التهجير القسري في العراق: الهجرة من الوطن الى الوطن

خاص بالنبأ /شذى الشبيبي

* التهجير القسري أجبر مئات العوائل على ترك منازلها

 * مهجر مصاب بعبوة ناسفة: رغم ان عظام العراقيين تنتشر في كل مكان لكني بحاجة لزرع عظم في فخذ ساقي الايسر

 * أمهلونا اربع وعشرين ساعة فقط وبعدها الذبح لكل افراد العائلة

 

دخلت قاموس الشارع العراقي مصطلحات كثيرة وصار يتداولها الصغير والكبير بعد سقوط النظام، بدءا من حقوق الانسان والمجتمع المدني، والسجناء الاحرار مرورا بالانفجار والمفخخة والعبوة والحزام الناسف والاختطاف واشكال الموت المقنع والمكشوف..

 واحدث ما غزا الشارع هو مصطلح المهجرين والهجرة القسرية والنازحين من المناطق الساخنة وغالبا ما يرد في نشرات الاخبار المحلية تقارير خاصة بهذه الشريحة من ابناء الوطن تثير المشاعر وتقلق الرؤوس لبعض الوقت حيث سرعان ما تزول هذه الاعراض مع ما تعرضه الفضائيات من وسائل تنفيس وترفيه للمتابعين.

مدينة الحسين(ع) كربلاء كانت الاولى في احتواء الكم الاكبر من هؤلاء الناس النازحين من الوطن والى الوطن. وفي محاولة لدراسة هذه الحالة المأساة اتجهت مع زميل لي بداية الى مدينة الالعاب في منطقة الحر- كربلاء- والتي هجرت هي الاخرى لتعرضها للنهب والتخريب وفترة السقوط وما بعده، لنلتقي مجموعة العوائل المقيمة هناك في مخيم نصبت في العراء تحت خيمة الواحد القهار.

 في بادئ الامر ترددنا لان الدخول الى اماكن كهذه قد يتطلب اجراءات معينة اوقد لا يسمح لنا بالدخول نهائيا ولكن حالما اقتربنا من المكان تبدد ذلك الشعور، وقد تعمدنا ان يكون الوقت بعد الغروب، حيث تفاجئنا بعدم وجود الاسلاك الشائكة المتوفرة والمنتشرة (بنجاح ساحق) في عراق ما بعد السقوط، فالمكان المظلم وقتها كان مفتوحا من جميع الجهات وبدون اية حماية استقبلنا اطفال المخيم بوجوه مغبرة وشعر اشعث وابتسامات بريئة معذبة؟

في حين دخلت احدى النساء خيمتها مسرعة لترتيب وضعها كي تليق بصاحبة الجلالة (الصحافة) وكان اللقاء الثاني مع بعض المتواجدين:

- محمد عبد الهادي (نازح من المحمودية) مواليد 1973 متزوج كان يعمل سائقا قبل تعرضه لاصابة من قبل الامريكان حيث يقول: قبل عام خرجت بعد العشاء مع صديق لي بغرض شراء بعض الحاجيات، ففوجئنا برمي عشوائي من قبل الامريكان مما ادى الى مقتل صديقي(عدي حسين مخليف) وفقدان عيني واصابتي بجرح بليغ في راسي، اودعت بعدها السجن لسنة كاملة ولا زلت اجهل ذنبي وسبب ذلك لحد الآن.

اما اخوه احمد عبد الهادي، الكاسب المتزوج ايضا فيقول: غادرت المحمودية مع بقية اخوتي واهلي على اثر التهديدات المكتوبة والتبليغ المباشر وجها لوجه ليس لديه اولاد لكن زوجته تقوم برعاية طفلة لا تتجاوز السنتين هي ابنة اخيه (المخطوف) هيثم عبد الهادي والذي تم اختطافه منذ شهر اذار الماضي ولا يزال مصيره مجهول، في حين تخلت الام عنها مخافة ملاقاة نفس المصير.

- ام احمد نزحت من المحمودية ايضا مع افراد عائلتها المكونة من(14) فردا تعاني من انقطاعها عن العلاج بسبب الوضع المادي لانها مصابة بذبحة في القلب وكذلك تشكو من صعوبة الظروف التي تعيشها مع بقية نساء المخيم والتي لا يرضاها الدين ولا الانسانية ولكنهم مجبرين على تحمل ذلك حيث تقول:

في بداية قدومنا الى مدينة ابي الشهداء(ع) استلمنا مساعدات من (منظمة انسانية) وتشمل اغطية ومفارش وبعض الحاجيات الضرورية ومواد غذائية.. وقد قام مكتب الشهيد الصدر مشكورا بتقديم بعض التسهيلات ضمن الامكانيات المحدودة وبهمة الرجال الطيبين قاموا بانشاء مرافق صحية بسيطة خاصة للنساء وتوفير الثلج للعوائل، اما الحمام فمشترك للجميع وهذه محنة!!

عباس رحيم السيلاوي – نزح عائلته من منطقة الزعفرانية في بغداد بعد تهديده بالقتل، تعرض منذ فترة لاجراء عملية ولا زال محتاجا للعلاج تقول زوجته ام كرار قتل جارنا امام اعيننا وهدودنا بان لنا نفس المصير مع اطفالنا الثلاث. سألت ام كرار عن المساعدات التي تلقوها من الجهات المسؤولة كمؤسسات حكومية او منظمات انسانية اجابت: انها لم تر غير جارتها في الخيمة المجاورة استقبلتها بحفاوة وقدمت لها موقد (نفطي)(جوله) مع بعض الاغطية والمواد الغذائية وبما انهم حديثي عهد بسكن الخيام فانهم يواجهون صعوبة في اوقات الليل... حيث تقول: الشعور بانك تنام في الشارع مر للغاية، ومع ذلك فالحمد لله لاننا نجونا بارواحنا وغادرنا المكان في(الوقت الضائع) فقد عرفنا فيما بعد بان جارنا الآخر قتل لنفس الاسباب وكان اسم زوجي هو التالي.

- كان السيد م.م.أ حالة خاصة تتكون عائلته من(12) فرد وله زوجتان، موظف في دائرة السياحة(بغداد) حيث تسرب اولاده من المدارس بسبب نزوحهم ما عدا البنت الصغرى ادت امتحانات نهاية السنة لانها في الصف الاول الابتدائي وقد ترك العمل قبل عام على اثر تعرضه لانفجار عبوة ناسفة ادى الى اصابة ساقه اليمنى اصابة خطيرة وهي(تهشيم عظم الفخذ) بشكل كامل يقول م.م.أ: اجريت عدة عمليات ولا زلت يحدوني الامل بالشفاء لعل وعسى استطيع التحرك وممارسة عملي لاعالة هذا الجمع العائلي الكبير ويستطرد: ارهقتنا مصاريف العمليات، فقد اقترح علي الاطباء زرع عظم وهذا مكلف رغم ان العظام البشرية في العراق منتشرة في الازقة مجانا (يقولها بدعابة) ولكني احتاج هذا العظم.

سبب رحيلهم من بغداد- الدورة- هو التهديد الجماعي لكل سكان المنطقة حيث يقول: تسلمنا رسالة شديدة اللهجة تختلف عن كل ماهو مكتوب حيث تم اختطاف سائق حكومي وبعد تعرضه للتعذيب البشع حمل رسالة من المختطفين الى اهالي المنطقة تنذرهم بالاخلاء، وقد اعذر من انذر!!

 وقد حملنا السيد م.م.أ امانة ورجاء لذوي المروءة والنخوة العراقية من الشخصيات ومنظمات للنظر وضعه ومساعدته لاجراء العملية لانها الامل الوحيد لعائلته التي لا تملك معيلا غيره وحرصا على ابنائه من الضياع في دهاليز الاسترزاق المبكر.

وقد تقدم نزلاء المخيم بجملة شكاوى آملين من (صاحبة الجلالة/ او السلطة الرابعة كما يقول البعض) ايصالها الى من يهمه الامر اولها اسعافهم بسور(سياج) للمنطقة يحمي عوائلهم من الدخلاء ان كانوا بشرا او حتى حيوانات، خاصة وان الشعور بأنهم مستهدفين امنيا لا زال يراودهم وكذلك عدم امتلاكهم لأي سلاح حماية لأعراضهم لانهم يعتمدون على الكهرباء الوطنية فقط وهي شحيحة كما تعرف.

وأخيرا واهم مطلب هو انقاذهم من سيف التشرد المشهر في وجوههم ومن حالة الاغتراب في حصن الوطن الام.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد   18/حزيران /2006 -20  /جمادي الاول/1427