بدأ مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة الذي حظي بترحيب
باعتباره بداية جديدة في مسعي المنظمة الدولية لتعزيز الحريات الاساسية
أعماله يوم الاثنين تحت ضغوط لإظهار قدرته على العمل بشكل أفضل من
سابقه.
وكان كوفي عنان أمين عام الامم المتحدة بين عدد من الوزراء وكبار
المسؤولين الذين ألقوا كلمات في الجلسة الافتتاحية داعيا الى تجنب
تبادل الاتهامات والسعي لتسجيل نقاط سياسية وهو ما عرقل عمل لجنة الامم
المتحدة المنحلة.
وقال عنان "هذا المجلس يمثل فرصة عظيمة جديدة للامم المتحدة
وللانسانية لتجديد النضال من أجل حقوق الانسان. أناشدكم ألا تضيعوا
الفرصة."
واضاف "عيون العالم -وخاصة أولئك المحرومين من حقوقهم الانسانية
والمهددين والمنتهكة حقوقهم- يولون وجوههم شطر هذه القاعة وهذا
المجلس."
وخلافا للجنة التي كانت تتألف من 53 دولة ترشحها مجموعات اقليمية
فان أعضاء المجلس وعددهم 47 دولة تنتخبهم الجمعية العام للامم المتحدة
وهو تغيير يقول المؤيدون انه يزيد من صعوبة حصول منتهكي حقوق الانسان
على مقعد بالمجلس.
وبينما كان الاعلان العالمي لحقوق الانسان من أكبر نجاحات اللجنة
التي استمرت 60 عاما الا أن أكبر الانتقادات التي وجهت لها انه كان من
اليسير جدا لدول ذات سجل سيء في حقوق الانسان استغلال عضويتها في حماية
نفسها من المحاسبة.
وبينما فازت بعض الدول التي لديها سجل مثير للتساؤل مثل كوبا
والسعودية وروسيا والصين في الانتخابات وحصلت على مقاعد باللجنة
المنحلة فان دولا أخرى فشلت في ذلك أو لم تترشح من الاصل.
ولم تسع الولايات المتحدة التي تواجه انتقادات دولية لآدائها في
قضية المشتبه بضلوعهم في الارهاب للحصول على مقعد رغم انها لم تستبعد
الترشح مستقبلا. وقالت الولايات المتحدة ان التغيير الذي أدخل على
النظام القديم لايكفي.
ويتمثل أحد التغييرات الرئيسية التي أدخلت في خضوع اداء جميع أعضاء
المجلس في مجال حقوق الانسان للمراجعة بشكل دوري.
وقالت أورسولا بلاسنيك وزيرة خارجية النمسا متحدثة باسم الاتحاد
الاوروبي المؤلف من 25 دولة "يتعين علينا انتهاز هذه الفرصة التي لا
تتاح سوى مرة واحدة في العمر للتقدم خطوة كبرى للامام في مجال تحسين
نظام حقوق الانسان في الامم المتحدة."
وسعى عنان لتذكير الاعضاء بأن عليهم التزامات "باحترام حقوق الانسان
في الداخل وتعزيزها في الخارج" وقال انه يتعين أن يركز المجلس بشكل
متساو على جميع التهديدات التي تتعرض لها حقوق الانسان سواء كانت
أعمالا وحشية يرتكبها حكام مستبدون أو الجهل أو الجوع.
وقالت لويز اربور المفوضة السامية لحقوق الانسان "ضحايا انتهاكات
حقوق الانسان ... والاجيال القادمة سيحكمون علينا من خلال استعدادنا
وقدرتنا على عدم الركون الى العادة ومحاربة الجمود ورفض الاسلوب النفعي
واقتران الوعود بالافعال."
وأضافت ان الكلمات غالبا ما لا تقترن بالافعال وهذا أمر "لا يقل عن
كونه خداعا".
وسوف يستغرق الاعضاء معظم الجلسة الافتتاحية التي تستمر اسبوعين في
التخطيط للاعمال المستقبلية. وسوف يجتمع أعضاء المجلس ثلاث مرات على
الاقل سنويا بخلاف اللجنة التي كانت تعقد اجتماعا سنويا.
وأمام المجلس عام لاتخاذ ما يلزم من القرارات التنظيمية الاساسية
مثل كيفية تنفيذ عملية مراجعة النظراء المزمعة وما يتعين ادخاله من
تغييرات ان وجدت لنظام المحققين في التحقيقات الخاصة.
ويقول دبلوماسيون أوروبيون انه سيكون هناك مناقشات بشأن السودان
وميانمار وكوريا الشمالية رغم أنه لم يتقرر الشكل الذي ستتم به هذه
المناقشات وما اذا كانت هناك قرارات ستتخذ.
وربما تطرح أيضا قضية الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على
الارهاب والانتهاكات المزعومة في مراكز الاعتقال الامريكية.
وقالت دول اسلامية انها ستطلب مناقشة وضع الاراضي الخاضعة للاحتلال
العسكري الاسرائيلي. كما تريد ايضا مناقشة مسألة الدين في أعقاب موجة
السخط العارمة التي اثارها نشر رسوم مسيئة تصور النبي محمد العام
الماضي.
وسيكرس معظم دورة المجلس البالغ عدد أعضائه 47 دولة وتستمر اسبوعين
للتخطيط للاعمال المستقبلية غير أن رئيسه لويس الفونسو دي البا وهو
مكسيكي خصص وقتا لبحث أزمات حقوق الانسان الحالية في شتى أنحاء العالم.
وقال دبلوماسيون ونشطاء ان هذا سيكون اختبارا لما اذا كان المجلس
الجديد مستعدا للخروج من المناخ المسيس الذي يتسم بالمواجهة ويضع عادة
الدول المتقدمة ضد الدول النامية مما أعاق عمل المفوضية.
وقالت بيجي هيكس من منظمة مراقبة حقوق الانسان (هيومان رايتس ووتش)
ومقرها الولايات المتحدة "يجب أن يتجاوز مجلس حقوق الانسان الجديد مجرد
كونه اسما اخر للمفوضية القديمة غير المفيدة."
وأضافت في بيان "على الاعضاء الجدد...التوصل الى سبل جديدة اكثر
فاعلية لمساعدة ضحايا انتهاكات حقوق الانسان في شتى أنحاء العالم."
لكن مولد المجلس الذي تقدم مجموعة من الاصلاحات تجريها منظمة الامم
المتحدة كان عسيرا حيث أحجمت الولايات المتحدة عن التقدم لعضويته قائلة
ان التغييرات التي أدخلت على المفوضية القديمة ليست بالعمق الكافي.
وخلافا للمفوضية التي تنتخب تكتلات اقليمية أعضاءها وكان عددهم 53
فان من يريدون عضوية المجلس يجب أن يحصلوا على أغلبية بالجمعية العامة
للامم المتحدة.
وساندت واشنطن دعوة عنان الاولى بمنح عضوية المجلس بأغلبية الثلثين
وقالت ان هذا سيساعد في ابعاد مرتكبي الانتهاكات الذين استطاعوا توحيد
جهودهم داخل المفوضية المنحلة لعرقلة اجراءات فعالة ضد الانتهاكات.
لكن نشطاء في مجال حقوق الانسان قالوا انه في ظل عاصفة الانتقادات
الدولية الموجهة لمعتقل جوانتانامو الحربي الامريكي ومراكز الاعتقال
الاخرى التي تديرها الولايات المتحدة فضلا عن سجون سرية مزعومة كان من
المستبعد انتخاب واشنطن لعضوية المجلس الجديد.
ومن بين التغييرات الهامة الاخرى ستتم مراجعة سجلات جميع الاعضاء في
مجال حقوق الانسان بشكل دوري. وستكون مهمة المجلس تحديد كيفية القيام
بذلك.
وفي الوقت الذي انتخبت فيه بعض الدول التي أثارت سجلات حقوق الانسان
بها تساؤلات مثل كوبا والمملكة العربية السعودية وروسيا والصين فان
دولا أخرى لم تنتخب او حتى لم تتقدم لعضوية المجلس.
ولم تستبعد واشنطن احتمال ترشيح نفسها في المستقبل وكانت نشطة خلال
الاعمال التحضيرية. ويلقي مندوب الولايات المتحدة بمقر الامم المتحدة
في جنيف كلمة امام المجلس يوم الاربعاء.
وأوضحت منظمة المؤتمر الاسلامي أنه يجب مناقشة الوضع في الاراضي
الخاضعة للاحتلال العسكري الاسرائيلي.
كما تريد ايضا مناقشة قضية احترام الاديان بعد الغضب الذي ثار بسبب
نشر بعض الدول الغربية اواخر العام الماضي رسوما كاريكاتيرية تسيء
للنبي محمد.
وحذرت دول اوروبية من أنها لن تسمح بأن تخص اسرائيل بالذكر
لتوبيخها. وتقول تلك الدول ان ادانة اسرائيل الروتينية في قرارات تتكرر
عاما بعد عام ترمز الى عقم المفوضية القديمة لدى كثيرين.
ويقول دبلوماسيون اوروبيون انه بالتأكيد ستدور مناقشات حول السودان
وميانمار وكوريا الشمالية غير أنه لم يتحدد بعد الاطار الذي ستجري فيه
وان كان المجلس سيصدر قرارات بصددها.
لكن الصين التي واجهت محاولات لتوبيخها بشأن اتهامات بقمع أقليات
دينية وعرقية حذرت من العودة الى توجيه أصابع الاتهام كما كان الحال في
الماضي.
بدوره قال كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة في الجلسة
الافتتاحية للمجلس الجديد لحقوق الانسان التابع للمنظمة الدولية يوم
الاثنين ان مجلس حقوق الانسان يجب ان ينسلخ عن الماضي.
وكان عنان من المحركين الرئيسيين وراء حل واستبدال مفوضية حقوق
الانسان الهيئة السابقة التابعة للامم المتحدة المعنية بحقوق الانسان
والتي تعطلت فيها المناقشات والاجراءات بسبب مواجهات بين الدول
المتقدمة والدول النامية. |