العنف السعيد

محمد العرادي

 يعرف العنف بأنه إيذاء باليد أو باللسان، أو بالفعل أو بالكلمة في الحقل التصادمي مع الأخر، ولا فرق في ذلك بين أن يكون فعل العنف والإيذاء على المستوى الفردي، أو المستوى الجماعي، فلا يخرج في كلتا الحالتين من ممارسة الإيذاء سواء باللسان أو اليد..

فالعنف ظاهرة فردية أو مجتمعية، تختلف دوافعها من شخص لآخر ومن مجتمع لآخر، فقد تكون لها دوافع شخصية أو سياسية أو اقتصادية، فهي متعددة الأسباب والجوانب، ولقد انتشر في الأونه الأخيرة وخاصة في المجتمع الغربي مصطلح غريب، وظاهرة عنفيه جديدة لتضاف لرصيد العنف، الذي يعيشه العلم بأسره من حروب واستعمار مبطن، ودمار شامل وأسلحة فتاكة، وتشريد ومجاعة وإرهاب مقيت.

والغريب في الأمر ان هذه الظاهرة العنيفة المتفرعة من العنف، تتكون من كلمتين متناقضتين، فقد أطلق عليها ((العنف السعيد)) وكيف يكون سعيداً وهو لا يولد إلا الألم والحزن إنها فعلا ظاهرة تدعو للبحث والتأمل !!!

وربما تعدت هذه التسمية لتتعمق في أصلها ومحتواها ويصبح أسمها (القتل السعيد) لتصل بذلك لمستوى من الإجرامية لا مثيل لها ؟؟

وتتلخص هذه الظاهرة العنيفة في قيام بعض الشباب المراهقين، بإيقاف المارة في الشوارع العامة، ليقوموا ضدهم بالإيذاء والعنف عبر الركل والرفس والصفع ليتركوا ضحاياهم خائرة القوى، لا تملك المقدرة على القيام بالرد والدفاع عن النفس والملاحظ ان هذا النوع من العنف الجديد،لا يقوم به شخص واحد ليدخل على اثر ذلك في سياق العنف الجماعي، فلا يكتفي المجرم بضرب ضحيته وإنما يقوم بتصويرها عبر جهاز تلفوني مزود بكاميرا ليحول تلك اللقطات فيما بعد لصور انترنتيه، ليشاهدها محبوا العنف وإراقة الدماء البريئة !!

وفي جانب آخر يلحظ على هذه الظاهرة بأن غاياتها ليست السرقة والنهب، فكل القضايا المسجلة لم يكشف فيها الضحايا بأنهم سرقوا من قبل الجاني، وهذا يدل على أن الجاني أراد أن يجترح العنف من أجل العنف فقط، ومن أجل أن يشبع غريزته النهمة لحب الإعتداء والعنف..

وقد يتسأل القارئ التي صدمته مثل هذه الأعمال البعيدة عن الدين والإنسانية، عن الانتماءات الفكرية والعقائدية لمنتهجي هذا السلوك المنحرف والشاذ..

والمتتبع لتاريخ الأديان وتعاليمها، يصل لنتيجة مفادها ان الأديان لا تأمر بالعنف ولا تحبذه، فلو تتبعنا الاتجاهات الإسلامية والنظرة إلى العنف، فإننا نرى بأن الإسلام ينبذ العنف ويحاسب عليه ويدعو إلى اللاعنف في القول والعمل.

وقد جاءت آيات القرآن الكريم واضحة لا لبس فيها فهي تدعو في طرحها للسلم واللاعنف قال تعالى ((أدخلوا في السلم كافة)) وكيف لا والإسلام مشتق من السلم والسلام والقرآن الكريم يأمر بالرفق والمداراة، والإسلام ينظر إلى الإنسان نظرة اعتبارية لا دونية ((ولقد كرمنا بني آدم))..

ولو انتقلنا للديانات الأخرى ونظرتها إلى العنف، وليكن مثالنا الديانة المسيحية فهي لا تدعو إلى العنف في منهجيتها وتنبذه ((لا تقتل لا تزن لا تسرق لا تشهد بالزور أكرم أباك وأمك وأحب قريبك كنفسك)).

ولكي يكتمل نسق الديانات الرئيسة في العالم، نتعرض أيضا للديانة اليهودية ونظرتها للعنف من زاويتها الإيديولوجية، فاليهودية (الموسوية) أي المستمدة تعاليمها من النبي موسى عليه السلام، تدعو إلى الوصايا العشر المنفرة من ارتكاب العنف والقتل والسرقة والكذب والحسد.

وعلى هذا النسق فانه لم تدعو ديانة من الديانات في العالم إلى العنف، فإضافة للديانات الثلاث هناك الديانات الأخرى مثل الهندوسية والكونفوشيوسية ووصايا بوذا الخمسة، وما ذكرنا لهذه الديانات الا للإشارة بأنه ليس هناك من يدعو للعنف في الأيديولوجيات الدينية، بغض النظر عن صحتها أو عدمها فهم يشتركون في النظرة لأنسنة الإنسان والاهتمام به فكرا وجسداً وروحاً.

ولنعود عودا على بدا لنرى انتماءات هؤلاء المنحرفين عن كل الديانات،ونشير بشكل مختصر عمن يقف وراء خلفياتهم الإجرامية، واعتقد ان الأمر راجع للموروث الذهني الملوث بالفضائيات والأفلام الغربية التي تدعو من خلال طرحها أدلجة هؤلاء المراهقين، لصتبغوا بأفكارها الموجهة لتدمير طاقات الشباب كالشيطان تماما عندما يبث وساوسه في عقل صاحبه، فهي تبث العنف المنظم ليحاكيه المراهق ليكون نموذجاً يقتدي به، فالجاني يحاكي نموذج ذهني جاهز على منوال قاطع الطريق الأسطوري، بروكست الذي كان يخطف (الآخر) من قارعة الطريق، ويضعه فوق سرير (رمز للقالب الجاهز) فإذا كان المخطوف أطول من سريره ضغطه حتى يتناسب مع طوله وإذا كان أقصر منه مطه ليناسبه، وفي الحالتين، المخطوف ضحية مزدوجة.

alaradimohd@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت   24/حزيران /2006 -26  /جمادي الاول/1427