الهجمات الغادرة
إنه العنوان الذي اختاره التقرير لوصف تلك الهجمات التي تشنها تلك
الجماعات الإرهابية سواء على القوات النظامية العراقية أو غيرها متسترة
في صورة المدنيين الأبرياء مما يجعل مهمة هذه القوات في التمييز بين
المدنيين الأبرياء وتلك الجماعات المقاتلة أمرا صعبا ويجعل حياة
المدنيين عرضة للخطر والاستهداف ويعدد التقرير عدة عمليات تفجيرية تمت
تحت عنوان الغدر حسب وصف التقرير وهو وصف يستند إلى قانون الحروب
المتعارف عليه دوليا.
الهجمات على قوات الأمن وما ينجم عنها من
أضرار مدنية فادحة:
إنه نوع آخر من الانتهاكات التي اعتادت عليها تلك الجماعات والتي
تعد انتهاكا صارخا لقانون الحرب وهي تكشف عن استخفاف فاضح بأرواح البشر
ويدلل التقرير على هذا النوع من الانتهاك بحادث تفجير أربع سيارات
مفخخة يوم 21-4-2004 خارج إحدى مراكز الشرطة في مدينة البصرة مما أدى
لمقتل 59 مدنيا كان من بينهم ما لا يقل عن ستة عشر طفلا حيث اشتعلت
حافلة تقل 18 تلميذا كانوا في طريقهم إلى مدارسهم مما أدى إلى مصرع
العدد المشار إليه.
ويتحدث التقرير عن تفجير سيارتين مفخختين في حي العامل أثناء حفل
تدشين محطة للصرف الصحي كانت تشرف عليه القوات الأمريكية مما أدى إلى
قتل 41 شخصا من بينهم ثلاثون طفلا.
ويخلص التقرير في النهاية إلى أن من قاموا بهذه الأعمال يتحملون
المسئولية الجنائية عن أفعالهم وجرائمهم وفقا للقانون الذي جرت من
خلاله محاكمات نورمبرج لمجرمي الحرب النازيين.
هذه هي الحقيقة في مرارتها بعيدا عن تلك المماحكات التي لن تفيد
العرب في الخروج أزمتهم.
وإذا كان التقرير قد حدد بوضوح تلك الأطراف التي تتحمل مسئولية
جنائية عن أفعالها فإن هذا لا يلغي المسئولية السياسية ولا الأخلاقية
الملقاة على عاتق المجتمعات العربية والإسلامية في إدانة هذه الأعمال
البربرية ووصف مرتكبيها بما يسحقونه من صفات فضلا عن السعي لإحلال
السلام في العراق ووقف هذه المأساة. |