محنة العمال الأسيويين: يكدون لبناء الإمارات مقابل عوائد هزيلة

جاء عامل البناء بي.لال الى مدينة دبي الثرية قبل أكثر من عام على أمل التخلص من الفقر المدقع الذي تعيشه أسرته في الهند.

غير انه يقول اليوم انه يريد الانتحار.

ويقول لال الذي لم يرغب في الافصاح عن اسمه بالكامل انه لم يحصل على راتبه لاكثر من ستة أشهر رغم أنه يعمل نوبتين في اليوم تحت اشعة شمس حارقة. ويضيف أنه قوبل بلا مبالاة عندما شكا الى صاحب العمل.

وقال بينما كان العرق يتصبب من حاجبيه "لا أحد يستمع الينا. وبالنسبة للعودة الى وطني فأنا لا املك أي أموال لزوجتي وأطفالي. بل اني لا املك مالا هنا. كيف يمكنني العودة الى بلدي وأريهم وجهي.. .لن أعود. سأموت هنا. سأقتل نفسي هنا."

ويشارك لال في محنته الكثيرون من بين مئات الالاف من العمال الاسيويين الذين يملأون تلك المدينة الشغوفة بالبناء ويأملون في حياة أفضل غير أنهم لا يجدون سوى عدم دفع رواتبهم وأحوال معيشية مزرية في بلد تتدفق عليه أموال النفط.

وعادة ما تنشر الصحف أنباء عن حوادث انتحار بين الرجال الذين يكدون في العمل لساعات طويلة تمتد احيانا خلال الليل مقابل راتب شهري يبلغ متوسطه نحو 100 دولار.

أما طرق دبي السريعة الواسعة والتي تصطف على جانبيها ناطحات السحاب البراقة والفنادق الفاخرة المطلة على الشاطيء ومراكز التسوق الحديثة التي تضج بالبضائع فهي عالم اخر بعيد عن مخيمات العمال المزدحمة التي يصفها العمال بأنها منازل.

وفي مارس اذار قام مئات العمال بأعمال شغب قرب موقع بناء برج دبي الذي يبنى بتكلفة مليار دولار ويوصف بانه سيكون أعلى برج في العالم للمطالبة برفع أجورهم ودفع مستحقات أوقات العمل الاضافية. وكانت أعمال الشغب تلك أحدث حلقة في سلسلة من الاحتجاجات خلال العام الماضي.

واتهمت جماعات حقوق الانسان حكومة الامارات العربية المتحدة بغض الطرف عن عدم دفع الاجور وضعف الرعاية الطبية والاسكان غير الملائم للعمال الذين يشكلون الركيزة الاساسية لاقتصاد كان ارتفاع أسعار النفط سببا في نشاطه.

ويشكل الاجانب بمن فيهم العمال والتنفيذيين من أصحاب الدخول المتوسطة والمرتفعة أكثر من 85 في المئة من سكان دبي المركز السياحي والتجاري للامارات البالغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين نسمة.

وقال هادي الجعمي المحلل في شؤون الشرق الاوسط وشمال أفريقيا لدى منظمة هيومان رايتس ووتش (مراقبة حقوق الانسان) ومقرها الولايات المتحدة انهم اكتشفوا ان هناك استغلال منتظم وشائع للعمال من جانب مشغليهم وأن هناك الكثير الذي يتعين على الحكومة فعله لمعالجة تلك المشكلة.

وأضاف ان احدى المشكلات الكبرى انه لا يوجد هناك حد أدنى للاجور في الامارات. وتابع أن الحكومة بحاجة أيضا الى تحميل الشركات مسؤولية أعمالها وان هناك حصانة من القانون حيث لا تعاقب الشركات على انتهاكها للقانون.

وأحيانا ما تقوم شركات البناء بخفض الانفاق خلال فترات ما بين المشروعات بمنعها دفع رواتب العمال الاجانب الضعاف الذيين يخشون الترحيل في حال الشكوى.

وحثت هيومان رايتس ووتش الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة على عدم توقيع اتفاقيات تجارة حرة مع الامارات الى أن توقف اساءة معاملة العمال الاجانب. وحثت الولايات المتحدة الامارات ودول خليجية أخرى على اصلاح القوانين الخاصة بحقوق العمال كي تكون مؤهلة لتوقيع معاهدة تجارة حرة مقترحة.

ويدرك العميد سعيد مطر بن بليلة رئيس اللجنة الدائمة لشؤون العمال الجديدة التي أنشأتها حكومة دبي محنة العمال جيدا.

غير أنه ينحي بكثير من اللوم على العمال أنفسهم وعلى حكوماتهم التي لا تحمي مواطنيها من المحتالين الذين يجندونهم للعمل. وتوظف الشركات في دبي وكالات في اسيا للبحث عن عمال ويقول كثير من الرجال انهم يدفعون الاف الدولارات لضمان الحصول على وظائف.

وقال بن بليلة ان شركات توظيف العمالة التي تحصل على مقابل مالي ضخم قد مصت بالفعل دماء معظم العمال الذين يأتون الى هنا وأنهم لذلك يأتون الى الامارات مثقلين بديون كبيرة.

واعتبر ان هذا ليس خطأ حكومة الامارات أو صاحب العمل وأن المشكلة تكمن في الحكومات الاسيوية والعمال أنفسهم وأنه يتعين عليهم التعامل مع هؤلاء الوسطاء الذين يشبهون المافيا.

وقال بن بليلة ان الامارات العربية منحت العمال الاجانب فرصة ذهبية لتحسين حياتهم.

وأوضح أن حكومة الامارات تعلم كيف يعيش هؤلاء العمال في أوطانهم حيث لا يمتلكون منازل ولكنهم في الامارات يحصلون على غرفة وتكييف هواء ومطبخ وثلاث وجبات نظيفة في اليوم ووسائل نقل وراتب أفضل بعشر مرات مما قد يحصلون عليه في بلدانهم.

غير أن ظروف الحياة العصيبة في الوطن بالنسبة للال ولعمال اخرين قد تكون أفضل حالا مما يوصف بحلم دبي.

وقال لال "هناك بطالة وفقر في الهند.. والوضع هنا نفسه تماما. أتيت الى هنا من أجل الثروة ولتحسين تعليم وحياة أطفالي.. ولكني في النهاية لا أملك شيئا."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد   25/حزيران /2006 -27  /جمادي الاول/1427