محاور حادة في هشيم الحدث اليومي

طالب الوحيلي

يدور الحديث كثيرا هذه الايام عن عدد من المحاور،تاخذ الحيز الاكبر من اهتمام المواطن العراقي الذي يبدو انه يشعر باكثر من احباط بسبب عدم تحقق ما كان يطمح اليه من الامن والامان وتوفير الخدمات الاساسية التي بات التفكير بها نوع من الترف ازاء ما يمكن ان يقذفه المجهول المرعب في ساحته المزدحمة بالصور والذكريات، وتلك هواجس مشروعة له مادام يشكل العنصر الفاعل والمحرك للعملية السياسية ولإرهاصات الفعل ورد الفعل الذي لم يخضع لقانون ثابت او لقاعدة منظمة باستثناء السير خلف أوامر المرجعية الدينية العليا التي تقف مترصدة وساعية الى امتصاص موجات الغضب الفطري مقابل سيول الدم التي تريقها اكف الارهاب المزدوج حيث لا ناصر او معين لمن وقع تحت رحمته الا الله.

هذه المحاور هي النشاط الحكومي والدستوري والخطط الأمنية والمصالحة الوطنية والهموم اليومية وتوفر الحظ في الإفلات من جريمة إرهابية، فليس مستبعدا على المواطن ان يتعرض الى تفجير في أي مكان من بغداد لاسيما المناطق الشعبية المكتضة بالسكان كمدينة الصدر او الكاظمية او الشعلة او بغداد الجديدة، او يفاجأ وهو خارج من منشاته بعد يوم عمل آملا في الوصول لعائلته ليستحيل ذلك الى اختطاف منظم وفي وضح النهار وبمشاركة قوة من الإرهابيين الملثمين، فمنشأة نصر للصناعات الهندسية تعد من اكبر منشآت التصنيع العسكري السابقة وهي تقع في الطريق الى التاجي حيث الطارمية والمشاهدة وما عرفت به تلك المناطق من استفحال لقوى الارهاب والتمرد على الدولة الجديدة ومواقفها التكفيرية الصريحة ضد اتباع اهل البيت عليهم السلام فيما استقطبت تلك المنشأة ابناء الفقراء من مدينة الصدر والشعلة والحرية والدجيل.

 وقد تعرضت خطوط النقل في الايام السابقة الى اكثر من تهديد بالقتل الامر الذي ادى الى اختطاف العديد من سائقي الحافلات العاملين على نقل الموظفين، وكان هاجس الخطر يحيط بهم، لكن كارثة الاسبوع الماضي كانت محل ذلك التوجس حين اجتاح اكثر من خمسين ارهابيا ملثما ثلاث حافلات وهي متجهة في الطريق الفرعي الرابط بين مدخل المنشأة والشارع العام، وعلى حد وصف بعض الناجين من ابناء مدينة الصدر،  ان الارهابيين قد امروهم بوضع ايديهم فوق رؤوسهم وان يطاطئوا الى الاسفل، وحين شعروا باتجاه سير حافلتهم تحت التهديد، تشابكوا مع المسلحين بالايدي مما اسفر عن ذلك اطلاق نار مكثف، استثمره اربعة منهم للافلات والعدو وقد تمكن سائق الحافلة الخلاص بدوره حيث لحق بهم حاملا معه جثتين لشهيدين وجريح آخر، وقد توجهوا الى القوات متعددة الجنسيات ليعلموهم بالامر حيث اخلو الجريح ونقلوا الشهيدين الى اهلهم.

 وقد تبين فيما بعد ان عدد المختطفين اكثر من ثمانين ومازال اهلهم ينتظرون العثور على جثامينهم حين يعلن بين حين وآخر عن العثور على جثث في النهر وفي اماكن اخرى يعرفها اهل الطارمية وقادة (المقاومة الشريفة) التي يدافع عنها بعض المشرعين العراقيين في برلماننا الجديد الذي مازلنا لانعرف من الحاكم فيه ومن المعارضين له وتلك اعجوبة من عجائب النظم الدستورية في العالم، فالفائز في الانتخابات (الاكثرية المطلقة) لم يستطيع فرض استحقاقه الانتخابي وتشكيل الحكومة التي ينبغي في كل دساتير الكون، شكلية كانت ام حقيقية، ان تشكل وان تطرح لنيل الثقة من البرلمان، فتكون محكومة ببرنامجها الانتخابي وبالسلطة التشريعية وبالرقابة البرلمانية والشعبية وبمحاسبة المعارضة البرلمانية تحت سياقات منطقية لاتحكمها المحاصصات والمجاملات والمزايدات ومحاولات لوي الأذرع من اجل الاستحواذ على المصالح الضيقة والنفع الشخصي او الطائفي والاثني، وكان هذه الاكثرية هي مجرد شعب مقهور ازليا ولا امل له في فرض ارادته وقول كلمته، وان المقابر الجماعية لم تخفي زهرات الملايين من شبابه وشيبه ونسائه واطفاله، وان نجاح الانتخابات والاستفتاء العام لم تكون مرهونة بجلده وصبره ودمائه، ليتحول فيما بعد الى مجرد نعوش تسير في الشوارع بانتظار لحظة الموت،فيما يتحول مجلس النواب الى ديوان للمساجلات الكلامية يقف فيه ممثلوا الاكثرية في خط الدفاع مقابل افتراءات البعض ومطالباته المستمرة في تسويغ الارهاب والدفاع عن عناصره ومعاقله وكشف الدور الحقيقي لهم من كونهم لايمثلون الشعب بالقدر الذي يحاولون فرض اجندة الارهاب وعقائد الاستبداد سياسيا من على منبر التشريع العراقي.

قبل اعلان تشكيل الحكومة وفي غمرة المحادثات والمفاوضات والمحاورات المستمرة للكتلة الاكبر المكلفة بتشكيل الحكومة دستوريا مع بقية الكتل من اجل صياغة وجه اخر للوحدة الوطنية عبر حكومة مشاركة تضم جميع الأطياف الممثلة للشعب، كان امل الشعب ان تسود حالة من الوفاق والوئام بين مكونات هذا الشعب من اجل نبذ العنف والفرقة مادامت الحكومة قد خرجت من رحم هذا الشعب، وكل ذلك باعتقاد ان القوى المشاركة في الحكومة قادرة عن إيقاف حد العمليات الإرهابية، وبالرغم من ان صحيفة الشرق الأوسط قد نشرت حوارا مع أحد قادة (المسلحين)وتصريحه لها بان العمليات المسلحة لن تتوقف حتى لو شارك العرب (السنة) في الحكومة، وذلك يعني بمفهوم آخر تحدي للقوى السياسية الفائزة بالانتخابات وللقوى التي أعلنت من نفسها ممثلا لذلك الفصيل.

 ومع ذلك أعلنت الحكومة بكل تفاؤل وقد باركها ابناء الأغلبية وقادتهم ورموزهم الدينية، لكن المجحف حقا أن الجرائم الإرهابية وأنشطتها قد زادت حدة وانتشارا وإصرارا على إجهاض كل ما تحقق من انتصارات، في الوقت الذي تغيرت تكتيكات الملف الأمني فاسحة المجال للإرهاب في أماكن كثيرة من بغداد وبقية المحافظات حيث عادة ظاهرة قطع الرؤوس والخطف والتمثيل بجثث المواطنين.

مع كل ما يجري تثور دعوات المصالحة الوطنية التي يقف المواطن امامها بذهول كبير، فنحن لانعلم ماهو مفهومها ومن هم اطرافها وما هو محلها؟!

فالشعب لم يكن يوما ما على خصام مع بعضه بالرغم من عقيدة النظام البائد الطائفية والشوفينية، وقد تحرر باجمعه من سلطة ذلك النظام المهينة، وكان ينبغي على الجميع ان يلعن ذلك الماضي ويتبرء من تركته بدل الحنين اليه كما يجري فعلا لدى ايتامه وبقاياه الذين هم محل المساءلة القضائية على ما اقترفوه من جرائم بحق المجتمع العراقي، لذا فان القانون لايجيز التنازل عن الحق العام او التصالح فيه مطلقا.

اما لوكانت المصالحة سياسية فقد فتحت القوى الوطنية والاسلامية الباب على مصراعيه لمشاركة  الجميع دون تمييز او تهميش لاحد، حتى بعد الاحتكام لصناديق الاقتراع.

فمن بقي اذا غير الذباحين والقتلة الذين استهدفوا الابرياء من سواد هذا الشعب ؟!ربما يسعى البعض الى تحويل موازين الواقع فيضع الضحايا امام قبول خيار المصالحة ماداموا لايستطيعون حماية انفسهم وذلك اسوء فهم لتاريخ ابن العراق وجهاده... 

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء  28/حزيران /2006 -/جمادي الاخرى/1427