عسكرة العراق ادت إنتشار الأسلحة.. ظاهرة تساعد في نشر العنف والاحتراب الداخلي

كان حسام لم يتجاوز (14) عاما من عمره عندما دخل الى الفرقة الحزبية المجاورة لبيتهم مع حشود الناس عقب سقوط النظام السابق في العام2003، ولم يدر في ذهنه ان المسدسات الثلاثة التي اخذها من مشجب السلاح ستغير حياته مثل العشرات غيره الذين استولوا على الأسلحة المخزنة في بنايات الحزب والدولة.

لم يتمكن حسام من حمل المسدسات الثلاثة عند خروجه من الفرقة فسقط احدها وعندما حاول التقاطه صاح به احد المارة "اتركه وخذ هذا المبلغ."

وضع حسام (غنيمته) في البيت وعد المبلغ "..خمسون الف دينار.." ..لم يصدق وهو الذي كان بالكاد يحصل من اهله على (250) دينارا فقط.. دس المبلغ تحت سريره وعاد الى الفرقة ليأخذ بندقية وعددا من علب العتاد هي كل ماتبقى في المشجب بعد ان كثر الناهبون.

وبعد ذلك تغيرت حياة حسام،  وصار له عملاء يشترون منه ..وتعلم أن يسأل عن الأسعار قبل ان يبيع ..ومن ثم راح يشتري ويبيع ويتعرف على زملاء في المهنة التي انتشرت اسواقها العلنية في تلك الفترة، كما تعرف الى سياسيين واعضاء ميلشيات وعصابات، وتعلم كيف يخفي بضاعته من مفتشي الحكومة التي بدأت تتشكل لكن الحكومة لم تستطع منع حسام وزملاءه بالرغم من مرور ثلاثة اعوام على تلك الحادثة وتغير الحكومات..وصار لحسام اكثر من بيت وسيارة.

حسام وامثاله يعتقدون ان عملهم هو تجارة وكسب عيش ليس إلا،حيث يقول عامل حسين (25 عاما) أحد المتاجرين بالسلاح لـ (أصوات العراق) " لا أقصد من عملي في بيع وشراء السلاح والعتاد مساعدة الإرهابيين أو المسلحين،لأنني أتعامل مع قطع خفيفة وبالمفرد كما إنني أتعامل مع أشخاص يشترون السلاح كحماية شخصية لهم."

وعندما سألناه، لم لا يخشى المساءلة القانونية بسبب عمله هذا ؟ أجاب " لا يمكن للحكومة أن تسيطر على هذه التجارة لأن نسبة كبيرة من الشباب تعمل فيها و بكميات كبيرة وتدعم الإرهاب والميليشيات دون أن يكون هناك من يحاسبها. "

ورغم إن القانون يجيز الاتجار بالسلاح بعد الحصول على إجازة عمل إلا إنه يندر وجود من لديه إجازة عمل في تجارة السلاح من المتعاملين في هذا المجال.

ويرى بعض من إستطلعت (أصوات العراق) آراءهم أن سبب انتشار السلاح في العراق يعود إلى النهج العسكري الذي أتبعه النظام السابق حيث يقول المدرس رياض البكاء ( 63 عاما) "لقد حول نظام صدام الحياة في العراق إلى ما يشبه المعسكر،وكان يسمح لأعضاء حزب البعث المنحل بحمل السلاح ويقيم دورات صيفية لتدريب الطلاب على القتال واستخدام السلاح، وكان يروج لثقافة التسلح حتى أخذ صدام يظهر في بعض المهرجانات وهو يطلق النار من بندقيته ( البرنو ) التي يحملها بيد واحدة على سبيل الاعتزاز بقيمة السلاح."

ويرى محللون سياسيون رفضوا ذكر أسماءهم أن"انتشار السلاح وبكميات كبيرة قد يؤدي إلى حرب أهلية أو إلى ضغط من قبل الجماعات المسلحة للحصول على مكاسب سياسية.وهذا ينذر بعرقلة العملية السياسية في العراق."

ويضيف احد هؤلاء المحللين"أدت التحولات السياسية في العراق إلى آثار سلبية لهذه الممارسات على المجتمع العراقي،فمع ظهور الاصطفافات الطائفية والتصعيد الذي صاحبها خاصة بعد أحداث سامراء إرتفعت أسعار الأسلحة في مختلف مناطق العراق بسبب الإقبال الشديد على شرائها وذلك لوجود مخاوف من اندلاع فتنة طائفية أو صراع بين الأحزاب من أجل السيطرة على السلطة وقد وصل سعر إطلاقة البندقية (الرصاصة) إلى 450 ديناراً كما وصل سعر القنبلة اليدوية ( الرمانة) إلى 90 ألف دينار أي ما يعادل عشرة أضعاف سعرها السابق.ومع أن القانون العراقي لا يجيز حمل السلاح لمن هم دون سن الخامسة والعشرين إلا أن الملاحظ إن أفراد الميليشيات المسلحة تتراوح أعمار معظمهم بين 16 و 32 عاماً وهو ما يعد خرقاً صريحاً للقانون دون أن تتخذ الإجراءات القانونية بحقهم."

ومن جانبه،  قال أحد منتسبي قوات الحدود (رفض الكشف عن إسمه) "ضبطنا الكثير من الشاحنات التي تقوم بتهريب السلاح في حمولات الرمل والحصى التي تنقلها من المقالع المنتشرة في بادية كربلاء والنجف وغيرهما من المناطق في الصحراء الغربية،كما عثرنا على أعتدة وأسلحة مخبأة في عدد من المقالع (المحاجر)."

وكان لضبط هذه الكميات الكبيرة من الأسلحة من قبل القوات العراقية والقوات المتعددة الجنسيات الأثر الواضح في شحة الأسلحة بين المجاميع الإرهابية.كما ادى الانتشار المكثف للقوات العراقية ومنع انتقال السلاح بين المناطق الى ارتفاع أسعاره حيث بين (أ . ز ) وهو أحد تجار السلاح في النجف"لقد ارتفعت أسعار الأسلحة في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ فقد وصل سعر البندقية الكلاشنيكوف إلى 150 ألف دينار بعد أن كانت 30 ألف دينار أما القاذفة فأرتفع سعرها من 200 ألف دينار إلى 250 ألف دينار بعد أن كان سعرها 15 ألف دينار إلى 25 ألف دينار،ويتراوح سعر الـ ( بي كي سي ) بين المليونين وربع المليون إلى ثلاثة ملايين دينار إن وجدت."وتختلف هذه الأسعار من محافظة الى اخرى.

ويضيف إن"شحة الأسلحة وارتفاع أسعارها جعلت المسلحين يبحثون عن بدائل لتنفيذ عملياتهم،فالصاعق الذي يستخدم في تفجير أصابع الديناميت وصل سعره إلى خمسة آلاف دينار، فكان البديل استخدام أجزاء من الألعاب النارية التي يستخدمها الأطفال ليرتفع سعرها هي الأخرى، كما بدأوا إستخدام الأسلاك المعدنية الناعمة (السيم) الذي يستخدم لغسل الصحون في تصنيع العبوات الناسفة،  فارتفعت أسعاره.

ويقول المقدم فوزي محمد علي ( 33 عاما ) الضابط في الحرس الوطني"هناك تقارير تشير إلى ان انهيار النظام السابق أدى إلى نزول خمسة ملايين قطعة سلاح إلى الشوارع وهي متداولة بين الأهالي الآن ولعدم اتخاذ الحكومة موقفا صارما لاستردادها فان الاحتمالات تشير إلى بقائها في الشارع لمدة عشر سنوات أخرى حيث تنتهي بعوامل الاستهلاك والاستخدام وغيرها."

وإنتشار الأسلحة أثر ايضا على اهتمامات الأطفال والعابهم حيث يقول السيد كريم حميد المهنا ( 30 عاما) صاحب محل ألعاب " لقد امتدت ثقافة التسليح والحروب إلى ألعاب الأطفال أيضاً، فقد أصبح اهتمام الطفل في العراق هو الأسلحة القتالية مثل المسدسات والسيوف والرشاشات نتيجة ما يرونه من عنف يومي على شاشات التلفزة وفي الحياة اليومية حيث أصبح الطفل متعلقا بهذه الألعاب ليترك الألعاب الفكرية والتعليمية."

ويضيف المهنا"وما يشجعهم على ذلك هم التجار الساعون للربح فعند ملاحظتهم الإقبال الشديد على هذه الألعاب،  أصبحوا يستوردونها وبكميات كبيرة جدا."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد   25/حزيران /2006 -27  /جمادي الاول/1427